جلسة 26 من ديسمبر سنة 1977
برياسة السيد المستشار/
محمد عادل مرزوق - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الواحد
الديب، ودكتور أحمد رفعت خفاجي، وإسماعيل محمود حفيظ، ومحمد عبد الحميد صادق.
------------
(219)
الطعن رقم 252 لسنة 47
القضائية
(1) محكمة الموضوع.
"سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل
منها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم جواز المجادلة فيما
ارتسم في وجدان القاضي بالدليل الصحيح أمام محكمة النقض.
(2) ضرب "أفضى إلى موت". ظروف مشددة. سبق
إصرار. محكمة "الدفاع" الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
تحقق ظرف سبق الإصرار
بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن ثورة الانفعال صحة افتراضه. كلما
طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها تحققه كذلك. ولو كانت خطة التنفيذ معلقة
على شرط.
(3)سبق إصرار. جريمة. "أركانها". أسباب الإباحة وموانع
العقاب. "الدفاع الشرعي". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
ثبوت التدبير للجريمة.
سواء بتوافر سبق الإصرار أو انعقاد الاتفاق على إيقاعها أو التحيل لارتكابها. ينفي
حتماً موجب الدفاع الشرعي. الذي يفترض رداً حالاً لعدوان حال دون الإعداد له
وإعمال الخطة في إنفاذه.
----------------
1 - لما كان البين من
مطالعة المفردات - التي أمرت المحكمة بضمها - أن ما حصله الحكم من أقوال الشاهدين
والطاعنين له في الأوراق صداه ولم يحد في تحصيله عن نص ما أنبأت به أو فحواه، فلا
يعدو الطعن عليه بدعوى الخطأ في الإسناد أن يكون مجادلة لتجريح أدلة الدعوى على
وجه معين، تأديا من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع
بالدليل الصحيح، وهو ما لا تقبل إثارته لدى محكمة النقض.
2 - من المقرر في تفسير
المادة 231 من قانون العقوبات، أن سبق الإصرار - وهو ظرف مشدد عام في جرائم القتل
والجرح والضرب - يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن ثورة
الانفعال مما يقتضي الهدوء والروية قبل ارتكابها لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى
من نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره، وكلما طال الزمن بين
الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراض قيامه، وهو يتحقق كذلك ولو كانت خطة التنفيذ
معلقة على شرط أو ظرف، بل ولو كانت نية اقتراف الجريمة لدى الجاني غير محددة، قصد
بها شخصاً معيناً أو غير معين صادفه حتى ولو أصاب بفعله شخصاً وجده غير الشخص الذي
قصده وهو ما لا ينفي المصادفة أو الاحتمال، وقد جرى قضاءه هذه المحكمة على أن
تقدير الظروف التي يستفاد منها توافر سبق الإصرار هو من الموضوع الذي يستقل به
قاضيه بغير معقب ما دام لاستخلاصه وجه مقبول.
3 - من المقرر أنه متى
أثبت الحكم التدبير للجريمة سواء بتوافر سبق الإصرار أو انعقاد الاتفاق على
إيقاعها أو التحيل لارتكابها انتفى حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً
حالاً لعدوان حال دون الاسلاس له وإعمال الخطة في إنفاذه، لهذا، ولأن الدفاع
الشرعي لم يشرع للانتقام من الغرماء بل لكف الاعتداء، وهو ما انتهى إليه الحكم
بغير معقب فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الخصوص يكون غير سديد.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين
بأنهم أحدثوا عمداً...... الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم
يقصدوا من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته وكان ذلك مع سبق الإصرار والترصد.
وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمادة 236/ 1 - 2
من قانون العقوبات، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً عملاً بمادة
الاتهام بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن ثلاث سنوات. فطعن المحكوم عليهم في هذا
الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
من حيث إن قضاء هذه
المحكمة قد جرى على أن التقرير بالطعن بالنقض في الحكم هو مناط اتصال المحكمة به،
وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط
لقبوله، وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها
أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه. لما كان ذلك، وكان الطاعن الثالث - .... - وإن
قرر بالطعن في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه ومن ثم يكون الطعن المقدم
منه غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من
الطاعنين الأول والثاني - قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
حيث إن مبنى ما ينعاه
الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة الضرب المميت مع سبق الإصرار
والترصد قد انطوى على خطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون، ذلك بأنه أسند إلى كل من
العقيد ... ... والطاعنين القول بأن المتهمين كانوا يعرفون من قبل أن المجني عليه
هو السارق لصيدهم فترصدوه بقصد الاعتداء عليه، واستخلص الحكم من ذلك توافر ظرفي
سبق الإصرار والترصد، في حين أن روايتهم تنتهي إلى أن المتهمين لا يعرفون شخص
السارق وأنهم باتوا يحرسون صيدهم للقبض على من يسرقه وإبلاغ الشرطة على نحو ما حدث
فعلاً، وأن مبادرة المجني عليه بالاعتداء على الطاعن الأول وإحداثه به إصابة يده
التي أثبتها المحقق وأغفلها الحكم، هي التي حدت بالطاعن الثالث إلى أن ينتزع
"الكوريك" من المجني عليه ويعتدي عليه به، وهي ما ينتفي معه ظرف سبق
الإصرار وتنهض به حالة الدفاع الشرعي عن النفس والمال والتي يدفعها ما تفترضه
المحكمة من إمكان الالتجاء إلى السلطة، كل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه حصل واقعة الدعوى فيما يجمل أن المتهمين - الطاعنين - وهم يحترفون صيد السمك
من النيل قد لاحظوا سرقة صيدهم من معداته فتحروا الأمر حتى علم المتهم الثالث أن
المجني عليه هو الذي اعتاد سرقته، فتدبروا أمرهم وعقدوا العزم على ترصده والاعتداء
عليه إذا حضر كدأبه، إلى أن كانت ليلة الحادث وتنفيذاً لما أصروا عليه، كمنوا له
عند معدات الصيد مزودين بكوريك وعصاوين غليظتين، وإذ حضر وهم بمباشرة السرقة قام
إليه ثلاثتهم واعتدوا عليه بالضرب على رأسه وأجزاء متفرقة من جسمه فأحدثوا به
الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصدوا من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى
إلى موته، وقد دلل الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعنين بما تنتجها من وجوه
الأدلة الواردة في المساق المتقدم والتي استمدها من شهادة كل من المقدم ..... وابن
الطاعن الثالث واعتراف كل من الطاعنين الأول والثاني، وثبوت قيام الباعث في نفس
المتهمين على الاعتداء من قبل ومن تقرير الصفة التشريحية، بما تتوافر به كافة
العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار والترصد التي دان
الطاعنين بها، لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة المفردات - التي أمرت المحكمة
بضمها - أن ما حصله الحكم من أقوال الشاهدين والطاعنين له في الأوراق صداه ولم يحد
في تحصيله عن نص ما أنبأت به أو فحواه، فلا يعدو الطعن عليه بدعوى الخطأ في
الإسناد أن يكون مجادلة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين، تأديا من ذلك إلى مناقضة
الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح، وهو ما لا تقبل إثارته
لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل على ثبوت ظرف سبق الإصرار في حق
المتهمين بما يشهد به اتفاقهم فيما بينهم وقبل واقعة الدعوى بفترة طويلة على
الاعتداء على المجني عليه إذا ما ظفروا به انتقاماً منه لاقترافه سرقة صيدهم ومن
إعدادهم أدوات الاعتداء لهذا الغرض، ثم اعتداء ثلاثتهم بها عليه بمجرد أن ظفروا
به، وكان من المقرر في تفسير المادة 231 من قانون العقوبات، أن سبق الإصرار - وهو
ظرف مشدد عام في جرائم القتل والجرح والضرب يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة
تنفيذها بعيداً عن ثورة الانفعال مما يقتضي الهدوء والروية قبل ارتكابها لا أن
تكون وليدة الدفعة الأولى من نفس جاشت باضطرابات وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن
طوره، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراض قيامه، وهو يتحقق
كذلك ولو كانت خطة التنفيذ معلقة على شرط أو ظرف، بل ولو كانت نية اقتراف الجريمة
لدى الجاني غير محددة، قصد بها شخصاً معيناً أو غير معين صادفه حتى ولو أصاب بفعله
شخصاً وجده غير الشخص الذي قصده وهو ما لا ينفي المصادفة أو الاحتمال، وقد جرى
قضاء هذه المحكمة على أن تقدير الظروف التي يستفاد منها توافر سبق الإصرار هو من
الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام لاستخلاصه وجه مقبول، وإذ كان ما
استدل به الحكم فيما سلف على ثبوت سبق الإصرار إنما يسوغ به ما استنبطه من توافره،
ولا محل من بعد لما يثيره الطاعنان من القول بانتفائه بدعوى عدم معرفتهما لشخص
السارق، أو التحدي بأن مبادرة المجني عليه على الطاعن الأول - إن صحت - هي التي
حدت إلى الاعتداء عليه، إذ لا شأن لها بنفوس المتهمين التي كانت مهيأة من قبل
للاعتداء بعدته وأدواته وسعوا إليه ليلة الحادث سواء تشابكت الحوادث في ربط زمني
متصل أو وقعت بينها فرجة من الوقت تفسح لسبق الإصرار ولا تنفيه. لما كان ذلك، وكان
من المقرر أنه متى أثبت الحكم التدبير للجريمة سواء بتوافر سبق الإصرار أو انعقاد
الاتفاق على إيقاعها أو التحيل لارتكابها انقضى حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي
يفترض رداً حالاً لعدوان حال دون الاسلاس له وإعمال الخطة في إنفاذه، لهذا، ولأن
الدفاع لم يشرع للانتقام من الغرماء بل لكف الاعتداء، وهو ما انتهى إليه الحكم
بغير معقب، فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الخصوص يكون غير سديد. ولما كان ما تقدم،
فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق