جلسة 18 نوفمبر سنة 1943
برياسة حضرة صاحب السعادة أمين أنيس باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: نجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك ومحمود فؤاد بك المستشارين.
----------------
(77)
القضية رقم 26 سنة 13 القضائية
حجر:
أ - سفيه مطلوب الحجر عليه. تصرفه بالبيع. علم المشترين بالإجراءات المتخذة لتوقيع الحجر عليه وتحايلهم عليه لإتمام البيع لهم بعيداً عن بلدتهم حتى لا ينكشف أمرهم. غش وتواطؤ. بطلان التصرف.
ب - علم المشتري بسفه البائع. تحصيله من وقائع الدعوى. بناؤه على وقائع مؤدية إليه. تقرير موضوعي. لا رقابة لمحكمة النقض.
الوقائع
تتحصل وقائع هذه الدعوى في أن المطعون ضده رفع دعوى - بصفته قيماً على أخيه المحجور عليه علي عبد الرحمن علي أبو ستيت - ضد الطاعنين وورثة عبيد جودة لدى محكمة سوهاج الابتدائية قيدت برقم 234 سنة 1940 طلب فيها الحكم أولاً وبصفة مستعجلة بتعيين حارس قضائي على 18 ط 7 ف المبينة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى لإدارتها وإيداع صافي ريعها بخزانة المحكمة حتى يفصل في الموضوع، ثانياً - ببطلان عقد البيع الحاصل عن الـ 18 ط 7 ف المذكورة والصادر من المحجور عليه المشمول بقوامته إلى الطاعنين وآخر يدعى عبيد جودة الرقيم 8 من أكتوبر سنة 1934 ومسجل في 19 من ديسمبر سنة 1934 واعتباره كأن لم يكن ومحو التسجيل وتسليم هذا القدر للمطعون ضده بصفته المذكورة مع إلزام الطاعنين وورثة عبيد جودة بالمصاريف وأتعاب المحاماة والنفاذ.
وفي 15 من مايو سنة 1941 حكمت تلك المحكمة برفض الدعوى وإلزام المدعي (المطعون ضده) بالمصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة للمدعى عليهما الحاضرين (الطاعنين).
استأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط وقيد استئنافه برقم 62 سنة 17 قضائية طالباً الحكم بطلباته المقدمة لمحكمة أول درجة وإلزام المستأنف ضدهم بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
وفي 21 من أكتوبر سنة 1942 قضت محكمة الاستئناف حضورياً بالنسبة للمستأنف عليهما الأول والثاني (الطاعنين) وغيابياً للباقين بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وببطلان عقد البيع الحاصل عن الـ 17 ط 7 ف الموضحة الحدود والمعالم بصحيفة افتتاح الدعوى والصادر من المحجور عليه إلى المستأنف عليهم الثلاثة الأول (الطاعنين وآخر) ومؤرخ 8 من أكتوبر سنة 1934 ومسجل في 19 من ديسمبر سنة 1934 واعتباره كأن لم يكن ومحو التسجيل الحاصل بمقتضاه وتسليم الأطيان المذكورة للمستأنف بصفته وبإلزام المستأنف عليهم الثلاثة الأول بالمصاريف عن الدرجتين و400 قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعنين في 23 من يناير سنة 1943 فقرر وكيلهما الطعن فيه بطريق النقض.
المحكمة
ومن حيث إن الطاعنين يبنيان طعنهما على وجهين:
الأول - خطأ في تطبيق القانون. وذلك أن الحكم المطعون فيه أبطل البيع الصادر للطاعنين من علي عبد الرحمن علي أبو ستيت محجور المطعون ضده بناء على أنه وإن كان قد تم قبل صدور قرار الحجر عليه للسفه إلا أن القانون لا يحمي الغش ولا التواطؤ ولا التحيل على القانون وأن كل ما يقع من ذلك يكون باطلاً - ويقول الطاعنان إن هذه القاعدة التي بني عليها الحكم المطعون فيه يجب أن لا تؤخذ على إطلاقها بل يجب لتطبيقها أن يتوافر أحد العيوب التي نص عليها القانون لإبطال العقود مثل الغلط والإكراه الشديد السالب للرضا والتدليس المصحوب بالحيل. هذا مع ملاحظة أن المحجور عليه لسفه لا يفقد أهليته إلا من يوم صدور قرار الحجر. ولذلك يكون القول بأن المشتري كان سيئ النية أو أنه كان يعلم بالإجراءات التي اتخذت لتوقيع الحجر على البائع أو أن الصفقة فيها غبن، كل ذلك غير كاف في القضاء بإبطال عقد البيع الصادر لهما.
الثاني - بطلان الحكم المطعون فيه لعدم تسبيبه تسبيباً كافياً. ويقول الطاعنان في بيان ذلك إن المحكمة للوصول إلى القول بأن البيع لم يكن تصرفاً طبيعياً وأنه كان وليد تواطؤ وغش قالت إن المشترين كانوا على صلة وثيقة بالمحجور عليه وقت البيع وكانوا يستأجرون منه أطياناً أخرى وإنهم بحكم هذه العلاقة كانوا عالمين بما كان تردى فيه من سفه ولكنها لم تبين الوقائع التي استنتجت منها وجود الصلة الوثيقة بين البائع والمشترين. أما مجرد استئجار المشترين أطياناً من البائع فلا ينهض دليلاً على علم المشترين بحالة السفه. على أنه من جهة أخرى فإن هذه المقدمة التي بنت عليها المحكمة حكمها لا تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، كما أن محكمة الاستئناف عندما أرادت أن تنقض أحد أسباب الحكم الابتدائي قالت: أما ما ذهبت إليه محكمة أول درجة من أن الثمن الوارد في عقد البيع هو ثمن المثل فإنه يؤخذ من ظروف الدعوى أن ذلك الثمن لم يكن هو الثمن الحقيقي للصفقة دون أن تبين هذه الظروف التي استندت إليها من أن محكمة أول درجة ارتكنت إلى وقائع ومستندات معينة حين قالت إن الثمن الوارد في هذا العقد هو ثمن المثل.
وحيث إنه فيما يتعلق بالوجه الأول فإن الحكم المطعون فيه بنى قضاءه ببطلان عقد البيع موضوع النزاع على ما يأتي: حيث إنه تبين للمحكمة من الاطلاع على الأوراق المقدمة في الدعوى أن الطلب المقدم للمجلس الحسبي بتوقيع الحجر على علي عبد الرحمن علي أبو ستيت مؤرخ في 29 أغسطس سنة 1934 وأن قرار المجلس بتوقيع الحجر عليه للسفه صدر بتاريخ 30 يناير سنة 1935 في حين أن عقد البيع موضوع النزاع مؤرخ في 18 أكتوبر سنة 1934 ومصدق عليه ومسجل في 19 ديسمبر سنة 1934. ومن ذلك يتبين أن البيع وإن كان قد حصل قبل توقيع الحجر إلا أن ذلك كان بعد تقديم طلب الحجر أي في الوقت الذي كانت فيه حالة السفه موضع بحث، ومثل هذا التصرف لا يكون صحيحاً إلا إذا كان خالياً من التواطؤ والغش أما إذا شابه التواطؤ والغش من جانب المشتري فهو باطل شرعاً، كما استقرت على ذلك أحكام محكمة النقض - وحيث إنه ثابت من الاطلاع على الأوراق المقدمة من نفس المستأنف عليهم الثلاثة الأول أن هؤلاء الأخيرين كانوا على صلة وثيقة بالمحجور عليه وقت حصول التصرف بالبيع الصادر لهم منه وكانوا يستأجرون منه أطياناً أخرى، ولا شك أنهم بحكم هذه العلاقة كانوا عالمين تماماً بما كان يتردى فيه من سفه وفساد تصرف في أمواله، الأمر الذي يستدل منه على أن التصرف المطعون فيه لم يكن تصرفاً طبيعياً وإنما كان وليد تواطؤ وغش من جانبهم وذلك باستغلالهم لضعفه وانتهازهم فرصة سفهه للإثراء من ماله قبل توقيع الحجر عليه. يؤيد ذلك أن العقد قد تصدق عليه وسجل في يوم واحد بسوهاج مع أن الطرفين يقيمان بدائرة محكمة البلينا وذلك قبل توقيع الحجر بزمن وجيز. أما ما ذهبت إليه محكمة أول درجة من أن الثمن الوارد في عقد البيع هو ثمن المثل فإنه يؤخذ من ظروف الدعوى أن ذلك الثمن لم يكن هو الثمن الحقيقي للصفقة - وحيث إنه مما يؤيد أن البيع المطعون فيه كان مشوباً بالتواطؤ والغش أن المستأنف عليه الثاني كامل حنين موسى أحد المشترين قد وقع بصفة شاهد على عقد بيع آخر صادر من المحجور عليه إلى أخيه لأبيه خير الدين عبد الرحمن علي عن 6 س 8 ط 1 ف ومرفوع عنه الدعوى المنظورة بجلسة اليوم أمام هذه المحكمة في الاستئناف رقم 162 سنة 16 قضائية مما يؤخذ منه أن هناك مؤامرة بين المستأنف عليهم وبين أخ المحجور عليه على اغتيال أطيانه - وحيث إنه مما جميعه يتبين أن البيع المطعون فيه كان مشوباً بالتواطؤ والغش من جانب المشترين ولهذا فهو باطل شرعاً وقانوناً ولو أنه قد حصل قبل توقيع الحجر على البائع".
وحيث إنه لا خطأ في هذا النظر لأن القانون لا يحمي الغش ولا التحيل على أحكامه، وقد أبان الحكم المطعون فيه ظروف التصرف الصادر من المحجور عليه التي استدل بها على أن المشترين غشوه فذهبوا به بعيداً عن بلدتهم حتى لا ينكشف أمرهم وهم على علم بالإجراءات المتخذة لتوقيع الحجر عليه لكي يتم بيع العين لهم قبل صدور قرار المجلس الحسبي فانقاد لهم حتى يقبض منهم قبل غل يده ما دفعوه له من ثمن. وعلى هذا الأساس السليم أقام الحكم قضاءه ولم يقمه على أن أثر قرار الحجر للسفه ينسحب إلى التصرفات السابقة على صدوره.
وحيث إنه فيما يختص بالوجه الثاني فإن الحكم المطعون فيه دلل على علم الطاعنين بحالة سفه المحجور عليه لا من واقعة الاستئجار فحسب بل من الذهاب بالمحجور عليه إلى بلدة سوهاج من غير مقتض وإجراء العقد بها ومن توقيع أحد الطاعنين على تصرف آخر من المحجور عليه، وهذا الذي أورده الحكم يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها من وجود صلة وثيقة بين المشترين والمحجور عليه وكذلك من علمهم بحالة السفه، وما دام الأمر كذلك فلا رقابة لمحكمة النقض على ما تأخذ به محكمة الموضوع من القرائن التي أدت إلى اقتناعها بهذه النتيجة. وأما فيما يتعلق بما أثاره الطاعنان خاصاً بثمن المثل فإن الحكم المطعون فيه حين عرض لهذه الواقعة قال: "إنه يؤخذ من ظروف الدعوى أن ذلك الثمن الوارد في العقد لم يكن هو الثمن الحقيقي للصفقة". وهو إنما أراد أن يشير إلى الظروف التي استعرضها تفصيلاً.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق