جلسة 5 ديسمبر سنة 1935
برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمد
لبيب عطية بك ومراد وهبة بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.
--------------------
(306)
القضية
رقم 43 سنة 5 القضائية
المجالس الحسبية:
(أ) مراقبة أعمال الأوصياء والقامة والوكلاء. اختصاص المجالس
الحسبية دون غيرها بذلك. إقرارها عمل أيهم. حجية قرار المجلس في حق عديم الأهلية.
تقديم المتولي الحساب السنوي أو النهائي للمجلس واعتماد المجلس إياه يمنع من
مطالبته بالحساب مرة أخرى. متى يصح الرجوع في أقلام هذا الحساب؟
)ب) المادة 34 من قانون
المجالس الحسبية الصادر في سنة 1925. المقصود منها.
)حـ) قرارات المجالس
الحسبية باعتماد الحساب. مناط حجيتها. المبالغ التي توجبها قراراتها. كيفية
التنفيذ بها. (المواد 3 و21 و24 و34 من قانون المجالس الحسبية الصادر في 13 أكتوبر
سنة 1925)
--------------
1 - إن المادة الثالثة من المرسوم بقانون الصادر في 13 أكتوبر سنة
1925 بشأن ترتيب المجالس الحسبية والمادتين 21 و24 منه واضحة الدلالة في أن مراقبة
أعمال الأوصياء والقامة والوكلاء وفحص حساباتهم لا يختص به سوى المجالس الحسبية
دون مجالس الطوائف التي كان لها مشاركة في هذا الاختصاص من قبل ودون المحاكم
العادية أيضا. فمتى نظرت هذه المجالس عمل أيهم وأجازته، ومتى فحصت حساب أيهم
واعتمدته، فان إجازتها للعمل واعتمادها للحساب يعتبران حجة نهائية للمتولي يحتج
بها على عديم الأهلية كأنها صادرة منه وهو ذو أهلية تامة. ومتى قام متولى شأن عديم
الأهلية بواجبه من تقديم الحساب السنوي أو النهائي للمجلس الحسبي فقد سقط عنه واجب
تقديم الحساب، ولا تمكن مطالبته مرة أخرى لدى القضاء بتقديم هذا الحساب. على أنه إذا
كان طلب الحساب من جديد محظورا بعد تقديم الحساب مرة أولى للجهة المختصة، وإذا كان
محظورا أيضا الرجوع للمناقشة عموم أقلام الحساب بعد أن حصلت تلك المناقشة مرة أولى
وتقرّرت نتيجته النهائية تقريرا هو حجة على طرفيه، فان من غير المحظور قانونا
الرجوع للحساب المعتمد لتصحيح ما يكون وقع في أرقامه من خطأ عملياته الحسابية أو
للطعن في أقلام خاصة بعينها من أقلامه تكون قائمة على غلط مادى أو تدليس أو تزوير.
2 - إن المادة 34 من قانون 13 أكتوبر سنة 1925 تشير إلى ما يكون
للقاصر أو للمحجور عليه من الدعاوى الشخصية الناشئة عن أمور الوصاية والقوامة بعد
انتهائهما وانتهاء مأمورية المجلس الحسبي، كدعاوى تصحيح أرقام الحساب أو المسئولية
عما يكون وقع في أقلام منه بعينها من التدليس أو التزوير مما أشير إليه فيما
تقدّم، وكدعاوى طلب الحساب في صورة ما إذا كان الوصي أو القيم قد امتنع عن تقديم
أى حساب للمجلس على الرغم من تنبيه المجلس عليه ومعاقبته بسبب عدم قيامه بهذا
الواجب وغير ذلك، أما في صورة ما إذا قدّم متولى شأن عديم الأهلية الحساب وفحص
المجلس الحسبي هذا الحساب واعتمده فلا يجوز التحدّي بهذه المادة.
3 - إن ما يثار عادة من أن قرارات المجالس الحسبية في مسائل الحساب
تحوز قوّة الشيء المحكوم فيه أو لا تحوز إنما هو إثارة بحث لا محل له. ذلك بأن
المجالس الحسبية لا تصدر أحكاما بالملزومية حتى يكون لها قوّة الشيء المحكوم فيه
أو لا يكون، وإنما هي عقب فحصها للحساب إذا ما قرّرت اعتماده فان اعتمادها يكون تتميما
لاتفاق رسمي بين عديم الأهلية، الحاّلة هي محله بقوّة القانون من جهة، وبين وليه
من جهة أخرى. وهذا الاتفاق هو وحده الذى يحتج به كل طرف من طرفيه على الآخر ككل
العقود والاتفاقات. أما نتيجة هذا الاتفاق إذا كانت موجبة لدين على عديم الأهلية
أو على وليه فان هذا الدين إن لم يسدّد ودّيا من أحدهما للآخر فالمحاكم العادية هي
التي تحكم به تنفيذا لذلك الاتفاق.
الوقائع
تتحصل وقائع الدعوى - بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن
المذكرات المقدّمة لمحكمة النقض - في أن مجلس حسبي مصر أصدر قرارا بتاريخ 16
فبراير سنة 1913 بتعيين الست أمينة عبد المنعم القاضي (المطعون ضدّها) قيمة على
والدتها الست خدوجة على شلبي التي كانت محجورا عليها، فأخذت هذه القيمة تدير
الشئون المالية لمحجورتها وتقدّم عن إدارتها حسابات سنوية للمجلس الحسبي المذكور
فكان المجلس يفحصها ويصدر قرارات باعتمادها. واستمرّت هكذا إلى أن توفيت والدتها
المذكورة في 23 مارس سنة 1927 عن ورثة منهم أولاد ابنها القصر الثلاثة المشمولون
بوصاية والدتهم الطاعنة. وقد قدّمت الست أمينة القيمة أيضا للمجلس تكملة حساب بشأن
بضعة الأشهر التي مضت من أوّل سنة 1928 إلى تاريخ وفاة المحجور عليها في 23 مارس
سنة 1928 واعتمده المجلس بقرار منه. وبعد ذلك قامت والدة القصر فرفعت بوصايتها
عليهم الدعوى الحالية ضدّ الست أمينة أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية حيث قيدت
بجدولها برقم 1604 سنة 1933 كلى مصر طالبة فيها إلزام المدّعى عليها بأن تقدّم لها
حسابا تفصيليا عن جميع المبالغ التي حصلتها لحساب محجورتها المرحومة الست خديجة
وما صرف منها، وذلك من تاريخ تعيينها قيمة لغاية وفاة المحجور عليها في 23 مارس
سنة 1928، وأن يكون الحساب مشفوعا بالمستندات المؤيدة له وذلك في بحر 15 يوما من
تاريخ الحكم الخ. وقد قضت المحكمة المذكورة بتاريخ 6 مارس سنة 1934 بالزام المدّعى
عليها بأن تقدّم حسابا تفصيليا بجميع المبالغ التي حصلتها لحساب محجورتها الست
خدوجة على شلبي وما صرف منها وذلك من تاريخ تعيينها قيمة لغاية وفاة المحجور عليها
في 23 مارس سنة 1928، وأن يكون الحساب مشفوعا بالمستندات في ظرف شهر من تاريخ
النطق بهذا الحكم وإلا فتلزم بغرامة قدرها 50 قرشا عن كل يوم من أيام التأخير
وأبقت الفصل في المصاريف.... الخ. فاستأنفت الست أمينة عبد المنعم القاضي هذا
الحكم وطلبت إلغاءه ورفض دعوى المستأنف عليها مع إلزامها بالمصاريف وأتعاب
المحاماة.
وهذا الاستئناف الذى قيد
بجدول محكمة استئناف مصر تحت رقم 575 سنة 51 قضائية قضت فيه المحكمة المذكورة
بتاريخ 13 يناير سنة 1935 بقبوله شكلا وبإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف
عليها الست أنيسة بنت مصطفى بصفتها مع إلزامها بمصاريف الدرجتين و300 قرش مقابل
أتعاب المحاماة.
وقد أعلن هذا الحكم إلى
الطاعنة في 12 مارس سنة 1935، فطعنت فيه بطريق النقض في 9 أبريل سنة 1935 بتقرير
أعلنته إلى المطعون ضدّها في 10 أبريل سنة 1935، وقدّم كل منهما مذكرته في الميعاد،
كما قدّمت النيابة مذكرتها في 16 نوفمبر سنة 1935.
وقد حدّد لنظر هذا الطعن
جلسة يوم الخميس 5 ديسمبر سنة 1935 حيث سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة
ثم صدر الحكم الآتي:
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمذكرات والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم عن حكم
قابل له وقد تمت إجراءاته القانونية في الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن محصل الطعن:
(أوّلا) أن الحكم المطعون فيه إذ منع تقديم الحساب من جديد بعلة
سبق تقديمه للمجلس الحسبي واعتماده إياه قد خالف قانون المجالس الحسبية الصادر في 13
أكتوبر سنة 1925 خصوصا المادة 34 منه. وتقول الطاعنة إن قرارات المجالس الحسبية لا
تحوز قوّة الشيء المحكوم فيه، وإنه لهذا جرى القضاء على أن للقاصر أو المحجور عليه
بعد انتهاء الوصاية أو القوامة أن يطلب من وصيه أو قيمه حسابا تفصيليا عن مدّة
وصايته أو قوامته.
(ثانيا) أن أسباب الحكم وقع فيها تناقض إذ بينما هو يقرّر أنه لا
يجوز طلب الحساب من جديد إذا به يعود فيقول إن الطاعنة لم تبين وجه طعنها في الحساب
السابق تقديمه للمجلس الحسبي.
(ثالثا) أن الحكم مبنى على وقائع غير صحيحة، فان الطاعنة بينت
الأسباب التي ترتكن عليها في مطالبة المطعون ضدّها بتقديم الحساب خلافا لما يقوله
الحكم.
وحيث إن المادة الثالثة
من المرسوم بقانون الصادر في 13 أكتوبر سنة 1925 بخصوص ترتيب المجالس الحسبية نصت
على أن تلك المجالس تنظر دون غيرها في أمور ذكرتها ومنها "مراقبة أعمال
الأوصياء ووكلاء الغائبين والنظر في حساباتهم الخ". والمادة 21 منه أوجبت على
هؤلاء المتولين استئذان المجلس في التصرفات الماسة من قرب أو من بعد برؤوس أموال عديمي
الأهلية. والمادة 24 أوجبت عليهم "أن يقدّموا حسابهم بوجه التفصيل في آخر كل
سنة إلى المجلس الحسبي التابعين له وأن تكون حساباتهم مرفقا بها جميع المستندات
المؤيدة لها"، كما أوجبت عليهم "تقديم الحسابات النهائية إلى المستحقين
أو إلى المتولين الذين يعينون للإدارة بدلهم وأن يكون ذلك أمام المجالس الحسبية".
وحيث إن المادتين 21 و24
ليستا سوى تنفيذ للمادة الثالثة. وكل هذه المواد الثلاث واضحة الدلالة في أن
مراقبة أعمال الأوصياء والقامة والوكلاء وفحص حساباتهم لا يختص به سوى المجالس
الحسبية دون مجالس الطوائف التي كان لها مشاركة في هذا الاختصاص من قبل ودون
المحاكم العادية أيضا.
وحيث إنه إذا كان من
مصلحة عديمي الأهلية أن تتولى جهة حكومية كالمجالس الحسبية مراقبة أعمال من يتولون
أمورهم والنظر في حساباتهم فان هؤلاء المتولين أيضا كل الحق في الحصول أوّلا بأوّل
على ما يثبتون به قيامهم بأعمالهم على الوجه المرضى حتى يطمئنوا ويأمنوا على أن
عديم الأهلية لن ينازعهم، لا هو بعد استكمال أهليته ولا من يتولى أمره من بعدهم،
في حسن قيامهم بتلك الواجبات.
وحيث إن هذا النظر العادل
هو الذى تقوم عليه فعلا مهمة المجالس الحسبية فيما يتعلق بمراقبة أعمال الأوصياء
والقامة والوكلاء والنظر في حساباتهم. فمتى نظرت عمال أيهم وأجازته، ومتى فحصت
حساب أيهم واعتمدته، فان إجازتها للعمل واعتمادها للحساب يعتبران حجة نهائية للمتولي
يحتج بها على عديم الأهلية كأنها صادرة منه وهو ذو أهلية تامة. ولو كان في هذا
أدنى شك لما قبل أحد أن يتولى شأن عديم الأهلية، ولما كان اختصاص المجالس الحسبية
في هذا الصدد ومشقتها في فحص الحساب إلا عبثا في عبث.
وحيث إن ما يثار عادة من
أن قرارات المجالس الحسبية في مسائل الحساب تحوز قوّة الشيء المحكوم فيه أو لا
تحوز إنما هو إثارة بحث لا محل له في صورة ما إذا كان المجلس اعتمد الحساب نهائيا.
ذلك بأن المجالس الحسبية لا تصدر أحكاما بالملزومية حتى يكون لها قوّة الشيء
المحكوم فيه أو لا يكون، وإنما هي عقب فحصها للحساب إذا اعتمدته فان اعتمادها يكون
تتميما لاتفاق رسمي بين عديم الأهلية الحالة هي محله بقوّة القانون من جهة وبين
وليه من جهة أخرى. وهذا الاتفاق هو وحده الذى يحتج به كل طرف من طرفيه على الآخر
ككل العقود والاتفاقات. أما نتيجة هذا الاتفاق إذا كانت موجبة لدين على عديم
الأهلية أو على وليه، فان هذا الدين إن لم يسدّد ودّيا من أحدهما للآخر، فالمحاكم
العادية هي التي تحكم به تنفيذا لذلك الاتفاق.
وحيث إن نتيجة هذا:
(أوّلا) أن متولى شأن عديم الأهلية متى قام بواجبه من تقديم الحساب السنوي أو النهائي
للمجلس الحسبي فقد سقط عنه واجب تقديم الحساب ولا تمكن مطالبته مرة أخرى لدى
القضاء بتقديم هذا الحساب. (ثانيا) أن المجلس الحسبي متى فحص الحساب واعتمده فان
اعتماده إياه يكون حجة على عديم الأهلية كما لو كان هذا العديم الأهلية غير عديمها
وكان هو الذى اعتمد الحساب.
وحيث إن الثابت في الدعوى
الحالية من جهة أن الحسابات المطلوبة سبق تقديمها للمجلس الحسبي وهو الجهة المختصة
فلا سبيل لإلزام القيمة بتقديمها مرة أخرى، ومن جهة ثانية أن المجلس اعتمد هذه
الحسابات، فاعتماده إياها حجة نهائية للقيمة ملزمة للمحجور عليها ولورثتها من
بعدها. وإذن يكون الحكم المطعون فيه لم يخالف القانون، بل هو من هذه الناحية في غاية
السلامة ويكون وجه الطعن الأوّل في غير محله.
وحيث إن أسباب الحكم لا
تناقض فيها كما تزعم الطاعنة لا من النوع الذى يسقطها جميعا ويجعل الحكم كأنه غير
مسبب فيكون داعيا لنقضه، بل ولا من أي نوع آخر ولو بسيط من أنواع التناقض. وذلك
لأن طلب الحساب من جديد إذا كان محظورا بعد أن قدّم الحساب مرة أولى للجهة
المختصة، وإذا كان محظورا أيضا الرجوع للمناقشة في عموم أقلامه بعد أن حصلت تلك
المناقشة مرة أولى وتقرّرت نتيجته النهائية تقريرا هو حجة على طرفيه - إذا كان هذا
فان من غير المحظور قانونا الرجوع للحساب المعتمد لتصحيح ما يكون وقع في أرقامه من
خطأ عملياته الحسابية أو للطعن في أقلام خاصة بعينها من أقلامه تكون قائمة على غلط
مادى أو تدليس أو تزوير. وهذا المعنى هو الذى أرادته محكمة الاستئناف حين قالت في الحكم
المطعون فيه إن المستأنف عليها (الطاعنة) لم تبين وجه طعنها على الحسابات التي
قدّمت للمجلس واعتمدت. وإذن يكون الوجه الثاني غير جدير بالاعتبار.
وحيث إن الوجه الثالث لا
اعتداد به، فان الطاعنة لا تقول إنها بينت ما يدل على وقوع خطأ في أرقام العمليات
الحسابية ولا إنها ادعت غلطا ماديا أو تدليسا أو تزويرا في أقلام بعينها من الحساب
وأقامت الدليل عليه وإنما تقول إنها بينت الأسباب الموجبة لتقديم الحساب، فكلامها
في هذا الصدد هو مجرّد ترديد لما تقوله في الوجه الأوّل مما سبق بيان بطلانه.
وحيث إنه لجميع ذلك يتعين
رفض الطعن. على أنه لا يفوت هذه المحكمة الإشارة إلى أن تحدّى الطاعنة بالمادة 34
من قانون أكتوبر سنة 1925 لا يفيدها فان هذه المادة تشير إلى ما يكون للقاصر أو
للمحجوز عليه من الدعاوى الشخصية الناشئة عن أمور الوصاية والقوامة بعد انتهائهما
وانتهاء مأمورية المجلس الحسبي كدعاوى تصحيح أرقام الحساب أو المسئولية عما يكون
وقع في أقلام منه بعينها من التدليس أو التزوير مما أشير إليه فيما تقدّم، وكدعاوى
طلب الحساب في صورة ما إذا كان الوصي أو القيم قد امتنع عن تقديم أي حساب للمجلس
على الرغم من تنبيه المجلس عليه ومعاقبته بسبب عدم قيامه بهذا الواجب وغير ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق