جلسة 5 من مايو سنة 1974
برئاسة السيد الأستاذ المستشار حسنين رفعت - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة أحمد فؤاد أبو العيون وأحمد سعد الدين قمحة ومحمد بدير الألفي ويوسف شلبي يوسف - المستشارين.
-----------------
(121)
القضية رقم 748 لسنة 16 القضائية
قرار إداري - سلطة تقديرية - حدودها - رقابة القضاء عليها.
السلطة التقديرية ليست سلطة مطلقة - الرقابة القضائية موجودة على جميع التصرفات الإدارية لا تختلف في طبيعتها وإن تفاوتت في مداها - في مجال السلطة التقديرية تنصب الرقابة القضائية على قيام الأسباب وصحتها، واستهداف المصلحة العامة - مثال.
-----------------
إنه يبين من الاطلاع على الأوراق من أنه بتاريخ 23 من مايو سنة 1960 صدر القانون رقم 155 لسنة 1960 وقضى بإسقاط كافة الالتزامات والتراخيص التي كانت ممنوحة لشركات الأتوبيس في مدينة القاهرة وبأيلولة المرافق التي كانت تتولاها إلى مؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة لإدارتها واستغلالها وفقاً لقرار إنشائها ونص في المادة 13 منه على أن ينقل إلى المؤسسة جميع عمال الشركات المشار إليها أما بالنسبة إلى الموظفين فقد نصت المادة المذكورة في فقرتها الثانية على أن "يعين في المؤسسة الموظفون القائمون بالعمل في هذه الشركات الذين تختارهم وتحدد مرتباتهم لجنة تشكل بقرار من وزير الشئون البلدية والقروية خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بالقانون ويعتمد الوزير قراراتها......" وتنفيذاً لذلك صدر قرار بتشكيل اللجنة المنوه عنها، وبناء على ما قررته هذه اللجنة أصدر وزير الشئون البلدية والقروية بتاريخ 20 من أغسطس سنة 1960 القرار رقم 1785 لسنة 1960 بتعيين الموظفين الذين وقع عليهم الاختيار للتعيين في مؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة، وكان أن تظلم الموظفون الذين لم يشملهم هذا القرار وبعد بحث حالاتهم أصدر الوزير بتاريخ 17 من أغسطس سنة 1960 القرار رقم 2116 لسنة 1960 بتعيين عدد غير قليل منهم وبسحب القرار السابق فيما تضمنه من إغفال تعيينهم وبقى الذين لم يكن لهم حظ التعيين في أي من هذين القرارين وظهر أن عددهم ستون موظفاً بلا عمل يلجون كل باب وعنيت الإدارة بأمرهم وشكلت العديد من اللجان لدراسة حالاتهم منها اللجنة المشكلة بناء على قرار مجلس إدارة المؤسسة بجلسته المنعقدة في 9 من يونيه سنة 1962 لبحث ودراسة حالات هؤلاء الموظفين الذين لم يشملهم التعيين بالمؤسسة بموجب القرارين الوزاريين سالفي الذكر وبيان أسباب إغفال تعيينهم وكان المدعي ضمن من بحثت حالاتهم وأبدت اللجنة رأيها في شأنه فأوصت بتعيينه، وأصدر مجلس الإدارة قراراً بجلسته المنعقدة في 19 من يوليه سنة 1962 بتعيين المدعي ضمن من أوصت اللجنة المشار إليها بتعيينهم اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1962.
ومن حيث إن قوام دفاع الإدارة أنه ليس ثمة ما يلزمها قانوناً بتعيين المدعي في المؤسسة بعد إسقاط الالتزام عن الشركة التي كان يعمل بها ذلك أنها تمارس في هذا الصدد سلطتها التقديرية التي لا معقب عليها فيما تصدره من قرارات في مجالها ما دام تصرفها قد خلا من إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن هذا القول من جانب الإدارة ينقصه الكثير من التحديد ذلك أن الرقابة القضائية على تصرفات الإدارة ليست حقيقة على قدر واحد بالنسبة لجميع التصرفات الإدارية بحسب المجال الذي تتصرف فيه ومدى ما تتمتع به من حرية وتقدير في التصرف، وهي تضيق حقيقة في مجال السلطة التقديرية حيث لا يلزم القانون الإدارة بنص يحد من سلطتها أو يقيد من حريتها في وسيلة التصرف أو التقدير إلا أن هذا لا يعني أبداً أنها سلطة مطلقة وأن الرقابة القضائية تكون في هذه الحالة منعدمة، بل إن الرقابة القضائية موجودة دائماً على جميع التصرفات الإدارية لا تختلف في طبيعتها وإن تفاوتت فقط في مداها وهي تتمثل في هذا المجال التقديري في التحقق من أن التصرف محل الطعن يستند إلى سبب موجود مادياً وصحيح قانوناً وأنه صدر مستهدفاً الصالح العام، من ثم فإنه في ضوء هذه المبادئ المسلمة يتعين النظر في مشروعية القرار محل الطعن.
ومن حيث إن الإدارة لم تذكر سبباً لإغفال تعيين المدعي في القرار الأول محل الطعن وكانت الظروف والملابسات التي أحاطت بهذا النزاع وما كشفت عنه اللجنة التي شكلت بالمؤسسة لبحث ودراسة حالات المتخلفين عن التعيين وتقصي أسباب ذلك والتي انتهت إلى تعيين المدعي اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1962 بناء على توصية اللجنة المذكورة - كلها قاطعة في أن عدم إعادة تعيين المدعي لم يكن قائماً على سبب صحيح يبرره، ولما كان الوضع في شأن إعادة التعيين في المؤسسة المشار إليها وظروف الحال ناطقة بأن كل الموظفين المفصولين من الشركة قد أعيد تعيينهم في تلك المؤسسة ويجعل هذه الإعادة مختلفة عن قرار التعيين المبتدأ من جهة تقيد السلطة المختصة لهذه الإعادة بقواعد تلتزمها إلا في القليل النادر من العاملين الذين يتأكد لها قيام ما يبرر الاستغناء عن خدماتهم، وإذاً فالأمر هنا يخرج عن الترخيص التقديري الذي يصاحب قرارات التعيين عادة، ويتعين من ثم مراقبة السلطة المنوط بها هذه الإعادة، فإذا ما تحققت المحكمة من أن عدم إعادة تعيين الموظف لا يقوم على سبب صحيح يبرر عدم الإعادة تعين عليها إلغاء قرار المؤسسة بعدم تعيني الموظف المذكور ومن ثم يكون هذا القرار فيما تضمنه من عدم إعادة تعيين المدعي بالمؤسسة ضمن من عينوا من موظفي الشركات التي أسقط الالتزام عنها قد صدر مخالفاً للقانون لعدم قيامه على سبب صحيح ويتعين لذلك إلغاؤه في هذا الخصوص، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى غير هذا النظر يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين من ثم الحكم بإلغائه وبإلغاء القرار المطعون فيه مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق