الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 6 أغسطس 2023

الطعن 546 لسنة 3 ق جلسة 8 / 11 / 1958 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 7 ص 62

جلسة 8 من نوفمبر سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

----------------

(7)

القضية رقم 546 لسنة 3 القضائية

قرار إداري بالتعيين 

- بيان حقيقة الوظيفة المراد التعيين فيها - وجوب تقصي قصد مصدر القرار في ضوء الظروف التي لابست إصداره, وحدود السلطة التي يملكها, وتوافر أو عدم توافر الشروط اللازمة لإصدار القرار على وجه معين - مثال بالنسبة لقرار نص فيه على تعيين عامل في وظيفة مبخر حال عدم توافر الشروط اللازمة للتعيين في هذه الوظيفة - وجوب حمل القرار على أنه خاص بالتعيين في وظيفة مساعد مبخر وبخاصة متى كانت الظروف التي أحاطت به تدل على اتجاه الإدارة إلى ذلك - تحول القرار الإداري.

----------------
إذا دفعت الجهة الإدارية بوقوع خطأ مادي في قرار التعيين, فإنه يتعين تقصي حقيقة قصد مصدر القرار واستنباط هذا القصد في الظروف التي لابست إصداره, وتبين حدود السلطة التي تملكها في هذا الشأن, وتوافر أو عدم الشروط اللازمة لإمكان إصدار القرار على وجه معين؛ ذلك أن القرار الإداري هو إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة. فإذا كان الثابت عن ميزانية مصلحة المعامل بوزارة الصحة العمومية أن عدد وظائف المبخرين المدرجة بها منذ مايو سنة 1949 هو أربع وظائف, وأن هذا الوظائف الأربع كانت مشغولة جميعها تعيين المدعي في أول نوفمبر سنة 1949 بعد فصله من وظيفة عامل عادي بمعمل المصل واللقاح, وأنه لم تنشأ بالميزانية المذكرة وظيفة لمبخر بإدماج وظيفتي عامل عادي, وأن هذا لم يكن خافياً على المصلحة وقت تعيينه, فإن تحقيق أثر قرار التعيين يكون غير ممكن قانوناً لو أنه قصد به وضعه في وظيفة مبخر, وهي وظيفة لم تكن خالية بالفعل ولم تكن أوضاع الميزانية لتسمح بتعيينه فيها وقتذاك وما كان التعيين فيها ليصادف محلاً لانشغال هذا المحل بسواه. ومما يؤيد اتجاه القصد إلى تعيين المدعي في وظيفة مساعد مبخر لا مبخر تحديد الأجر في قرار تعيينه بما يوازي أجر مساعد المبخر, وتواتر جانب من المكاتبات الخاصة به بعد ذلك بوضع مساعد مبخر, بل وإقراره هو بهذا الوصف في الطلب المقدم منه في 19 من فبراير سنة 1955, وما تقرره المصلحة من أنه منذ تعيينه في هذه الوظيفة لم يقم بعمل مبخر, ومنحه علاواته الدورية على أساس وظيفة مساعد مبخر. هذا إلى أن التعيين في وظيفة مبخر - وهي في وظائف الصناع أو العمال الفنيين التي لا تحتاج إلى دقة - يتطلب بحسب كادر العمال تأدية امتحان أمام لجنة فنية خاصة؛ إذ نص الكادر المذكور على أن "لا يعين عامل من الخارج إلا بعد اجتيازه امتحاناً أمام لجنة فنية يصدر بتشكيلها قرار من الوزير المختص, وتحدد هذه اللجنة وظيفته ودرجته, ولا يجوز أن يتقاضى أجراً عند تعيينه أزيد من أول مربوط الدرجة التي حددت له". فشرط التعيين - كما هو الحال في شأن المدعي بعد فصله من وظيفة عامل عادي - هو أداء امتحان أمام اللجنة الفنية المشار إليها, وهي التي يصدر بتشكيلها قرار من الوزير المختص, ولا تقوم مقامها أية هيئة أخرى, وحكمة ذلك ضمان الخبرة والتخصص في أعضائها, واتحاد معيار التقدير لديها بالنسبة إلى من يمتحنون أمامها كافة, والوثوق من الحيدة والبعد عن التأثر. وشرطه كذلك النجاح في هذا الامتحان نجاحاً تتضح منه صلاحية الصانع أو العامل للحرفة التي سيعين فيها, وتتحدد على أساسه وظيفته ودرجته حسبما تراه اللجنة, وبالتالي أجره الذي لا يجوز أن يزيد عند التعيين على أول مربوط الدرجة التي تثبت صلاحيته للتعيين فيها. وإذ كان الظاهر من الأوراق أن المدعي أدى امتحاناً محلياً لوظيفة عامل فني بالمعمل, وهو امتحان يختلف عن الامتحان المقرر لوظيفة مبخر لتباين طبيعة العمل في كل من الوظيفتين, وأنه لم يؤد هذا الامتحان أمام اللجنة الفنية المنصوص عليها في كادر العمال بل أمام ممتحن فرد, ولم يؤد امتحاناً ما لوظيفة مبخر بالذات, فإن هذا كله كاف لتأييد ما تذهب إليه المصلحة من أن المذكور إنما عين في وظيفة مساعد مبخر, وما كان في مقصودها أو في سلطتها ولا من الممكن قانوناً لما تقدم من أسباب تعيينه في وظيفة مبخر التي إنما ورد ذكرها في قرار تعيينه من قبيل التجوز وعدم الدقة في التعبير, وفي هذا حمل للقرار على محمل الصحة, فيتحول من قرار باطل لفقدانه شروط صحته ومخالفته للقانون في أحد الفرضين, إلى قرار صحيح مطابق للقانون في الفرض الآخر, ما دام يحتمل الصحة في تأويل له على وجه من الوجوه بما لا يعطل أثره كلية.


إجراءات الطعن

في يوم السبت 2 من مارس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 546 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف بجلسة 31 من ديسمبر سنة 1956 في الدعوى رقم 353 لسنة 2 القضائية "محاكم" المقامة من عبد الجواد علي محمد ضد وزارة الصحة العمومية وإدارة مصلحة المعامل, القاضي "بأحقية المدعي لأجر يومي قدره 200 م في الدرجة (200/ 360) من تاريخ تعيينه مبخر أوبئة في أول نوفمبر سنة 1949, وما يترتب على ذلك من آثار وفروق اعتباراً من 14 من فبراير سنة 1951, مع إلزام المدعى عليها المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة, ورفض ما عدا ذلك من طلبات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليه في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء باستحقاق المدعي لأجر يومي قدره 240 م في الدرجة (240/ 400) من بدء تعيينه, مع ما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الوزارة المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الصحة العمومية في 2 من أبريل سنة 1957, وإلى المطعون لصالحه في 14 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 11 من أكتوبر سنة 1958. وفي 2 من يوليه سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن, تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 353 لسنة 2 القضائية "محاكم" أمام المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون والبليدة والقروية والأوقاف ضد وزارة الصحة العمومية ومصلحة المعامل بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 21 من مايو سنة 1955 ذكر فيها أنه عين عاملاً عادياً على اعتماد الأوبئة في 4 من أكتوبر سنة 1942, وأدى امتحاناً فنياً في سنة 1948, وظل كذلك إلى أول نوفمبر سنة 1949 حيث فصل من الخدمة, وعين في اليوم ذاته في وظيفة مبخر أوبئة بأجر يومي قدره 150 م. ولما كان كتاب وزارة المالية رقم 234 - 9/ 53 الصادر في 26 من يونيه سنة 1948 يقضي بأن يكون تعيين العمال الجدد بعد 30 من أبريل سنة 1945 طبقاً لقواعد كشوف حرف "أ" المعمول بها من أول مايو سنة 1945, وكانت وظيفته التي عين فيها من أول نوفمبر سنة 1949 قد وردت بكشوف حرف "أ" الملحقة بكادر العمال في الدرجة (240/ 400 م) حسب مهنة العمال الفنيين الذين تحتاج أعمالهم إلى دقة, فإنه كان يتعين - والحالة هذه - منحة هذا الأجر اليومي لا 150 م؛ ومن ثم فإنه يطلب "الحكم بأحقية الطالب في أجر يومي قدره 240 م من تاريخ تعيينه في أول نوفمبر سنة 1949 للآن, مع ما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام المعلن إليهما بالمصاريف والأتعاب مع حفظ كافة الحقوق الأخرى". وقد ردت وزارة الصحة العمومية على هذه الدعوى بمذكراتها المؤرخة 26 من يونيه سنة 1955 و17 من ديسمبر سنة 1955 و7 من نوفمبر سنة 1956 بأن المدعي عين بوظيفة عامل عادي في 5 من أكتوبر سنة 1942 بأجر يومي قدره 50 م بمعمل المصل واللقاح, ثم فصل من الخدمة اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1949. وقد اشر السيد مدير المعمل على طلب له بتعيينه مبخراً (15 قرشاً), والمفهوم من تحديد أجره اليومي بخمسة عشر قرشاً, وهو الأجر المقرر لوظائف مساعدي المبخرين, أن المقصود بذلك إنما هو تعيينه في وظيفة مساعد مبخر؛ ذلك أنه كان معيناً في وظيفة عامل عادي المقرر لها في كادر العمال الدرجة (100/ 300 م), ولنقله من هذه الوظيفة يقتضى الأمر إما ترقيته بعد ست سنوات خدمة وإما فصله وتعيينه من جديد, والعامل العادي إما أن يرقى لوظيفة رئيس عمال في الدرجة (160/ 300 م) أو لوظيفة مساعد صانع في الدرجة (150/ 300 م ). ولترقية مساعد الصانع إلى وظيفة صانع يشترط اجتيازه امتحاناً أمام اللجنة الفنية وقضاؤه ست سنوات خدمة على الأقل في وظيفة مساعد صانع. ولذا كان يتعين نقل المدعي أولاً لوظيفة مساعد مبخر ثم ترقيته لوظيفة مبخر بعد ست سنوات وبعد اجتيازه امتحاناً أمام اللجنة الفنية, وإذا فرض أنه فصل من الخدمة وعين تعييناً جديداً من الخارج كصانع أو عامل فني فإن الأمر كان يقتضي اجتيازه امتحاناً أمام لجنة فنية, ويختلف الامتحان لوظيفة عامل فني تمام الاختلاف على الامتحان لوظيفة مبخر نظراً لاختلاف طبيعة عمل كل من الوظيفتين. وقد أدى المذكور في 17 من يناير سنة 1949 امتحاناً محلياً لوظيفة عامل فني بالمعمل "صحة" المقرر لها في كادر العمال الدرجة (200/ 360 م), وذلك لمجرد إعداده للترقية عند وجود وظائف خالية, ولم تكن هناك وظائف خالية وقت الامتحان لعمال فنيين بالمعمل, ووظائف المبخرين بميزانية مصلحة المعامل عددها أربع منذ أول مايو سنة 1949, وهذه الوظائف الأربع كانت مشغولة كلها وقت تعيينه في أول نوفمبر سنة 1949، ولا تزال هذه الوظائف الأربع بالميزانية هكذا حتى الآن. وغير ثابت بملف خدمة المدعي أنه أدى الامتحان اللازم للتعيين في وظيفة مبخر أمام اللجنة الفنية المنصوص عليها في كادر العمال, وجميع المكاتبات الخاصة به بعد تعيينه والموجودة بملف خدمته مذكور فيها أن وظيفته هي مساعد مبخر, بل إنه موجود بهذا الملف طلب مقدم منه في 19 من فبراير سنة 1955 يذكر فيه أنه رقي لوظيفة مساعد مبخر. هذا إلى أنه لا يقوم بعمل مبخر وأنه منح علاواته الدورية على أساس وظيفة مساعد مبخر؛ ومن ثم يتضح أن المقصود بقرار تعيينه إنما هو وضعه في وظيفة مساعد مبخر, وما جاء بهذا القرار لا يعدو أن يكون خطأ كتابياً مطبعياً لاستحالة تعيينه في وظيفة مبخر بسبب عدم وجود وظيفة من هذا القبيل خالية بميزانية المصلحة وقتذاك, وانشغال الوظائف الأربع المدرجة بالميزانية جميعها وعدم أدائه الامتحان الفني المقرر لوظيفة مبخر بالذات. ولما كان من غير المقبول أن يفيد المذكور من خطأ مادي وقع في قرار تعيينه لشغل مركز قانوني توحي كافة الظروف الملابسة بعدم أحقيته في شغله, فإن دعواه تكون فاقدة الأساس حقيقة بالرفض. وقد عقب المدعي على دفاع الوزارة بمذكرتين أصر فيهما على أنه عين اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1949 في وظيفة مبخر لا مساعد مبخر, وذلك بعد اجتيازه امتحاناً لهذه الوظيفة بنجاح, وأضاف أنه إذا كان قرار تعيينه قد صدر خطأ بالمخالفة لأحكام كادر العمال فإن مرور ستين يوماً عليه دون أن تسحبه جهة الإدارة يكسبه حصانة تعصمه من الإلغاء, فترتب عليه آثاره, ومنها استحقاقه أجر الوظيفة التي عين فيها. هذا إلى أن الوظيفة يعينها الامتحان والموافقة على شغلها, أما المرتب فيحدده كادر العمال, ولما كان يشغل وظيفة مبخر بالفعل فإنه يستحق الأجر المقرر لها طبقاً لكشوف حر ف "أ" التي هي أسخي له بحسب حالته؛ إذ أنها تعطيه الحق في التعيين في الدرجة (240/ 400 م ). وقد أودع السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه - للأسباب التي استند إليها - إلى أنه يرى " الحكم بأحقية المدعي لأجر يومي قدره 200 م في الدرجة (200/ 360 م) من تاريخ تعيينه مبخر أوبئة في أول نوفمبر سنة 1949, ورفض ما عدا ذلك من طلبات". وبجلسة 31 من ديسمبر سنة 1956 قضت المحكمة الإدارية "بأحقية المدعي لأجر يومي قدره 200 م في الدرجة (200/ 360 م) من تاريخ تعيينه مبخر أوبئة في أول نوفمبر سنة 1949, وما يترتب على ذلك من آثار وفروق اعتباراً من 14 من فبراير سنة 1951, مع إلزام المدعى عليها المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة, ورفضت ما عدا ذلك من طلبات". وأقامت قضاءها على أن المدعي عين مبخراً لا مساعد مبخر على الوظيفة التي أنشئت باعتماد الأوبئة بإدماج وظيفتي اثنين من العمال في 3 من نوفمبر سنة 1949, وأنه امتحن ونجح أمام الممتحن الذي عينته له الجهة الإدارية, وهو الدكتور الحكيم, الذي قرر أنه بامتحانه في معلومات عامل فني أدى الإجابات بنجاح, ولم يكن في مقدوره أن يمتنع عن الامتحان أو يكلف الجهة الإدارية تأليف اللجنة الفنية التي يمتحن أمامها, وامتحانه أمر لا شأن له به؛ لأن المصلحة اختارت الممتحن وهو لا يملك إجبارها على امتحانه أمام لجنة مختصة. وإذا كان من الواجب أن يكون الامتحان أمام اللجنة الفنية التي يصدر بتشكيلها قرار من الوزير, فإن أقصى ما يمكن أن يترتب على تخلف شرط أداء الامتحان أمامها هو فقدان قرار تعيين المدعي لشرط من شروط صحته وصدوره مخالفاً للقانون مما يستأهل معه الإلغاء أو السحب, وما دام لم يسحب في الميعاد القانوني وعدته ستون يوماً من تاريخ صدوره فإنه يصبح حصيناً من الإلغاء أو السحب ويجب أن تترتب عليه آثاره القانونية ومنها استحقاق المدعي لأجر الوظيفة التي عين عليها وهي وظيفة مبخر وذلك على أساس كشوف حرف "ب" الملحقة بكادر العمال والواجبة التطبيق الآن, وقد وردت مهنة مبخر أوبئته في الكشف رقم "4" في الفئة (200/ 360 م) بأجر يومي قدره 200 م؛ ومن ثم فإن طلبه أن يمنح أجراً يومياً قدره 240 م في الدرجة (240/ 400 م) يكون على غير أساس من القانون؛ إذ أنه لا يستحق سوى 200 م أجراً يومياً، ولا يجديه ما يذهب إليه من أن كشوف حرف ( أ ) هي الواجبة التطبيق في حقه لأنها هي الأسخى بالنسبة إليه؛ ذلك لأن مرد تطبيق الكشوف هو إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يونيه سنة 1950, وقد فتح الاعتماد الخاص بتطبيق القواعد التي تضمنها هذا القرار بالقانون رقم 28 لسنة 1951 اعتباراً من 14 من فبراير سنة 1951. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 2 من مارس سنة 1957 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء باستحقاق المدعي لأجر يومي قدره 240 م في الدرجة (240/ 400 م) من بدء تعيينه, مع ما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الوزارة المصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أنه لما كان المدعي قد عين بعد أول مايو سنة 1945 فإنه يخضع في تقدير أجره لكشوف حرف "أ"؛ ومن ثم فإنه ما كان يجوز أن يضار بتخفيض أجره هذا نتيجة لتطبيق كشوف حرف "ب" على العمال المعينين بعد أول مايو سنة 1945 بموجب قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يونيه سنة 1950 الذي استهدف رفع أجورهم لا خفضها؛ لأن في ذلك مساساً بمركزه الذي اكتسبه في هذا الشأن, بل فيه مجافاة لما تغياه القرار المذكور من تطبيق كشوف حرف "ب". وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون, ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إن تحديد ما إذا كان المدعي يستحق الأجر اليومي المقرر في كادر العمال لمن يشغل وظيفة مبخر طبقاً لكشوف حرف "ب" الملحقة بالكادر المذكور بناء على قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من يونيه سنة 1950 بوصفه معيناً بعد 30 من أبريل سنة 1945, على نحو ما قضى به الحكم المطعون فيه, أو يستحق أجره وفقاً للفئات الواردة بالكشوف حرف "أ" باعتباره قد كسب منها مركزاً قانونياً لا يجوز المساس به بالتخفيض, حسبما ذهب إليه تقرير طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة - إن تقرير أي هذه الكشوف هو الواجب التطبيق في حق المدعي رهين باستظهار حقيقة وضعه أولاً في المهنة المعين على درجتها وما إذا كان يشغل وظيفة مبخر أم مساعد مبخر.
ومن حيث إنه ولئن كان الأمر المكتبي رقم 160 الصادر في 3 من ديسمبر سنة 1949 قد قضى بتعيين المدعي (العامل العادي) بمعمل المصل واللقاح بوظيفة مبخر أوبئة بالمعمل على إحدى الوظائف المستجدة بأجر يومي قدره 150 م اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1949, إلا أنه لما كانت العبرة بالمعاني لا بظاهر اللفظ, وكان إعمال القرار الإداري في الحدود القانونية متى أمكن ذلك إبقاء على استقرار الأوضاع الإدارية خير من إبطاله, فإنه يتعين - إزاء دفع وزارة الصحة (مصلحة المعامل) بوقوع خطا مادي في قرار تعيين المدعي وقولها بأن المقصود كان هو وضعه في وظيفة مساعد مبخر - تقصي حقيقة قصد مصدر القرار, واستنباط هذا القصد من الظروف التي لابست إصداره, وتبين حدود السلطة التي يملكها في هذا الشأن, وتوافر أو عدم توافر الشروط اللازمة لإمكان إصدار القرار على وجه معين؛ ذلك أن القرار الإداري هو إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضي القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة. فإذا كان الثابت من ميزانية مصلحة المعامل بوزارة الصحة العمومية أن عدد وظائف المبخرين المدرجة بها منذ مايو سنة 1949 هو أربع وظائف, وأن هذه الوظائف الأربع كانت مشغولة جميعها وقت تعيين المدعي في أول نوفمبر سنة 1949 بعد فصله من وظيفة عامل عادي بمعمل المصل واللقاح, وأنه لم تنشأ بالميزانية المذكورة وظيفة لمبخر بإدماج وظيفتي عامل عادي, وأن هذا لم يكن خافياً على المصلحة وقت تعيينه, فإن تحقيق أثر قرار التعيين يكون غير ممكن قانوناً لو أنه قصد به وضعه في وظيفة مبخر, وهي وظيفة لم تكن خالية بالفعل ولم تكن أوضاع الميزانية لتسمح بتعيينه فيها وقتذاك وما كان التعيين فيها ليصادف محلاً لانشغال هذا المحل بسواه. ومما يؤيد اتجاه القصد إلى تعيين المدعي في وظيفة مساعد مبخر لا مبخر تحديد الأجر في قرار تعيينه بما يوازي أجر مساعد المبخر, وتواتر جانب من المكاتبات الخاصة به بعد ذلك وصف مساعد مبخر, بل وإقراره هو بهذا الوصف في الطلب المقدم منه في 19 من فبراير سنة 1955, وما تقرره المصلحة من أنه منذ تعيينه في هذه الوظيفة لم يقم بعمل مبخر, ومنحه علاواته الدورية على أساس وظيفة مساعد مبخر. هذا إلى أن التعيين في وظيفة مبخر, وهي من وظائف الصناع أو العمال الفنيين التي لا تحتاج إلى دقة, يتطلب بحسب كادر العمال تأدية امتحان أمام لجنة فنية خاصة؛ إذ نص الكادر المذكور على أن "لا يعين عامل من الخارج إلا بعد اجتيازه امتحاناً أمام لجنة فنية يصدر بتشكيلها قرار من الوزير المختص, وتحدد هذه اللجنة وظيفته ودرجته, ولا يجوز أن يتقاضى أجراً عند تعيينه أزيد من أول مربوط الدرجة التي حددت له". فشرط التعيين - كما هو الحال في شأن المدعي بعد فصله من وظيفة عامل عادي - هو أداء امتحان أمام اللجنة الفنية المشار إليها, وهي التي يصدر بتشكيلها قرار من الوزير المختص, ولا تقوم مقامها أية هيئة أخرى. وحكمة ذلك ضمان الخبرة والتخصص في أعضائها, واتحاد معيار التقدير لديها بالنسبة إلى من يمتحنون أمامها كافة, والوثوق من الحيدة والبعد عن التأثر. وشرطه كذلك النجاح في هذا الامتحان نجاحاً تتضح منه صلاحية الصانع أو العامل للحرفة التي سيعين فيها, وتتحدد على أساسه وظيفته ودرجته حسبما تراه اللجنة وبالتالي أجره الذي لا يجوز أن يزيد عند التعيين على أول مربوط الدرجة التي تثبت صلاحيته للتعين فيها. وإذ كان الظاهر من الأوراق أن المدعي أدى في 17 من يناير سنة 1949 امتحاناً محلياً لوظيفة عامل فني بالمعمل, وهو امتحان يختلف عن الامتحان المقرر لوظيفة مبخر لتباين طبيعة العمل في كل من الوظيفتين, وأنه لم يؤد هذا الامتحان أمام اللجنة الفنية المنصوص عليها في كادر العمال بل أمام ممتحن فرد هو الدكتور الحكيم, ولم يؤد امتحاناً ما لوظيفة مبخر بالذات, فإن هذا كله كاف لتأييد ما تذهب إليه المصلحة من أن المذكور إنما عين في وظيفة مساعد مبخر, وما كان في مقصودها أو في سلطتها ولا من الممكن قانوناً لما تقدم من أسباب تعيينه في وظيفة مبخر التي إنما ورد ذكرها في قرار تعيينه من قبيل التجوز وعدم الدقة في التعبير, وفي هذا حمل للقرار على محمل الصحة, فيتحول من قرار باطل لفقدانه شروط صحته ومخالفته للقانون في أحد الفرضين, إلى قرار صحيح مطابق للقانون في الفرض الآخر, ما دام يحتمل الصحة في تأويل له على وجه من الوجوه بما لا يعطل أثره كلية.
ومن حيث إنه متى تقرر أن المدعي يشغل في حقيقة الأمر وظيفة مساعد مبخر لا مبخر, وأنه كان قبل ذلك يشغل وظيفة عامل عادي التي تجوز الترقية منها إلى رئيس عمال عاديين في الدرجة (160/ 240 - 300 م) أو التعيين بعدها في وظيفة مساعد صانع في الدرجة (150/ 240 - 300 م) وفقاً لأحكام كادر العمال, فإن وضعه في وظيفة مساعد مبخر ومنحه أجراً يومياً يعادل أول مربوط هذه الدرجة يكون صحيحاً مطابقاً للقانون, وتكون دعواه بطلب تقرير أحقيته في أجر يومي قدره 240 م من بدء تعيينه في أول نوفمبر سنة 1949 حتى الآن مع ما يترتب على ذلك من آثار على غير أساس سليم من القانون حقيقة بالرفض. وإذ ذهب كل من الحكم المطعون فيه وطعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة إلى إجابته إلى طلباته جزئياً أو كلياً على أساس التسليم باعتباره شاغلاً لوظيفة مبخر مع اختلاف بينهما في مقدار الأجر الذي يستحقه ونوع الدرجة التي يوضع فيها وفئتها، فإنهما يكونان قد جانبا الصواب, ويتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبرفض الدعوى, مع إلزام المدعي بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبرفض الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق