جلسة 29 من مارس 1978
برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور إبراهيم صالح، محمد الباجوري، محمود رمضان وإبراهيم فراج.
--------------
(180)
الطعن رقم 991 لسنة 44 ق
إيجار "إيجار الأماكن". تأمينات اجتماعية.
(1) قيمة اشتراكات التأمين عن عمال البناء المستحقة إلى هيئة التأمينات الاجتماعية. وجوب احتسابها ضمن تكاليف المبنى عند تقدير الأجرة القانونية. لا يغير من ذلك أن تكون عملية البناء قد أسندت إلى مقاول طالما تحملها المالك فعلاً.
(2) قيمة الأرض في حساب القيمة الإيجارية. وجوب تقديرها بقيمتها السوقية وقت تمام إنشاء البناء. علة ذلك.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة بعد المداولة.
من حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعنين الأول والثاني والثالث والسادس والتاسع وآخرين أقاموا الدعوى رقم...... ضد المطعون عليهم بطلب الحكم بتعديل قرار لجنة تقدير الإيجارات وتخفيض الإيجار إلى القدر الذي يتناسب مع تكاليف المبنى الفعلية، وقالوا بياناً لها أنهم يستأجرون من المطعون عليهم الخمسة الأول شققاً بالعقار رقم.....، وإذ حددت لجنة تقدير الإيجارات أجرة الوحدات السكنية به وجاء تحديدها مخالفاً للقانون، فقد أقاموا الدعوى. وأقام مالكو العقار - المطعون عليهم الخمسة الأول - الدعوى رقم.... ضد الطاعنين وباقي مستأجري شقق العقار والمطعون عليهما السادس والسابع محافظ القاهرة ووزير الإسكان والمرافق بصفتهما، كما أقام اثنان من مستأجري العقار الدعوى رقم... أمام ذات المحكمة ضد المطعون عليهم الخمسة الأولين طعناً على نفس القرار، ضمت الدعاوى الثلاث وحكمت المحكمة فيها بتاريخ... بندب خبير لتحديد الأجرة القانونية لوحدات النزاع وبعد أن قدم الخبير تقريره عقدت بتاريخ... فحكمت بتأييد قرار لجنة تقدير الإيجارات المطعون فيه. استأنف الملاك - المطعون عليهم الخمسة الأول - هذا الحكم بالاستئناف رقم...، كما استأنفه الطاعن السادس بالاستئناف رقم... للقضاء لكل بطلباته ضم الاستئنافان، وبتاريخ.... حكمت محكمة الاستئناف ببطلان الحكم المستأنف وبتحديد القيمة الإيجارية الشهرية للعمارة موضوع الطعن بمبلغ.... بخلاف الضرائب العقارية ورسم النظافة واستهلاك المياه على أن توزع على وحدات المبنى على النحو الموضح بتقرير الخبير المنتدب. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون عليهما السادس والسابع وأبدت الرأي في الموضوع برفض الطعن. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى دفع النيابة بعدم قبول الطعن بالنسبة إلى المطعون عليهما السادس والسابع إنهما ليسا خصمين للطاعنين ينازعانهم في طلباتهم فلا مصلحة لهما في الدفاع عن الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الدفع سديد، ذلك أنه لما كان شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التقاضي حتى تعود على المدعي منفعة من اختصام المدعى عليه للحكم عليه بطلباته، مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة القائمة التي يقرها القانون، وكان الطعن بالنقض لا يخرج على هذا الأصل فإنه لا يكفي لقبوله مجرد أن يكون المطعون عليه طرفاً في الخصومة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بل يجب أيضاً أن يكون قد نازع خصمه أمامها في طلباته أو نازعه خصمه في طلباته هو. ولما كان البين من وقائع الدعوى آنفة الذكر في خصوص موقف المطعون عليها السادس والسابع من الطاعنين في هذه الخصومة أنه لم تبد منهما منازعة لهم أمام محكمة الموضوع، كما لم يوجهوا هم إليهما طلبات ما، فإنه لا تكون للطاعنين مصلحة في اختصامهما أمام محكمة النقض مما يوجب الحكم بعدم قبول الطعن بالنسبة إليهما.
وحيث إن الطعن بالنسبة لباقي المطعون عليهم استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعنون بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقولون أن الحكم أقام قضاءه على سند من تقرير الخبير المقدم في الدعوى الذي احتسب مساحة الأرض المقام عليها بمقدار 145 متراً مربعاً، في حين أن ملاك العقار يقررون أن مسطح الأرض المقام عليها البناء والتي رسا عليهم مزادها حسبما هو ثابت من كتاب محافظة القاهرة لا يتجاوز 140.25 متراً مربعاً فيكون الحكم قد احتسب السطح بأكثر مما ذكره الملاك أنفسهم. هذا إلى أن الثابت من التقرير الاستشاري المقدم من الطاعنين أن المساحة 135 متراً مربعاً ليس غير وإذ عول الحكم على تقرير الخبير دون أن يحقق وجه الخلاف بين هذه الآراء المتعارضة رغم أنها تقوم على أساس فني فإنه يكون منها مشوباً بالقصور ومنطوياً على الإخلال بحقهم في الدفاع.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن الثابت من صورة صحيفة الدعوى رقم..... والمرفوعة من الملاك - المطعون عليهم الخمسة الأول - أنهم تمسكوا أمام محكمة أول درجة بأن مساحة الأرض المقام عليها العقار 197.87 متراً مربعاً، وأصروا على هذا التحديد في صحيفة استئنافهم ومن ثم فإن القول بأن الحكم حدد المساحة بأكثر مما احتسبها الملاك لا يصادف محلاً. لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتمد النتيجة التي انتهى إليها الخبير المنتدب لابتنائه على أسس سليمة للأسباب السائغة التي أثبتها التقرير ولأن تحديد مساحة الأرض كان وليد المعاينة التي أجريت على الطبيعة، فإن قول الحكم في هذا الخصوص يكون سديداً هذا وله مأخذه الصحيح من الأوراق، بما ينأى به عن شائبة القضاء بأكثر مما طلبه الخصوم. لا يغير من ذلك إن للطاعنين قولاً آخر وأنهم قدموا تقريراً استشارياً يناقش رأي الخبير المنتدب، ذلك أن لمحكمة الموضوع أن تكتفي بمجرد الإحالة إلى التقرير الذي اطمأنت إليه ليعتبر جزءاً متمماً لحكمها، وليس عليها أن ترد على الطعون الموجهة إليه بأسباب خاصة إذ في أخذها بما ورد فيه دليلاً كافياً على أنها لم تجد في تلك المطاعن ما يستحق الالتفات إليها، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم أقام قضاءه على سند من تقرير الخبير الذي أضاف قيمة التأمينات الاجتماعية على تكلفة المتر المسطح للمباني، في حين أن المقاول هو المسئول عن سداد التأمينات الاجتماعية طبقاً للقانون وليس مالك البناء، وإذ أسند الملاك عملية البناء إلى عدة مقاولين فإنهم يكونون غير ملزمين بسداد مبالغ التأمينات الاجتماعية ولا يجوز احتسابها ضمن تكلفة المباني عند تقدير القيمة الإيجارية، واعتماد الحكم للتقرير ينطوي على مخالفة القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان مفاد المادتين 10 و11 من القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين أنه يتعين التعرف على القيمة الفعلية لتكاليف المباني كأحد العناصر التي يمكن بمقتضاها التوصل إلى تقدير الأجرة، وكان مفاد المواد 4 و10 و13 و15 و17 من قانون التأمينات الاجتماعية رقم 63 لسنة 1964 أن أية عملية بناء تقتضي استخدام عمال يقومون به ويخضعون للإشراف ويتقاضون أجوراً تستلزم أداء اشتراكات بالنسبة لهم لهيئة التأمينات الاجتماعية، فإن المبالغ المدفوعة إلى الهيئة المشار إليها مقابل الاشتراك لديها عن عملية البناء تعتبر من المصروفات التي تدخل ضمن التكاليف الفعلية للبناء والتي يجب مراعاتها عند تقدير قيمة المباني وتحديد أجرته، متى كان صاحب البناء هو الذي يتحمل بها، يستوي أن يكون مالك البناء هو الذي استخدم بنفسه عمالاً في إنشائه متحملاً التكاليف الحقيقية للبناء بالإضافة إلى قيمة اشتراك التأمينات أو أن يكون المالك قد تحملها واقعاً وفعلاً مع إسناده العملية لمقاول، فتعد بهذه المثابة من التكاليف الفعلية التي يتكبدها مالك البناء. لما كان ما تقدم وكان البين من تقرير الخبير أنه راعى عند تقدير الأجرة عدم احتساب التأمينات الاجتماعية كبند مستقل لأنها مندرجة ضمن الأعمال المحملة على فئة المتر المسطح من تكلفة أعمال المباني منعاً للازدواج وتحرزاً من احتساب قيمة التأمينات مرتين، فإن ما خلص إليه في ذلك واعتمده الحكم المطعون فيه لا ينطوي على مخالفة القانون.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولون أن الحكم احتسب قيمة الأرض المقام عليها العقار موضوع النزاع في سنة 1972 أخذاً مما جاء بتقرير الخبير، في حين أن المادة 11 من القانون رقم 52 لسنة 1969 تقضي بوجوب تقدير قيمة الأرض وفقاً لثمن المثل وقت البناء، والثابت من تقرير الخبير أن المطعون عليهم اشتروا الأرض بالمزاد من محافظة القاهرة في 20/ 6/ 1969 بسعر 65 جنيه المتر، وأنهم بدأوا في إنشائها بعد استخراج رخصة البناء بتاريخ 26/ 7/ 1969 و15/ 11/ 1969 وأنها شغلت بالسكن اعتباراً من 1/ 2/ 1972، فإنه يتعين تقدير ثمن الأرض في الفترة منذ بدء الإنشاء وحتى نهايته، وإذ اعتد الحكم بالثمن في سنة 1926 مع أنها أعدت للسكن في نهاية سنة 1971 فإن يكون قد أخطا في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن النص في المادة العاشرة من القانون رقم 11 لسنة 1969 على أنه "تقدر أجرة المبنى على الأسس الآتية: ( أ ) صافي قيمة استثمار العقار بواقع 5% من قيمة الأرض والمباني (ب).... وفي الفقرة الأولى من المادة 11 منه على أن تقدر قيمة الأرض وفقاً لثمن المثل وقت البناء كما تقدر قيمة المباني وفقاً لسعر السوق في ذلك الوقت "يدل على أن المشرع جعل القاعدة الأساسية في تقدير قيمة الأرض بقيمتها السوقية وقت البناء دون اعتداد بالثمن الحقيقي الذي اشترت به الأرض اعتباراً بأنه طالما تقدر الأجرة بنسبة من قيمة الأرض مفروض أن تمثل العائد العادل لاستثمار المالك لها، فإنه يتحقق وقت تملك الأرض ويقصد بوقت البناء أن تقدر قيمة الأرض حسبما تساوي وقت تمام إنشاء المباني، حتى ولو استغرق الإتمام وقتاً طويلاً منذ البدء فيه، ولا عبرة وقت المعاينة التي تجريها لجان تحديد الأجرة التي قد تتراخى زمناً عن هذا الوقت - ولما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتمد النتيجة التي خلص إليها الخبير في تقريره من تقدير ثمن الأرض المقام عليها البناء موضوع النزاع بمبلغ ثلاثين جنيهاً للمتر وقت إنشاء المباني وأن هذا التقدير لا مبالغة فيه، وكان الطاعن لا يجادل في أن هذه القيمة موازية لوقت إتمام إنشاء هذه المباني بالفعل، فإنه لا محل لاتخاذ متوسط الأسعار في الفترة بين بدء الإنشاء وحتى تمامه لتنافي ذلك القول مع الوقت المنضبط الذي حدده القانون بإتمام إنشاء البناء لما كان ذلك وكان ما قرره الحكم من أن إتمام البناء وقع في غضون سنة 1972 مع أن حقيقته سنة 1976 هو مجرد خطأ مادي بحيث لا يصح سبباً للنقض، فإن النعي يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق