الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 18 أكتوبر 2020

الطعن 47 لسنة 47 ق جلسة 25 / 4 / 1977 مكتب فني 28 ق 109 ص 510

جلسة 25 من أبريل سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد صلاح الدين الرشيدي، وإسماعيل محمود حفيظ، والسيد محمد مصري شرعان، ومحمد علي بليغ.

------------

(109)
الطعن رقم 47 لسنة 47 القضائية

 (1)قتل عمد. قصد جنائي. إثبات. "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل أمر خفي. استخلاصه من الظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه.
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". قتل عمد. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
خطأ الحكم في تحديد إصابة لا دخل لها في إحداث الوفاة. لا أثر له.
(3) قتل عمد. سبق إصرار. إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
سبق الإصرار. ماهيته؟
(4) سبق إصرار. إثبات. "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
العبرة في سبق الإصرار بما ينتمي إليه الجاني من خطة رسمياً لتنفيذ الجريمة. ولو قصر زمن هذا التفكير. المنازعة في ذلك. أمام محكمة النقض غير جائز.
 (5)سبق إصرار. إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استخلاص الحكمة توافر سبق الإصرار من مشاجرة سابقة أصيب فيها الطاعن الأول. سائغ.
(6) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". سبق إصرار. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
خطأ المحكمة في تحديد تاريخ المشاجرة السابقة. لا أثر له على صحة استخلاص سبق الإصرار.
 (7)باعث. جريمة. "أركانها".
الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً فيها.
 (8)محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". سبق إصرار "إثبات" بوجه عام. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم. طالما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
(9) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
(10) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية استخلاص الحكم للحقيقة من أقوال الشهود. بما لا تناقض فيه.

-----------------
1 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. وكان الحكم قد دلل على توافر نية القتل بقوله "وأما أن نية الجناة قد انصرفت إلى إزهاق روح المجني عليه وليس إلى مجرد ضربه فقط فيدل على ذلك أن الاعتداء وقد حدث في مواطن أربعة حسبما شهدت بذلك زوجة المجني عليه وما هو مستفاد من أقوال الشهود كل عن الوقائع التي شهدها فقد بدأ الجناة باعتداءهم بالحقل وتمكنوا من إصابة المجني عليه وشج رأسه ولو كان قصدهم مجرد ضربه انتقاماً لما كان منه لاكتفوا بهذا القدر، بل إنه وقد استطاع الهرب ولجأ إلى داره وأغلق من خلفه بابها، ولو أن نيتهم كانت مجرد الاعتداء وإصابته وقد فعلوا ذلك لآثروا العودة، بيد أن واقع الحال يدل على أنهم كسروا الباب ودخلوا الدار حيث لحقوا بالمجني عليه بردهتها وانهالوا عليه ضرباً إلى أن أطلق سلاحه وهرب إلى غرفة نومه وأغلق بابها عليه، وكان في هذا القدر الكفاية، لو أن نية الجناة كانت منصرفة إلى مجرد الاعتداء، أما أنهم يكسرون عليه الباب ويعاودون ضربه بعصيهم فذلك يكشف بدلالة أكثر عن أن نيتهم قد اتجهت إلى إزهاق روحه. ويؤكد هذا تأكيد اليقين أن المجني عليه وقد فقد قواه وخر صريعاً لم يكفهم هذا فجروه إلى خارج الدار حيث ألقوه أرضاً وانهالت ضرباتهم تترى عليه حتى صار أقرب إلى الموت منه إلى الحياة وآنذاك وقد ظنوا أن غرضهم قد تحقق انصرفوا عنه. ويكشف عن ثبوت نية القتل قبلهم بالإضافة إلى ما ذكر جسامة الاعتداء وشموله لعموم جسم المجني عليه وكثرة عدد الضربات وعدد الجناة وآلات الاعتداء" وكان ما أورده الحكم تدليلاً على ثبوت نية القتل لدى الطاعنين سائغاً وكافياً لحمل قضائه.
2 - خطأ الحكم في تحديد تاريخ إصابة برأس المجني عليه – بفرض وقوع هذا الخطأ لا ينال من صحته – طالما أن الطاعنين لم يدعوا أن تلك الإصابة قد أدت إلى وفاة المجني عليه أو ساهمت في إحداثها، ولم ينازعوا في صحة ما نقله الحكم عن تقرير الصفة التشريحية من أن الوفاة نتجت عن إصابات أخرى غير إصابة الرأس. فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد يكون غير سديد.
3 - إن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم في نفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج.
4 - ليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها – طال هذا الزمن أو قصر – بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير، فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافراً ولا تقبل المنازعة فيه أمام النقض.
5 - كفاية الاستدلال على سبق الإصرار من استظهار الحكم أن المشاجرة السابقة التي نشبت بين المجني عليه والطاعن الأول ولدت في نفس الطاعنين أثراً دفعهم إلى ارتكاب الجريمة بعد تفكير وروية وتدبير، فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون سليماً وصحيحاً في القانون.
6 - لا ينال من صحة استخلاص المحكمة لتوافر سبق الإصرار الخطأ في تاريخ المشاجرة السابقة على وقوع الحادث، والباعثة على ارتكابه.
7 - الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها، أو عنصراً من عناصرها.
8 - الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم إلا إذا تناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة أو فيما استخلصه من نتيجة، فإذا كان الحكم قد أورد في معرض استظهاره ظرف سبق الإصرار أن المشاجرة بين المجني عليه والطاعن الأول نشبت منذ يومين سابقين على الحادث، على خلاف الثابت بالأوراق من حدوثها في اليوم السابق على الحادث مباشرة، فإن هذا الخطأ لا يعيب الحكم طالما أنه لا يؤثر على جوهر الواقعة التي اقتنعت بها المحكمة لأن الزمن الذي مر بين المشاجرة السابقة ووقوع الحادث كاف على أي الحالين لكي يعمل الطاعنون فكرهم وتدبيرهم في هدوء وروية قبل أن يقدموا على اقتراف جريمتهم، هذا فضلاً عن أن الحكم أورد بصدر مدوناته في معرض بيان صورة الواقعة التي اعتنقها – أن المشاجرة الأولى نشبت في اليوم السابق للحادث، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير قويم.
9 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه.
10 - إن تناقض رواية الشهود في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، وعليه فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ولا في تعويله في قضائه بالإدانة على أقوال شهود الإثبات بدعوى تعدد روايتهم وتضارب أقوالهم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: قتلوا...... عمداً مع سبق الإصرار بأن عقدوا العزم على قتله وصمموا على ذلك وأعدوا عصيهم ثم توجهوا إليه بحقله الذي أيقنوا بوجوده فيه وما أن ظفروا به حتى انهالوا عليه ضرباً بتلك العصي ثم تبعوه إلى منزله ووالوا ضربه قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمادة 230 و231 من قانون العقوبات فقرر ذلك. ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت في الدعوى حضورياً عملاً بمادتي الاتهام بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه – بمذكرتي أسباب طعنهم أنه إذ دانهم بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق، ذلك أنه اعتنق تصويراً للواقعة مؤداه وقوع مشاجرة بين المجني عليه والطاعن الأول في اليوم السابق على الحادث – للنزاع على الري – أحدث فيها أولهما إصابات بالثاني، مما دفع الطاعنين إلى التوجه صوب المجني عليه بحقله يوم الحادث حيث عاجله أحدهم بضربة من عصا في رأسه فشجها وفر المجني عليه إلى داره للاحتماء بها فتبعوه وواصلوا الاعتداء عليهم بعصيهم حتى أجهزوا عليه – في حين أن الثابت من الأوراق أن تحقيق مشاجرة اليوم السابق بدأ ببلاغ من المجني عليه أسند فيه إلى الطاعن الأول أنه اعتدى عليه وأصابه في رأسه وأجزاء أخرى من جسمه بسبب النزاع على الري. وقد اتخذ الحكم من الصورة التي استخلصها ركيزة لقوله بثبوت الواقعة وتوافر نية القتل وظرف سبق الإصرار لدى الطاعنين رغم عذر توافرهما ولم تفطن المحكمة إلى أن إصابة رأس المجني عليه حدثت في اليوم السابق على الحادث أبان المشاجرة الأولى والتي قال الحكم – في معرض الحديث عن ظرف سبق الإصرار – أنها تسبق الحادث بيومين لتغيرت النتائج التي انتهى إليها هذا إلى أن الحكم قد عول في إدانة الطاعنين على شهادة زوجة المجني عليه و...... رغم اختلافهما في تحديد تاريخ المشاجرة السابقة على وقوع الحادث. وكل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن البين من الاطلاع على مدونات الحكم المطعون فيه أنه استخلص صورة الواقعة بما مؤداه أنه في اليوم الثاني من سبتمبر سنة 1968 نشبت مشاجرة بين المجني عليه وبين الطاعن الأول"......." على الري، أحدث فيها الأول بالثاني إصابات وبعد أن أسقطه أرضاً جثم فوقه ووضع منجلاً على رقبته شأن من يهم بذبحة، وكان لهذا الفعل أثره في نفس الطاعنين، أثار حفيظتهم وأجمعوا أمرهم على الانتقام منه بإزهاق روحه جزاء فعلته وأعدوا عدتهم، وإذ كان في حقله عصر اليوم التالي حتى يمحوا شطره حاملين عصى غليظة، وما أن وصلوا إليه حتى عاجله أحدهم بضربة من عصا في رأسه فشجها وإذ أسرع إلى داره للاحتماء بها تبعوه وقاموا بخلع بابها عنوة واندفعوا إلى الداخل وكانت يده قد وصلت إلى السلاح الناري الذي يحوزه بداره وأطلق منه عياراً صوبهم أصاب الطاعن الثاني"........." في وجهه بيد أنهم لم يكفوا أذاهم عنه، فتحصن بغرفة نومه وأغلق بابها دونهم فهشموا الباب وانهالوا عليهم ضرباً بعصيهم حتى فقد مقاومته فجروه إلى خارج الدار وبسطوه أرضاً وعادت ضرباتهم تهوى عليه حتى اطمأنوا إلى تحقيق مأربهم فرفعوا عنه عصيهم وهو يعانى سكرات الموت وسرعان ما صعدت روحه. وأورد على ثبوت الواقعة – على هذه الصورة – في حق الطاعنين أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال زوجة المجني عليه و...... و...... و...... وما قرره الطاعن الثالث "........." وما أظهرته المعاينات وتقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه – لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم على النحو السالف بسطه تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. وكان الحكم قد دلل على توافر نية القتل بقوله "وأما أن نية الجناة قد انصرفت إلى إزهاق روح المجني عليه وليس إلى مجرد ضربه فقط فيدل على ذلك أن الاعتداء وقد حدث في مواطن أربعة حسبما شهدت بذلك زوجة المجني عليه وما هو مستفاد من أقوال الشهود كل عن الوقائع التي شهدها فقد بدأ الجناة باعتدائهم بالحقل وتمكنوا من إصابة المجني عليه وشج رأسه ولو كان قصدهم مجرد ضربه انتقاماً لما كان منه لاكتفوا بهذا القدر، بل انه وقد استطاع الهرب ولجأ إلى داره وأغلق من خلفه بابها، لو أن نيتهم كانت مجرد الاعتداء وإصابته وقد فعلوا ذلك لآثروا العودة، بيد أن واقع الحال يدل على أنهم كسروا الباب ودخلوا الدار حيث لحقوا بالمجني عليه بردهتها وانهالوا عليه ضرباً إلى أن أطلق سلاحه وهرب إلى غرفة نومه وأغلق بابها عليه، وكان في هذا القدر الكفاية، لو أن نية الجناة كانت منصرفة إلى مجرد الاعتداء، أما أنهم يكسرون عليه الباب ويعاودون ضربه بعصيهم فذلك يكشف بدلالة أكثر عن أن نيتهم قد اتجهت إلى إزهاق روحه. ويؤكد هذا تأكيد اليقين أن المجني عليه وقد فقد قواه وخر صريعاً لم يكفيهم هذا فجروه إلى خارج الدار حيث ألقوه أرضاً وانهالت ضرباتهم تترى عليه حتى صار أقرب إلى الموت منه إلى الحياة وآنذاك وقد ظنوا أن غرضهم قد تحقق انصرفوا عنه. ويكشف عن ثبوت نية القتل قيامهم بالإضافة إلى ما ذكر جسامة الاعتداء وشموله لعموم جسم المجني عليه وكثرة عدد الضربات وعدد الجناة وآلات الاعتداء" و كان ما أورده الحكم تدليلاً على ثبوت نية القتل لدى الطاعنين سائغاً وكافياً لحمل قضائه ولا ينال من صحة ما انتهى إليه الحكم في هذا الشأن ما أثاره الطاعنون من خطئه في تحديد تاريخ إصابة برأس المجني عليه – بفرض وقوع هذا الخطأ – طالما أن الطاعنين لم يدعوا أن تلك الإصابة قد أدت إلى وفاة المجني عليه أو ساهمت في إحداثها، ولم ينازعوا في صحة ما نقله الحكم عن تقرير الصفة التشريحية من أن الوفاة نتجت عن إصابات أخرى غير إصابة الرأس. فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد يكون غير سديد.
لما كان ذلك، وكان سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم في نفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة و إنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها – طال هذا الزمن أو قصر – بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير، فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الاصرار متوافراً ولا تقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض. وكان الحكم قد استظهر توافر سبق الإصرار لدى الطاعنين في قوله "وحيث إن سبق الإصرار يتوافر عليه الدليل من المشاجرة السابقة على وقوع الحادث بيومين والتي اعتلى فيها المجني عليه عنق...... (الطاعن الأول) بمنجلة وإحداث إصابات به وقصد هذا يعد يومين في جماعة من أخوته وقرابته ومع كل عصا غليظة إلى زراعة المجني عليه حيث فاجأوه بالاعتداء عليه مما يدل على أن المشاجرة الأولى قد أثارت في أنفسهم عوامل الغيظ فدبروا أمرهم جميعهم وجمعوا معهم عصيهم بعد تفكير وروية وأعدوا للأمر من اتفاق على صحبه واصطحاب لعصى واختيار لمكان وجود المجني عليه بزراعته لارتكاب جريمتهم وبما أظهرته التحقيقات من أن مشاجرة أو مشادة لم تحدث بين المجني عليه وأي من الجناة وقت وقوع الحادث أو قبيلة. "وكان المستفاد مما أورده الحكم أنه استظهر أن المشاجرة السابقة التي نشبت بين المجني عليه والطاعن الأول ولدت في نفس الطاعنين أمراً دفعهم إلى ارتكاب الجريمة بعد تفكير وروية وتدبير، فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون سليماً وصحيحاً في القانون، ولا ينال من صحته ما يثار من خطئه في تحديد تاريخ المشاجرة السابقة على وقوع الحادث، والباعث على ارتكابه، إذ فضلاً عن أن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها ولا يقدح في سلامة الحكم الخطأ فيه فإن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم إلا إذا تناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة أو فيما استخلصه من نتيجة، فإذا كان الحكم قد أورد في معرض استظهاره ظرف سبق الإصرار أن المشاجرة السابقة بين المجني عليه والطاعن الأول نشبت منذ يومين سابقين على الحادث، على خلاف الثابت بالأوراق من حدوثها في اليوم السابق على الحادث مباشرة، فإن هذا الخطأ لا يعيب الحكم طالما أنه غير مؤثر على جوهر الواقعة التي اقتنعت بها المحكمة، لأن الزمن الذي مر بين المشاجرة السابقة ووقوع الحادث كاف على أي الحالين لكي يمعن الطاعنون فكرهم وتدبيرهم في هدوء وروية قبل أن يقدموا على اقتراف جريمتهم، هذا فضلاً عن أن الحكم أورد بصدر مدوناته في معرض بيان صورة الواقعة التي اعتنقها - أن المشاجرة الأولى نشبت في اليوم السابق للحادث، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير قويم، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل ذلك، مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وكان الطاعنون لا ينازعون في صحة ما نقله الحكم من أقوال شهود الإثبات، فإن تناقض رواية الشهود في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ومن ثم فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ولا في تعويله في قضائه بالإدانة على أقوال شهود الإثبات بدعوى تعدد رواياتهم وتضارب أقوالهم، ومن ثم يكون منعي الطاعنين في هذا الصدد غير سديد وينحل الطعن برمته إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض مما يتعين معه رفض الطعن موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق