جلسة 9 من فبراير سنة 1988
برئاسة السيد الأستاذ المستشار أبو بكر دمرداش أبو بكر نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد العزيز أحمد حمادة وجمال السيد دحروج وكمال زكي عبد الرحمن اللمعي وعطية الله رسلان أحمد فرج المستشارين.
-----------------
(134)
الطعن رقم 3154 لسنة 32 القضائية
(أ) المحكمة الإدارية العليا - حدود دعوى البطلان الأصلية في الأحكام الصادرة منها. (اختصاص المحكمة الإدارية العليا).
تختص المحكمة الإدارية العليا بالفصل في طلب إلغاء الحكم الصادر منها إذا شابه عيب جسيم يسمح بإقامة دعوى بطلان أصلية - إذا كان المشرع قد أجاز استثناء الطعن بدعوى البطلان الأصلية في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية فإن هذا الاستثناء في غير الحالات التي تنص عليها المشرع كما فعل في المادة 147 من قانون المرافعات يجب أن يقف عند الحالات التي تنطوي على عيب جسيم يمثل إهداراً للعدالة يفقد معها الحكم وظيفته - لا يجوز الطعن في الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا إلا إذا انتفت عنها صفة الأحكام القضائية كأن يصدر الحكم عن مستشار قام به سبب من أسباب عدم الصلاحية للفصل في الدعوى أو أن يقترن الحكم بعيب جسيم تقوم به دعوى البطلان الأصلية - تطبيق.
(ب) حدود رقابة المحكمة الإدارية العليا على أحكام القضاء الإداري (في مجال القرار الإداري)
رقابة القضاء الإداري على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية يسلطها عليها ويبحث مدى مشروعيتها ومطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون - إذا أثبتت المحكمة الإدارية العليا عند نظر الطعن المطروح عليها أن الحكم المطعون فيه شابه البطلان أو أن إجراء من الإجراءات التي سبقت عرض الطعن عليها كان باطلاً فإنها في هذه الحالة لا تقضي بإعادة الدعوى إلى المحكمة التي صدر منها الحكم أو وقع أمامها الإجراء الباطل بل يتعين عليها إعمالاً للولاية التي أسبغها عليها القانون أن تتصدى للمنازعة كي تنزل فيها حكم القانون على الوجه الصحيح - أساس ذلك: أن المرد في تحديد اختصاص هذه المحكمة هو مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في رابطة من روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم السبت الموافق 26/ 7/ 1986 أودع محامي الطاعن - سكرتارية المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدول المحكمة برقم 3154 لسنة 32 ق عليا ضد كل من السيدين/ وزير الزراعة ومدير مديرية الزراعة بمحافظة الغربية (بصفتهما) في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) بجلسة 25/ 5/ 1986 في الطعن رقم 1260 لسنة 29 ق عليا الذي قضى بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات".
وبتاريخ 9/ 8/ 1986 تم إعلان الطعن - إلى المطعون ضدهما بمقر إدارة قضايا الحكومة. وأحيل الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة، حيث أودعت تقريراً برأيها القانوني ارتأت فيه الحكم بعدم جواز نظر الطعن على الحكم وإلزام الطاعن المصروفات.
ثم تحدد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 21/ 10/ 1987 حيث تقرر إحالة إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 24/ 11/ 1987 وبعد تداول نظر الطعن أمام المحكمة قررت بجلسة 5/ 1/ 1988 حجزه للحكم فيه بجلسة 9/ 2/ 1988 وفي الجلسة المحددة للنطق بالحكم تمت تلاوة منطوقه علناً وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه صادر بتاريخ 25/ 5/ 1986 وقد أقيم الطعن فيه بتاريخ 26/ 7/ 1986 خلال الميعاد القانوني، وإذ استوفى الطعن سائر الأوضاع الشكلية المقررة فمن ثم يتعين الحكم بقبوله شكلاً.
ومن حيث إن واقعات الطعن الماثل - حسبما يبين من الأوراق - تخلص في أن الطاعن كان قد أقام دعوى أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) ضد/ وزير الزراعة، ومدير عام الزراعة بالغربية (بصفتهما) وقد قيدت هذه الدعوى بتاريخ 13/ 11/ 1980 برقم 274 لسنة 35 ق وقد طلب فيها الطاعن الحكم بصفة مستعجلة باستمرار صرف مرتبه وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 2629 الصادر بتاريخ 24/ 7/ 1980 بإنهاء خدمته اعتباراً من 2/ 6/ 1979 مع تحصيل المرتبات عن المدة من 2/ 6/ 1978 حتى 31/ 10/ 1978 مع ما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام المدعى عليهما بالمصروفات. وقال الطاعن (المدعي) شارحاً دعواه أنه يعمل بمديرية الزراعة بالغربية وأصيب بالمرض ومنح إجازات متفرقة وفي 13/ 10/ 1977 وقع على محضر استلام أرض زراعية من مشروع الخريجين ثم عاوده المرض وأحيل إلى القومسيون الطبي الذي منحه إجازة 45 يوماً، وفي فبراير سنة 1978 استلم خط ري الأرض فطلب من مديرية الزراعة بالغربية الترخيص له بإجازته المحددة بالمشروع وهي ثلاثة أشهر اعتيادي تعقبها سنة بدون مرتب غير أن حالته المرضية دفعته إلى الاستفسار قبل استغلاله الأرض عما إذا كان استغلاله لها يتعارض مع استمراره في الإجازة المرضية وتأجيل إجازات المشروع فأفاد وكيل وزارة الزراعة للشئون المالية والإدارية في 26/ 4/ 1978 بأنه يمكن للمديرية اتخاذ إجراءات عرضه على القومسيون الطبي، كما أفادت إدارة الشئون القانونية بإجابة المدعي إلى طلب إحالته إلى القومسيون الطبي وتأجيل البت في طلب الإجازة بدون مرتب لحين شفائه، وقرر القومسيون بجلسة 4/ 2/ 1980 بأن حالته لا تتحسن ومنحه إجازة تنتهي في 26/ 3/ 1980، وأضاف المدعي (الطاعن) قائلاً أنه ولما كانت حالته قد استقرت لعجزه الكامل وأصبح له الحق في التشريك من الخدمة وصرف معاش كامل إلا أن تعنت مديرية الزراعة بالغربية بعدم صرف مرتبه وعدم إحالته إلى القومسيون بجلسة خاصة لتشريكه من الخدمة اضطره إلى توجيه إنذار للمديرية في 15/ 3/ 1980. بطلب إنهاء خدمته من 27/ 3/ 1980 وتسوية معاشه طبقاً لحالته المرضية، وقد علم الطاعن بطريق الصدفة بقرار مدير الزراعة الصادر في 24/ 7/ 1980 والذي قرر الترخيص له بإجازة بدون مرتب لمدة عام تبدأ من 2/ 6/ 1978 التاريخ التالي لانتهاء الإجازة الاعتيادية لمدة ثلاثة أشهر نظراً لاستلامه إقطاعية زراعية واعتباره مقدماً استقالته من 2/ 6/ 1979 وتحصيل ما صرف له من مرتب دون وجه حق. وقد نعى المدعي (الطاعن) على هذا القرار مخالفته للقانون لمبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية ولأن علاقته الوظيفية تستقل عن وضعه كمنتفع بإقطاعية زراعية وقد ردت الإدارة على الدعوى بمذكرة تتضمن أن الإدارة قد طبقت في شأن المدعي القوانين والتعليمات المنظمة لمشروع منح الإقطاعيات الزراعية التابعة لشركة جنوب التحرير الزراعية إلى العاملين وأن القرار المطعون عليه صدر بالتطبيق لقرار وزير الزراعة رقم 129 لسنة 1980 الذي ينص على أن يعتبر مستقيلاً كل من تم توزيع الأراضي المستصلحة عليهم من العاملين ومنحوا إجازة بدون مرتب لمدة سنة بعد استنفاد إجازاتهم الاعتيادية ولم يعودوا للعمل وأن المدعي بموافقته على استلام الإقطاعية ومباشرته العمل بها بصفة مستديمة يعد إقرار منه بقبول تلك الشروط.
وبجلسة 2/ 3/ 1983 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى شكلاً، وألزمت المدعي المصروفات وأقامت قضاءها على أساس أن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 24/ 7/ 1980 وقد أعلن به المدعي في 27/ 7/ 1980 وأقام دعواه في 13/ 11/ 1980 وأن الثابت بما لا يقبل المجادلة أن الدعوى أقيمت بعد أكثر من ستين يوماً من تاريخ علم المدعي بالقرار المطعون فيه ومن ثم فإنها تكون غير مقبولة شكلاً.
وقد أقام الطاعن طعناً أمام المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) في الحكم المشار إليه قيد بجدول المحكمة برقم 1260 لسنة 29 ق عليا بتاريخ 24/ 3/ 1983. طلب فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع وبصفة أصلية الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء قرار مدير عام الزراعة بالغربية رقم 2629 في 24/ 7/ 1980 والمتضمن إنهاء خدمته من 2/ 6/ 1979 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضدها المصروفات، واحتياطياً: بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة وقد استند الطاعن في طعنه على هذا الحكم إلى القول بأنه قد صدر بالمخالفة للقانون لأن هيئة مفوضي الدولة قد باشرت مأموريتها في غيبة المدعي ولم تخطره لسماع دفاعه ولم يخطر المدعي بتقرير هيئة مفوضي الدولة، وأن المدعي اتبع الطريق القانوني السليم في إقامة دعواه إذ أنه تظلم لمدير عام الزراعة بالغربية في 20/ 9/ 1980 وقد أشر مدير عام الزراعة على التظلم في 22/ 9/ 1980 بالإحالة للشئون القانونية وقيد التظلم بإدارة التحقيقات برقم 1271 بتاريخ 25/ 9/ 1980 وفي 29/ 12/ 1980 قررت المديرية حفظ التظلم.
وبجلسة 25/ 5/ 1986 قضت المحكمة الإدارية العليا في هذا الطعن بقبوله شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن الثابت من الأوراق أن المدعي تظلم من القرار المطعون فيه في 20/ 9/ 1980 وتقرر حفظ هذا التظلم في 27/ 10/ 1980 فأقام دعواه في 13/ 11/ 1980 خلال الميعاد القانوني وبالنسبة لموضوع الطعن قالت المحكمة أن الثابت من الأوراق أن المدعي تقدم بطلب مؤرخ 2/ 3/ 1978 لمنحه إجازة اعتيادية لمدة ثلاثة شهور اعتباراً من تاريخ الطلب نظراً لاستلامه إقطاعية زراعية وقدم إقرار بقيامه بهذه الإجازة من 1/ 3/ 1978 وقدم طلباً لإخطار الشركة المهيمنة على توزيع الأراضي بحصوله على هذه الإجازة كما تقدم بطلب إجازة بدون مرتب لمدة عام عقب انتهاء الإجازة الاعتيادية وقد وافقت مديرية الزراعة بالغربية على الطلبين وقد تسلم الطاعن الإقطاعية الزراعية فعلاً في 11/ 10/ 1977 واستلم خط الري في 15/ 1/ 1978 وقام فعلاً بالزراعة وصرفت إليه سلف الخدمة النقدية والعينية، وقد طلبت الشركة المختصة سرعة موافتها بقرار إنهاء خدمته تنفيذاً لقرار وزير الزراعة رقم 129 لسنة 1980 والثابت من الأوراق وكذلك أن مديرية الزراعية أخطرت الطاعن بثلاث خطابات في 28/ 4/ 1980. وفي 4/ 5/ 1980 وفي 20/ 5/ 1980 ليختار بين الوظيفة والأرض وقد رد الطاعن بما يفيد رغبته في تسليم الإقطاعية وعودته للعمل ولما كان هذا الرد قد جاء بتاريخ 12/ 10/ 1979 سابقاً على خطابات المديرية الثلاث المشار إليها وقبل خطاب شركة جنوب التحرير الزراعية المؤرخ 20/ 6/ 1980 المتضمن أن الطاعن يزاول العمل في الأرض فعلاً ومؤدى ذلك أن الطاعن لم يقم بتنفيذ خياره حتى صدور القرار المطعون فيه وانتهت المحكمة كذلك إلى سلامة القرار المطعون عليه بالتطبيق للقرارات المطبقة في هذا الشأن أخرها قرار وزير الزراعة رقم 129 لسنة 1980 خاصة وقد ثبت من الأوراق أن الطاعن حاول الاستفادة من وضع قانونين مختلفين هي الوظيفة العامة والأرض المستصلحة على خلاف القانون وذلك لأنه على الرغم من أنه بإجازة مرضية فقد حصل على الأرض وعلى خط الري الخاص بها وتقدم بطلب لمنحه إجازة اعتيادية لمدة ثلاثة أشهر رغم عمله بأنه بإجازة مرضية كما تقدم كذلك بطلب حصوله على إجازة بدون مرتب، ولما كان الحصول على هاتين الإجازتين شرط للحصول على الأرض فقد قام بعد أن تسلم الأرض فعلاً وباشر العمل بها وصرف السلفة المقررة لها عاد فتقدم بطلب لإحالته إلى القومسيون الطبي لإمكان تشريكه والاستفادة من إنهاء خدمته بسبب المرض والحصول على تعويض العجز الكامل، وانتهت المحكمة من كل ذلك إلى رفض دعوى المدعي (الطاعن) وإلزامه المصروفات.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المشار إليه بطعنه الماثل أنه جاء مشوباً بالبطلان لأنه أضاع على الطاعن درجة من درجات التقاضي إذ أن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 274 لسنة 35 ق والذي قضى بعدم قبول الدعوى شكلاً لم يتعرض لموضوع الدعوى ولم يفصل فيه، وقد طعن في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا التي انتهت إلى قبول الطعن شكلاً وكان يتعين عليه إعادة الأوراق إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في الموضوع، إلا أنها تعرضت للفصل في موضوع دعوى الطاعن وقضت برفضه وذلك رغم أن محكمة القضاء الإداري لم تستنفذ ولايتها في الفصل في الموضوع ولم تحقق دفاع الطاعن وكذلك فإن حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم 1260 لسنة 29 ق والمشار إليه لم يتصد لتنفيذ دفاع الطاعن بمذكرة دفاعه المقدمة بجلسة 5/ 1/ 1985 تحت رقم 5 مسلسل دوسيه والتي لم تكن موجودة عند إعداد تقرير في الطعن أمام هيئة المفوضين ولم تكن تحت نظر عدالة المحكمة عند صدور حكمها بجلسة 25/ 5/ 1986 مما يعد إخلالاً بحق الدفاع ويستوجب الحكم ببطلان الحكم الصادر في الطعن رقم 1260 لسنة 29 ق عليا موضوع الطعن الراهن.
ومن حيث إن الطعن الماثل ينصب على طلب الحكم ببطلان حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم 1260 لسنة 29 ق المقام من الطاعن طعناً على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) بجلسة 2/ 2/ 1983 في الدعوى رقم 274 لسنة 35 ق.
ومن حيث إن المستقر في قضاء هذه المحكمة أنها تختص بالفصل في طلب إلغاء الحكم الصادر منها إذا ما شابه عيب جسيم يسمح بإقامة دعوى بطلان أصلية وأنه إذا أجيز استثناء الطعن بدعوى بطلان أصلية في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية فإن هذا الاستثناء في غير الحالات التي نص عليها المشرع كما فعل في المادة 147 من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 يجب أن يقف عند الحالات التي تنطوي على عيب جسيم وتمثل إهدار للعدالة يفقد فيها الحكم وظيفته وأنه لا يجوز الطعن في الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا إلا إذا انتفت عنها صفة الأحكام القضائية كأن يصدر الحكم عن مستشار قام به بسبب من أسباب عدم الصلاحية للفصل في الدعوى أو أن يقترن الحكم بعيب جسيم تقوم به دعوى البطلان الأصلية وإذ كان ما أخذه الطاعن على قضاء الحكم قد اقتصر على اجتهاد ذلك القضاء في تأويل القانون وتطبيقه وليس في عدم رد الحكم على بعض من وجوه دفاع الطاعن غير الجوهرية مما لا يعتبر عيباً جسيماً يصم الحكم بالبطلان الأصلي ولا يكون مما يجيز التعرض للحكم المطعون فيه ويكون الطعن لا سند له من القانون ويتعين رفضه.
ومن حيث إن ما استند إليه الطاعن من أن الحكم المطعون فيه قد ضيع على الطاعن درجة من درجات التقاضي يناقض المبادئ المستقرة في قضاء هذه المحكمة من أن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يطرح المنازعة في الحكم المطعون فيه برمتها ويفتح الباب أمامها لتزن هذا الحكم بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الحالات التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة 15 من قانون تنظيم مجلس الدولة فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة على الوجه الصحيح أم أنه لم تقم به حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه فتبقي عليه وترفض الطعن، والمرد في ذلك مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في رابطة من روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص ذلك أن رقابة القضاء الإداري على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية يسلطها عليها ويبحث مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون ومن ثم فإنه إذا أثبتت المحكمة الإدارية العليا عند نظر الطعن المطروح عليها أن الحكم المطعون فيه شابه البطلان أو أن إجراء من الإجراءات التي سبقت عرض الطعن عليها كان باطلاً فإنها في هذه الحالة لا تقضي بإعادة الدعوى إلى المحكمة التي صدر منها الحكم أو وقع أمامها الإجراء الباطل بل يتعين عليها إعمالاً للولاية التي أسبغها عليها القانون أن تتصدى للمنازعة لكي تنزل فيها حكم القانون على الوجه الصحيح.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق وخاصة محضر جلسة 5/ 1/ 1985 أمام المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) أنها ذكرت في محضر الجلسة أن الطاعن تقدم بحافظة مستندات ومذكرة بدفوعه أمامها، فمن ثم فقد انتفت واقعة عدم اطلاع المحكمة على دفاع الطاعن ومناقشته كذلك فإن الحكم المطعون فيه قد تصدى لنظر موضوع الدعوى المقامة من الطاعن وفصل فيه بناء على ما تبين له من استعراض لأحكام القانون والقرارات الواجبة التطبيق على القرار المطعون فيه، وما أحاط صدور هذا القرار من ظروف وملابسات أوضحت بجلاء مسلك الطاعن حيال الجهة الإدارية المطعون ضدها ومدى تمسكه بالوظيفة العامة وما استظهرته المحكمة من أن الطاعن قد حاول تتبع المزايا المبينة في قانون العاملين وفي القرارات المنظمة لتوزيع الأراضي على خريجي الزراعة والجمع بينها والاستفادة منها فائدة مزدوجة باستمراره في الانتفاع بالأرض المسلمة إليه وحصوله في ذات الوقت على ميزة المعاش المقابل للعجز الكامل وإذ انتهت المحكمة الإدارية العليا إلى رفض دعوى الطاعن، فإنه لا تعقيب عليها فيما استظهرته من الأوراق وما انتهت إليه من نتيجة سطرتها في حكمها موضوع هذا الطعن باعتباره عنوان الحقيقة الباتة في موضوع هذه الدعوى بما لا يشوب قضاءها هذا بأي عيب ينحدر به إلى درجة البطلان حيث لم ينطوي هذا الحكم على عيب جسيم ولم يهدر العدالة بالنسبة للطاعن وأنه لمن غير المتصور عقلاً وقانوناً إهدار حكم المحكمة الإدارية العليا على زعم أن مذكرة دفاع الطاعن قد فقدت، حيث لا صحة لهذا الزعم الذي ينفيه تماماً أن المحكمة الإدارية العليا قد تناولت كل ما جاء بهذه المذكرة بالرد عليه وأن الحكم المطعون فيه قد طبق القانون على كافة وقائع الدعوى المطروحة أمامها على النحو الوارد بحيثيات الحكم ودون أن يكون الحكم مقيداً بالرد على كل جزئية ينشرها الطاعن (المدعي) في صحيفة دعواه أو مذكرة دفاعه ذلك أنه يكفي أن تورد المحكمة الأدلة الواقعية والحجج القانونية التي استند إليها الخصوم في ثنايا أسباب الحكم التي تكلفت بالرد عليه كما يكفي أيضاً لسلامة الحكم أن يكون مقاماً على أسباب تستقيم معه ولا يلزم أن يتعقب حجج الخصوم في جميع مناحي أقوالهم استقلالاً ثم يفندها تفصيلاً الواحدة تلو الأخرى وإذا كان الحكم المطعون فيه قد استعرض وقائع الدعوى وأسانيد الطعن على الوجه المبين بعريضة افتتاح الدعوى واستعرض ما عقبت به جهة الإدارة على الدعوى وقام بتطبيق النصوص المتعلقة بالنزاع على الوقائع المطروحة أمام المحكمة وخلص إلى النتيجة التي انتهى إليها فلا يكون ثمة قصور في التسبيب يؤدي إلى بطلان الحكم. هذا ولا يتصور أيضاً القول بأن مبدأ تصدي المحكمة الإدارية العليا لنظر موضوع النزاع أمر يخالف العدالة وإن كان يتفق وأحكام القانون ذلك أن ما يتفق مع أحكام القانون يستتبع حتماً موافقته لمبادئ العدالة طالما أن المحكمة قوامة على تطبيق أحكام القوانين السارية والتي لم يصبها إلغاء ولا تعديل والتي تعتبر طبقاً للدستور - عن مبدأ سيادة القانون الذي يحكم كل تصرفات الإدارة ومن كل ما تقدم تخلص المحكمة إلى صحة الحكم المطعون فيه ورفض دعوى الطاعن.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بالمصروفات طبقاً لحكم المادة 184 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق