الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 9 أكتوبر 2020

الطعن 47 لسنة 5 ق جلسة 20 / 2 / 1936 مج عمر المدنية ج 1 ق 327 ص 1049

جلسة 20 فبراير سنة 1936

برياسة حضرة محمد لبيب عطية بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعلى حيدر حجازي بك المستشارين.

-----------------

(327)
القضية رقم 47 سنة 5 القضائية

تدليس:
تدليس سلبى. سوء النية. وجوب توافره. أركان التدليس. مراقبة التكييف فيها. من اختصاص محكمة النقض.

(المادة 136 مدنى)

-------------
من أركان التدليس - على ما عرفته به المادة 136 من القانون المدني - أن يكون ما استعمل في الخدع "حيلة" وأن تكون هذه الحيلة غير مشروعة قانونا. وكلا هذين الركنين ينبئ عن العمد وسوء النية. ومراقبة التكييف في هذين الركنين على الأقل هي من خصائص محكمة النقض. فلمحكمة النقض أن تنقض الحكم المطعون فيه إذا أسس على عدم وجوب توفر سوء النية في التدليس السلبى.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن مبنى الوجه الثاني من وجهى الطعن أن محكمة الاستئناف - حين قضت بإلغاء الحكم المستأنف الصادر بإيقاف الدعوى حتى تفصل المحكمة المختلطة في دعوى الاستحقاق المرفوعة أمامها وبفسخ عقد البيع المحرّر في 30 مايو سنة 1933، واعتمدت في قضائها هذا على أن عدم إخبار الطاعن خصيمته بقيام دعوى الاستحقاق هذه أمام المحكمة المختلطة يعتبر تدليسا مفسدا لرضائها ومبطلا لعقد البيع المتقدّم الذكر - حين قضت بذلك قد خالفت نص المادة 136 من القانون المدني فيما جاء به من اشتراط أن يكون التدليس الواقع من أحد العاقدين على الآخر مترتبا على ما استعمله معه من حيلة لولاها لما رضى. ويقول الطاعن في تفصيل هذا الوجه وشرحه إن الفقهاء مختلفون فيما إذا كان مجرّد الكتمان يعتبر حيلة تدليسية أم لا، وإن من رأى جواز اعتباره كذلك قد اشترط له أن يكون الأمر الذى كتمه أحد العاقدين عن الآخر خطيرا بحيث يؤثر في إرادة من يراد خدعه بكتمانه عنه تأثيرا جوهريا، وأن يعرفه الخادع ويعرف خطره كذلك، وأن يتعمد كتمه عن المتعاقد معه، وألا يعرفه هذا من طريق آخر، وإن كل ما أثبته الحكم الاستئنافي على الطاعن حتى إذا صح الأخذ برأي هؤلاء، أنه علم فقط بالدعوى المختلطة حين أوصل له البوّاب صحيفة إعلانها، ومثل هذا العلم المجرّد عن شروطه المتقدّمة الذكر لا يعدّ تدليسا يفسد الرضاء ويبطل العقد.
وحيث إن محكمة الدرجة الأولى - بعد أن أثبتت في صدر حكمها أن المدّعية ادّعت أن المدّعى عليه كان يعلم برفع دعوى الاستحقاق القائمة أمام المحكمة المختلطة من إعلان صحيفتها الافتتاحية له في 11 مايو سنة 1933 وأنه مع ذلك لم يخبرها بها وأنها استندت في ذلك إلى هذا الإعلان، وبعد أن قالت تلك المحكمة إن المدّعى عليه ينكر علمه بتلك الدعوى وإن إعلانها لم يصله - قرّرت المحكمة أنه إعلان كاف في الدلالة على علمه. وبعد أن بينت اختلاف الفقهاء في اعتبار التدليس السلبى مفسدا للرضاء وفى عدم اعتباره وأنها هي ترى اعتباره مفسدا للرضاء بشروطه التي منها اقتران التدليس بنية الغش - بعد ذلك قالت تلك المحكمة إنه ما دام المدّعى عليه يدّعى أن النزاع القائم أمام المحكمة المختلطة لا أساس له من الصحة وأنه من قبيل المشاكسة من رافعي دعوى الاستحقاق ولا سبيل للتحقق من صحة دفاعه ويجوز أن يحتمل الصدق أو الكذب. ففى الحالة الأولى أى إذا كان النزاع غير جدّى ومن قبيل المشاكسة فيحمل امتناعه عن التصريح به إلى المشترى على حسن النية لوثوقه بفساد دعوى المستحق والعكس بالعكس. ولهذا رأت وجوب التريث حتى تفصل المحكمة المختلطة في النزاع القائم أمامها للتحقق من سوء نية المدّعى عليه أو حسنها... لأن التدليس الامتناعي يجب أن يصحبه سوء النية.. ولذا يتعين الحكم بإيقاف هذه الدعوى.
وحيث إن كل الذى بحثته محكمة الاستئناف من وجوه دفاع الطاعن هو ما كان قد دفع به من أن إعلان الدعوى المختلطة المؤرّخ في 11 مايو سنة 1933 إنما وجه إلى شركة دميان عبد الملك مقار بشارع اللؤلؤة ولا شركة بهذا الاسم وليس هو مقيما بشارع اللؤلؤة ولهذا لم يصل إليه هذا الإعلان ولم يعلم به، ولذلك أعيد إعلانه إعلانا صحيحا بعد صدور البيع منه لخصيمته. وقد أجابت محكمة الاستئناف على هذا الدفاع بأن الإعلان حصل إلى شركة دميان عبد الملك مقار في شخص مديرها دميان عبد الملك في ملك الشركة الكائن بشارع قصر اللؤلؤة وتسلمت الصورة في غيبته إلى بوّابه بولس سويحه المقيم معه حسب إقراره وهذا المنزل هو المنزل موضوع النزاع، وبطبيعة الحال لا يمكن أن يكون البوّاب قد خالجه شك في أن المقصود بالإعلان هو سيده دميان مقار. ولا بد أن يكون قد أوصله إليه. وظاهر جدّا من موضوع الإعلان أنه يتعلق بالمنزل موضوع النزاع وأن المطلوب في الدعوى بطلان البيع الصادر إليه. وبذلك يكون المستأنف عليه الأوّل (الطاعن) قد علم بالدعوى المختلطة قبل صدور البيع منه. ثم قالت بعد ذلك وحيث إن محكمة الدرجة الأولى قرّرت بحق أن امتناع المستأنف عليه عن تعريف المستأنفة لهذه الدعوى وإخفائها عنها يعدّ تدليسا مفسدا لرضاء المشترية ومبطلا للعقد وكان يجب حينئذ إجابة طلب المستأنفة إلى فسخ العقد ولا محل لإيقاف الدعوى حتى يفصل في النزاع المطروح أمام المحكمة المختلطة. ولذلك يتعين إلغاء الحكم.
وحيث إنه يبين من هذا أن محكمة الاستئناف قد خالفت محكمة الدرجة الأولى فيها ذهبت إليه من ناحية أن التدليس السلبى لا يفسد الرضاء ولا يبطل العقد إلا إذا كان مقترنا بنية الغش ومن ناحية وجوب التريث في الدعوى حتى تفصل المحكمة المختلطة في دعوى الاستحقاق القائمة أمامها وتتبين هي منها ما إذا كان الطاعن عند بيعه المنزل لخصيمته قد كتم عنها متعمدا وبسوء نية دعوى الاستحقاق هذه أم كان في كتمه حسن النية، ثم أخذت هي أي محكمة الاستئناف بمذهب آخر محصله أن مجرّد كتم الطاعن علمه بالدعوى المختلطة عن المشترية - ذلك العلم المستفاد من وصول ورقة افتتاحها المعلنة في 11 مايو سنة 1933 السابقة الذكر - يعتبر وحده تدليسا مفسدا للرضاء.
وحيث إن هذه المحكمة - بغير أن تقطع برأي في تعريف "الحيلة" التي تستعمل في خدع العاقد وتكون من الخطر بحيث إنه لولاها لما رضى فتفسد الرضا وتبطل العقد، وبغير أن تخوض فيما إذا كان هذا اللفظ يتسع أو لا يتسع لمعنى الحيلة السلبية إذ لا حاجة إلى ذلك - ترى أن محكمة الاستئناف قد أخطأت حقا - عند تكييفها حاصل فهم الواقع في الدعوى - فما ذهبت إليه من عدم وجوب توافر سوء النية في التدليس السلبى. ذلك لأن من أركان التدليس، على ما عرفته به المادة 136 من القانون المدني، كون ما استعمل في الخدع "حيلة" وكون هذه الحيلة غير مشروعة قانونا وكلا الركنين ينبئ عن العمد وسوء النية. ومراقبة التكييف في هذين الركنين على الأقل من خصائص محكمة النقض بغير شبهة. ولهذا الخطأ يتعين نقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إنه لا محل بعد ذلك لبحث وجوه الطعن الأخرى.
وحيث إن الدعوى باعتبارها دعوى بطلان مترتب على تدليس مفسد للرضاء صالحة للفصل.
وحيث إن هذه الدعوى تنحصر في الادعاء بأن دميان أفندي مقار مع علمه بقيام دعوى استحقاق أمام المحكمة المختلطة على أرض منزله التي اشتراها من ورثة حبيب باشا لطف الله لم يخبر المدّعية بهذه الدعوى حين اتفق معها على بيع هذه الأرض والعمارة التي استحدثها عليها، بل كتم أمرها عنها وأقرّ في عقد البيع أن المبيع خال من الموانع والمحظورات، وأن في هذا كله غشا مفسدا لرضائها ومبطلا للعقد، وأنه لا وجه لإيقاف الفصل في هذه الدعوى حتى تفصل المحكمة المختلطة في دعوى الاستحقاق المطروحة لأنه لا يهمها إن كان البائع كان سيئ النية في كتم خبر تلك الدعوى عنها أم كان حسن النية.
وحيث إنه حتى إذا أخذ في مثل صورة الدعوى بالتدليس السلبى واعتبر المدّعى عليه عالما بدعوى الاستحقاق واستنتج علمه من وصول إعلان الدعوى المختلطة إليه في حينه، وقبل تحرير العقد الابتدائي، فان ما جاء على لسان البائع من أن المبيع خال من جميع الرهون والحكر والحقوق العينية أيا كانت عدا مبلغ سبعمائة جنيه مطلوب لبائعي الأرض القائم عليها المنزل وما جاء به من أنه مكلف بتقديم مستندات التمليك قبل العقد النهائي ومن قيام هذا البائع بتسليم عقد البيع الرسمي الصادر له من البائعين وكشوف خلو العين المبيعة من التصرفات على ما سبق تفصيله بصدر هذا الحكم - ما جاء من ذلك يدل على أن البائع كان صحيح الاعتقاد بملكيته وملكية من باع له، وأنه ليس في حاجة إلى أن يخدع المشترية بكتمان دعوى الاستحقاق أمام المحكمة المختلطة لأن الملك على كل حال هو من ضمانه ومن ضمان بائعيه، فاذا استحق عليه أو على المشترية منه كان لها عند ذلك أن ترفع دعوى الضمان فسخا للبيع وإلزاما له بالتضمينات.
وحيث إن الذى يؤكد حسن نية الطاعن أنه هو نفسه سلم عقد شرائه الرسمي الصادر له من آل لطف الله لتحرّر المشترية منه عقد البدل الرسمي وقد جاء فيه أن البائعين له الأرض القائم عليها المنزل مقرّون بأنها خالية من الحقوق العينية والرهن والحكر والوقف. ولذلك قد استدرك محاميها قصور العقد الابتدائي، فذكر في مشروع العقد الرسمي الذى أعدّه للتوقيع أن الطاعن يضمن خلو المنزل المبيع منه من الاختصاصات وكافة الحقوق العينية الأخرى كالحكر والوقف ومن جميع الموانع والمحظورات، وما كان دميان ليمتنع عن التوقيع على هذا المشروع وقد نص فيه صراحة على ضمانه خلو المنزل من الوقف.
وحيث إنه لذلك كله يتعين إلغاء الحكم المستأنف والحكم برفض دعوى البطلان المؤسسة على التدليس بحدوده المتقدّمة الذكر والتقرير بحفظ حق الست كريمة في دعوى الضمان إذا استحقت الأرض للوقف وفسخت البيوع المتعاقبة عليها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق