جلسة 15 من أغسطس سنة 1993
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي فؤاد الخادم - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد معروف محمد ومحمد عبد الغني حسن وعبد القادر هاشم النشار وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.
-------------------
(164)
الطعن رقم 2311 لسنة 38 القضائية
(أ) هيئة الشرطة - المحكمة العسكرية لطلبة كلية الشرطة - أسباب الفصل - مخالفات مسلكية - إثبات.
هيئة الشرطة هيئة مدنية نظامية تختص بالمحافظة على النظام والأمن العام والآداب وحماية الأرواح والأعراض والأموال ومنع الجرائم وضبطها وكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في كافة المجالات - استلزم الشارع في ضابط الشرطة قدراً كبيراً من الأمانة والنزاهة والبعد عن الريب والظنون والحرص على اجتناب كل ما من شأنه أن يزري السلوك ويمس السمعة سواء في نطاق أعمال الوظيفة أو خارج هذا النطاق - في مقام تحديد الشوائب التي تعلق بمسلك فرد الشرطة لا يحتاج الأمر إلى وجود دليل قاطع على توافرها - يكفي وجود دلائل أو شبهات قوية تلقي ظلاً من الشك على مسلكه وتقلل الثقة فيه وفي الوظيفة إلى يشغلها وتنال من جدارته للبقاء منتمياً لهيئة الشرطة التي يتعين وزن مسلك أعضائها طبقاً لأرفع مستويات السلوك القويم - تطبيق.
(ب) المحكمة العسكرية لطلبة كلية الشرطة - ما لا يبطل الحكم الصادر منها - توقيع ممثل الادعاء على إحدى صور الحكم.
متى ثبت أن المحكمة قد عقدت جلساتها طبقاً للإجراءات المقررة قانوناً فلا وجه للنعي على الحكم بالبطلان على سند من القول بأن ممثل الادعاء وقع على نسخة من الحكم - أساس ذلك: أن ممثل الادعاء لم يشترك في المداولة - التوقيع على مسودة الحكم الأصلية هو الدليل على الاشتراك في المداولة - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الثلاثاء الموافق 16 من يونيه سنة 1992 أودع الأستاذ حمدي عزام المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2311 لسنة 38 ق. ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري دائرة منازعات الأفراد والهيئات ( أ ) بجلسة 16/ 6/ 1992 في الدعوى رقم 6544 لسنة 46 ق والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب العاجل برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب، وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه الصادر في 31/ 5/ 1992 بفصله من كلية الشرطة مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها تمكينه من أداء امتحان مواد الشرطة العملية وكذا المواد النظرية التي ستعقد ابتداء من يوم 20/ 6/ 1992 مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقد أعلن الطعن إلى المطعون ضدهم على النحو المبين بالأوراق، قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 18 من يونيه سنة 1992 وفيها قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة والتي نظرته بجلسة 5 من يوليه سنة 1992 وتداولته بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر وبجلسة 3 من يناير سنة 1993 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 17 من يناير سنة 1993 ثم مد أجل النطق بالحكم للجلسات المبينة بالمحاضر حيث أعيد الطعن للمرافعة لجلسة 11/ 7/ 1993 وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 15/ 8/ 1993 ثم أعيد الطعن للمرافعة لذات الجلسة لتغير التشكيل وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم آخر الجلسة وبها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن أن الطاعن أقام الدعوى رقم 6544 لسنة 46 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 4/ 6/ 1992 طلب في ختامها بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه الصادر في 31/ 5/ 1992 وما يترتب على ذلك من آثار أهمها تمكينه من دخول الامتحان للمواد الشرطية الذي سيبدأ يوم السبت 20/ 6/ 1992 والأمر بتنفيذ الحكم بموجب مسودته بدون إعلان وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقال المدعي بياناً لدعواه أنه كان مقيداً بالسنة النهائية بكلية الشرطة عام 1989 وجوزي بالفصل من الكلية بمقولة حصوله على شبكة أمامية لسيارة مهجورة ومتروكة بالطريق العام رغم أن النيابة العامة حققت الواقعة وصدر قرار من النائب العام بحفظ الموضوع نهائياً لعدم الجناية، وأنه أقام الدعوى رقم 847 لسنة 44 ق أمام محكمة القضاء الإداري طعناً في قرار فصله والتي قضت بجلسة 9/ 4/ 1991 بإلغاء القرار المطعون فيه استناداً إلى بطلان إجراءات محاكمته، غير أن جهة الإدارة تقاعست عن تنفيذ الحكم مما دعاه إلى اللجوء لمحكمة القضاء الإداري بطلب الاستمرار في تنفيذ الحكم الذي استشكلت جهة الإدارة في تنفيذه، ثم قضت المحكمة الإدارية العليا برفض الطعن المقام من الجهة الإدارية في الحكم الصادر في الدعوى رقم 847 لسنة 44 ق المشار إليها ونفاذاً لذلك قامت الكلية بإعادة قيد المدعي في إبريل سنة 1992 ضمن طلبة السنة الرابعة وسمحت له بدخول الامتحان في المواد القانونية إلا أنها أعادت محاكمته من جديد وبالرغم مما أبداه من دفاع إلا أن المحكمة العسكرية قررت يوم 24/ 5/ 1992 فصله من الكلية وقد تم التصديق على الحكم يوم 31/ 5/ 1992 ولذلك تم منعه من دخول الامتحان العملي فأرسل المدعي برقية يتظلم فيها من هذا القرار، ونعى المدعي على قرار فصله أنه صدر مشوباً بعيب مخالفة القانون لعدم قيامه على سبب يبرره إذ خلت الأوراق من أي دليل مثبت للاتهام المنسوب إليه، ومن ناحية أخرى فإن ما هو منسوب إلى المدعي لا يعدو أن يكون - بفرض صحته - استيلاء على مال مباح وهو ما استند إليه النائب العام في تقريره بألا وجه لإقامة الدعوى العمومية لعدم الجناية وأخيراً فإن القرار المطعون فيه يتسم بالشدة المتناهية لعدم التناسب بين الفعل وبين العقوبة وخلص المدعي إلى أن الاستمرار في تنفيذ القرار المطعون فيه يؤدي إلى نتائج يتعذر تداركها.
وقد ردت هيئة قضايا الدولة على الدعوى بإيداع حافظة مستندات طويت على صورة ضوئية من قرار إحالة الطالب...... من قوة السنة الرابعة إلى المحاكمة العسكرية، وصورة ضوئية من حكم المحكمة العسكرية الصادر يوم 24/ 5/ 1992 الذي قضي حضورياً بمعاقبة الطالب المذكور بالفصل من الكلية، وقدمت مذكرة خلصت فيها إلى أن المحكمة العسكرية وهي تحاكم الطالب على الجرائم المنسوبة إليه وضعت نصب أعينها القواعد القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا وطبقتها على المدعي فمن ثم يكون قرارها الصادر بفصله من كلية الشرطة قد بني على ما يبرره من الأوراق وبمنأى عن عدم المشروعية، وطلبت لما تقدم ولكل ما جاء بالمذكرة - الحكم برفض الدعوى بشقيها العاجل والموضوعي وإلزام المدعي المصروفات.
كما أودع محامي المدعي - مذكرة رداً على مذكرة الجهة الإدارية - استهلها بالنعي بالانعدام على حكم المحكمة العسكرية استناداً إلى أن التوقيعات الواردة عليه شملت بجانب توقيع عضوي اليمين واليسار توقيع ممثل الادعاء العميد د...... مما يفيد مشاركته في المداولة التي انتهت إلى إدانة المدعي وصدور الحكم بفصله، حالة كون ممثل الادعاء ليس عضواً في الهيئة التي تملك المحاكمة ولا يحق له أن يوقع على الحكم. وأن ما استندت إليه المحكمة العسكرية من تحقيقات جرت بمعرفة الشرطة أو بمعرفة النيابة العامة أو بمعرفة أحد ضباط كلية الشرطة، فإن هذه التحقيقات لا يمكن أن تنهض سبباً لإثبات ما هو منسوب إلى المدعي، ومن ناحية أخرى فإن الاتهام الثاني المنسوب للمدعي وفحواه عدم امتثاله للأوامر الصادرة إليه للحضور إلى الكلية فهو أمر لم يقم عليه دليل من الأوراق، ومن ناحية ثالثة فإن القرار المطعون فيه شابه غلو في تقدير الجزاء مما يخرج به عن حد المشروعية، واستطرد المدعي إلى القول أن المحكمة العسكرية أضافت من عندها - إلى قائمة الاتهام - اتهامين جديدين لم يردا بقرار الإحالة وهما حيازة المدعي لتليفون لاسلكي بدون ترخيص وبدون إتباع الإجراءات الجمركية وعد قيامه بإبلاغ الكلية عن الواقعة وما كان للمحكمة أن تضيف هذين الاتهامين من حيث أدخلتهما في تقديرها على الجزاء الموقع على المدعي مما يجعل قرارها باطلاً لقيامه على أسس باطله قانوناً، وطلب الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء القرار، وبجلسة 16 من يونيه سنة 1992 صدر الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب العاجل برفض وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب، وأقامت المحكمة قضاءها - في مقام استظهار ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ - أن البادي من الأوراق وبالقدر اللازم للفصل في الطلب العاجل أن المدعي طالب بكلية الشرطة بالفرقة الرابعة - كان قد ضبط في 15/ 8/ 1989 هو وآخرون يقومون بسرقة أجزاء سيارة ملاكي، وتحرر عن ذلك المحضر رقم 4860 جنح النزهة سنة 1989، وأمرت النيابة العامة بحبس المتهمين أربعة أيام على ذمة التحقيق ثم أفرج عن المدعي بكفالة قدرها 500 وأصدرت بعد ذلك قرارها بألا وجه لإقامة الدعوى لعدم الجناية، وبتاريخ 17/ 11/ 1989 أحيل المدعي للمحكمة العسكرية بكلية الشرطة التي قضت بفصله من الكلية، إلا أن محكمة القضاء الإداري - بهيئة مغايرة - قضت في الدعوى التي أقامها المدعي طعناً على قرار الفصل - بإلغاء القرار على سند من أن عيباً جوهرياً لحق بتشكيل المحكمة ينحدر بالقرار الصادر منها إلى درجة الانعدام. وأن إلغاء القرار لا يحجب الجهة المختصة عن إعادة محاكمة المدعي وفقاً للأصول والإجراءات المقررة وترتيباً على ذلك - وبعد أن أصبح الحكم المشار إليها نهائياً برفض الطعن فيه أعيد المدعي إلى الكلية بذات فرقته (الرابعة) ثم صدر قرار بإحالته إلى المحاكمة العسكرية لارتكابه الجرائم التالية: 1 - مخالفة قواعد الضبط والربط ومقتضيات النظام العسكري وذلك أنه بتاريخ 15/ 8/ 1989 قام بوضع نفسه موضع الشبهات وأحاط شخصه بالشكوك نتيجة قيامه وآخرين معه بفك أجزاء السيارة رقم 85925 ملاكي القاهرة الواقفة في الطريق العام ضارباً بذلك أسوأ مثل للطالب بكلية الشرطة، ومعرضاً سمعته وسمعة معهده من خلال تصرف غير مسئول وسلوك غير سوي لاتهامات مشينة تناقلتها وسائل الإعلام بشكل قد نال من سمو مكانة المعهد وشكك في حسن قيامة بأداء رسالته في إعداد جيل من الضباط الأمناء القادرين على حفظ الأمن كفاية وتوفير الشعور بالأمانة كرسالة. 2 - عدم إطاعة الأوامر وذلك أنه بتاريخ لاحق لتاريخ الواقعة الأولى وعقب تبليغها رسمياً للكلية قام قطاع الكلية باستدعاء الطالب لسؤاله... إلا أنه لم يستجب للأمر الصادر باستدعائه أو يمتثل له بل أكثر من ذلك لم يحاول الاتصال بالكلية للدفاع عما نسب إليه بطريقة مشينة عبر وسائل الإعلام المقروءة... الأمر الذي ينم عن مدى ما وصل إليه سلوك الطالب في نهاية حياته بالكلية من استهتار بنظمها وبأوامرها بشكل يدل على عدم صلاحيته للاستمرار بها ينبئ بعدم ارتفاعه لمستوى الرسالة التي يؤهل لشرف حملها.
ومن حيث إن المحكمة العسكرية عقدت جلساتها لمحاكمة الطالب، وأصدرت حكمها الذي أشارت فيه اطلاعها على قرار الإحالة، وعلى تحقيقات الشرطة والنيابة العامة في المحضر رقم 4860 لسنة 1989 جنح النزهة، وأوضحت أن المدعي مثل أمامها ومعه محاميه، وأبانت المحكمة أنها تيقنت من إدانة الطالب في الاتهام المنسوب إليه بعد أن وضع نفسه موضع الشبهة والريبة بتصرف يدل على انعدام الأمانة وغيبة النزاهة... وأصبح لزاماً على الكلية أن تقصي من لا تثق بصلاحيته لحمل رسالة الشرطة. خلصت المحكمة العسكرية إلى معاقبته بالفصل وتصدق على ذلك الحكم من السلطة المختصة بذلك، وخلصت المحكمة في حكمها الطعين إلى القول بأن المحكمة العسكرية حكمت بفصل المدعي لما ثبت في حقه من أنه قام ومعه وآخرون بفك أجزاء من سيارة ملاكي متروكة في الطريق العام وما يتضمنه ذلك الفعل من تعريض سمعته وسمعة معهده للانتقاص واضطرار جهات الأمن المعنية إلى القبض عليه وحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق واضعاً نفسه بذلك موضع الشبهات، ويبين من الاطلاع على حكم المحكمة أنه استند على أسباب سائغة تبرره وتؤدي إليه، ولا ينال من ذلك ما أثاره محامي المدعي من أن تحقيقات النيابة تخلو من دليل الذي يعول عليه في إدانة المدعي أو من تناقض في الأقوال - حسبما يدعي المدعي - ذلك أن الثابت في حق الطالب - والذي بنت المحكمة حكمها - أنه وضع نفسه موضع الشبهات وأحاط نفسه بالشكوك وعرض سمعته وسمعة معهده الذي ينتمي إليه لاتهامات مشينة، وليس من شك في أنه كان حرياً بالطالب المدعي أن يحافظ على كرامته ويبتعد عن مواطن الزلل والشبهات ويتمثل للأوامر الصادرة إليه من الكلية التي ينتمي إليها، أما أنه ولم يراع ذلك وأخل بموجب الضبط والربط ومقتضيات النظام العسكري فإن قرار فصله يكون قد جاء صحيحاً، وإذ كان البادي من الأوراق أن القرار المطعون فيه قام على أسباب سائغة تبرره وتؤدي إليه، ولا وجه لما أثاره محامي المدعي من أن توقيع ممثل الادعاء على حكم المحكمة العسكرية بجانب توقيع رئيس المحكمة وعضويها من شأنه أن يبطل الحكم المشار إليه. ذلك أنه لا يوجد ثمة نص يقضي بالبطلان في تلك الحالة ومن ناحية أخرى فإن توقيع ممثل الادعاء على الحكم لا ينهض دليلاً على اشتراكه في المداولة التي انتهت إلى إدانة المدعي كما يجادل المدعي أو يصور ذلك، ويخلص مما تقدم إلى أن القرار المطعون فيه صدر بحسب الظاهر على أساس صحيح مما يكون معه غير مرجح الإلغاء وينتفي بذلك ركن الجدية ويغدو طلب وقف التنفيذ غير قائم على أساس صحيح ومن المتعين رفضه دون حاجة لبحث ركن الاستعجال ودون مساس - بطبيعة الحال - بطلب الإلغاء الذي يبقى قائماً إلى أن يتم الفصل فيه.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب وجاء مخالفاً لحكم القانون للأسباب الآتية:-
أولاً: خالف الحكم المطعون فيه القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله حين رفض دفاع الطاعن بانعدام القرار المطعون فيه بفصل الطاعن نظراً لتوقيع ممثل الادعاء مع هيئة المحكمة التي أصدرته بمقولة أنه لا يوجد ثمة نص يقضي بالبطلان كما أن هذا التوقيع لا ينهض دليلاً على اشتراك ممثل الادعاء في المداولة هذا القول مردود بأن المادة 167 من قانون المرافعات والتي تنطبق على المنازعات الإدارية والتأديبية نصت صراحة على البطلان في هذه الحالة، كما أن توقيع ممثل الادعاء على الحكم ليس له من مدلول سوى الاشتراك في إصداره.
هذا فضلاً عن أن القرار المطعون فيه يجب أن يقوم على كامل أشطاره وإلا وقع باطلاً، وإذ خلا كل من حكم المحكمة العسكرية والحكم المطعون فيه من بيان الدليل على ثبوت علم الطاعن شخصياً باستدعاء الكلية له حيث كان هذا الاستدعاء في فصل الصيف وقت أن كان الطاعن في المصيف وكانت الكلية في عطلة رسمية، ومتى كان الأمر كذلك وكان القرار المطعون فيه قائماً على سببين فإن عدم ثبوت أيهما يجعل القرار غير قائم على كامل سببه ويكون القرار وبالتالي مشوباً بالبطلان.
ثانياً: إن الحكم المطعون فيه قد ساير حكم المحكمة العسكرية في إقامة قضائه على عبارات مرسلة أو على نتيجة لم يبين وجه استخلاصها من الأوراق وأهدر كلية ما أثاره الطاعن من دفاع جوهري كان سيؤثر حتماً في هذا القضاء لو تعرضت له المحكمة فقد بني الحكم المطعون فيه أسبابه على أن "حكم المحكمة العسكرية استند إلى أسباب سائغة تبرره وتؤدي إليه" ودون أن يبين وجه هذا الاستناد أو يرد على المطاعن التي وجهها المدعي إلى التحقيقات الثلاثة التي أجريت واستندت إليها المحكمة العسكرية في إثبات الإدانة، وإذ شيد الحكم المطعون فيه قضاءه على ما تقدم فقط أي على عبارات عامة ودون أن يورد دليلاً واحداً مستخلصاً من الأوراق على إدانة المدعي في أي من الاتهامين المنسوبين إليه بل حتى ودون مجرد مناقشة بسيطة لما أثاره الطاعن من دفاع ودوافع فإن الحكم المطعون فيه يكون لذلك مشوباً بالقصور في التسبيب مما يجعله محلاً للإلغاء.
ثالثاً: لم يتعرض الحكم المطعون فيه لما أثاره الطاعن بشأن الغلو في الجزاء الموقع عليه والذي يخرجه من نطاق المشروعية ويدخله في نطاق عدم المشروعية ويجعله قراراً مخالفاً للقانون مما يصم الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب.
رابعاً: كذلك لم يتعرض الحكم المطعون فيه لما أورد الطاعن من أن المحكمة العسكرية قد أضافت تهمتين جديدتين لم تردا في قرار الإحالة مما يعد من جانب المحكمة العسكرية اغتصاباً لاختصاص سلطة الإحالة وتعدياً على سلطة الجهة الإدارية، كما يعني أن تقدير المحكمة للجزاء كان شاملاً لعناصر لها أثرها في اختيار العقوبة في حين أنه ما كان يجب مراعاتها عن إجراء هذا الاختيار ومع ذلك فإن الحكم المطعون فيه لم يعرض من قريب أو بعيد لهذا الأمر الذي يصمه أيضاً بالقصور في التسبيب.
ومن حيث إن المسلم به أن الحكم هو القرار الصادر من محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً في منازعة مطروحة عليها بخصومة رفعت إليها وفقاً للقانون وأنه في مقام تحديد الإجراءات والقواعد المنظمة لدور القضاة إزاء الفصل في المنازعة فقد نص قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 في المادة 3 من قانون الإصدار على أن "تطبق الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون وتطبق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص، وذلك إلى أن يصدر قانون الإجراءات بالقسم القضائي "وإذ تنص المادة 166 من قانون المرافعات على أن "تكون المداولة سرية بين القضاة مجتمعين" وتنص المادة 167 على أنه "لا يجوز أن يشترك في المداولة غير القضاة الذين سمعوا المرافعة وإلا كان الحكم باطلاً" وتنص المادة (170) على أنه "يجب أن يحضر القضاة الذين اشتركوا في المداولة تلاوة الحكم فإذا حصل لأحدهم مانع وجب أن يوقع مسودة الحكم".
وإذ يبين من استقرار الأحكام الواردة في تلك النصوص أن المشرع قد أوجب لقيام الحكم القضائي قانوناً أن يصدر من الهيئة المشكلة وفقاً لأحكام القانون والتي سمعت المرافعة وأتمت المداولة قانوناً ووقعت مسودة الحكم المشتملة على أسبابه باعتبارها - بمراعاة ما تقدم - تمثل القاضي الطبيعي للخصوم الذين مثلوا أمامها وتقدموا بدفاعهم لديها لتنزل القول الفصل في النزاع القائم وبالنظر إلى أن الحكم يمثل خلاصة ما أسفرت عنه المداولة قانوناً حتى لحظة النطق به وضماناً لأداء أمانة القضاء كما شاء لها الشارع أن تكون فقد أوجب أن يتضمن الحكم رصداً وتسجيلاً لسير الخصومة وارتسام الإجراءات الجوهرية فيها وبياناً لقضائها حتى النطق بالحكم حتى يكون الحكم بياناً بما قدم في سبيل الوصول إلى كلمة القانون في النزاع وعنواناً للحقيقة فيما فصل فيه، كما أوجب المشرع أن تحصل المداولة في الأحكام سراً بين أعضاء المحكمة مجتمعين في منطوق الحكم وأسبابه بعد انتهاء المرافعة وقبل النطق به وذلك ضماناً لحرية أرائهم وأوجب ألا يشترك في المداولة غير أعضاء المحكمة الذين سمعوا المرافعة، كما أوجب لكل ذلك إيداع مسودة الحكم المشتملة على أسباب موقعه من رئيس المحكمة من القضاة عند النطق بالحكم حتى يضفي الاطمئنان على نفوس المتقاضين بأن الحكم صدر بعد تمحيص أوجه النزاع ومناقشة أدلة الخصوم وإيداع مسودة الحكم بتوافره على ما سلف بيانه يعد دليلاً على تحقق الضمانة المشار إليها وأن القضاة الذين وقعوا المسودة هم الذين تداولوا في أسبابه واتفقوا عليها واستقرت عقيدتهم على أساس فيها ولما كانت هيئة قضايا الدولة قد أودعت بجلسة 5/ 7/ 1992 مسودة الحكم الصادر من المحكمة العسكرية لطلبة كلية الشرطة بفصل الطاعن مبيناً بصدره تشكيل هيئة المحكمة التي أصدرت الحكم وتضمن أسبابه وتوقيعهم عليها كقضاة المحكمة الذين تداولوا فيه ومن ثم تكون مسودة الحكم قد توافرت على كافة الضمانات التي أوجبها القانون في الأحكام ولا يغير من ذلك توقيع ممثل الادعاء على نسخة من الحكم فهو لا ينهض دليلاً على اشتراكه في المداولة الذي لا يدل عليه سوى التوقيع على مسودة الحكم الأصلية.
ومن حيث إنه يبين من تقصي مراحل إنشاء هيئة الشرطة ومن القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة أنها هيئة مدينة نظامية تختص بالمحافظة على النظام والأمن العام والآداب، وبحماية الأرواح والأعراض والأموال وعلى الأخص منع الجرائم وضبطها، كما تختص بكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في كافة المجالات، وبتنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات، ومن أجل تحقيق هذا الهدف أوجب القانون آنف البيان على الضابط أداء عمله بنفسه بدقة وأمانة وأن يحافظ على كرامة وظيفته طبقاً للعرف العام وأن يسلك في تصرفاته مسلكاً يتفق والاحترام الواجب لها، وكل ضابط يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو في القرارات الصادرة من وزارة الداخلية أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يسلك سلوكاً أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يعاقب تأديبياً. وضماناً لتزويد هيئة الشرطة بعناصر على هذا القدر من الكفاءة والدقة والأمانة في أداء أعمالهم صدر القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة والتي تتولى إعداد ضباط الشرطة وتضمنت من بين الطلبة الذين تتكون منهم كلية الشرطة لاختيار أفضل العناصر للالتحاق بها والذين يتبعون في سني الدراسة نظاماً صارماً وحياة نظامية للطالب بهدف إعداده لفرد من هيئة الشرطة ولذلك يلحق بالكلية داخلياً، ويمضى أجازاته والعطلات الرسمية خارج الكلية بإذن من مديرها، ويلحق طلبة الفرقتين الثالثة والرابعة خلال العطلة الصيفية بمراكز الشرطة وأقسامها للتدريب على أعمال الشرطة المدة التي يحددها مدير الكلية وتقدم هذه الجهات تقريراً عن أداء الطالب بحيث يكون طالب السنة الرابعة قد حصل على القدر الأقصى من علوم الشرطة وعلم يقيناً بكل دقائقها وتفاصيلها وكافة الواجبات والالتزامات الملقاة على عاتق ضباط الشرطة حتى يتخرج ضابطاً صالحاً لأداء المهمة الجسيمة الموكولة لهيئة الشرطة وإحاطة المشرع لأفراد هيئة الشرطة ويلحق بهم طلبة كلية الشرطة - بهذا السياج من التعليمات والأوامر والالتزامات مرده إلى ما وسد لهيئة الشرطة من مهام أخصها المحافظة على النظام والأمن وحماية الأرواح والأعراف والأموال، ومنع الجرائم وضبطها قبل وقوعها، وكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في كافة مجالات حياتهم ومن ثم استلزم فيهم المشرع قدراً كبيراً من الأمانة ونزاهة القصد والبعد عن الريب والظنون وألا تشوب مسلكهم أية شوائب ويتطلب الأمر من شاغل إحدى وظائف الشرطة أشد الحرص على اجتناب كل ما من شأنه أن يزري السلوك أو يمس السمعة سواء في نطاق أعمال الوظيفة أو خارج هذا النطاق.
ومن حيث إنه في مقام تحديد المقصود بالشوائب التي تعلق بمسلك فرد الشرطة أو تزري سلوكه فلا يحتاج الأمر في التدليل على قيامها إلى وجود دليل قاطع على توافرها وإنما يكفي في هذا المقام وجود دلائل أو شبهات قوية تلقي فعلاً ظلاً من الشك على مسلكه أو تثير غباراً حول تصرفاته وتقلل من الثقة فيه وفي من يشغلها وتنال من جدارته للبقاء منتمياً لهيئة الشرطة التي يتعين أن يوزن مسلك أعضائها طبقاً لأرفع مستويات السلوك القويم.
ومن حيث إن المحكمة العسكرية لطلبة كلية الشرطة والتي حكمت بفصل الطاعن قد أثبتت في حكمها بعد الاطلاع على التحقيق الذي أجراه النقيب أيمن حلمي الضابط بالكلية مع الطالب (الطاعن) وعلى المحضر رقم 4860 جنح النزهة لسنة 1989 وتصرفات النيابة العامة بشأنه، وبعد سؤال الطالب (الطاعن) تفصيلاً عن المخالفات المنسوبة إليه إن الحكم قد تيقنت من القدر الأدنى للقيمة الحقيقية الواردة في تلك الأقوال والذي يتمثل في وقوف الطالب (الطاعن) وصديقيه...... و...... بجانب السيارة رقم 85925 ملاكي القاهرة ثم قيامهم بفك بعض الأجزاء منها بعد قيامهم باتخاذ بعض الأفعال التي استهدفوا من ورائها تأمين خطواتهم في سبيل إنجاح جريمتهم، وقد استبان للمحكمة قيام الطالب بإقراره كتابة بخط يده حقيقة ما تضمنه أقواله لا يغير منها ما ساقه من إكراهه على كتابة الإقرار فقد نفى الضابط المحقق أمام هيئة المحكمة تعرض الطالب لأي نوع من أنواع الإكراه المادي أو المعنوي، كما تبين للمحكمة قيام الطالب بحيازة تليفون لاسلكي سبق أن استجلبه من الخارج دون ترخيص له بذلك ودون إتباع الإجراءات الجمركية اللازمة لاقتنائه، كما ثبت للمحكمة إصرار الطالب على سلوكه المعيب بعدم إطاعته الأوامر ومخالفة قواعد الضبط والربط ومقتضيات النظام العسكري وذلك بعدم قيامه بإبلاغ الكلية عقب اتهامه في الواقعة المنسوبة إليه رغم صدور قراره النيابة العامة بحبسه على ذمة التحقيق لمدة أربعة أيام ثم إخلاء سبيله بكفالة نقدية خمسمائة جنيه، وهو المقيد بالسنة الرابعة في الكلية وأمضى بها ثلاث سنوات كاملة ويعلم يقيناً ما تقتضيه التعليمات المستديمة والتي يذكره بها ضباط الكلية مراراً وتكراراً طوال فترة الدراسة والتي تفرض عليه ضرورة الإسراع في إبلاغ الكلية بأي حادث مهما صغر حجمه، وانتهت المحكمة إلى ارتياح ضميرها ووجدانها في ثبوت إدانة الطالب في الاتهام المنسوب إليه، بعد أن وضع نفسه في موضع الشبهة والريبة بتصرف يدل على انعدام الأمانة وغيبة النزاهة ودناءة الطبع بما لا يتناسب البتة وكونه طالباً بالكلية التي تؤهله ليكون ضابطاً للشرطة يحمل رسالة أساسها الأمن وسلاحها الأمانة، تلك الرسالة التي تتطلب الاطمئنان لمن يحملها حال تأديته لوظيفته وإلى صلاحيته للقيام بأعبائها على الوجه الذي يحقق الصالح، فإذا انعدم هذا الاطمئنان أو تزعزع في طلب كلية الشرطة أصبح لزاماً على الكلية أن تقص من لا تثق بصلاحيته لحمل هذه الرسالة ولا تطمئن إلى أمانته ونزاهته وحسن سلوكه في خدمة جهاز الشرطة الذي تشرف الطالب بالانتماء إليه.
ومن حيث إن البادي من ظاهر الأوراق فإنه ولئن صدر قرار النيابة العامة في القضية رقم 4860 لسنة 1989 جنح النزهة بألا وجه لإقامة الدعوى وأياً ما كان السبب وراء قرار النيابة العامة سالف البيان فإنه يبقى رغم ذلك شهادة العميد/ نادر شلش على نحو ما أثبته في المذكرة المقدمة منه ومن أقواله وأقوال محرر الشرطة أمام المحكمة العسكرية - وبعد حلف اليمين أنه بتاريخ 15/ 8/ 1989 الساعة الثالثة والنصف مساء شاهد بمنطقة مساكن شيراتون ثلاثة أشخاص يقوم بفك أجزاء داخلية لسيارة تقف بجانب الطريق العام والثاني ممسكاً بجهاز تليفون لاسلكي ويقف بجوار هذه السيارة والثالث يقف بين هذه السيارة وسيارة أخرى من نفس النوع وعلى بعد أربعة أمتار منها والحقيبة الخلفية لهذه السيارة مفتوحة، كما قرر أنه عندما شك في هذا الأمر توجه إلى هؤلاء الأشخاص ليستفسر عما يحدث وبسؤال الطالب (الطاعن) اعترف له بأن يستكمل أجزاء ناقصة بسيارته من السيارة الأخرى، وإذ لم يدفع الطاعن ما قرره الطاعن بثمة دفع، واكتفى بالإنكار، ودون أن ينكر سبباً كان وراء إدلاء الشاهد المذكور مثل تلك الأقوال وأنه تحامل عليه لهذا السبب فضلاً عن أن تواجد الطاعن مع شخصين أحدهما سائق والآخر بدبلوم الصنايع في مثل هذا المكان وفي هذا الوقت، وبهذا الشكل والوضع اللافت للأنظار على نحو جذب انتباه العميد/ نادر شلش لسؤالهم عن سبب وقوفهم. وعد قيامه بإبلاغ كلية الشرطة بالواقعة وهو الملزم بنظمها - وفور حدوث الواقعة بل أنه حقق معه في الشرطة وفي النيابة العامة وجرى حبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق وأفرج عنه بكفالة خمسمائة جنيه دون أن يخطر بما حدث إنما يكون قد وضع نفسه موضع الريب والظنون وأحاط نفسه بالشكوك وعرض سمعته وسمعة الكلية التي ينتمي إليها للاتهامات ذلك أن سلوكه العام الشخصي في غير نطاق الكلية ينعكس على سلوكه فيها من حيث الإخلال بكرامة الهيئة التي ينتمي إليها ووجوب أن يلتزم في سلوكه ما لا يفقده الثقة والاعتبار إذ لا يقوم فاصل بين الحياة العامة والحياة الخاصة يمنع كل تأثير متبادل بينهما ولا يسوغ له ولو كان خارج نطاق الكلية أن ينسى أو يتناسى أنه طالب بكلية الشرطة تحوطه نظم الشرطة وكثير من تصرفاته الخاصة قد يؤثر تأثيراً مباشراً في كرامة الشرطة، فكان عليه أن يتجنب كل ما قد يكون من شأنه الإخلال بكرامة كلية الشرطة واعتبار الناس لها وكان عليه أن يتفادى الأفعال الشائبة التي تعيبه فتمس تلقائياً جهاز الشرطة الذي ينتمي إليه أما وقد أخل بما تقدم إنما يرتكب ذنباً يسوغ تأديبه ومن ثم جرت مجازاته بالفصل من الخدمة بحسب الأشكال والأوضاع المقررة قانوناً في حدود النصاب المقرر، وأياً ما كان الرأي في ثبوت مخالفتي حيازة تليفون لا سلكي بغير إتباع الإجراءات المقررة قانوناً أو الامتثال للحضور للتحقيقات رغم استدعائه أكثر من مرة فإن المخالفات الثابتة في حقه إنما تنطوي على إخلال جسيم بمقتضيات المرفق الذي ينتمي إليه والثقة والواجب توافرها فيه وهي وحدها تكفي لإقامة القرار المطعون فيه على سببه الصحيح.
ومن حيث إنه عن وجه الطعن بأن الجزاء الموقع على الطاعن قد شابه الغلو بما يخرجه عن نطاق المشروعية ويجعله قراراً مخالفاً للقانون - ولما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل أن يقوم تقدير الجزاء على أساس التدرج تبعاً لجسامة الذنب الإداري وعلى أنه كان للسلطات التأديبية ومنها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليه في ذلك فإن مناط مشروعية هذه السلطة ألا يشوب استعمالها غلو ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب وبين نوع الجزاء ومقداره ففي هذه الحالة يخرج التقدير من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية، ورقابة هذه المحكمة تمتد كلما تحسست شططاً صارخاً في الجزاء، فإن لم تصل المفارقة في الجزاء إلى هذا الحد الصارخ بأن ما كان ما لابسه هو مجرد شدة فيه فإن المحكمة تقر بمشرعتيه وبعبارة أخرى فإن كان الجزاء بحالته ليس فيه خير على حسن سير المرافق العامة ويجافي المصلحة العامة يلغي القرار لعدم التناسب فالمعيار هنا موضوعي وهو موكول عدم تحقيق المصلحة العامة من وراء القرار، فإذا كان القرار بحالته يحقق حسن سير المرافق العامة ومقتضيات المصلحة العامة يغدو قراراً سليماً ولا طعن عليه وإذ تستشعر المحكمة من ملابسات الواقعة وفي ضوء مما هو موكول لأفراد الشرطة - ويندرج فيهم الطاعن من مهام أخصها المحافظة على النظام والأمن وحماية الأرواح والأعراض والأموال على نحو ما سلف بيانه بحيث يوزن مسلكهم طبقاً لرفع مستويات السلوك القويم فالثابت من ظاهر الأوراق أن الطالب وضع نفسه موضع الشبهات وأحاط نفسه بالشكوك وعرض سمعته وسمعة الكلية للاتهامات، وكان حرياً به أن يحافظ على كرامته ويبتعد عن مواطن الزلل والشبهات وأن يبلغ الكلية بما حدث أما وأنه لم يراع ذلك فإن قرار فصله يكون قد استهدف المصلحة العامة ويكون قد أقام على أساس صحيح من الواقع والقانون مما يكون معه غير مرجح الإلغاء وينتفي بذلك ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ مما يستوجب رفضه دون حاجة لبحث ركن الاستعجال، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب فإنه يغدو سليماً ولا مطعن عليه، ويكون الطعن على غير أساس جديراً بالرفض.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بالمصروفات إعمالاً لحكم المادة 184 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق