جلسة 28 من إبريل سنة 1974
برياسة السيد الأستاذ المستشار حسنين رفعت - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة أحمد فؤاد أبو العيون، ومحيي الدين طاهر، ومحمد بدير الألفي، ويوسف شلبي يوسف - المستشارين.
----------------
(116)
القضية رقم 513 لسنة 16 القضائية
دعوى. اختصاص - إحالة.
اختصاص قاضي التنفيذ بنظر إشكالات التنفيذ الصادرة من جهات القضاء الإداري - المادة 110 من قانون المرافعات استحداثها حكم بوجوب الإحالة إلى المحكمة المختصة عند الحكم بعدم الاختصاص - حكمة هذا النص - دفع المشقة عن المتقاضين - الإحالة لا تلزم المحكمة المحال إليها الدعوى - وجوب الحكم بعدم الاختصاص متى رأت المحكمة المحال إليها الدعوى ذلك دون الإحالة إلى المحكمة الأولى لأنها استنفذت ولايتها - أساس ذلك - مثال.
----------------
إنه يبين من مطالعة أسباب الحكم المطعون فيه أنه وإن سلم باختصاص القضاء المستعجل بنظر إشكالات التنفيذ التي تقدم عن سائر الأحكام مدنية أو تجارية أو إدارية وذكر أنه كان يتعين من ثم على مأمورية أرمنت القضائية أن تنظر بصفة مستعجلة في الإشكال المرفوع أمامها وتفصل في موضوعه، ولكن إزاء قضاءها بعدم الاختصاص ولائياً بنظره وإحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري فقد تعين على المحكمة الأخيرة أن تنظر الإشكال موضوعياً إعمالاً لنص المادة 110 من قانون المرافعات.
ومن حيث إنه عن مدى اختصاص قاضي التنفيذ بنظر إشكالات تنفيذ الأحكام الصادرة من جهات القضاء الإداري، فإنه لما كانت المادة (3) من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة تقضي بتطبيق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص في قانون مجلس الدولة، وكان هذا القانون الأخير قد صدر خالياً من نظام لقاضي التنفيذ أو لقضاء مستعجل للفصل في إشكالات التنفيذ التي قد تثار بصدد تنفيذ أحكام القضاء الإداري فمن ثم يتعين الرجوع في هذا الشأن إلى قانون المرافعات.
ومن حيث إن المادة (274) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 68 تنص على أن "يجرى التنفيذ تحت إشراف قاضي للتنفيذ يندب في مقر كل محكمة جزئية من بين قضاة المحكمة الابتدائية ويعاونه في ذلك عدد كاف من المحضرين، وتتبع أمامه الإجراءات المقررة أمام المحكمة الجزئية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك" كما تنص المادة (275) على أن "يختص قاضي التنفيذ دون غيره بالفصل في جميع منازعات التنفيذ الموضوعية والوقتية أياً كان قيمتها، كما يختص بإصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ. ويفصل قاضي التنفيذ في منازعات التنفيذ الوقتية بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة". ويستفاد من هذين النصين على هدي ما ورد بشأنهما في المذكرة الإيضاحية للقانون، أولاً: أن نظام قاضي التنفيذ الذي استحدثه قانون المرافعات الجديد يهدف إلى إشراف فعال متواصل للقاضي على إجراءات التنفيذ في كل خطواتها، كما يهدف إلى جمع هذه المسائل في يد قاضي واحد قريب من محل التنفيذ يسهل على الخصوم الالتجاء إليه. وثانياً: أنه من أجل ذلك خول القانون لهذا القاضي اختصاصات واسعة في كل ما يتعلق بالتنفيذ فجعله مختصاً دون غيره بالفصل في كل المنازعات المتعلقة بالتنفيذ سواء كانت منازعات موضوعية أم وقتية، كما خوله سلطة قاضي الأمور المستعجلة عند فصله في المنازعات الوقتية وهي المنازعات التي يكون المطلوب فيها إجراءً وقتياً.
ومن حيث إنه وإن كان الأصل أن قاضي التنفيذ محوط بحدود اختصاص الجهة القاضية التي يتبعها فلا يجوز له الحكم باتخاذ إجراءات وقتية تتعلق بحق النزاع فيه من اختصاص جهة قضائية غير القضاء المدني إلا أنه من الثابت أن قاضي التنفيذ - باعتباره فرعاً من الجهة القضائية ذات الاختصاص العام في نظر جميع المنازعات المتصلة بالمال - يملك الفصل في إشكالات تنفيذ الأحكام الصادرة من الجهات القضائية الأخرى وهذا لا يمس بأي حال من الأحوال بالقواعد المنظمة لاختصاص جهات القضاء المختلفة، ذلك لأن إشكالات تنفيذ الحكم هي منازعات لا شأن لها بأصل الحق الثابت فيه ولا تعد طعناً عليه، وإنما هي تتصل بذات التنفيذ وما إذا كان صحيحاً أم باطلاً أو جائزاً أم غير جائز. فمن ثم فإن قاضي التنفيذ باعتباره فرعاً من المحاكم ذات الاختصاص العام إذ يختص بموضوع إشكال في حكم إداري أو بنظر إشكال في تنفيذه من الناحية الوقتية بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة فإنه لا يمس القضاء الصادر من القضاء الإداري عند الحكم ببطلان التنفيذ أو عدم جوازه لأن القضاء ببطلان التنفيذ أو عدم جوازه أو بموقفه إنما يبني على اعتبارات وأسباب تتصل بتوافر الشروط والأوضاع الواجبة قانوناً للتنفيذ أو عدم توافرها، وهذه الشروط والأوضاع يحددها قانون المرافعات وهي لا تتصل من قريب أو بعيد بذات المنازعة الإدارية التي يختص بنظرها القضاء الإداري دون غيره.
ومن حيث إنه متى وضح الأمر على الوجه المتقدم، وكان الثابت من الأوراق أن المنازعة المعروضة تتحدد في أن حكماً صدر بتاريخ 6/ 10/ 1968 من المحكمة التأديبية لموظفي وزارة الصناعة في الطعن رقم 374 لسنة 12 القضائية المقام من السيد/ محمد إبراهيم محمد ضد شركة السكر والتقطير المصرية قضى بإلغاء القرار الصادر بفصله وما يترتب على ذلك من آثار. وقد أعلن المحكوم لصالحه هذا الحكم بتاريخ 24/ 12/ 1968 إلى مدير مصنع السكر بأرمنت، وفي 28/ 10/ 1968 توجه المحضر لتنفيذ الحكم فاستشكلت شركة السكر المحكوم ضدها في تنفيذه وحدد لنظر الإشكال جلسة 6/ 1/ 1969 حيث قررت الشركة المستشكلة أمام قاضي التنفيذ بمأمورية أرمنت القضائية أن سبب الإشكال في التنفيذ هو أن الحكم أعلن لمدير مصنع السكر بأرمنت الذي لا يمثل الشركة قانوناً فمن ثم فهو إعلان غير قانوني يبطل التنفيذ. وقد قضت المأمورية المذكورة بحكمها الصادر في ذات الجلسة بصفة مستعجلة بقبول الإشكال شكلاً وبعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري المختصة. ويبين مما تقدم أن قاضي مأمورية أرمنت القضائية إنما نظر الإشكال بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة وأن مبنى هذا الإشكال ينحصر في أن الحكم المستشكل في تنفيذه لم يعلن إعلاناً صحيحاً مما يبطل تنفيذه إعمالاً لحكم المادة (281) من قانون المرافعات التي تقضي بأنه يجب أن يسبق التنفيذ إعلان الحكم لشخص المدين أو في موطنه الأصلي وإلا كان باطلاً، فمن ثم فالمطلوب بمقتضى هذا الإشكال هو مجرد إجراء وقتي لا يمس أصل الحكم التأديبي المستشكل في تنفيذه مما ينعقد الاختصاص بنظره لقاضي التنفيذ دون غيره ويخرج من ثم اختصاص القضاء الإداري.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من الاستناد إلى حكم المادة 110 من قانون المرافعات للقول بالتزام محكمة القضاء الإداري بالإحالة الصادرة بمقتضى حكم مأمورية أرمنت القضائية وما انتهى إليه تأسيساً على ذلك من اختصاص المحكمة الأولى بنظر موضوع الإشكال، فإنه يبن من الرجوع إلى المادة 110 المشار إليها أنها تنص على أنه "على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة، ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية. ويجوز لها عندئذ أن تحكم بغرامة لا تجاوز عشرة جنيهات، وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها. وقد استحدث قانون المرافعات الجديد في هذه المادة الفقرة التي تقضي بأنه على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان الاختصاص متعلقاً بالولاية، وقد قصد المشرع بهذا الحكم المستحدث التيسير على المتقاضين إذ كان القضاء قد استقر في ظل قانون المرافعات الملغى على عدم جواز الإحالة إلا بين المحاكم التابعة لجهة قضائية واحدة ومن ثم فما كان يجوز الإحالة من إحدى المحاكم التابعة للقضاء العادي إلى محكمة تابعة لجهة القضاء الإداري، وإنما كانت المحكمة تحكم بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى ويلتزم ذو الشأن - إذا أراد - أن يقيم الدعوى من جديد أمام المحكمة المختصة ولائياً بها، وقد رفع المشرع هذه المشقة عن المتقاضين بالنص المشار إليه فأوجب على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية كما هو الحال في الدعوى المعروضة وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم فإن ما ورد بنص المادة 110 من قانون المرافعات المشار إليها من التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها لا يخل بحق هذه المحكمة في أن لا تلتزم بالإحالة للأسباب التي بنيت عليها بحيث إذا رأت أنها على الرغم من الإحالة غير مختصة بنظر الدعوى وجب عليها الحكم مع هذا بعدم الاختصاص، ذلك لأن هذه الإحالة لا تعني حتماً وبالضرورة التزام المحكمة المحال إليها بالفصل في موضوع الدعوى لأن هذا الموضوع قد يخرج قانوناً من اختصاصها، ومن ثم فإن على المحكمة المذكورة عند النظر في الدعوى المحالة إليها أن تبحث بداءة وقبل النظر في موضوعها مدى اختصاصها بها وفقاً للقانون المنظم لها وفي حدود ولايتها ووفقاً للإجراءات المتبعة أمامها، ولهذه المحكمة إذا رأت أنها غير مختصة وأن المحكمة الأولى التي أحالت إليها الدعوى هي صاحبة الاختصاص والولاية وجب عليها أن تقضي بعدم الاختصاص دون أن تحيل إلى المحكمة الأولى التي استنفدت ولايتها بحكمها القطعي الصادر منها بعدم الاختصاص والتي لا تسترد ولايتها بنظر الدعوى إلا إذا أحيلت إليها بحكم من المحكمة العليا المختصة بالتطبيق لنص المادة (4) من قانون إنشائها رقم 81 لسنة 1969 بناء على طلب يرفع إليها للفصل في تنازع الاختصاص السلبي بين هاتين المحكمتين المتنازعتين.
ومن حيث إن المنازعة المعروضة إنما هي على ما سبق بيانه - إشكال في تنفيذ حكم صادر من المحكمة التأديبية لموظفي وزارة الصناعة مبناه طلب بطلان تنفيذ هذا الحكم لعدم إعلانه للشركة المحكوم عليها إعلاناً صحيحاً فمن ثم فهو مجرد إجراء وقتي متعلق بالتنفيذ لا يمس موضوع الحكم المشار إليه مما يختص به قاض التنفيذ المختص بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة ويخرج عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري طبقاً لقانون تنظيمه. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه ويتعين والحالة هذه القضاء بإلغائه وبعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق