جلسة 31 من أكتوبر سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: توفيق أحمد الخشن، وعبد الحليم البيطاش، وحسن خالد، ومحمود توفيق إسماعيل المستشارين.
------------------
(140)
الطعن رقم 1237 لسنة 30 القضائية
(أ - ب) اختلاس أموال أميرية. عقوبة. نقض.
تسليم الشيء المختلس إلى الجاني:
يكفي أن يكون ذلك بناءً على أمر من رؤسائه. تلازم تسليم المال إلى المتهم مع كونه أميناً عليه في بعض الصور.
الغرامة النسبية:
القضاء بها على المحكوم عليه في الجريمة التامة دون الشروع فيها.
الخروج عن قاعدة نسبية أثر الطعن بالنقض.
عند اتصال العيب القانوني الذي لحق بالحكم بمن لم يقبل طعنه شكلاً. مثال في توقيع عقوبة الغرامة النسبية خطأ.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: الأول بصفته موظفاً عمومياً "موظف بمصلحة الشئون القروية" اختلس برميل الزيت المبين الوصف والقيمة بالمحضر المملوك لمصلحة الشئون القروية حالة كونه أميناً عليه وقد سلم إليه بمقتضى وظيفته كأمين المصلحة المذكورة، والثاني اشترك مع المتهم الأول في ارتكاب الجريمة السالفة بطريقي الاتفاق والمساعدة بأن اتفق معه على ارتكابها وصحبه إلى مكان عمله لشد أزره أثناء ارتكابها واستحضر حمالاً وعربة يد لنقل البرميل السالف وعاونه في نقله فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وأحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 40/ 2 - 3 و41 و112 و118 و119 من قانون العقوبات. ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بالمواد 45 و46 و112/ 2 و118 من قانون العقوبات للأول وبالمواد نفسها و40/ 2 و3 و41 من القانون المذكور للثاني مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات للاثنين، بمعاقبة الأول بالسجن ثلاث سنوات وبتغريمه خمسمائة جنيه وعزله من وظيفته، وبمعاقبة الثاني بالحبس مع الشغل لمدة سنة وبتغريمه خمسمائة جنيه، فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن الطاعن الأول ينعى على الحكم المطعون فيه، أنه جاء مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون وتأويله مع قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك أنه دانه بالمادة 112 من قانون العقوبات باعتباره قد اختلس المال المنسوب إليه اختلاسه وهو أمين عليه وأنه سلم إليه بسبب وظيفته حال أنه ليس أميناً عليه ولم يسلم إليه بحكم وظيفته وهو خفير لا شأن له بالودائع ولم يبين الحكم توافر القصد الجنائي لدى الطاعن، كما أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من توافر نية الاختلاس لدى الطاعن لذهابه إلى محل عمله يوم الجمعة وهو يوم عطلة رسمية هو فساد في الاستدلال، لأن ذلك لا يؤدي حتماً إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم، كل ذلك فوق أن الحكم المطعون فيه لم يرد على دفاع الطاعن من أن الاتهام مدبر ضده من أشخاص عينهم بذواتهم. وأخيراً نعى عليه الخطأ في تطبيق القانون باعتبار أن مجرد نقل المال المختلس من مكانه لا يعتبر شروعاً في جناية الاختلاس.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى فيما قاله من أن الطاعن الأول وهو يعمل أميناً لمخزن المراقبة الإقليمية بشبين الكوم وهو تابع لمصلحة الشئون القروية اصطحب الطاعن الثاني حوالي الساعة الثانية من مساء يوم العطلة الأسبوعية الجمعة 1/ 8/ 1958 إلى المخزن عهدته وحاول أولهما باتفاقه مع الثاني أخذ برميل من الزيت من المخزن بحجة أنه يزيد على عهدته فلما اعترض خفير المخزن سبيلهما وحال دون تنفيذ ما اتفقا عليه انصرفا وعادا بعد قليل يعاودان الكرة ومعهما أحد الحمالين وعربية ووضعوا البرميل على العربة وكان الخفير يرقبهم من مكان اختبأ فيه فداهمهم متلبسين بالجريمة. واستند الحكم في إثبات هذه الواقعة على أقوال الخفير والحمال والمعاينة وما أدلى به المتهمان في التحقيقات. ولما كان الطاعن لم يجحد في طعنه أنه كان مكلفاً من رؤسائه بالقيام بأعمال أمين المخزن، ولم يجحد الدفاع عنه ذلك أمام المحكمة - بل قال إنه هو المخزنجي وهو المسئول عن المخازن وأن البرميل موضوع التهمة المسندة إليه كان زائداً عن العهدة. لما كان ذلك، وكان يكفي أن يكون المال موضوع جناية الاختلاس المنصوص عنها في المادة 112 عقوبات قد سلم إلى الجاني بأمر من رؤسائه حتى يعتبر مسئولاً عنه، وكان تسليم المال إلى الطاعن على الصورة التي أثبتها الحكم يتلازم معه أن يكون أميناً عليه فإذا اختلسه فإنه يعد مختلساً لأموال أميرية مما نصت عليه المادة المذكورة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه لا جدوى مما يثيره الطاعن في هذا الشأن لأنه بحكم أنه قائم بخدمة عامة وأن المال الذي كان بين يديه هو مال الدولة، فإنه تتحقق بذلك الجناية المنصوص عنها في المادة 113 من قانون العقوبات والعقوبة المقيدة للحرية المحكوم بها مقررة لهذه الجناية أيضاً. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد تحدث عن نية الاختلاس لدى الطاعن الأول بقوله "إنه لا يغير من ثبوت الاتهام قبل المتهم الأول ما ذهب إليه الدفاع من أن نية الاختلاس منعدمة في حقه بمقولة أنه إنما أراد نقل البرميل إلى منزله لحفظه عنده باعتباره يمثل زيادة في عهدته لحين الانتهاء من الجرد الذي كان متوقعاً إجراؤه فيعيده إليه، إذ فضلاً عن أن هذا القول يعوزه الدليل المقنع عليه، وعلى جدية نوايا هذا المتهم المزعومة، فإن فيه إباحة للمتهم وأمثاله - الأمناء على الودائع - غير مقبولة ولا يقرها قانون أو عرف على نقل أموال الدولة من مواضعها الأمينة وتعريضها للفقد أو الاختلاس، وعلى أية حال فإن المحكمة تستخلص من أوراق الدعوى وملابسات الحادث أن المتهم قد قصد اختلاس برميل الزيت الفائض عنده في عجلة وطيش واضحين قبل الجرد المقول به بالذات ليتم له غرضه من هذا الاختلاس قبل تعذر ذلك عليه بعد إحصاء البرميل بين محتويات مخزنه عند الجرد". ولما كان هذا البيان تتوافر به نية الاختلاس كما يتطلبها القانون، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل، أما ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من فساد الاستدلال باعتبار ذهابه إلى محل عمله يوم الجمعة وهو يوم عطلة رسمية دليلاً عليه فلا أثر لذلك في سلامة الحكم ولا ينال من سلامة الأدلة التي أوردها واطمأن إليها، أما ما يثيره الطاعن في شأن اعتبار الأفعال المسندة إليه ونقل البرميل موضوع الاتهام بعيداً عن مخزن العهدة، وأن ذلك لا تتوافر معه جناية الشروع في اختلاس الأموال الأميرية، فإن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعنين قد تسللا إلى مخزن عهدة أولهما في الساعة الثانية من مساء يوم الحادث وتعاونا مع أحد الحمالين على نقل برميل الزيت على عربة من عربات الجر وبعدا به حوالي عشرة أمتار بعيداً عن المخزن الذي كان به حيث فاجأهما الخفير وضبطهما متلبسين بالجريمة، وقد دانهما الحكم المطعون فيه الأول بجريمة الشروع في الاختلاس والثاني بالاشتراك معه في مقارفتها وطبق في حق الطاعن الأول المواد 17، 45، 46، 112/ 2، 118 من قانون العقوبات. ولما كانت واقعة الدعوى كما أثبتها الحكم تعتبر جريمة اختلاس تامة، وليست شروعاً - كما ذهب الحكم المطعون فيه - ما دامت نية المختلس قد اتجهت كما أثبت الحكم إلى التصرف في المال الذي كان في حيازته، إلا أن هذه المحكمة على الرغم مما سبقت الإشارة إليه من التكييف القانوني الصحيح للواقعة لا تستطيع مع ذلك أن تمس العقوبة المحكوم بها حتى لا يضار الطاعن بالطعن المرفوع منه وحده. لما كان ذلك، وكان باقي ما جاء بأسباب الطعن في شأن عدم مناقشة دفاع الطاعن الأول والرد على ما أثاره في حق من ضبطه متلبساً بجريمته وأنه هو الذي لفق له الاتهام، فإن الحكم المطعون فيه قد اعتمد على أقوال هذا الخفير واطمأن إليها بالإضافة إلى أقوال الحمال الذي استعان به الطاعن وشريكه - وهذا يكفي لتبرير اقتناع المحكمة بالإدانة وما يثيره الطاعن هو من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا تلتزم المحكمة بالرد عليه ما دام هذا الرد مستفاد ضمناً من قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أحاط الحكم بها. لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن لا يكون له أساس.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعنين - أولهما بجريمة الشروع في اختلاس برميل الزيت المسلم إليه باعتباره أميناً عليه، والثاني باعتباره شريكاً في تلك الجريمة وطبق في حق الأول المواد 17، 45، 46، 112/ 2، 118 من قانون العقوبات، وهذه المواد والمادتين 40/ 2، 3، 41 عقوبات في حق الثاني، لما كان ذلك، وكان لا يجوز توقيع أية عقوبة ما لم يكن قد نص عليها القانون كجزاء لذات الفعل المنسوب إلى المتهم عملاً بقاعدة "لا عقوبة بغير نص" ومن ثم فعلى القاضي التزام حد النص للعقاب المقرر وعدم تجاوزه. لما كان ذلك، وكان المشرع قد أعلن صراحة بإيراده المادة 46 من قانون العقوبات أنه يرى عقاب الشروع في الجريمة بعقوبة غير عقوبة الجريمة الأصلية، ولو شاء أن يلحق المحكوم عليه في الجريمة المشروع فيها عقوبة الغرامة النسبية التي يقضي في حالة الجريمة التامة لنص على ذلك صراحة في المادة 46 من قانون العقوبات سالف الذكر يؤيد هذا النظر أن الغرامة النسبية يمكن تحديدها على أساس قيمة ما اختلسه أو استولى عليه المتهم من مال أو منفعة أو ربح في حالة الجريمة التامة طبقاً لنص المادة 118 عقوبات - أما في حالة الشروع فتحديد تلك الغرامة غير ممكن - لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم نقضاً جزئياً وتصحيحه باستبعاد الغرامة النسبية المقضي بها على كل من الطاعنين ما دام العيب القانوني الذي لحق الحكم بالنسبة إلى الطاعن الأول يتصل بالطاعن الثاني الذي لم يقبل طعنه شكلاً وذلك عملاً بالمادة 42 من القانون رقم 57 لسنة 1959.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق