الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 10 أكتوبر 2020

الطعن 1 لسنة 5 ق جلسة 31 / 10 / 1935 مج عمر المدنية ج 1 ق 295 ص 912

جلسة 31 أكتوبر سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمود سامى بك المستشارين.

---------------

(295)
القضية رقم 1 سنة 5 القضائية

(أ) حكم. تسبيبه. 
وقائع الدعوى وطلبات الخصوم. بيانها في ديباجة الحكم. أخذه بأسباب الحكم التمهيدي الموضحة فيه هذه الوقائع والطلبات بالتفصيل. كفايته.
(المادة 103 مرافعات)
(ب) وضع يد. 
تقدير قيمته من ناحية صفته ومن ناحية استمراره أو عدم استمراره. موضوعي.
)حـ) نقض وإبرام. 
خطأ مادّى غير مؤثر في جوهر الحكم. لا يعتدّ به.

(د) حكر. 
دعوى الحكر. مدلولها. دعوى جهة الوقف. تثبيت ملكيتها الأرض عليها بناء تعهد صاحبه بدفع قيمة الحكر. صفة هذه الدعوى.
(هـ) وقف. 
الدعوى بملكيته. متى تسقط؟
(و) حكر. 
وضع يد المحتكر وورثته من بعده. وضع يد مؤقت. الفرق بين عقد الإيجار وعقد التحكير. (المادة 19 مدنى)
(ز) حكر. 
عقد التحكير. انفساخه لعدم دفع الأجرة. لا يغير صفة وضع اليد. وضع اليد في هذه الصورة مهما طالت مدته لا يكسب الملكية. (المادة 79 مدنى)

----------------
1 - إذا بيّن الحكم في ديباجته وقائع الدعوى وطلبات الخصوم فيها، كما قرّر في أسبابه أنه يأخذ بأسباب الحكم التمهيدي الصادر في الدعوى المبين فيه بالتفصيل كل وقائعها وطلبات الخصوم وأوجه دفاعهم، فذلك كاف لردّ ما يعترض به عليه من جهة عدم توضيحه وقائع النزاع إيضاحا كافيا وعدم ذكره طلبات الخصوم وعدم بيان جوهر دفاعهم.
2 - لمحكمة الموضوع الحق في تقدير قيمة وضع اليد قبل تاريخ العقود المقدّمة للتدليل على تملك الأرض المتنازع عليها ومن بعد تاريخها، من ناحية صفته ومن ناحية استمراره المدّة القانونية المكسبة للملكية أو عدم استمراره. ونقدها في هذا هو مصادرة لها في حقها القانوني.
3 -  إذا تبين أن وجه الطعن قائم على مجرّد خطأ مادّى انزلق إليه الحكم المطعون فيه ولم يكن له تأثير في فهم مراده فمثل هذه المطعن لا يعتدّ به.
4 - دعوى الحكر ليس لها مدلول في العادة سوى دعوى المطالبة بمرتب الحكر، أي أجرة الأرض المحكورة، التي تسقط بعدم المطالبة بما زاد منها على الخمس السنوات. وقد تدل على دعوى النزاع في عقد التحكير نفسه من جهة صحته أو بطلانه ووجوب فسخه أو عدم وجوبه. أما الدعوى المقامة من جهة الوقف بطلب تثبيت ملكيتها لقطعة أرض تابعة لوقف مقام عليها بناء منزل تعهد من اشتراه في حجة الشراء بدفع الحكر لجهة الوقف فإنها دعوى تثبيت ملكية عقارية.
5 - ملكية الوقف لا تسقط الدعوى بها بمجرّد الإهمال فقط مدّة ثلاث وثلاثين سنة، بل إنها تستمرّ حاصلة لجهة الوقف ما لم يكسبها أحد بوضع يده ثلاثا وثلاثين سنة وضعا مستوفيا جميع الشرائط المقرّرة قانونا لاكتساب ملكية العقار بوضع اليد.
6 - وضع يد المحتكر وورثته من بعده هو وضع يد مؤقت مانع من كسب الملكية مما ينطبق عليه نص المادة 79 من القانون المدني التي تنص على عدم إمكان ثبوت ملكية العقار "لمن كان واضعا يده عليه بسبب معلوم غير أسباب التمليك سواء كان ذلك السبب مبتدأ منه أو سابقا ممن آلت منه إليه".
7 - إن المادة 79 من القانون المدني إذا كان قد ذكر فيها أنه "وعلى ذلك فلا تحصل الملكية بوضع اليد للمستأجر والمنتفع والمودع عنده والمستعير ولا لورثتهم من بعدهم" فهذا الذكر ليس واردا بها على سبيل الحصر، بل واضح أنه على سبيل التمثيل فقط.
8 - إن المحتكر ليس في الواقع سوى مستأجر. وليس بين عقد الإيجار وعقد التحكير من فارق سوى كون المحتكر له حق البقاء والقرار ما دام يدفع أجرة مثل الأرض المحكرة. وهذا الفارق لا شأن له في صفة وضع يده من جهة كونه مؤقتا أو غير مؤقت، بل إن أقصى ما ينتج عن هذا الفارق هو أن للمحتكر حق الانتفاع العيني بالأرض، والمنتفع لا يملك بالمدّة لوروده صراحة في نص المادة 79 من القانون المدني.
9 - إن انفساخ عقد التحكير لعدم دفع الأجرة ثلاث سنين أمر إذا كان الشرعيون قرّروه فما ذلك إلا ابتغاء مصلحة الوقف دون مصلحة المحتكر، فألذى يتحدّى به هو جهة الوقف إن أرادته، أما المحتكر فلا يقبل منه التحدّي بذلك في صدد تمسكه بتغير صفة وضع اليد الحاصل ابتداء بسبب التحكير، بل مهما انفسخ عقد التحكير للعلة المذكورة فإن صفة وضع اليد تبقى على حالها غير متغيرة. مثل المحتكر في ذلك كمثل المستأجر العادي لو كان مقرّرا في عقد التأجير له أن العقد يصبح مفسوخا حتما بعدم دفع الأجرة في مواعيدها فانه مهما انقطع عن دفع الأجرة في مواعيدها، ومهما طالب انتفاعه بالعين المؤجرة بغير أن يدفع أجرتها، فانه لا يستطيع أن يكسب الملكية بوضع اليد.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة - فيما يأتي:
بمقتضى حجة شرعية مؤرّخة في 6 شوال سنة 1288 (1871 ميلادية) اشترى المرحوم خليل عبد القدّوس منزلا واقعا بجهة الخرنفش بمدينة القاهرة ومقاما على أرض تابعة لوقفي الشيخ أحمد القوصونى وبرسباى وتعهد فيه هذه الحجة بالقيام بدفع ما على هذه الأرض من الحكر لجهة الوقف فوضع اليد على هذا المنزل واستمرّ ورثته من بعده واضعي اليد حتى سنة 1892 حيث شرع بعضهم في بيع حصصهم فيه وقد أدخلوا في عقود البيع الأرض المقام عليها هذا المنزل فبلغ ما بيع منه حتى سنة 1900 12 قيراطا و4 أسهم آلت جميعها في آخر الأمر إلى حسن الدمنهوري بمقتضى عقدين مسجلين الأوّل في 31 يوليه سنة 1900 والثاني في 29 أغسطس سنة 1900، وهذا وقفها مع ما وقفه من أعيان أخرى بمقتضى حجة شرعية محرّرة في 11 مايو سنة 1901. أما باقي المنزل وقدره 11 قيراطا و20 سهما فاستمرّ في وضع يد باقي ورثة المرحوم خليل عبد القدّوس حتى آل في نهاية الأمر إلى الست نبيهة هاشم عبد القدّوس بنت ابنه هاشم خليل عبد القدّوس.
وفى يوليه سنة 1923 رفعت وزارة الأوقاف بصفتها ناظرة على الوقفين المذكورين دعوى على السيد حسن الدمنهوري بصفته ناظرا على وقف والده ثم على الست نبيهة هاشم عبد القدّوس باعتبارهما المالكين الحاليين للبناء المقام على الأرض الموقوفة طلبت فيها الحكم بإلزامهما بأن يدفعا لها حكر خمس سنوات سابقة على تاريخ رفع الدعوى بخلاف ما يستجد من الحكر. وقيدت الدعوى المذكورة بجدول محكمة الوايلي برقم 101 سنة 1924 فقضت فيها المحكمة بتاريخ 6 فبراير سنة 1926 - بعد أن عينت خبيرا وأردفته بآخر - بإيقاف الفصل فيها إلى أن يقضى في الملكية. فرفعت وزارة الأوقاف استئنافا عن هذا الحكم والمحكمة الاستئنافية قضت بتأييده بتاريخ 6 نوفمبر سنة 1927.
وفى أبريل سنة 1930 رفعت الوزارة الدعوى الحالية وقيدت بجدول محكمة مصر الأهلية برقم 1044 سنة 1930 كلى طلبت فيها الحكم بثبوت ملكيتها بصفتها لقطعة الأرض المقام عليها بناء المنزل المذكور وتسليمها لها مع إلزام السيد حسن الدمنهوري بصفته والست نبيهة هاشم عبد القدّوس ما لكى البناء بالمصاريف والأتعاب والنفاذ بلا كفالة. فدفع المدّعى عليهما المذكوران هذه الدعوى بجملة دفوع منها أنهما وضعا اليد على الأرض الموقوفة المدّة الطويلة المكسبة لملكيتها وهى 33 سنة. ووزارة الأوقاف ردّت على هذا الدفع بأن الوقف لا يملك بمضي المدّة. وفى 28 أبريل سنة 1932 قضت محكمة مصر بإحالة هذه الدعوى على التحقيق وكان من ضمن الأسباب التي ذكرتها قولها:
إنه لا نزاع في أن إقرار السيد خليل عبد القدّوس بالوقف لا يجب أن يكون سببا مانعا من جواز تملك من بعد من الورثة ملكية صحيحة للأرض موضوع النزاع. فان هذا الإقرار ولو أنه منشئ للوقف (كذا) ملزم لنفس المقرّ من حيث عدم جواز نقضه والادعاء بتملكه للأرض بمضي المدّة، فان هذا الأثر لا يتعدّى إلى غيره من ورثاه أو الغير إذا كانوا قد وضعوا يدهم على الأرض بنية التملك ظاهرين بمظهر المالكين. وقد قدّم المدّعى عليهم دليلا على ذلك سلسلة عقود صادرة من سنة 1892 تتناول التصرف في الأرض والبناء.
وحيث إنه لا يرد على ذلك ما ذهبت إليه وزارة الأوقاف وحاولت التدليل عليه بما قدّمته من الأحكام المرفقة بمذكرتها من أن نية التملك لا يمكن أن يقوم عليها دليل أو تظهر بمظهر خارجي عند مالك البناء المقام على أرض محكرة، فان صعوبة التدليل على واقعة لا يؤثر على القاعدة القانونية في ذاتها، فضلا عن أن نية التملك قد يدل عليها تصرف مالك البناء فيه وفى الأرض معا كما يدعى المدّعى عليهم.
باشرت المحكمة التحقيق وسمعت أقوال الشهود ثم حكمت بتاريخ 2 مايو سنة 1933 برفض الدعوى. فاستأنفت وزارة الأوقاف هذا الحكم بالاستئناف رقم 1081 سنة 50 قضائية، ومحكمة الاستئناف قضت بتاريخ 20 مايو سنة 1934 بإلغاء الحكم المستأنف وثبوت ملكية وزارة الأوقاف بصفتها للأرض موضوع النزاع. وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعنين في 2 أكتوبر سنة 1934، فطعنا فيه بطريق النقض في أوّل نوفمبر سنة 1934 بتقرير أعلن المطعون ضدّها في 4 منه. وقدّم الطرفان مذكرتيهما في الميعاد، وقدّمت النيابة مذكرتها في 23 يونيه سنة 1935.
وبجلسة الخميس 24 أكتوبر سنة 1935 التي تحدّدت لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة وتأجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن بنى على سببين:
(الأوّل) مخالفة الحكم المطعون فيه للمادة 103 من قانون المرافعات. وفى تفصيل هذا الوجه يقول الطاعنان إن بأسباب الحكم عدّة عيوب مبطلة له مجتمعة أو منفردة فانه: (1) لم يوضح وقائع النزاع إيضاحا كافيا و(2) لم يذكر طلبات الخصوم ولم يبين جوهر دفاعهم و(3) لم يرد على دفع أبداه أوّل الطاعنين في مذكرة مقدّمة منه في 22 فبراير سنة 1934 هو عدم قبول الاستئناف المرفوع من الوزارة لرضائها عن الحكم التمهيدي الصادر في 28 أبريل سنة 1932 وتنفيذها له دون أن تحتفظ بحق استئنافه و(4) مناقضته للمستندات المقدّمة للمحكمة، إذ قد ورد به أن خليل عبد القدوس باع في سنة 1901 جزءا من العقار المتنازع عليه إلى السيد حسن الدمنهوري مع أن خليل عبد القدوس توفى في سنة 1299 هجرية و(5) أخذه بأسباب الحكم التمهيدي الصادر في 28 أبريل سنة 1932 أخذا مطلقا ثم خروجه على ما قضى به الحكم المذكور من اعتبار العقود المقدّمة من الطاعنين دليلا على ملكيتهما للعقار يصح تأييده بالبينة و(6) إلغاؤه الحكم الابتدائي دون أن يبين سببا لعدم الأخذ بالأدلة التي اعتمد عليها ذلك الحكم الابتدائي بل ودون أن يشير إليه بكلمة تشعر أن المحكمة اطلعت عليه.
(الثاني) مخالفة الحكم المطعون فيه للمادة 28 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية والمادة 376 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمواد 7 و76 و208 من القانون المدني. وفى تفصيل هذا الوجه يقول الطاعنان ما حاصله أن القانون المدني قرّر في المادتين 76 و208 المبدأ العام لتملك الحقوق وسقوطها بمضي المدّة، وأنه عملا بالمادة 28 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية والمادة 7 من القانون المدني قد طبق الشراح والمحاكم هذا المبدأ في مادة الوقف على ضوء القواعد الشرعية فأخذوا بما قرّرته المادة 376 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من أن القضاة ممنوعون من سماع الدعاوى التي مضت عليها 15 سنة مع تمكن المدّعى من رفعها وعدم العذر الشرعي له في عدم إقامتها إلا في الإرث والوقف فان سماعها لا يمنع إلا بعد 33 سنة مع التمكن وعدم العذر. وهذا كله مع إنكار الحق في تلك المدّة. يقول الطاعنان هذا ثم يقولان إن ما يسرى على الوقف يسرى على الحكر، وإنه عملا بهذا المبدأ قضت المحاكم بأن دعوى المطالبة بالحكر تسقط إن أهمل المستحكر رفعها مدّة 33 عاما، وإن الثابت في الدعوى الحالية أن وزارة الأوقاف لم تطالب بالحكر إلا في عام 1914 أى بعد مضى 50 عاما على شراء خليل عبد القدّوس للعقار، وإن هذه الواقعة وحدها تكفى لرفض دعوى الوزارة بغض النظر عن صفة وضع يد كل من خليل عبد القدّوس وورثته على العقار.
ولهذين السببين يطلب الطاعنان نقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصليا بتأييد الحكم الابتدائي الصادر في 2 مايو سنة 1933 من محكمة مصر واحتياطيا إحالة الدعوى لمحكمة الاستئناف للفصل فيها مجدّدا من دائرة أخرى الخ.
عن السبب الأوّل:
حيث إن الطاعنين لم يقدّما دليلا على أن أوّلهما دفع في مذكرة له محرّرة في 22 فبراير سنة 1934 بعدم قبول الاستئناف المرفوع من الوزارة لرضائها عن الحكم التمهيدي الصادر في 28 أبريل سنة 1932. وقد تنازل وكيله فعلا بجلسة المرافعة عن هذا الشطر من طعنه. وكذلك لم يقدّم الطاعنان لهذه المحكمة صورة من الحكم الابتدائي لتعلم محكمة النقض ما هي أدلته التي لم تردّ عليها محكمة الاستئناف. فالشطران الثالث والسادس من هذا الوجه لا اعتداد بهما.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين في ديباجته وقائع الدعوى وطلبات الخصوم فيها كما أنه في أسبابه قد قرّر أنه يأخذ بأسباب الحكم التمهيدي الصادر في 28 أبريل سنة 1932 وهذا الحكم مبين فيه بالتفصيل كل وقائع الدعوى وطلبات الخصوم وأوجه دفاعهم، وهذا في ذاته كاف لرد اعتراض الطاعنين في الشطرين الأوّل والثاني من هذا الوجه، ويكون هذان الشطران لا اعتداد بهما أيضا.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذا كان أخذ بأسباب الحكم التمهيدي فانه لم يأخذ بها على إطلاقها كما يقول الطاعنان، بل هو إنما اعتمد من هذه الأسباب ما أثبتت به المحكمة الابتدائية أن الأرض ملك للوقفين اللذين في نظر الوزارة وأنها محكرة إلى خليل عبد القدّوس، وأن ورثة خليل عبد القدّوس هذا (لا خليل نفسه كما ذكر خطأ في الحكم) قد باعوا منها (لا إلى حسن الدمنهوري مباشرة كما ذكر خطأ في الحكم أيضا) بيعا لم تمض عليه المدّة القانونية المكسبة للملكية. ذلك وحده ما أخذت محكمة الاستئناف به من أسباب الحكم التمهيدي كما هو واضح من عبارة حكمها المطعون فيه. وهذا الحكم مع اعتماده ما اعتمده من أسباب الحكم التمهيدي المذكور قد أخذ يبحث في صفة وضع يد ملاك البناء وهل هو قد أوصلهم لكسب ملكية الأرض قانونا أم لا فقرّر أن الحالة التي بصددها البحث قائمة على فساد في وضع اليد لأن المورّث (أى خليل عبد القدّوس) معترف بأن وضع يده هو كمحتكر لا كمالك وهذا الفساد يتعدّى لورثته ما لم يقيموا الدليل على أنهم غيروا صفتهم هذه بصفة ظاهرة غير قابلة للشك، وهذا لا يستفاد من التحقيقات ولم يتقدّم عليه دليل".
وحيث إنه لذلك يكون ما ذكره الطاعنان في الشطر الخامس من الوجه الأوّل من أخذ محكمة الاستئناف بأسباب الحكم التمهيدي إطلاقا ثم خروجها عليه بعدم اعتبارها العقود المقدّمة من الطاعنين دليلا على ملكيتهما لأرض المنزل هو اعتراض غير صحيح من جهة وفيه من جهة أخرى مصادرة لحق محكمة الاستئناف في تقدير قيمة وضع اليد قبل تاريخ هذه العقود ومن بعد تاريخها من ناحية صفته ثم من ناحية استمراره المدّة القانونية أو عدم استمراره.
وحيث إن الشطر الرابع وهو الشطر الباقي من هذا الوجه قائم على مجرّد خطأ مادى انزلق إلى الحكم المطعون فيه. وذلك لأن محكمة الاستئناف بعد أن ذكرت أنه ثبت لديها من الأوراق ومن الحكم التمهيدي الذى تأخذ هي بأسبابه أن الأرض ملك للوقفين اللذين في نظر الوزارة وأنها محكرة إلى خليل عبد القدّوس قد قالت بعد: وإن البيع الصادر من خليل عبد القدّوس إلى حسن الدمنهوري لم يمض عليه المدّة القانونية المكسبة للملكية. ذكرت ذلك وهى تريد بالبداهة أن تتكلم عن البيع الصادر لا من خليل عبد القدوس نفسه الذى كان متوفى من سنة 1299 هجرية (الموافقة سنة 1882 ميلادية) بل من ورثة خليل عبد القدّوس المذكور الذين هم في الواقع البادئون بالبيع دون مورّثهم. وعلى ذلك فهذا الشطر لا يعتدّ به أيضا.
عن السبب الثاني:
حيث إن مجمل ما يقوله الطاعنان في الوجه الثاني أن الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه هي دعوى حكر، وأن إهمال رفعها مدّة 33 سنة يكفى لسقوطها كما تشير إليه عبارة المادة 376 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.
وحيث إنه مما يلاحظ مبدئيا على هذا القول هو انبهامه من جهة ما فيه من أن الدعوى دعوى حكر، إذ دعوى الحكر ليس لها مدلول في العادة سوى دعوى المطالبة بمرتب الحكر، أي أجرة الأرض المحكورة التي تسقط بعدم المطالبة بما زاد منها عن خمس سنوات. وقد تدل على دعوى النزاع في عقد التحكير نفسه من جهة صحته أو بطلانه ووجوب فسخه أو عدم وجوبه. أما الدعوى الحالية فالواقع فيها أنها دعوى تثبيت ملكية عقارية.
وحيث إن ملكية الوقف لا تسقط الدعوى بها بمجرّد الإهمال فقط مدّة 33 سنة كما يقول الطاعنان بل إنها تستمر حاصلة لجهة الوقف ما لم يكسبها أحد بوضع يده 33 سنة وضعا مستوفيا جميع الشرائط المقرّرة قانونا لاكتساب ملكية العقار بوضع اليد. ولقد سبق للدوائر المجتمعة بمحكمة الاستئناف أن بحثت هذا الموضوع من جهة النصوص القانونية والشرعية الخاصة بها وأصدرت فيها حكما بتاريخ 4 مايو سنة 1929 مقرّرا للمبدأ المتقدّم، ومحكمة النقض تسلم تماما بالمقدّمات والنتائج القانونية التي قرّرها الحكم المذكور.
وحيث إن ما يقوله الطاعنان من أن وضع يد المحتكر وورثته من بعده ليس وضع يد مؤقتا مانعا من كسب الملكية كما هو الشأن في المستأجر العادي وورثته وما يستشهدان به على ذلك من بعض الأحكام الأهلية والمختلطة - كل ذلك لا تقرّه محكمة النقض إذ لا شبهة في أن ابتداء وضع يد المحتكر هو بهذا السبب المعلوم وهو التحكير له لا تمليكه العين، فمركزه واضح كل الوضوح أنه مما ينطبق عليه نص المادة 79 من القانون المدني التي تنص على عدم إمكان ثبوت ملكية العقار "لمن كان واضعا يده عليه بسبب معلوم غير أسباب التمليك سواء كان ذلك السبب مبتدأ منه أو سابقا ممن آلت منه إليه". والمادة المذكورة إذا كانت ذكرت من بعد أنه "وعلى ذلك لا تحصل الملكية بوضع اليد للمستأجر والمنتفع والمودع عنده والمستعير ولا لورثتهم من بعدهم" فهذا الذكر ليس واردا بها على سبيل الحصر بل واضح أنه على سبيل التمثيل فقط. على أن المحتكر ليس في الواقع سوى مستأجر، وليس بين عقد الإيجار وعقد التحكير من فارق سوى كون المحتكر له حق البقاء والقرار ما دام يدفع أجرة مثل الأرض المحكرة. وهذا الفارق لا شأن له في صفة وضع يده من جهة كونه مؤقتا أو غير مؤقت، بل إن أقصى ما ينتج عن هذا الفارق هو أن للمحتكر حق الانتفاع العيني بالأرض والمنتفع لا يملك بالمدة لوروده صراحة في ذلك النص.
وحيث إن ما يقوله الطاعنان في مذكرتهما مما حاصله أنه من المقرر شرعا أن عقد التحكير ينفسخ من تلقاء نفسه بمجرّد تأخر المحتكر في دفع الأجرة ثلاث سنين متوالية وأنه بمضي هذه الثلاث السنوات وانفساخ العقد يصبح وضع يد المحتكر حاصلا بغير سبب الحكر، وما يضيفانه من أن وضع اليد هذا إذا طال 33 سنة فقد اكتسب المحتكر الملكية ما دام الغاصب نفسه يكسبها بوضع اليد هذه المدة - ما يقوله الطاعنان من هذا غير مجد وذلك لأن انفساخ عقد التحكير لعدم دفع الأجرة ثلاث سنين أمر إذا كان الشرعيون قرّروه فما ذلك إلا ابتغاء مصلحة الوقف دون مصلحة المحتكر، فالذي يتحدّى به هي جهة الوقف إن أرادته. وهذا على كل حال لا شأن له بكون ابتداء وضع اليد إنما كان حاصلا بسبب التحكير الذى هو سبب مؤقت مهما انفسخ عقد التحكير للعلة المذكورة، بل صفة وضع اليد تبقى على حالها غير متغيرة. ألا ترى أن المستأجر العادي لو كان مقرّرا في عقد التأجير له أن العقد يصبح مفسوخا حتما بعدم دفع الأجرة في مواعيدها فانه مهما انقطع عن دفع الأجرة في مواعيدها ومهما طال انتفاعه بالعين المؤجرة بغير أن يدفع أجرتها، فان أحدا لم يقل إنه يستطيع أن يكسب الملكية بوضع اليد متحدّيا بمثل ما يتحدّى به الطاعنان الآن في شأن الحكر.
وحيث إنه يبين من هذا أن الحكم المطعون فيه لم يخطئ في تطبيقه قاعدة اكتساب الملكية العينية بوضع اليد دون قاعدة سقوط الحق بإهمال طلبه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق