جلسة 13 من إبريل سنة 1974
برئاسة السيد الأستاذ المستشار علي محسن مصطفى - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة ومحمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية ومحمد نور الدين العقاد - المستشارين.
-------------------
(105)
القضية رقم 1117 لسنة 19 القضائية
(أ) عاملون بالقطاع العام - "تأديب" المحكمة الإدارية العليا "اختصاص" "محاكم تأديبية" الطعن في أحكامها.
قانون العاملين بالقطاع العام رقم 61 لسنة 1971 - قصره الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا على بعض أحكام المحاكم التأديبية دون غيرها - قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 - إعادة تنظيم المحاكم التأديبية - إجازة الطعن في أحكام المحاكم التأديبية على إطلاقها - هذا التنظيم ألغى ضمناً التنظيم السابق الذي قصر الطعن على بعض الأحكام - بيان ذلك.
(ب) عاملون بالقطاع العام "تأديب" - محاكم تأديبية
- قرارات رئيس المحكمة التأديبية بالوقف عن العمل أو غير الوقف عن العمل - قرارات قضائية وليست ولائية - جواز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا - أساس ذلك.
----------------
1 - إن القانون رقم 19 لسنة 1959 في شأن سريان قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة، قد وضع النظام التأديبي للعاملين بهذه الجهات، ومن ذلك أن قضى بمحاكمتهم أمام المحاكم التأديبية المنصوص عليها في القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية وأحال في ذلك إلى أحكام الباب الثالث من هذا القانون، وهي الأحكام التي تبين تشكيل وترتيب المحاكم التأديبية، وتحدد اختصاصها، وتعيد طريق الطعن فيها وإجراءاته وأحواله، حيث تنص المادة 32 منه على أن "أحكام المحاكم التأديبية نهائية، ولا يجوز الطعن فيها إلا أمام المحكمة الإدارية العليا، ويرفع الطعن وفقاً لأحكام المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة. ويعتبر من ذوي الشأن في حكم المادة المذكورة رئيس ديوان المحاسبة ومدير عام النيابة الإدارية والموظف الصادر ضده الحكم". وقد صدر بعد ذلك القانون رقم 61 لسنة 1971 بنظام العاملين بالقطاع العام، وتضمنت المادة 49 من هذا النظام أحكاماً عدلت بعض قواعد التأديب الواردة بالقانون رقم 19 لسنة 1959 المشار إليه، فقد وسعت من اختصاص السلطات الرئاسية بتوقيع الجزاءات التأديبية بينما ضيقت اختصاص المحاكم التأديبية في هذا المجال، كما أسندت إلى هذه المحاكم ولاية الفصل في الطعون التي تصدر بتوقيع جزاءات تأديبية أو بالفصل في الطعون تكون نهائية، وبالنسبة إلى الأحكام التي تصدر بتوقيع عقوبة الفصل من الخدمة على العاملين شاغلي الوظائف من المستوى الثاني وما يعلوه فيجوز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان العامل بالحكم. ومؤدى ذلك أن نظام العاملين بالقطاع العام قد تناول بالتعديل اختصاص المحاكم التأديبية على النحو سالف البيان كما عدل قواعد الطعن في أحكام هذه المحاكم أمام المحكمة الإدارية العليا على خلاف ما يقضي به قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 وذلك بأن قصر الطعن على الأحكام التي تصدر بتوقيع جزاء الفصل على العاملين شاغلي الوظائف من المستوى الثاني وما يعلوه وألغاه فيما عدا ذلك، كما جعل ميعاد الطعن ثلاثين يوماً تحسب من تاريخ إعلان الحكم.
ومن حيث إنه إعمالاً لحكم المادة 172 من الدستور التي تنص على أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية، صدر قانون مجلس الدولة بالقانون رقم 47 لسنة 1972، وتناول في العديد من أحكامه شئون المحاكم التأديبية فقضى في المادة الثالثة منه بأنها فرع من القسم القضائي بمجلس الدولة، وعدل بالمادة السابعة تشكيلها بأن جعل جميع أعضائها من المستشارين أو الأعضاء الفنيين بالمجلس، وبسط في المادة 15 اختصاصاتها فأصبحت تشمل نظر الدعاوى التأديبية عن المخالفات الإدارية والمالية التي تقع من العاملين المدنيين بالجهاز الإداري للدولة، والعاملين بالهيئات والمؤسسات العامة وما يتبعها من وحدات، والعاملين بالشركات التي تضمن لها الحكومة حداً أدنى من الأرباح، وأعضاء مجالس إدارات التشكيلات النقابية، وأعضاء مجالس الإدارة المنتخبين، والعاملين بالجمعيات والهيئات الخاصة التي صدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية ممن تجاوز مرتباتهم خمسة عشر جنيهاً شهرياً كما يدخل في اختصاصها أيضاً الفصل في الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية، وفي الطعون في الجزاءات الموقعة على العاملين بالقطاع العام من السلطات الرئاسية. كما نصت المادة 22 منه على أن "أحكام المحاكم التأديبية نهائية، ويكون الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحوال المبينة في هذا القانون، ويعتبر من ذوي الشأن في الطعن الوزير المختص ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ومدير النيابة الإدارية". ونصت المادة 23 على أنه "يجوز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو من المحاكم التأديبية وذلك في الأحوال الآتية: (1)... (2)... (3)... ويكون لذوي الشأن ولرئيس هيئة مفوضي الدولة أن يطعن في تلك الأحكام خلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم.
ومن حيث إن الثابت من استقراء نصوص قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 وبخاصة نصوصه المتقدم ذكرها أن المشرع استهدف إعادة تنظيم المحاكم التأديبية تنظيماً كاملاً يتعارض مع الأسس التي قامت عليها التشريعات السابقة الصادرة في هذا الشأن ومن يبنها تلك التي تضمنها القانون رقم 61 لسنة 1971 بإصدار نظام العاملين بالقطاع العام، إذ نص قانون مجلس الدولة على اعتبار المحاكم المذكورة فرعاً من القسم القضائي بمجلس الدولة، وترتيباً على ذلك جعل جميع أعضائها من رجال مجلس الدولة، ومنحها اختصاصات جديدة لم تكن لها من قبل، فقد قضى بالنسبة للعاملين بالقطاع العام - على ما جرى به حكم المحكمة العليا في الطعن رقم 9 لسنة 2 القضائية (تنازع) الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1972 والذي تأخذ به هذه المحكمة - بأن ولاية المحاكم التأديبية تتناول فضلاً عن الدعوى التأديبية المبتدأة، الاختصاص بالفصل في الطعن في أي جزاء تأديبي صادر من السلطات الرئاسية وكذلك طلبات التعويض المترتبة على الجزاء، وغيرها من الطلبات المرتبطة بالطلب الأصلي الخاص بإلغاء الجزاء، وذلك كله بالمخالفة لما تقضى به المادة 49 من القانون رقم 61 لسنة 1971 سالف الذكر، ثم أردف قانون مجلس الدولة في المادتين 22 و23 منه أن أحكام المحاكم التأديبية على إطلاقها يجوز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا خلال ستين يوماً من تاريخ صدروها ومؤدى ذلك أن قانون مجلس الدولة الجديد قد تضمن تنظيماً خاصاً باختصاص المحاكم التأديبية في شأن تأديب العاملين بالقطاع العام، وبنظر الطعون المقدمة منهم في الجزاءات التأديبية التي توقعها السلطات الرئاسية عليهم، والفصل في الطلبات المرتبطة بهذه القرارات، وأجاز القانون الطعن في أحكام المحاكم التأديبية على إطلاقها أمام المحكمة الإدارية العليا دون ثمة تفرقة بين الأحكام الصادرة في شأن العاملين في الدولة أو في القطاع العام أو في غيرها، وهذا التنظيم الخاص يتعارض في أساسه - على ما سلف بيانه - مع الأحكام الخاصة التي أوردها القانون رقم 61 لسنة 1961 المتقدم ذكره تعارضاً من مقتضاه أن تصبح أحكام القانون المذكور المتعلقة باختصاص المحاكم التأديبية وبالطعن في أحكامها، ملغاة ضمناً بصدور قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، وإذ كان الأمر كذلك فإن الطعن في أحكام المحاكم التأديبية الذي كانت تحظره المادة 49 من القانون رقم 61 لسنة 1971 سالف الذكر يصبح جائزاً قانوناً طبقاً لأحكام قانون مجلس الدولة.
2 - إن المطعون ضده قد دفع بعدم جواز الطعن في القرار المطعون فيه أمام المحكمة الإدارية العليا مستنداً إلى أنه قرار ولائي وليس حكماً قضائياً، وأن الطعن أمام هذه المحكمة مقصور على الأحكام وحدها طبقاً للمادة 23 من قانون مجلس الدولة.
ومن حيث إن هيئة المفوضين أيضاً قد أثارت هذا الدفع وأسسته على أنه إذا كانت قرارات المحاكم التأديبية بالوقف عن العمل قابلة للطعن في ظل القانون السابق لمجلس الدولة، فإن مرد ذلك إلى أنها كانت تصدر من المحكمة بكامل هيئتها الأمر الذي كان يضفي على هذه القرارات الصفة القضائية فتعد بمثابة الأحكام التي يجوز الطعن فيها، أما وقد قضى قانون مجلس الدولة الحالي الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 في المادة 16 منه بإسناد الاختصاص بإصدار هذه القرارات إلى رئيس المحكمة التأديبية منفرداً، فإنها والحالة هذه تصبح قرارات ولائية فلا يجوز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة مستقر على اختصاصها بنظر الطعون في القرارات التي تصدرها المحاكم التأديبية في الطلبات الخاصة بمد الوقف احتياطياً عن العمل، وبصرف الجزء الموقوف من المرتب بسبب الوقف عن العمل، وذلك لأن هذه الطلبات إذ ترتبط بالدعوى التأديبية ارتباط الفرع بالأصل، فإن القرارات الصادرة فيها تكون قرارات قضائية لا ولائية - وتستمد المحكمة التأديبية اختصاص البت فيها من اختصاصها الأصيل بنظر الدعوى التأديبية، ولا يغير من هذا النظر أن المادة 16 من قانون مجلس الدولة الحالي قد أسندت اختصاص الفصل في تلك الطلبات إلى رئيس المحكمة التأديبية منفرداً، إذ أن الأمر لا يعدو أن يكون تعديلاً إجرائياً يستهدف التخفيف عن المحاكم التأديبية حتى لا يكون اختصاصها بذلك على حساب الإنجاز المطلوب للقضايا، وعلى ذلك يظل القرار الصادر من رئيس المحكمة في الخصوصية المذكورة قراراً قضائياً ويجوز الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا، ومن ثم يكون الدفع بعدم جواز الطعن غير قائم على سند صحيح من القانون خليقاً بالرفض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق