الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 10 أكتوبر 2020

الطعن 4 لسنة 1 ق جلسة 19 / 11 / 1931 مج عمر المدنية ج 1 ق 2 ص 6

جلسة 19 نوفمبر سنة 1931

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك وأمين أنيس باشا.

----------------

(2)
القضية رقم 4 سنة 1 القضائية

( أ، ب) غش الدخان. 
مناط العقاب. سوء النية.
(الأمر العالي الصادر في 22 يونيه سنة 1891).
(جـ) خبير، 
الأحوال الواجب إجابة طلب تعيينه فيها. متى يجوز رفض هذا الطلب؟
(المواد 30 مرافعات و363 و452 مدنى)

-----------------
1 - إن مناط العقاب في غش الدخان هو خلط الدخان بمواد أخرى وإحرازه أو بيعه أو عرضه للبيع على أنه دخان خال من الغش بأية كيفية كان الخلط وأيا كان نوع المخلوط أو مقداره.
2 - وسوء النية يتحقق بخلط الدخان بمواد أخرى مع العلم بأنها ليست دخانا. ولا يشترط قصد الإضرار بالغير.
3 - ليست المحكمة ملزمة قانونا بإجابة طلب تعيين خبير إلا في الحالات التي أوجب فيها القانون الاستعانة بخبير كالأحوال المنصوص عليها في المواد 30 مرافعات و363 و452 مدنى. ولكن إذا كان طلب تعيين الخبير هو بأمل الحصول على دليل يفيد حسن نية المتهم أو عدم سوء قصده، فان للمحكمة - بما لها من السلطة في تقدير الأدلة وقبول أو عدم قبول تقديم أدلة جديدة اكتفاء بما لديها - الحق في رفض هذا الطلب.


الوقائع

رفع الطاعن دعوى أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية ضدّ مصلحة الجمارك (المطعون ضدّها) قيدت بجدولها رقم 90 سنة 1931 كلى قال في عريضة دعواها المعلنة بتاريخ 4 نوفمبر سنة 1930 إن لجنة جمرك القاهرة أصدرت بتاريخ 20 أكتوبر سنة 1930 القرار رقم 27 في القضية 929 بإدانته بحجة أنه أحرز واتجر في كمية من سجاير توسكانى وأمريكانى ودخان حسن كيف معسل ودخان مدغة قالت عنها اللجنة إنها مغشوشة بمواد غريبة وقضت بتغريمه بمبلغ 458 جنيه ومصادرة الأشياء المضبوطة. لذلك فإنه عارض في هذا القرار طالبا الحكم بقبول المعارضة شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار المعارض فيه بكامل أجزائه وبراءته مع إلزام مصلحة الجمارك بكامل المصاريف وأتعاب المحاماة. وبتاريخ 16 مارس سنة 1931 قضت محكمة مصر حضوريا بقبول المعارضة شكلا ورفضها موضوعا وبتأييد قرار اللجنة الجمركية وألزمت المعارض بالمصاريف و200 قرش أتعاب محاماة. فاستأنف الطاعن هذا الحكم بتاريخ 2 أبريل سنة 1931 أمام محكمة استئناف مصر طالبا إلغاءه وبراءته من هذه التهمة والإفراج عن جميع المضبوطات مع إلزام مصلحة الجمارك بكامل المصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين مع حفظ حقه في التعويض المنصوص عليه في قانون الجمارك. وبتاريخ 15 يونيه سنة 1931 قضت المحكمة المذكورة بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف بالمصاريف و300 قرش أتعاب محاماة للمطعون ضدّها ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
وبتاريخ 9 يوليه سنة 1931 قرّر حضرة الأستاذ وهيب بك دوس بتوكيله عن الطاعن بالطعن بطريق النقض والإبرام في هذا الحكم الذى لم يعلن طالبا قبوله ونقض الحكم وتطبيق الفقرة الأخيرة من المادة 29 من القانون رقم 68 سنة 1931 والحكم بإلغاء حكم محكمة مصر الابتدائي وحكم لجنة الجمارك، واحتياطيا إحالة القضية لتحقيق الوجه الثالث من وجوه هذا الطعن. وبعد استيفاء الإجراءات القانونية حدّد لنظر هذه الدعوى جلسة يوم الخميس 19 نوفمبر سنة 1931، وبالجلسة المذكورة سمعت الدعوى كالمدوّن بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
بما أن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وبما أن الطعن بنى على ثلاثة أوجه: (الأوّل) الخطأ في تطبيق القانون، لأن محكمة الاستئناف طبقت في حكمها المادة الثانية من الأمر العالي الصادر في 22 يونيه سنة 1891 معتبرة أنها تنسحب على حالة لف أوراق الدخان بعد فرمها ضمن ورقة عادية وأن ذلك يعدّ خلطا لمادة الدخان بمادة أخرى في حين أن ديباجة الأمر العالي المذكور صريحة في بيان سبب التشريع، وهو لا يمكن أن يتسع لمعنى ما ذهبت إليه المحكمة، ولأنها لم تثبت في حكمها أن الطاعن خلط الدخان بنية الإضرار مع أنها في صدد شبه جنحة والطاعن قد أثبت عدم توفر نية الإضرار ولم تأخذ المحكمة بذلك، ولأنه يوجد ضمن المضبوطات دخان حسن كيف مخلوط بالعسل وهذا جائز ومسلم بجوازه، وقد ورد في تقرير التحليل عنه وجود قليل من المواد العضوية الغريبة والقانون يقضى ببيان أنواع الخلط ونوع المادة المخلوطة. (الثاني) بطلان جوهري في الحكم لخلوّه من بيان أن ما أثبته التحليل من وجود قليل من المواد العضوية الغريبة في دخان حسن كيف هو ناشئ عن إضافته عمدا على الدخان في حين أن هناك احتمال أن تكون تلك المواد العضوية جاءت من طريق العسل المباح خلطه على الدخان المذكور. (الثالث) بطلان الإجراءات، لأن الطاعن طلب من المحكمة تعيين خبير لبيان إن كانت صناعة السيجار من الصنف الرديء من الدخان تستلزم تغليفها بالورق العادي قبل غلافها الخارجي أم لا، فلم تبحث المحكمة هذا الطلب مع أنه لو ثبت أن الصناعة تستلزم ذلك لثبت حسن نية الطاعن وترتب عليه أثر في الحكم.
عن الوجه الأوّل:
بما أن عنوان الأمر العالي الصادر في 22 يونيه سنة 1891 هو "دكريتو بأن إدخال واصطناع وتداول وبيع وإحراز الدخان المغشوش يعتبر من أعمال التهريب" وديباجته هي "حيث قد علم لحكومتنا أن بعض التجار يصطنعون من أوراق الأشجار والنباتات، بعد تحضيرها أو خلطها بكمية قليلة من الدخان الحقيقي، مزيجا يبيعونه بصفة دخان، وذلك للحصول على أرباح غير قانونية. وحيث إن هذا الغش يضر بصالح الخزينة ضررا جسيما، كما أنه يترتب عليه خسارة عظيمة للتجار ذوى الذمة والاستقامة. وحيث إنه من الواجب وقاية مصلحة الجمهور من هذا الغش الخ". ونص المادة الثانية منه هو "أصناف الدخان التي تخلط بها مواد أخرى بأي مقدار كان تكون واقعة أيضا تحت حكم المصادرة والإعدام والغرامة".
وبما أنه واضح من عنوان الدكريتو أن المشرع قصد به محاربة غش الدخان، وواضح من الديباجة أن الغش يحصل باصطناع أوراق الأشجار والنباتات وتحضيرها بمواد أخرى تقرّبها من شكل الدخان وبيع مزيجها بصفة دخان أو خلط الدخان الحقيقي بأوراق الأشجار والنباتات وبيع مزيجها بصفة دخان، وأن سبب التشريع هو حماية الخزينة وحماية التجار ذوى الذمة والاستقامة والجمهور من نتائج ذلك الغش. وواضح أيضا من نص المادة الثانية من الأمر العالي أن أصناف الدخان التي تخلط بها مواد أخرى بأي مقدار كان تكون واقعة تحت حكم المصادرة والإعدام والغرامة.
وبما أن خلط الدخان بمواد أخرى لم يحدّد في الدكريتو، ولم تبين كيفيته، بل هو مطلق يشمل بإطلاقه كل أنواع الخلط الذى قد يحصل بفرم الدخان وفرم أوراق الأشجار أو النبات ومزجهما ببعض حتى لا يتميز الدخان من غيره، ويشمل خلط أوراق الدخان بأوراق عادية أو بأوراق أشجار ومزج ذلك وبيعه بصفة دخان خال من الغش. وحينئذ يكون السيجار الذى ضبط في محل الطاعن ووجد مشتملا على دخان مفروم محاط بغلاف من الورق العادي ملون بلون الدخان وبغلاف خارجي من ورق الدخان داخلا تحت حكم المادة الثانية من الدكريتو، لأن مناط الحكم في ديباجة الدكريتو ومواده هي خلطة الدخان بمواد أخرى وإحرازه أو بيعه أو عرضه للبيع بصفة دخان خال من الغش؛ وأسباب التشريع تساعد على ذلك لأن القصد من الدكريتو حماية الخزينة والتجار والجمهور، وتحقيق هذه الحماية يكون أتم بجعل النصوص تشمل على إطلاقها كل نوع من أنواع الخلط متى كان مقرونا بالغش.
وبما أن الورق العادي مصنوع من النبات فخلطه بالدخان تشمله الديباجة بصراحة. على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإذا فرض وكان الورق ليس نباتا ولا مصنوعا من نبات فان عموم نص المادة الثانية يدخل الورق تحت عبارة "مواد أخرى" التي تشمل كل شيء من نبات أو خلافه. ولا محل للاعتراض بالسجاير العادية المحاطة بغلاف من الورق العادي لأنها تعرض في الأسواق على أنها مكوّنة من دخان مفروم مغلف بغلاف من الورق، وأجزاؤها معروفة، ومن يتقدّم لمشتراها بعلم أجزاءها فلا غش فيها والقانون لا يحارب سوى الغش في الدخان.
وبما أن سوء النية في غش الدخان هو عبارة عن خلط الدخان بمواد أخرى مع العلم بأن ما يخلط بالدخان ليس دخانا. فمتى تحقق ذلك تتحقق الأركان لشبه الجريمة(1) التي ينطبق عليها دكريتو 22 يونيه سنة 1891. أما قصد الضرر بالغير فغير مشروط في الغش إذ الغالب أن يكون الباعث عليه الوصول عليه الوصول إلى الربح من غير طريقة المشروع.
وبما أن سوء نية الطاعن أو قصد الغش قد ثبت مع ذلك لدى محكمة الاستئناف من تلوين الورق العادي بلون ورق الدخان، ومن وضعه داخل السيجار يحوطه غلاف خارجي من ورق الدخان، ومن وجود ذلك في كل سيجار، ومن عدم استلزام الصناعة إحاطة الدخان من الداخل بورقة عادية قبل الغلاف الخارجي إذ لا ضرورة تدعو إلى صنع السيجار من الورق المثقب، بل يجب عمل السجاير من ورق دخان له قوام من نفسه ولا يحتاج إلى غيره وإلا لما وجد في الأسواق من سيجار التوسكانا بدون إحاطة من الداخل بورق عادى مع أن الواقع يخالف ذلك. وإذن لا محل للقول بأن محكمة الاستئناف لم تثبت سوء نية الطاعن.
وبما أن تقرير التحليل أثبت وجود قليل من المواد العضوية الغريبة في دخان حسن كيف وفى دخان المدغة، ولا نص في القانون يلزم المحكمة أن تبين نوع الخلط ونوع المخلوط الغريب، ونص المادة الثانية مطلق في خلط الدخان بمواد أخرى أيا كان مقدارها سواء أكان الخلط كيماويا أو بسيطا وأيا كان نوع المخلوط، فمرجع العقاب والمصادرة هو خلط الدخان بمادة غريبة عنه وإحرازه أو عرضه للبيع أو بيعه باعتباره دخانا نقيا من كل غريب عنه. وإذن يكون الوجه الأوّل بجملته واجب الرفض.
وبما أن الوجه الثاني لا قيمة له لأن محكمة الاستئناف نصت في حكمها على أنه ثبت لديها أن الطاعن خلط دخان حسن كيف ودخان المدغة بمواد غريبة بقصد الغش والحصول على أرباح بغير طريق شرعي فانتفى بذلك أن يكون حصول الخلط عفوا وبلا إرادة الطاعن، على أن هذا أمر متعلق بالوقائع وتقديرها لا سلطان لمحكمة النقض عليها.
وبما أن المحكمة غير ملزمة قانونا بإجابة الطلب بتعيين خبير إلا في المسائل التي أوجب القانون فيها الاستعانة بخبير كالأحوال المنصوص عليها في المواد 30 مرافعات و363 و452 مدنى، وليست هذه الحالة من ضمنها، إنما طلب تعيين الخبير هنا هو بأمل الحصول على دليل يفيد حسن نية الطاعن أو عدم سوء قصده، والمحكمة - بما لها من السلطة الواسعة في تقدير الأدلة وقبول وعدم قبول السماح بتقديم أدلة جديدة اكتفاء بما لديها - لها الحق في رفض طلب تعيين الخبير. وهذا لا مخالفة فيه للقانون ولا بطلان معه للإجراءات؛ على أنها بحثت الموضوع ورأت أن الأدلة كثيرة ومقنعة على سوء النية، وأن الدليل المطلوب لا يمكن أن يغير ما ثبت لديها، لأن دعوى استلزام الصناعة وضع الورق العادي بديهية البطلان وإلا لما وجد في الأسواق سيجار غير مغشوش مع أن الواقع على خلاف ذلك. وعليه يكون هذا الوجه مرفوضا أيضا.


 (1) المراد طبعا لشبه الجنحة واستعمال لفظ الجريمة هفوة قلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق