جلسة أول مارس سنة 1980
برئاسة السيد المستشار عدلي مصطفى بغدادي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: دكتور إبراهيم علي صالح، عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل، حسن عثمان عمار ورابح لطفي جمعة.
----------------
(133)
الطعن رقم 487 لسنة 49 القضائية
(1) إيجار. "انتهاء العقد". استئناف. "الطلبات الجديدة".
رفض المحكمة الابتدائية دعوى المؤجر بإخلاء المستأجر من العين المؤجرة. طلبه أمام محكمة الاستئناف إنهاء عقد الإيجار. غير متجاوز في مبناه طلب الإخلاء. إجابته إلى طلبه. لا خطأ.
(2) حكم. "تسبيب الحكم". نقض. "سلطة محكمة النقض".
انتهاء الحكم سليماً في نتيجته. اشتماله على أسباب قانونية خاطئة. لا بطلان. لمحكمة النقض تصحيح هذه الأسباب دون أن تنقضه.
(3) إثبات. "عبء الإثبات". صورية.
الورقة العرفية الموقع عليها. حجة على طرفيها بكافة بياناتها. الادعاء بصورية أحد هذه البيانات. وجوب إثباته بالكتابة.
(4) موطن. "الموطن الأصلي". محكمة الموضوع.
الموطن. ماهيته. تقدير توافر عنصري الاعتياد والاستيطان بمحل الإقامة. من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع. مجرد إعلان الخصم في مكان معين. لا ينهض دليلاً على اتخاذه موطناً له.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1276 سنة 1976 مدني كلي الجيزة ضد المطعون عليهما الأول والثانية للحكم بعدم الاعتداد بالأجرة الشهرية الواردة بعقد إيجار الشقة الموضحة به والمؤرخ 31/ 8/ 1967 وإلزامهما بتحرير عقد إيجار له بالقيمة الإيجارية الواردة بقرار لجنة تقدير الإيجارات، وقال بياناً لدعواه أن المطعون عليهما الأول والثانية أقاما شقة جديدة بمنزلهما خلال سنة 1967 ووصولاً لتأجيرها بأجرة تجاوز الأجرة القانونية أبرمت معه المطعون عليها الثانية عقداً وذلك بصفتها وكيلة من ابنتها المطعون عليها الثالثة بوصفها المستأجرة لتلك العين، وزعمت فيه وعلى خلاف الواقع - أن الإجارة عن شقة نصف مفروشة لقاء أجرة شهرية قدرها 35 ج وذلك احتيالاً على القانون لتبرير زيادة الأجرة المتعاقد عليها عن الأجرة التي قدرتها اللجنة وهي 32 ج و500 م شهرياً، وخلال نظر دعواه أقامت المطعون عليها الثالثة دعوى فرعية ضده بطلب إخلائه من العين المؤجرة استناداً إلى أنها كانت تقطنها ثم اضطرت للسفر إلى الخارج للحاق بزوجها الذي كان قد أعير للعمل بأوغندة، وأن والدتها - المطعون عليها الثانية - أجرت العين - بصفتها وكيلة عنها - إلى الطاعن باعتبارها نصف مفروشة، وإذ عادت المطعون عليها الثالثة بعد انتهاء مدة عمل زوجها ورغبت في العودة للإقامة في مسكنها طبقاً للأمر العسكري رقم 4 لسنة 1976 فقد أعلنت الطاعن بذلك في 28/ 7/ 1976 وأنه استأجلها فترة للبحث عن مسكن له، ولكنه لم يف بوعده، فوجهت إليه إنذاراً بتاريخ 10/ 11/ 1976 لإخلاء العين إلا أنها فوجئت بإقامته لهذه الدعوى. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، وبعد إجرائه حكمت في الدعوى الأصلية بعدم الاعتداد بالقيمة الإيجارية الواردة بالعقد المؤرخ 31/ 8/ 1967 وبإلزام المطعون عليهما الأول والثانية بتحرير عقد إيجار للطاعن بالقيمة الإيجارية الواردة بقرار اللجنة سالفة البيان وفي الدعوى الفرعية برفضها. استأنف المطعون عليهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 2313 سنة 95 ق القاهرة، وبتاريخ 9/ 1/ 1979 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وفي الدعوى الأصلية برفضها، وفي الدعوى الفرعية بإخلاء المستأنف ضده - الطاعن - من الشقة وإنهاء عقد الإيجار المؤرخ 31/ 8/ 1967 - طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم قضى بإخلائه من عين النزاع كطلب المطعون عليهم في صحيفة الاستئناف وأقام قضاءه على أن المادة 16 من القانون رقم 56 لسنة 1969 والتي ردد المشرع حكمها في المادة 40 من القانون 49 لسنة 1977 ترخص للمستأجر الذي يقيم في الخارج لفترة مؤقتة الحق في تأجير مسكنه من الباطن وأن عليه إخطار المستأجر منه لإخلاء العين في الميعاد المحدد لعودته، وأن ذلك ينطبق على وضع المطعون عليها الثالثة ورتب الحكم المطعون فيه على ذلك قضاءه بإنهاء عقد الإيجار وإخلائه من العين، مع أن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه معيب من ثلاثة أوجه حاصل الوجهين الأول والثاني منها أن الحكم إذ قضى بإنهاء عقد إجارته للعين النزاع - وكان طلب المطعون عليها الثالثة في دعواها الفرعية أمام محكمة الدرجة الأولى هو إخلاء العين فحسب إعمالاً لنص المادة 76 من القانون رقم 51 لسنة 1969 التي لا تتسع للقضاء بإنهاء العقد - فإن الحكم بذلك يكون قد قضى بأكثر مما طلبته المطعون عليها الثالثة، هذا إلى أن الحكم إذ استجاب لطلب إنهاء العقد سالف البيان الذي أورده المطعون عليهم في صحيفة استئنافهم لحكم محكمة الدرجة الأولى فإنه يكون قد قبل طلبات جديدة في مرحلة الاستئناف مخالفاً بذلك حكم المادة 235 من قانون المرافعات.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أنه لما كان البين من مدونات حكم محكمة الدرجة الأولى أن المطعون عليها الثالثة وجهت إلى الطاعن بواسطة وكيلها بجلسة 6/ 2/ 1977 أمام تلك المحكمة طلب الحكم بإخلائه العين المؤجرة وتسلمها إليها، ولما قضى للطاعن بطلباته وبرفض دعواها الفرعية استأنفت المطعون عليهما الأول والثانية ذلك الحكم طالبين إلغاءه والقضاء برفض دعوى المستأنف ضده - الطاعن - وفي الدعوى الفرعية بإخلائه من الشقة وإنهاء عقد الإيجار المؤرخ 31/ 8/ 1967 وتسليمها إليهما، وكان من المقرر أن الاستئناف يعيد طرح الدعوى برمتها أمام محكمة الدرجة الثانية، وكانت محكمة الموضوع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا تتقيد في تكييف الدعوى بما يسبغه الخصوم عليها بل إن هيمنتها عليها توجب أن تنزل صحيح حكم القانون عليها. ولما كان طلب المطعون عليها الثالثة بإخلاء الطاعن من عين النزاع تستوجب بداءة الفصل في الرابطة القائمة بينهما لقاء أو انقضاء وهي عقد الإيجار سند الطاعن في سكناه فإن محكمة الموضوع إذ اعتبرت ما أورده المطعون عليهم بصحيفة الاستئناف من طلب إنهاء عقد الإيجار غير مجاوز في مبناه لطلبهم أمام محكمة الدرجة الأولى بإخلاء العين وانتهت إلى القضاء به فإنها تكون قد التزمت صحيح حكم القانون، ويكون النعي على الحكم بهذين الوجهين غير صحيح.
وحيث إن مبنى النعي بالوجه الثالث - من السبب الأول - على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، قولاً من الطاعن أن الحكم استند في قضائه إلى المادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في حين أن دعواه أقيمت قبل العمل به ولمخالفة ذلك النص لحكم المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 التي تنطبق وحدها على الدعوى الماثلة.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إذا كان الحكم المطعون فيه سليماً في نتيجته التي انتهى إليها فإنه لا يبطله ما يكون قد اشتملت عليه أسبابه من أخطاء ثانوية إذ لمحكمة النقض أن تصحح هذه الأسباب بغير أن تنقضه. وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أورد قوله أن المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 - والمؤيدة بالمادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 - قد خولت للمستأجر الذي يقيم خارج الجمهورية بصفة مؤقتة الحق في تأجير مسكنه من الباطن على أن يخطر المستأجر منه بميعاد عودته وإخلاء العين حتى يتسنى له سكناها... فإنه يكون قد أعمل حكم القانون والذي لا يتنازع الطاعن في انطباقه على واقعة الدعوى وكان لا يعيب الحكم ما استطرد إليه من الإشارة على المادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فحسبه أنه جاء سليماً في نتيجته، ويكون النعي عليه بهذا الوجه في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون في شأن قواعد الإثبات ومخالفته الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم عول في قضائه على أوراق عرفية تحمل تاريخاً يرتد إلى اثنتي عشرة سنة سابقة على الدعوى الماثلة واعتد بها مع أنها غير ثابتة التاريخ ورغم تمسكه بأنها اصطنعت في تواريخ لاحقة للدعوى. هذا إلى أن الحكم أسند إليه أنه لم يمار في تلك المستندات رغم تمسكه بأنها محررات عرفية ولا تصلح لأن يحاج بها ولتعارضها مع الكشف الرسمي المقدم منه من عقار النزاع والذي لم يرد فيه ذكر للمطعون عليها الثالثة كمستأجرة لشقة النزاع وهو بذاته ما يدحض ما ورد في قرار لجنة تقدير الإيجارات من أنها هي المستأجرة للعين ذلك لأن مبناه بيانات قدمها المطعون عليهم لتلك اللجنة.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لقاضي الموضوع السلطة التامة في بحث المستندات المقدمة له، وفي استخلاص ما يراه متفقاً مع الواقع متى كان استخلاصه سائغاً. وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أورد أن الثابت من المستندات المقدمة في الدعوى والتي لم يمار فيها المستأنف ضده - الطاعن - أن المستأنفة الثالثة - المطعون عليها الثالثة - قد أجرت المسكن محل النزاع إلى المستأنف ضده وأنابت المستأنفة الثانية - المطعون عليها الثانية - والدتها السيدة/ .... في هذا التأجير وذلك ثابت من عقد الإيجار نفسه الموقع عليه من المستأنف ضده - الطاعن - وكان لما أورده الحكم إنما ينصب على عقد الإيجار - المرفق مع أوراق الطعن - والمدون فيه تلك البيانات والممهور بتوقيع الطاعن وهو من الحكم استخلاص سائغ وله أصله الثابت في الأوراق، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه متى ثبت صدور الورقة العرفية ممن نسب إليه التوقيع عليها فإنها تكون حجة على طرفيها كافة ببياناتها إلى أن يثبت العكس وفقاً للقواعد العامة في إثبات ما اشتمل عليه دليل كتابي، وأنه إن ادعى أحد طرفي المحرر أن أحد البيانات المدونة به غير مطابقة للواقع، كان عليه - بحكم الأصل - أن يثبت هذه الصورية بطريق الكتابة. لما كان ذلك، وكان مؤدى ما أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه هو أن الطاعن قد ارتضى استئجار العين من المطعون عليها الثانية بصفتها وكيلة من ابنتها المطعون عليها الثالثة - وهو الثابت في عقد الإيجار - فإن ما أثاره في شأن الأوراق الأخرى المقدمة من المطعون عليهم يكون غير منتج وترتيباً على ما تقدم فإن ما نعاه في هذا السبب بموجبه من مخالفة قواعد الإثبات يكون في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه على أن المطعون عليها الثالثة قد أجرت شقة النزاع بسبب لحاقها بزوجها ولتقيم معه في خارج البلاد ورتب على ذلك قبول دعوى الإخلاء المقامة منها ضده، في حين أن الأوراق قد خلت من تحديد صفتها كمؤجرة وما إذا كانت مالكة أم مستأجرة أصلية، وما إذا كان التأجير من جانبها بسبب سفرها إلى الخارج من عدمه، وإذ كان الأصل أن المستأجر من الباطن لعين مفروشة أو غير مفروشة لا يتحمل أعباء التأجير التي يؤديها المستأجر الأصلي في حين أن عقد استئجاره لعين النزاع قد نص فيه على التزامه بأداء مقابل استهلاك المياه والإضاءة فهو ما يؤكد ما تمسك به من أن التأجير كان من المطعون عليها الثانية بصفتها مالكة وليس من المطعون عليها الثالثة.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لمحكمة الموضوع مطلق السلطة في استخلاص ما تقتنع به ويطمئن إليه وجدانها متى كان استخلاصها سائغاً ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق ودون معقب عليها من محكمة النقض، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه عرض لدفاع ورد عليه بقوله... "إن الجدل من المستأنف ضده - الطاعن - في استئجاره للشقة مفروشة أو غير مفروشة من المستأنف ضدها الثالثة سواء صدر منها أو من وكيلها جدل عقيم لا يمنع هذه الأخيرة من إخلائه من الشقة إعمالاً لهذا النص - المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 - وأنها أجرت الشقة بسبب لحاقها مع زوجها بالخارج ثم لما أن عادت طلبت إخلاءه منها فإن دعواها بالإخلاء تكون مقبولة". وكان ما أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه له أصله الثابت في الأوراق فإن ما أثاره الطاعن لا يعدو جدلاً فيما استخلصه الحكم المطعون فيه من أدلة قدر صحتها وما ارتاح إليه وجدان المحكمة منها وهو ما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة ويكون النعي لذلك في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة قواعد الإثبات، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه على أن المطعون عليها الثالثة تقيم بعد عودتها من الخارج إقامة مؤقتة بمسكن والدة زوجها في مصر الجديدة حسبما يتضح من إعلانها بصحيفة الدعوى... وأنها أحق بمسكنها خاصة وأن الطاعن حين وقع على عقد إيجار عين النزاع كان يعلم أن إجارته مؤقتة ورهن بعودة صاحبتها إليها في حين أن الثابت من صحيفة إعلان دعواه إلى المطعون عليها الثالثة أن المحضر الذي باشر الإعلان أثبت انتقاله إلى موطنها وسلمه لوالدة زوجها المقيمة معها لغيابها وقت تسليمه مما يؤكد ما تمسك به ودلل عليه وهو إقامتها بتلك العين التي يستأجرها زوجها من شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير ومن ثم فإن ما حصله الحكم من أن استئجاره للعين كان موقوتاً ورتب عليه أحقية المطعون عليها الثالثة في العودة إلى شقة النزاع إنما استمده من أقوال مرسلة يدحضها الثابت بإعلان صحيفة الدعوى رغم ما لها من حجية في الإثبات طبقاً للمادة 10 من قانون المرافعات والمادة 11 من قانون الإثبات.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه لما كان الموطن هو المحل الذي يقيم فيه الشخص على وجه الاعتياد والاستيطان، وأن تقدير توافر هذين العنصرين وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو من الأمور الواقعية التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع. وكان ما تمسك به الطاعن في شأن قوة البيانات الواردة بصحيفة إعلان دعواه إلى المطعون عليها الثالثة مردود بأن مجرد إعلان الصحيفة في المكان الذي أورده فيها ينهض حجة على اتخاذه موطناً لها وتوافر الاعتياد والاستيطان ولما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع طرفي الدعوى وما قدماه فيها من مستندات وخلص إلى أن إقامة المطعون عليها الثالثة بشقة والدة زوجها إقامة عارضة، وأنها بصفتها مستأجرة أصلية لشقة النزاع أحق بها من الطاعن باعتبار أن إجارته له موقوتة ومقرونة بعودتها من الخارج، وكان ما أثاره - الطاعن - لا يعدو جدلاً فيما هو مقرر لقاضي الموضوع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من سلطة تامة في بحث الدلائل والمستندات المقدمة له تقديماً صحيحاً وفي موازنة بعضها بالبعض الآخر وترجيح ما تطمئن إليه منها وفي استخلاص ما يراه متفقاً مع واقع الدعوى دون رقابة عليه من محكمة النقض في ذلك فإن النعي بهذا السبب يكون غير سديد.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم استند في قضائه بإلغاء الحكم المستأنف وبإنهاء عقد إيجاره شقة النزاع وإخلائه منها إلى العقد المؤرخ 31/ 8/ 1967 المبرم بينه وبين المطعون عليها الثانية رغم أنه تمسك بصوريته وأن ما ورد به من أنها أجرت نصف مفروشة قصد به التحايل وصولاً للحصول على أجرة تزيد عما حددته لجنة تقدير الإيجارات لعين النزاع وهو ما يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع ولم يرد عليه.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن تقدير أدلة الصورية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو مما يستقل به قاضي الموضوع لتعلقه بفهم الواقع في الدعوى. وإذ كانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة لها أصلها الثابت بأوراق الدعوى وكان استخلاصها سائغاً وفيها الرد الضمني برفض ما يخالفها ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم في قضائه، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة قانوناً بالرد في حكمها على كل ما يثيره الخصوم فيما اختلفوا فيه؛ وكانت هي صاحبة الحق في تقدير قيمة ما يقدم إليها من الأدلة وأنه لا تثريب عليها في الأخذ بأي دليل تكون قد اقتنعت به ما دام هذا الدليل من طرق الإثبات القانونية، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره الطاعن من صورية عقد إيجار عين النزاع والذي اتخذته محكمة الدرجة الأولى سنداً لقضائها وأورد في هذا الشأن... "فإن الحكم المستأنف إذا استند إلى ثبوت صورية عقد الإيجار المعقود بين المستأنفة الثانية - المطعون عليها الثانية - والمستأنف ضده - الطاعن - وهو الأمر الذي يخالف المكتوب كتابة والمشروط شرطاً استناداً إلى أقوال شهود سمعتهم لا ترقى أقوالهم إلى هذا الاقتناع يكون قد أسس قضاءه بتلك الصورية على أساس غير سليم" ... لما كان ذلك فإن ما أثاره الطاعن لا يعدو جدلاً في أدلة الدعوى التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع ولا معقب عليها من محكمة النقض، ومن ثم فإن النعي بهذا السبب يكون في غير محله.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق