جلسة 13 من ديسمبر سنة 1958
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
-----------------
(26)
القضية رقم 155 لسنة 3 القضائية
عامل
- وقفه عن العمل - لا يقع تلقائياً بقوة القانون إلا إذا حبس احتياطياً أو تنفيذاً لحكم قضائي - وجوب صدور قرار إداري لإنشاء حالة الوقف عن العمل في غير هذه الحالة - امتناع الإدارة عن تمكين العامل من أداء عمله بعد الإفراج عنه ينطوي على مخالفة القانون ما دام لم يصدر قرار بوقفه - عدم جواز حرمان العامل من راتبه ما دام قد عرض من جانبه استعداده للقيام بعمله.
إجراءات الطعن
في يوم 14 من يناير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 9 من ديسمبر سنة 1956 في القضية رقم 155 لسنة 3 القضائية المرفوعة من وزارة المواصلات ضد محمد علي عبد الرحمن, القاضي "بتعديل قرار اللجنة القضائية واستحقاق المطعون ضده لأجره عن المدة من 25 من يناير سنة 1948 لغاية 5 من فبراير سنة 1949 فيما عدا أجره عن المدة من 2 من فبراير سنة 1948 لغاية 6 من فبراير سنة 1948, مع إلزام وزارة المواصلات بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, وإلغاء قرار اللجنة القضائية, ورفض التظلم, مع إلزام المتظلم بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 20 من يناير سنة 1957, وللمدعي في 10 من فبراير سنة 1957 وعين لنظره جلسة 8 من فبراير سنة 1958, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات, وأرجأت النطق بالحكم لجلسة 22 من مارس سنة 1958, ثم لجلسة 12 من أبريل سنة 1958, ثم أعيدت القضية للمرافعة لجلسة 25 من أكتوبر سنة 1958 لاستيفاء ما جاء بأسباب القرار, وفيها سمعت الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر, وأرجئ النطق بالحكم لجلسة 22 من نوفمبر سنة 1958, ثم أرجئ لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي قدم تظلماً إلى اللجنة القضائية المختصة في 18 من فبراير سنة 1953 قيد بجدولها برقم 2133 لسنة 1 القضائية قال فيه إنه اتهم في قضية إحراز مخدرات في يوم 25 من يناير سنة 1948, وقضى فيها من المحكمة العسكرية بالبراءة في 5 من فبراير سنة 1949, وتقدم إلى المصلحة لاستلام عمله؛ إذ كان موقوفاً طوال هذه المدة، فأعيد إليه في 20 من فبراير سنة 1949, ولما طالبها بصرف مرتبه عن مدة الوقف لم تصرف إليه إلا مبلغ تسعة جنيهات وكسوراً, وطلب من اللجنة تقرير استحقاقه لمرتبه عن المدة المشار إليها فيما زاد عن المبلغ الذي صرف إليه. وقد ردت مصلحة السكك الحديدية على التظلم بأن المدعي قبض عليه في 25 من يناير سنة 1948 بمعرفة عساكر الحدود بالقنطرة شرق بتهمة إحراز مواد مخدرة لتهريبها, ثم أفرج عنه بضمان مالي في 2 من فبراير سنة 1948, ولما أخطرت المصلحة قسم قضاياها بهذا الموضوع رأي عدم الموافقة على إعادته للعمل حتى يفصل في التهمة المسندة إليه. وقد نظرت القضية أمام المحكمة الجنائية العسكرية العليا, فقضت في 5 من فبراير سنة 1949 ببراءته فأعيد إلى عمله في 20 منه, واستفتت المصلحة إدارة الرأي المختصة فيما يتعلق بصرف أجره عن مدة انقطاعه عن العمل من 25 من يناير سنة 1948 لغاية 19 من فبراير سنة 1949, فأفتت بأنه ما دام لم يصدر قرار صريح بوقفه عن العمل فإنه بالنسبة لمدة الحبس الاحتياطي يكون لرئيس المصلحة تقدير ما إذا كان يصرف له أجره عنها أم لا بحسب ما إذا كان قد تسبب بموقفه في خلق مظاهر توحي باتهامه من عدمه, أما المدة من تاريخ الإفراج عنه لغاية تاريخ تقديم نفسه للمصلحة بطلب استلام العمل فلا يصرف عنها أجره. وانتهت المصلحة إلى القول بأنها في ضوء هذه الفتوى قررت صرف أجره عن المدة من 6 من فبراير سنة 1949 لغاية 19 من فبراير سنة 1949, وهو التاريخ السابق لاستلامه العمل. وبجلسة 8 من يونيه سنة 1953 قررت اللجنة القضائية استحقاقه لأجره عن المدة من تاريخ انقطاعه عن العمل بسبب القبض عليه في 25 من يناير سنة 1948 لغاية تاريخ الحكم ببراءته في 5 من فبراير سنة 1949, وما يترتب على ذلك من آثار. واستندت في ذلك إلى أن المصلحة لم تبين في دفاعها الظروف التي لابست اتهام المدعي في القضية المشار إليها وما إذا كان مدير المصلحة قد رأى عدم صرف أجره عن المدة السابقة التي كان المدعي فيها محبوساً احتياطياً على ذمة القضية استناداً على شبهات قوية خلقها المتظلم بتصرفه مما أدى إلى اتهامه, كما وأنه لم يصدر قرار بوقفه عن العمل خلال هذه المدة. وقد طعنت الوزارة في قرار اللجنة القضائية طالبة إلغاءه وإلزام المدعي بالمصروفات. وأسست طعنها على ما سبق لها إبداؤه أمام اللجنة القضائية, وقالت إنها - على ضوء فتوى إدارة الرأي - صرفت المصلحة الأجرة المستحقة للمدعي عن المدة من 6 من فبراير سنة 1949 لغاية 19 منه, أما بالنسبة لمدة الحبس الاحتياطي فقد تقرر حرمانه منها. وبجلسة 9 من ديسمبر سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري بتعديل قرار اللجنة القضائية وباستحقاق المدعي لأجره عن المدة من 25 من يناير سنة 1948 (تاريخ القبض عليه) لغاية 5 من فبراير سنة 1949 (تاريخ الحكم ببراءته), أما المدة من 2 من فبراير سنة 1948 (تاريخ الإفراج عنه بعد حبسه احتياطياً) لغاية 6 من فبراير سنة 1948 عندما تقدم للمصلحة طالباً عودته لعمله فلا يصرف له أجر عنها, وألزمت الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأقامت قضاءها على أنه بالرجوع إلى فتوى مستشار إدارة الرأي المختصة التي تستند إليها المصلحة في تصرفها والمؤرخة 14 من فبراير سنة 1952 يبين منها أن نص الفتوى هو ما يأتي "ما دام لم يصدر قرار صريح بوقف المذكور فإننا نرى أنه بالنسبة إلى مدة الحبس الاحتياطي يكون لرئيس المصلحة تقدير ما إذا كان يصرف له أجر عنها أو لا يصرف, بحسب ما إذا كان قد تسبب بموقفه في خلق مظاهر توحي باتهامه من عدمه, أما المدة من تاريخ الإفراج عنه لغاية تاريخ تقديمه نفسه للمصلحة بطلب استلام العمل فلا يصرف أجر عنها, وفيما يتعلق بالمدة من هذا التاريخ الأخير لغاية تاريخ الاستلام الفعلي فنرى أن تصرف أجرته عنها". وهذه الفتوى قد أصابت الرأي القانوني الصحيح الذي ينطبق على الواقعة موضوع النزاع. وقد ذكرت المصلحة في دفاعها أنها استهدفت الرأي الذي تضمنته في تصرفها حيال المطعون ضده, فهي إذ أشارت إلى عدم صرف راتبه عن المدة من تاريخ الإفراج لغاية تاريخ تقديم نفسه للمصلحة بطلب تسلم العمل وبصرف أجرته من هذا التاريخ لغاية تاريخ الاستلام لم تحدد تاريخ تقديمه نفسه باليوم والشهر والسنة. وقد اعتدت المصلحة بتاريخ تقديم المطعون ضده نفسه بطلب استلام العمل بعد الحكم الصادر ببراءته في حين أن الثابت من ملف خدمته أنه تقدم قبل ذلك لهندسة الوابورات بالإسماعيلية بتاريخ 7 من فبراير سنة 1948, فطلبت هذه الهندسة من رياستها بمصر وطنطا بإشارة برقية رقم 10/ 20 في 7 من فبراير سنة 1948 الإفادة عما تتبعه نحو تسليمه العمل, وأيدت ذلك بكتاب رسمي بذات الرقم والتاريخ ولكن لم يسلم إليه العمل. ثم رد بكتاب مدير إدارة الدعاوى والتحقيقات رقم 39/ 3/ 166 بتاريخ 7 من يونيه سنة 1948 بأنه قد تقرر عدم الموافقة على إعادة المذكور للعمل حتى يفصل في القضية, مع أن ملف خدمته قد خلا من صدور قرار من رئيس المصلحة المختص بوقفه عن العمل بسبب هذا الاتهام. ثم استطردت المحكمة فقالت إنه وإن كان حبس الموظف أو العامل احتياطياً يستتبع حتماً وقفه مدة حبسه دون حاجة إلى قرار بذلك من رئيس المصلحة, إلا أن مجرد الاتهام بحرم موجب للرفت لا يؤدي بذاته إلى وقف العامل المتهم ما لم يصدر بذلك قرار من رئيس المصلحة المختص, وما لم يصدر قرار بالوقف ممن يملكه فإن الموظف أو العامل يستحق راتبه حتى إذا منعته المصلحة من أداء عمله فعلاً؛ إذ أن تصرفها في هذه الحالة لا سند له من القانون؛ ومن ثم تكون المصلحة قد أخطأت مرتين: الأولى عندما منعته من استلام عمله لما تقدم لها في 7 من فبراير سنة 1948 بعد الإفراج عنه بالرغم من عدم صدور قرار من الرئيس المختص بوقفه عن العمل بسبب اتهامه, والثانية في تنفيذ فتوى مستشار الرأي إذ اعتبرت تاريخ استحقاقه لراتبه هو من تاريخ تقدمه للمصلحة بعد الحكم ببراءته, في حين أن الفتوى تقضي باستحقاقه لرابته من تاريخ تقدمه للعمل بعد الإفراج عنه. ومن هذا يبين أن المدعي يستحق أجرته عن المدة من تاريخ تقدمه إلى المصلحة بعد الإفراج عنه لغاية التاريخ الذي صرفت المصلحة عنه أجره بعد الحكم ببراءته, أي لغاية 5 من فبراير سنة 1949, وهي المدة التي منعته فيها المصلحة من أداء عمله دون سند قانوني. أما عن مدة الحبس الاحتياطي من 25 من يناير سنة 1948 لغاية 2 من فبراير سنة 1948 فإنه يستحق أجره عنها؛ إذ أن الثابت من الأوراق ومن الحكم الصادر في القضية التي اتهم فيها أنه لم يتسبب بموقفه في خلق مظاهر توحي باتهامه, وبالعكس فإن سلطة الاتهام نفسها أفرجت عنه فيما لا يجاوز أسبوعاً من تاريخ القبض عليه مع خطورة تهمة تهريب المخدرات التي كانت منسوبة إليه, مما يقطع بعدم جدية هذا الاتهام, وهو ما أخذت به المحكمة في حكمها حيث قضت ببراءته وأشارت إلى قويم خلقه. كما وأنه لم يصدر قرار من الرئيس المختص على ضوء هذه الفتوى, وما كان يجوز أن ينوب عن مدير المصلحة في إصدار قرارات الوقف أي موظف آخر؛ وذلك لعدم الإنابة في هذا الاختصاص. أما بالنسبة للمدة من تاريخ الإفراج عنه في 2 من فبراير سنة 1948 لغاية 5 من فبراير سنة 1948 تاريخ تقدمه للمصلحة, فإن المدعي لم يؤد فيها أي عمل, ولم يكن في إجازة فلا يستحق أجراً عنها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المادة الخامسة من تعليمات وزارة المالية رقم 8 تنص على أن العامل الدائم المتهم بجرم موجب للرفت يصير إيقافه عن العمل في كل حالة, ومؤدى ذلك أن وقف العامل المتهم بجرم موجب للرفت أمر وجوبي لا تترخص فيه السلطة الرئيسية المختصة, وبالتالي فليس ثمت محل - كما ذهب الحكم المطعون فيه - للتحدي بأن قرار وقف المدعي عن العمل بعد الإفراج عنه لم يصدر من الرئيس المختص, كما وأن هناك أصلاً عاماً في مجال العلاقة اللائحية أياً كانت صفة الوظيفة, دائمة أو مؤقتة أو خارج الهيئة أو من العمال, هذا الأصل هو الحرمان من المرتب مدة الوقف باعتباره مقابل العمل, والاستثناء هو صرفه كله أو بعضه حسبما تقرر السلطة التأديبية في كل حالة, وهو ما قررته الفقرة الأخيرة من الأمر العالي الصادر في 10 من أبريل سنة 1883, ولم تخرج عنه المادة 134 من قانون المصلحة المالية, وأن التعليمات المالية رقم 8 التي رأت وزارة المالية تطبيقها على عمال المياومة الدائمين إن هي إلا امتداد لحكم المادة 134 في نطاق التطبيق, ويتعين أن تحمل على أنها ترديد للأصل العام السالف الذكر. وإذ كان المدعي قد حبس احتياطياً ثم وقف عن العمل لاتهامه في جريمة إحراز مخدرات, ثم قضى ببراءته وعاد لعمله, فإنه لا يستحق أجراً عن مدتي الحبس الاحتياطي والوقف, ما لم يقرر رئيس المصلحة, مباشراً سلطته التقديرية, استحقاقه لأجره, والثابت أن هذا الشرط الأخير لم يتحقق - وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير ذلك - فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين إلغاؤه, وإلغاء قرار اللجنة القضائية ورفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي كلف فجأة في يوم 25 من يناير سنة 1948, وهو بقسم القنطرة شرق مرافقة قاطرة معطلة وترحيلها إلى الإسماعيلية, وعند وصوله إلى منطقة المعدية صعد إليها رجال البوليس والجمارك والحدود للتفتيش كالمتبع, فقام بفتح كل مكان فيها وإرشادهم لكل ما يطلبون, ثم كلفوه بفتح صندوق السلندر وهو صندوق بدون مفتاح ففتحه لهم بكل اطمئنان, كما جاء بشهادتهم, فوجدوا به لفافة مغلقة بورق السيلوفان وبداخلها شيء, فسألوه عنه, فأجاب بأنه يظن أنه شحم ولما فتحوها وجدوا بها أفيوناً. وقد حبس احتياطياً على ذمة التحقيق ثم أفرج عنه بضمان مالي قدره جنيهان في يوم 2 من فبراير سنة 1948 ولما تقدم للمصلحة في 7 من فبراير سنة 1948 لاستلام عمله أخطر بعدم إمكان إعادته لعمله حتى يفصل في القضية المتهم فيها. وقد نظرت هذه القضية أمام المحكمة الجنائية العليا بمصلحة الحدود في 5 من فبراير سنة 1949 وأصدرت حكمها ببراءته مما نسب إليه. وبنت هذا الحكم على ما يأتي "حيث لم يثبت أن المتهم رؤى وهو يضع المخدر في المكان الذي ضبط فيه. وحيث إن القاطرة كانت موجودة في مكان مكشوف يستطيع أي عابر أن يضع المخدر بها ليأخذه منها بعد ذلك في مكان سهل بعد عبورها القنال, وكان هذا الموضع فيه عمال كثيرون غيره منهم المشبوهون, كما جاء بأقوال الشاهد الثاني. وحيث إن المحكمة تقر الدفاع في أن المتهم رجل فني, ولا يمكن أن يكون من الغفلة بحيث يضع المخدر في المحل المعرض لتمتد إليه يد المفتش, بينما القاطرة بها أمكنة خفية أخرى كان يمكنه وضع المخدر فيها بحيث لا يمكن ضبطها. هذا فضلاً عن تكليفه بالقيام بالقاطرة المعطلة فجأة كما جاء بأقوال الشاهد الأول فلم يكن عنده الوقت الكافي لتدبير التهريب, وهذا زيادة عما لهذا المتهم من خدمة طويلة تقرب من 35 عاماً بخدمة الحكومة, وشهد له رؤساؤه أمام المحكمة بحسن الأخلاق؛ لهذا أصدرت المحكمة حكمها ببراءة المتهم". وقد صدق مدير عام مصلحة الحدود على هذا الحكم في 6 من مارس سنة 1949. وعقب صدور الحكم مباشرة تقدم المدعي مطالباً بإعادته لعمله فأعيد إليه, ثم تقدم بالتماسات لصرف مرتبه أثناء المدة التي نحي فيها عن مباشرة عمله, فاستفتت المصلحة مستشار الدولة لإدارة الرأي المختصة فأفاد بكتابه رقم 19/ 28/ 99 بتاريخ 14 من فبراير سنة 1952 بأنه ما دام لم يصدر قرار صريح بوقف المذكور فإننا نرى أنه بالنسبة إلى مدة الحبس الاحتياطي يكون لرئيس المصلحة تقدير ما إذا كان يصرف له أجر عنها أو لا يصرف, بحسب ما إذا كان قد تسبب بموقفه في خلق مظاهر توحي باتهامه من عدمه, أما المدة من تاريخ الإفراج لغاية تاريخ تقديم نفسه للمصلحة بطلب استلام العمل فلا يصرف أجر عنها. وفيما يتعلق بالمدة من هذا التاريخ الأخير لغاية تاريخ الاستلام الفعلي فيصرف أجره عنها, فقامت المصلحة بتنفيذ هذه الفتوى بالكيفية التي أثارت هذه المنازعة. وقالت في دفاعها إنها راعت في هذا التنفيذ ما أشارت به الفتوى المذكورة.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن مثار المنازعة هو ما إذا كان وقف المدعي عن العمل في مثل هذه الحالة يتم بقوة القانون في كل مرة نحي فيها عن عمله, أم أن الوقف بقوة القانون لا يقع إلا في حالة استثنائية معينة بحكم الضرورة هي حالة الحبس احتياطياً أو تنفيذاً لحكم قضائي, وما عداها لا بد لإنشائه من قرار صريح يصدر ممن يملك ذلك قانوناً, وإذا كان مثل هذا القرار مع لزومه قانوناً لم يصدر, فهل يستحق الموظف راتبه ما دام قدم نفسه للمصلحة وهي التي رفضت قبوله؟.
ومن حيث إن المادة 134 من الفصل الثاني من القانون المالي تنص على أن كل مستخدم يحبس احتياطياً أو تنفيذاً لحكم قضائي يجب إيقافه عن أعمال وظيفته من يوم حبسه, وذلك لا يمنع الجزاءات التأديبية التي يمكن توقيعها عليه, وماهيته في كل مدة إيقافه تكون حقاً للحكومة ما لم يتقرر عدم وجود وجه لإقامة الدعوى أو تحكم المحكمة الجنائية ببراءته من التهم التي ترتب عليها حبسه, ففي هذه الحالة يجوز صرف ماهيته إليه عن مدة الإيقاف, ما لم تقرر المصلحة التابع لها تأديبياً خلاف ذلك. والمقصود بعبارة المصلحة لها تأديبياً: مجلس التأديب بالنسبة للمستخدمين الداخلين في الهيئة, ورئيس المصلحة فيما يختص بالخدم المؤقتين الخارجين عن الهيئة: كما تنص المادة الخامسة من التعليمات المالية رقم 8 الصادرة في أول يوليه سنة 1913 على أن المستخدم المؤقت أو الخارج عن هيئة العمال المتهم بجرم موجب للرفت يصير إيقافه عن العمل مؤقتاً في كل حالة, وإذا اتضح بعد ذلك أنه بريء تصرف له ماهيته عن مدة الإيقاف المؤقت, وإذا ثبتت إدانته يرفت من تاريخ الإيقاف المؤقت. والترخيص بصرف ماهية الخادم المشار إليه يصدر من رئيس المصلحة التابع لها. وقد أصدرت وزارة المالية كتابها رقم ف 234/ 9/ 6 في 15 من نوفمبر سنة 1927 بتطبيق هذه التعليمات على عمال اليومية الدائمين.
ومن حيث إنه يبين من تلك الأحكام, وهي السارية في حق العمال، أن وقف العامل لا يقع تلقائياً بقوة القانون إلا إذا حبس احتياطياً أو تنفيذاً لحكم قضائي؛ لأن مثل هذا الحبس يقتضي - بحكم الضرورة - عدم تمكنه من أداء عمله في خدمة الحكومة مما يغني عن صدور قرار بالوقف، أما في غير هذه الحالة فلا بد لإنشاء حالة الوقف عن العمل من صدور قرار إداري ممن يملك ذلك. وغني عن القول أن هذه الأحكام هي من الأصول العامة؛ ولذا رددتها المادتان 95 و96 من قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 بالنسبة للموظفين الدائمين, ونصت المادة 117 فيما نصت عليه على سريان هذا الحكم على المستخدمين الخارجين عن الهيئة.
ومن حيث إنه ما دام لم يقف الموظف بقوة القانون عن عمله بسبب حبسه احتياطياً أو تنفيذاً لحكم قضائي, وما دام لم يصدر قرار بالوقف ممن يملكه قانوناً في غير الحالة المذكورة, فإن امتناع الإدارة عن تمكين الموظف من أداء عمله بعد الإفراج عنه يكون مخالفاً للقانون, ولا يجوز حرمان الموظف من راتبه ما دام قد عرض من جانبه استعداده للقيام بعمله, وكان الامتناع من جانب الإدارة بدون وجه حق وبسبب لا دخل لإرادة الموظف فيه.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من عيون الأوراق أنه لم يصدر قرار بوقف المدعي عن عمله, وأن المحكمة الجنائية العليا قضت ببراءته لعدم صحة التهمة المسندة إليه, وأنه لم يصدر قرار بحرمانه من مرتبه مدة الوقف, بل على العكس فإن الواضح أن نية المصلحة كانت منصرفة إلى صرف مرتبه عن المدة المذكورة, واستفتت في ذلك إدارة الرأي المختصة, ولو لا أن المصلحة فهمت فتوى الإدارة المذكورة على خلاف ما تضمنته لكانت قد صرفت إليه مرتبه بالكيفية التي أشارت إليها هذه الفتوى والتي نفذت المصلحة منها ما لم يلتبس عليه فهمه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه للأسباب التي قام عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة, وفي هذه الأسباب المفصلة كل الغناء للرد على أسباب الطعن, ويكون الطعن - والحالة هذه - قد قام على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, ورفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق