الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 9 أكتوبر 2020

الطعن 69 لسنة 5 ق جلسة 2 / 4 / 1936 مج عمر المدنية ج 1 ق 341 ص 1077

جلسة 2 أبريل سنة 1936

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعلى حيدر حجازي بك المستشارين.

-------------------

(341)
القضية رقم 69 سنة 5 القضائية

(أ) مواريث. بيت المال.

مال من لم يظهر له وارث. بطريركية. تصرفها في تسليم ذلك المال إلى غير وارث لتصفيته وتسليمه لصاحب الحق فيه. غير جائز. مسئولية البطريرك عن هذا التصرف.
(ب) نقض وإبرام.

حكم. تأسيسه على قاعدة قانونية سليمة. التزيد فيه. وقوع خطأ فيما ورد فيه زيدا. لا يعيب الحكم.

-----------------
1 - البطريركية ليست جهة حكم ولا جهة لضبط مال من لم يظهر له وارث، بل ذلك من خصائص وزارة المالية بصفتها بيت المال. فتصرف البطريركية بتناول النقود وتسليم التركة إلى مطلق المتوفاة، الذى لا يرثها بحال، ليسلمه لذي الحق فيه هو تصرف غير مشروع من أساسه، ولا يدخل إطلاقا في حدود سلطتها باعتبارها شخصاً معنوياً من أشخاص القانون العام (personne morale de droit publique).  وإذن فهي مسئولة عن هذا التصرف باعتبارها شخصا معنويا من أشخاص القانون الخاص (personne morale de droit privé).
2 - إذا تزيدت محكمة الاستئناف بما لا يؤثر في صحة الحكم المؤسس على قاعدة سليمة فهذا التزيد مهما جاء فيه من خطأ لا يعيب الحكم ولا يستوجب نقضه.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه القضية - على ما جاء في الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي وسائر المستندات التي قدّمت للمحكمة ومن قبل لمحكمة الاستئناف - في أن السيدة صوفية يعقوب (المدّعى عليها الأولى في الطعن) رفعت أمام محكمة إسكندرية الابتدائية الأهلية دعوى على بطريركية الروم الأرثوذكس (يمثلها الطاعن) وعلى الخواجة جان فانتروزو (المدّعى عليه الثاني في الطعن) قيدت تحت رقم 295 سنة 1925 كلي محكمة إسكندرية ذكرت في صحيفتها أن خالتها بارسكيفولات أبسطولى يوانو توفيت عن تركة قيمتها 965 جنيها، وأن البطريركية امتنعت عن تسليمها إليها مع اعترافها بأنها الوارثة الوحيدة لخالتها المتوفاة وادّعت أنها سلمت التركة إلى الخواجة جان فانتروزو بصفته مصفيا. لهذا طلبت الحكم بإلزام المذكورين متضامنين بتقديم محضر حصر تركة المتوفاة مع كشف حساب مؤيد بالمستندات في مدى أسبوع من تاريخ النطق بالحكم وإن تأخرا يلزما بدفع خمسمائة قرش عن كل يوم مع الحكم عليهما أيضا متضامنين بما يظهر طرفهما مع المصاريف وأتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ. نظرت هذه الدعوى أمام محكمة إسكندرية الابتدائية، وبجلسة 27 فبراير سنة 1926 أصدرت حكمها حضوريا بإلزام المدّعى عليهما بتقديم محضر حصر التركة مع كشف حساب عنها مؤيد بالمستندات في مدى شهر من تاريخ النطق بالحكم وإلا يلزمان بدفع مائة قرش عن كل يوم من أيام التأخير وأبقت الفصل في المصاريف. استأنفت البطريركية وجان فانتروزو هذا الحكم بتاريخ 28 أبريل سنة 1926 وطلبا للأسباب الواردة في عريضة الاستئناف الحكم بقبوله شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى السيدة صوفية يعقوب مع إلزامها بالمصاريف عن الدرجتين وأتعاب المحاماة. قيد هذا الاستئناف بمحكمة استئناف مصر تحت رقم 787 سنة 43 قضائية ونظرت الدعوى. وبتاريخ 22 نوفمبر سنة 1927 حكمت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلا وبإيقاف الفصل في الدعوى حتى تقوم المستأنف ضدّها (الست صوفية) بإثبات وراثتها للمتوفاة بحكم شرعي نهائي وتقدّمه للمحكمة. بعد هذا استصدرت الست صوفية يعقوب من محكمة إسكندرية الشرعية بتاريخ 30 مارس سنة 1931 حكما في مواجهة البطريركية قضى بثبوت وراثتها للسيدة بارسكيفولانت يوانو، وأيد هذا الحكم من المحكمة العليا الشرعية في 15 سبتمبر سنة 1931. فحرّكت السيدة صوفية دعواها التي أوقفتها محكمة استئناف مصر وقدّمت لها الحكم الذى استصدرته فجدّدت محكمة الاستئناف نظر الدعوى وحكمت بتاريخ 3 أبريل سنة 1934 في موضوع الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف وإلزام المستأنفين (الطاعن والمدّعى عليه الثاني في الطعن) بالمصاريف وثلثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. أعلن هذا الحكم في 15 يونيه سنة 1935 للطاعن فقدّم وكيله بتاريخ 14 يوليه سنة 1935 طعنا فيه بطريق النقض وأعلن تقرير الأسباب للمدّعى عليها الأول في الطعن بتاريخ 18 يوليه سنة 1935 وللمدّعى عليه الثاني في 27 يوليه سنة 1935 وقدّم مذكرة وحافظة بمستندات بتاريخ 31 يوليه سنة 1935 وقدّمت النيابة العمومية مذكرة في 27 يناير سنة 1936 ولم يقدّم المدّعى عليهما في الطعن أي شيء. وفى اليوم المحدّد أخيرا للمرافعة سمعت الدعوى على ما هو مبين في محضر الجلسة وبعد المداولة صدر الحكم الآتي:


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة الشفوية والمداولة قانونا.
بما أن الطعن قد قدّم في الميعاد عن حكم قابل له واستوفيت الإجراءات القانونية فهو مقبول شكلا.
وبما أن هذا الطعن قد شمل ستة وجوه يتصل بعضها بالبعض الآخر وتتلخص فيما يأتي:
الوجه الأوّل - أصدرت بطريركية الأروام الأرثوذكس في 27 مايو سنة 1921 بعد وفاة السيدة (بارسكيفولانت يوانو) قرارا بتعيين (جان فنتروزو) وصيا مؤقتا ومصفيا لتركتها. وفى 12 يونيه سنة 1923 أصدرت إعلاما شرعيا بوراثة السيدة صوفية للمتوفاة. وفى 16 يونيه سنة 1925 أصدرت بناء على دعوى الوصي المذكور حكما بإبطال إشهاد 12 يونيه سنة 1923، وبأن السيدة صوفية غير وارثة للمتوفاة. وهذه القرارات جميعا كانت في حدود سلطة البطريريكية وفى دائرة اختصاصها طبقا للفرمانات الهمايونية الصادرة في فبراير سنة 1886 والتحريرات السامية العمومية الصادرة في 23 جمادى الآخرة سنة 1308. وعلى هذا فان محكمة الاستئناف أخطأت حين قالت في حكمها المطعون فيه إن القرارات والأحكام التي أصدرتها البطريركية كانت صادرة من سلطة إدارية لا من سلطة قضائية.
الوجه الثاني - قد أخطأت محكمة الاستئناف في الأخذ بما رأته المحكمة الابتدائية من أن المحكمة الشرعية هي صاحبة الاختصاص في النزاع على الميراث إذ أن نفس محكمة الاستئناف كانت أصدرت في 22 نوفمبر سنة 1927 حكما بإيقاف نظر الدعوى الحالية ذكرت في أسبابه ما يفهم منه أنها تقرّر باختصاص البطريركية بنظر نزاع الميراث في الدعوى وكلفت فعلا السيدة صوفية باستحضار حكم من البطريركية يلغى حكمها الصادر غيابيا في 16 يونيه سنة 1925 فلا يجوز لتلك المحكمة بعد أن فصلت نهائيا باختصاص البطريركية أن تعدل عن هذا الرأي وتقرّر باختصاص المحكمة الشرعية.
الوجهان الثالث والرابع - قد أخطأت محكمة الاستئناف في اعتبار المحكمة الشرعية مختصة دون البطريركية بالفصل في النزاع على الإرث، كما أخطأ في استنادها إلى حكم المحكمة الشرعية مع صدوره في غير مواجهة المصفى الذى له صفة في الدعوى وواضع اليد على التركة.
الوجهان الخامس والسادس - لا يجوز قانونا أن تسأل البطريركية عن حساب تركة لم تضع يدها عليها، بل إن المصفى (جان فانتروزو) واضع اليد هو المسئول. كذلك لا يجوز أن تسأل عن إصدارها قرار 27 مايو سنة 1921 بتعيين المصفى ولا إعلام 12 يونيه سنة 1923 ولا حكم 16 يونيه سنة 1925 فإنها في ذلك كانت تعمل بصفتها سلطة قضائية لا تسأل عن أحكامها.
ذلك هو ملخص وجوه الطعن الواردة في التقرير.
وبما أن الذى يفهم من وقائع الدعوى ومستنداتها المقدّمة أنها رفعت أصلا على أنها دعوى تضمين موجهة إلى البطريركية (وجان فنتروزو) لتصرف الأولى بمقتضى قرار 27 مايو سنة 1921 بتسليم الثاني تركة المتوفاة ليصفيها ثم يسلمها لمن يظهر أنه صاحب الحق في الإرث.
وبما أن مضمون هذا القرار المقدّمة صورة نصه الفرنسي أن غبطة بطريرك الروم الأرثوذكس أقام في 27 مايو سنة 1921 جان فنتروزو وصيا على تركة السيدة بارسكيفولانت يوانو الشاغرة، ووكله في تصفيتها بالصلح والمطالبة إلى آخره وتقديم حساب التصفية إلى السلطة الدينية.
وبما أن البطريركية ليست جهة حكم ولا جهة ضبط لمال لم يظهر له وارث، بل إن ذلك من خصائص وزارة المالية بصفتها بيت المال، فتصرف البطريركية بتناول النقود وتسليم التركة إلى مطلق المتوفاة الذى لا يرثها بحال ليسلمه لذى الحق فيه هو تصرف غير مشروع من أساسه ولا يدخل إطلاقا في حدود سلطتها باعتبارها شخصا معنويا من أشخاص القانون العام Personne morale de droit publique وإذن فهي مسئولة عن هذا التصرف باعتبارها شخصا معنويا في القانون الخاص (personne morale de droit privé).
وبما أن الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي على ما يفهم من أسبابهما إنما أسسا على أن البطريركية مسئولة عن تصرفها بناء على القاعدة المتقدّمة. وما جاء فيهما من بحث في اختصاص البطريركية وتنازع هذا الاختصاص مع المحاكم الشرعية في شئون الإرث أو غيره - كل هذا كان فضلة في القول انساقا إليها بخطة دفاع طرفي الخصومة فهو لا يؤثر على صحة الحكم المؤسس على قاعدة سليمة مهما جاء في هذا التزيد من خطأ إذ القضية ليست نزاعا في الإرث بين من تصح الدعوى فيه بينهم شرعا.
وبما أنه متى استبان هذا أصبح بحث وجوه الطعن غير منتج لأنها لا تمس الأساس الصحيح الذى بنى عليه اعتبار البطريركية مسئولة. ووجب إذن رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق