الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 8 أبريل 2023

الطعن 71 لسنة 10 ق جلسة 13 / 2 / 1941 مج عمر المدنية ج 3 ق 101 ص 322

جلسة 13 فبراير سنة 1941

برياسة سعادة محمد فهمي حسين باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

---------------

(101)
القضية رقم 71 سنة 10 القضائية

(أ) نقض وإبرام. 

محكمة الإعادة. وجوب اتباعها حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها. حقها المطلق في الفصل في المسائل الموضوعية التي كانت محلاً للنقض.
(المادة 29 من قانون محكمة النقض)
(ب) إثبات. 

تاريخ عرفي للعقد معترف به من المورّث. حجيته على الوارث. إثبات عدم صحة هذا التاريخ. عبؤه عليه.

----------------
1 - إن المادة 29 من قانون محكمة النقض والإبرام لا تحتم على المحكمة التي تحال إليها الدعوى بعد نقض الحكم فيها أن تتبع في قضائها حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي تفصل فيها هذه المحكمة، وإذن فلها مطلق الحرّية في الفصل إلا بما تراه في كل ما يتعلق بالموضوع.
2 - التاريخ العرفي المعترف به من المورث يكون حجة على الوارث حتى يقيم الدليل على عدم صحته. فإذا كان الوارث لم يقدم الدليل على عدم صحة ذلك التاريخ، ولم يطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت بجميع الطرق القانونية صدور العقد في تاريخ آخر، فإن أخذ المحكمة بالتاريخ الوارد في العقد لا تكون فيه مخالفة للقانون.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - كما هو ظاهر من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق الأخرى التي كانت تحت نظر محكمة الموضوع - في أن المرحومة الست كاكونة ميخائيل عمة الطاعن تزوجت في سنة 1918 من المرحوم إبراهيم جرجس عطية مورّث المطعون ضدّهم من الحادية عشرة إلى الرابع عشر وكانت تملك 152 فداناً و14 قيراطاً و14 سهماً، منها 97 فداناً و17 قيراطاً و12 سهماً بمديرية المنيا و54 فداناً و21 قيرطاً وسهمان بمديرية الفيوم. وفي أوّل يناير سنة 1919 باعت كاكونة لزوجها المذكور ما تملكه بمديرية المنيا بعقد عرفي سجل في 25 من يونيه سنة 1919. وفي 25 من أغسطس سنة 1919 صدر من الزوجين معاً إشهاد شرعي بمحكمة مصر الشرعية وقف كل منهما بموجبه الأرض التي يملكها على نفسه ثم من بعده على أولاده وذرّيته، على أنه إذا ماتت الزوجة عن غير عقب يكون ما هو موقوف من قبلها ملحقاً بما هو موقوف من قبل زوجها ويكون حكمه كحكمه وشرطه كشرطه. وقد ذكر في ذلك الإشهاد أن العقد العرفي المحرّر في أوّل يناير سنة 1919 والمسجل في 25 من يونيه سنة 1919 يشهد للزوج بملكية ما وقفه. وفي 2 من نوفمبر سنة 1921 صدر من الست كاكونة بمحكمة الأزبكية الشرعية إشهاد شرعي غيرت بموجبه في شروط وقفها بأن جعلت الاستحقاق من تاريخه لزوجها مدّة حياته ثم من بعده لأولاده وذريته، وبأن جعلت النظر من تاريخه أيضاً لزوجها المذكور مدّة حياته. وفي 7 من أكتوبر سنة 1922 توفيت الست كاكونة وبعد وفاتها صدر من زوجها في المدّة من سنة 1923 إلى سنة 1933 عدّة إشهادات شرعية بما له من الشروط العشرة بموجبها أخرج نفسه من الاستحقاق في الوقف وأدخل شقيقه عبد النور جرجس وزوجته الست جنينة بغدادي المطعون ضدّها الثانية والست لبيبة تادرس تكلا المطعون ضدّها الثالثة والست مصطفية تادرس المطعون ضدّها الأولى ثم المسجد اليوسفي بناحية منتوت من أعمال مركز أبي قرقاص والشيخ يوسف علي المطعون ضدّه الرابع ثم أحمد يوسف صالح المطعون ضدّه الخامس ثم عطية غبريال المطعون ضدّه السادس ثم عبد اللطيف محمد الشيمي مورّث المطعون ضدّهم من السابع إلى العاشرة وجعل كل مستحق ناظراً على حصته. ورغما من أن المرحوم إبراهيم جرجس عطية قد أخرج نفسه من الاستحقاق في الوقف ومن النظر عليه فإنه استمرّ يدير شئونه ويستولي على غلته إلى أن رفعت عليه الست مصطفية تادرس في سنة 1932 دعوى أمام محكمة بني سويف الشرعية بطلب عزله من النظر على الوقف وقضى فيها بالعزل في 3 من يوليه سنة 1932 وأيدت المحكمة الشرعية العليا حكم العزل في 8 من ديسمبر سنة 1932 ثم أقامت المحكمة الشرعية كلاً من الست مصطفية والست جنينة بغدادي والست لبيبة تادرس والشيخ يوسف علي وأحمد يوسف صالح وعطية غبريال وعبد اللطيف محمد الشيمي ناظراً على ما هو موقوف عليه. وفي أثناء الإجراءات الشرعية الخاصة بتعيين النظار سالفي الذكر رفع الطاعن في 10 من يونيه سنة 1933 الدعوى رقم 1649 سنة 1933 كلي مصر ضدّ المرحوم إبراهيم جرجس عطية طلب فيها الحكم له باعتباره وارثاً لعمته المرحومة الست كاكونة ببطلان عقد البيع الصادر منها إلى زوجها المذكور في أوّل يناير سنة 1919 وبطلان إشهاد الوقف الصادر منه في 25 من أغسطس سنة 1919 باعتباره مالكاً للأرض المبيعة بذلك العقد. وقد بنى الطاعن دعواه على صدور البيع من عمته وهي عديمة الأهلية لعتهها، وقد وافق إبراهيم جرجس على طلبات الطاعن في تلك الدعوى، فحكمت محكمة مصر له بها في 9 من نوفمبر سنة 1933 ولم يستأنف إبراهيم جرجس ذلك الحكم بعد إعلانه إليه فأصبح نهائياً. وعلى إثر صدور ذلك الحكم اتفق الطاعن مع زوج عمته إبراهيم جرجس على قسمة الأطيان التي قضى ببطلان البيع والوقف فيها وحرّرا بينهما عقداً ابتدائياً بالقسمة في 8 من فبراير سنة 1934 وعدّلاه بملحقين حرّرا في 9 و15 من فبراير سنة 1934. وفي 31 من مارس سنة 1934 رفع كل من الست مصطفية تادرس والست جنينة بغدادي والشيخ يوسف علي وأحمد يوسف صالح ومحمد عبد اللطيف الشيمي وعطية غبريال بصفاتهم نظاراً على وقف إبراهيم جرجس كل منهم على الحصة الموقوفة عليه - رفعوا أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية الدعوى رقم 889 كلي سنة 1934 على الطاعن وإبراهيم جرجس ووزارات الحقانية والمالية والأوقاف طلبوا فيها الحكم في مواجهة هذه الوزارات الثلاث: (أوّلاً) بصحة عقد البيع المؤرّخ أوّل يناير سنة 1919 والمسجل في 25 من يونيه سنة 1919 وبصحة إشهاد الوقف المؤرّخ 25 من أغسطس سنة 1919 والإشهادات المعدّلة له المبينة بإعلان الدعوى. (ثانياً) باعتبار الحكم الصادر من محكمة مصر الأهلية في 9 من نوفمبر سنة 1933 في القضية رقم 1649 سنة 1933 كأن لم يكن بالنسبة لهم ومحو كافة التسجيلات التي ترتبت أو تترتب عليه. ثم تنازلوا عن طلباتهم الخاصة بصحة إشهاد الوقف والإشهادات المعدّلة له. وفي 30 من مايو سنة 1934 رفع الطاعن الدعوى رقم 1109 سنة 1934 كلي مصر على إبراهيم جرجس أفندي طلب فيها الحكم بصحة توقيعه على عقد القسمة المحرّر بينهما في 8 من فبراير سنة 1934. وقد دخل خصوماً في تلك الدعوى كل من السيدات مصطفية تادرس وجنينة بغدادي ولبيبة تادرس والشيخ يوسف علي وأحمد يوسف صالح وعبد اللطيف محمد الشيمي وعطية غبريال. وفي 4 من فبراير سنة 1936 قضت محكمة مصر الابتدائية في القضية رقم 889 سنة 1934 بصحة عقد البيع المؤرّخ في أوّل يناير سنة 1919 والمسجل في 25 من يونيه سنة 1919 وألزمت الطاعن وإبراهيم جرجس بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وفي القضية الثانية رقم 1109 سنة 1934 المرفوعة من الطاعن برفضها وإلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وفي إبريل سنة 1936 استأنف الطاعن الحكم الصادر في القضية الأولى طالباً إلغاءه والحكم أصلياً بعدم قبول دعوى المطعون ضدّهم عدا ورثة إبراهيم جرجس واحتياطياً رفضها. وقيد استئنافه بجدول المحكمة تحت رقم 688 سنة 53 قضائية استئناف مصر، كما استأنف الحكم الصادر في القضية الثانية طالباً إلغاءه والحكم بصحة توقيع إبراهيم جرجس على عقد القسمة المؤرّخ في 8 من فبراير سنة 1934 وقيد هذا الاستئناف الثاني بجدول المحكمة تحت رقم 692 سنة 53 قضائية استئناف مصر. ومحكمة استئناف مصر بعد أن قرّرت ضم هذين الاستئنافين أحدهما إلى الآخر قضت في 25 من إبريل سنة 1937 قبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن بجميع طرق الإثبات أن الست كاكونة عمته كانت في حالة عته وقت صدور عقد البيع المسجل في 25 من يونيه سنة 1919. وبعد أن تم التحقيق حكمت في 14 من نوفمبر سنة 1937 بقبول الاستئنافين شكلاً وبجواز نظر الدعوى وفي الموضوع بإلغاء الحكمين المستأنفين ورفض دعوى المطعون ضدّهم عدا ورثة إبراهيم جرجس الخاصة بعقد البيع المسجل في 25 من يونيه سنة 1919 وبصحة توقيع إبراهيم جرجس أفندي على عقد القسمة المؤرّخ في 8 من فبراير سنة 1934 وملحقيه وألزمت المطعون ضدّهم المذكورين بمصاريف الدعويين في الدرجتين و1000 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما خالف ذلك من الطلبات.
أعلن حكم محكمة الاستئناف إلى المطعون ضدّهم في 7 من مارس سنة 1938 فقرّروا بالطعن فيه بطريق النقض في 6 من إبريل سنة 1938 وقد قضت محكمة النقض والإبرام في طعنهم (رقم 31 سنة 8 قضائية) بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه بجميع أجزائه وبإعادة الاستئنافين رقم 688 و692 سنة 53 قضائية (المرفوعين من الطاعن) وجميع الخصوم لمحكمة استئناف مصر لتحكم في كل منهما دائرة أخرى من جديد، وألزمت عادل لطيف وإبراهيم جرجس بمصاريف الطعن وبألف قرش مقابل أتعاب محاماة. وفي 20 و24 من ديسمبر سنة 1938 عجل الطاعن استئنافيه وأدخل فيهما ورثة كل من عبد اللطيف محمد الشيمي وإبراهيم جرجس عطية بعد وفاتهما وقيد استئنافاه (المقرر بضمهما من قبل) بعد التعجيل تحت رقم 180 سنة 56 قضائية وطلب الحكم له بطلباته الواردة في صحيفتي استئنافيه السابقين رقم 688 و692 سنة 53 قضائية. وفي 7 من مارس سنة 1940 قضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلاً وموضوعاً برفضهما وتأييد الحكمين المستأنفين، وألزمت الطاعن بمصاريفهما ومبلغ 1000 قرش أتعاباً للمحاماة للمطعون ضدّهم عدا ورثة إبراهيم جرجس.


المحكمة

وحيث إن الطاعن يبنى طعنه على خمسة أسباب: (الأوّل) تجاوز محكمة الاستئناف سلطتها خلافاً للمادة 29 من قانون إنشاء محكمة النقض والإبرام. (الثاني) خطأ الاستشهاد بحكم المجلس الملي الصادر في 17 من أكتوبر سنة 1919. (الثالث) خطأ في سرد الوقائع إلخ.
عن السبب الأوّل:
من حيث إن الطاعن يقول في بيان هذا السبب إن محكمة النقض والإبرام عندما قضت في الطعن الأوّل رقم 31 سنة 8 قضائية بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة الاستئناف لتفصل فيها من جديد نصت في أسباب حكمها على رفض أسباب الطعن المقدّمة من المطعون ضدّهم عدا ورثة إبراهيم جرجس، وإنما بنى نقض الحكم الاستئنافي الأوّل على ما أثارته محكمة النقض والإبرام من تلقاء نفسها وهو أن محكمة الاستئناف قد مدّت حكم بطلان عقد البيع إلى ما صدر بعد تاريخه من إشهاد الوقف وإشهادات التغيير فيه، وهذا مما لا يدخل في اختصاص القضاء الأهلي. فكان من الواجب والحالة هذه - عملاً بنص المادة 29 من قانون إنشاء محكمة النقض والإبرام - أن لا تعرض محكمة الاستئناف إلى موضوع النزاع في ذاته ما دام أن محكمة النقض قد نصت في حكمها على أنه كان في مقدورها الحكم برفض الطعن لولا انسحاب أثر الحكم المطعون فيه على إشهاد الوقف والإشهادات التي تلته.
وحيث إن المادة 29 من قانون إنشاء محكمة النقض والإبرام لم تحتم على المحكمة التي تحال إليها الدعوى لتفصل فيها من جديد إلا اتباع حكم محكمة النقض والإبرام في المسألة القانونية التي فصلت فيها هذه المحكمة. ومعنى هذا أن محكمة النقض ليس لها أن تقيد محكمة الإحالة بأي أمر متعلق بالمسألة الموضوعية التي كانت محل النقض، ولا أن تحدّ من حرّيتها المطلقة في الفصل فيها كما تشاء.
وحيث إن حكم محكمة النقض والإبرام الصادر في الطعن الأوّل قضى في صراحة تامة بنقض الحكم المطعون فيه بجميع أجزائه وبإعادة الاستئنافين رقم 688 و692 سنة 53 قضائية المرفوعين من الطاعن لمحكمة استئناف مصر لتحكم في كل منهما دائرة أخرى من جديد. وليس صحيحاً ما ادعاه الطاعن من أن ذلك الحكم قد نص في أسبابه على حرمان محكمة الاستئناف من التعرّض للموضوع من جديد بل إن الظاهر في جلاء مما ورد في تلك الأسباب هو أن هذه المحكمة وجدت أن الحكم المطعون فيه وقد قضى ببطلان عقد البيع الصادر من الست كاكونة لزوجها إبراهيم جرجس لأنها كانت معتوهة قبل صدوره واستمرّت معتوهة إلى أن توفيت - وجدت أنه قد خرج عن موضوع الخصومة وجعل إشهاد الوقف والإشهادات التي تلته باطلة أيضاً لصدورها في وقت العته الذي تقول به، وأن الحكم بهذا البطلان يخرج عن اختصاص القضاء الأهلي. فلم يكن لدى المحكمة من سبيل آخر لتفادي آثار هذا الخطأ سوى نقض الحكم برمته. وفي هذا تقول المحكمة ما نصه:
"إن هذه المحكمة كانت تستطيع بعد أن تبينت ذلك وما إليه أن ترفض الطعن وتعتبر الحكم المطعون فيه قائماً على الأسباب الضرورية التي تنتج منطوقه وتعتبر منطوقه هذا منحصر الأثر فيما صدر به بغير تعرّض للوقف في إنشائه ولا في تغيير شروطه - كانت تستطيع ذلك هذه المحكمة لو لم تر محكمة الاستئناف قد مدّت حكم بطلان هذا العقد إلى ما صدر بعد تاريخه من إشهاد إنشاء الوقف وإشهادات التغيير فيه. ذلك لأن معنى قول تلك المحكمة إن الست كاكونة مرضت بالشلل في أواخر سنة 1918 مرضاً أخل بعقلها وأعدم إرادتها وبقيت هذه حالتها إلى أن توفيت سنة 1922 وإن هذا العته يجعل عقد البيع باطلاً، وبطلانه يثبت حق الورثة فيما وقع عليه البيع، ويجعل للمستأنف (الطاعن) الحق في أن يطلب صحة التوقيع على عقد القسمة وملحقيه - إن معنى ذلك أن وقف هذه الأطيان المبيعة وما طرأ على وقفها من التغيير في شروطه وقع باطلاً كذلك، وأن بطلان الوقف وما تبعه من إشهادات التغيير بترتب عليه أن تصير الأطيان تركة يصح قسمتها بين الورثة. وهذا مما لا يدخل في موضوع الخصومة المتقدّمة الذكر ولا هو من اختصاص القضاء الأهلي".
"وحيث إنه لاحتمال أن يكون عقد القسمة شاملاً للأرض المبيعة التي وقفها إبراهيم جرجس أفندي بعد شرائه إياها وللأرض الأخرى التي لم تبعها زوجته ووقفتها هي على نفسها ثم أخرجت نفسها منها وأدخلته فيها، ولاحتمال أن يكون النزاع في هذه القضية الثانية قد امتد إلى الطعن في إشهاد إنشاء الوقفين وفيما صدر بعده من الإشهادات الأخرى فيمتد الحكم الصادر بصحة التوقيع على عقد القسمة - كما قد تدل على ذلك أسبابه المتقدّمة الذكر - إلى ما يفيد القضاء ضمناً ببطلان هذه الإشهادات السابقة على عقد القسمة. لهذه الاحتمالات ولعكسها لا تستطيع هذه المحكمة إلا القضاء بنقض الحكم المطعون فيه برمته في القضيتين".
وحيث إنه يبين مما سبق إيراده من أسباب حكم النقض سالف الذكر أن محكمة النقض لم تر مندوحة من نقض الحكم برمته حتى ينعدم كل أثر له. وما قالته من أنها كانت تستطيع رفض الطعن ليس معناه أنها رفضته فعلاً. ولا يصح أن ترتبط محكمة الإحالة بما لم تفصل فيه محكمة النقض في حدود اختصاصها القانوني.
عن السبب الثاني:
من حيث إن الطاعن ينعى على محكمة الاستئناف أنها أخطأت خطأ قانونياً في تقديرها لتنازله عن الطلب المقدّم منه للمجلس الملي للحجر على عمته الست كاكونة إذ اعتبرت ذلك التنازل المذكور فيه أنه اطلع على حجة الوقف إقراراً ضمنياً بأن لا مطعن له على عقد أوّل يناير سنة 1919 حالة كون طلب الحجر كان مبنياً على أسباب معينة وهي تصرف الزوج في مال زوجته بطريق الوكالة عنها ولم يذكر فيه شيء عن عقد البيع الذي لم يكن معروفاً في ذلك التاريخ. كما أن التنازل عن طلب الحجر يجعل ما قرّره المجلس الملي في حكمه غير قابل للاحتجاج به عليه. ويزيد الطاعن قائلاً: "إن أكبر الخطأ هو ما تقوله المحكمة من أن ذكر حجة الوقف في إقرار التنازل عن طلب الحجر يعتبر اعترافاً منه بعقد أوّل يناير سنة 1919 وذلك لأن الاعتراف لا يصحح العقد الباطل بطلاناً أصلياً لفقدان الأهلية.
وحيث إن محكمة الاستئناف قالت في صدد ما ينعاه الطاعن ما يأتي:
"وحيث إن الذي يؤخذ من الحكم السالف الذكر (حكم المجلس الملي) أن عادل لطيف أفندي كان السابق في طلب توقيع الحجر على عمته الست كاكونة ولكنه تقدّم منضماً لآخر، وأن العلة في طلب الحجر كانت السفه ولم يرد مطلقاً ذكر لمرض الست كاكونة وعتهها مع ما يدعيه عادل أفندي لطيف من تلقي عدّة رسائل من إبراهيم جرجس تفيد مرض الست كاكونة كما جاء بالرسالة المؤرّخة 4 يناير سنة 1919 وعدم سلامة عقلها كما يستدل على هذا من الرسالة المؤرّخة 22 فبراير سنة 1919. فلو أن عادل أفندي تلقى هذه الرسائل فعلاً لما أحجم عن الإقدام على طلب الحجر. ولا يمكن أن يعلل إحجامه عن هذا لفقره كما علل إحجامه بالتوقف عن التقاضي زمناً طويلاً لأنه انضم فعلاً إلى طالب الحجر ولأن هذا الطلب ما كان يتطلب نفقة تذكر".
"وحيث إنه يضاف إلى ما تقدّم أن الغاية من طلب الحجر لم تكن إبطال شيء من التصرفات السابقة على الحكم بل كانت المحافظة على البقية الباقية من أملاك الست كاكونة. على أن عادل أفندي مع هذا لم يستمر في طلب الحجر على عمته بل تنازل عنه لفساد الأسباب التي بني عليها. وقد أشار في تنازله إلى اطلاعه على حجة الوقف الصادرة من عمته لزوجها، وفي هذه الإشارة إقرار ضمني بأن لا مطعن له على عقد أوّل يناير سنة 1919 وذلك لما تضمنه الحجة المذكورة من أن هذا العقد هو سند تمليك إبراهيم أفندي جرجس للأطيان التي وقفها. وفوق ما تقدّم فإن المجلس الملي وصف في حكمه عادل لطيف أفندي بما يفيد أنه لم يكن جاداً في اشتراكه في طلب الحجر، وأنه إنما كان مدفوعاً إلى ذلك بعامل شخصي معين استمدّه المجلس ودلل على وجوده بالمستندات المقدّمة من زوج المطلوب توقيع الحجر عليها وهو إبراهيم أفندي جرجس. وفي هذا كله ما يقطع بأن عادل أفندي ليس على حق فيما يدعيه من أن عمته كانت معتوهة معدومة الإرادة عند تحرير العقد المطعون فيه".
وحيث إنه يبدو جلياً مما ذكرته محكمة الاستئناف أنها استخلصت مما هو ثابت في أوراق الدعوى أن الطاعن لم يكن على حق فيما يدعيه من أن عمته كانت معتوهة وقت صدور عقد البيع منها، ولم تقل محكمة الاستئناف إن اعتراف الطاعن بصدور عقد البيع يعتبر إجازة منه أو تصحيحاً لعقد باطل. كما أنها لم تأخذ عن حكم المجلس الملي إلا بعض ما أثبته من الوقائع التي تأيدت بالمستندات التي قدّمها إبراهيم جرجس نفسه. ولا يسع هذه المحكمة إلا أن تقرّر بأن ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف في استخلاصها حاصل الواقع من ظروف القضية وأوراقها كان بعيداً عن كل ما يعيبه، مطابقاً للاستنتاج المقبول عقلاً، داخلاً في سلطتها التقديرية الخارجة عن نطاق رقابة محكمة النقض والإبرام.
عن السبب الثالث:
من حيث إن الطاعن يأخذ على محكمة الاستئناف استنادها إلى واقعة لا أثر لها في الأوراق وهي أنه لا نزاع بين الخصوم في أن العقد المذكور صدر في تاريخه وهو أوّل يناير سنة 1919 مع أن الواقع يخالف ذلك إذ أنه (الطاعن) ذكر صريحاً في المذكرة المقدّمة منه لمحكمة الاستئناف أن العقد المطعون فيه وإن جعل تاريخه أوّل يناير سنة 1919 إلا أنه عقد في خلال شهر يونيه سنة 1919 وعلى وجه التحقيق قبل تسجيله بأيام.
وحيث إنه مما يجب تقريره بادئ ذي بدء في صدد ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه هو أن المذكرة التي أثبت فيها منازعته في اعتبار العقد صادراً في تاريخه قدمت لمحكمة الاستئناف قبل صدور الحكم الأوّل الذي نقض، ولعل في سكوت الطاعن عن تكرار هذه المنازعة في المذكرات الأخرى التي قدّمها لمحكمة الإحالة ما يبرر قول تلك المحكمة أن لا نزاع بين الطرفين في اعتبار العقد صادراً في تاريخه. على أن الطاعن لا ينتفع مما قرّرته المحكمة مخالفاً للواقع ما دام لم يقدّم الدليل على عدم صحة التاريخ العرفي الثابت على العقد، وما دام لم يطلب من المحكمة إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت بجميع الطرق القانونية صدور العقد في الوقت الذي يدعيه. ذلك لأن الوارث يكون مرتبطاً دائماً بالتاريخ العرفي المعترف به من مورّثه إلى أن يقيم الدليل على عدم صحته متى كانت له مصلحة خاصة في إثبات ذلك. فأخذ محكمة الاستئناف بالتاريخ العرفي للعقد لم تكن فيه أية مخالفة لقواعد القانون.
وحيث إن محكمة الاستئناف قد ساقت في حكمها أسباباً عديدة فوق أسباب الحكم الابتدائي التي أخذت بها واستخلصت منها جميعاً استخلاصاً منطقياً مقبولاً أن الست كاكونة لم تكن معتوهة إلى الوقت الذي تنازل فيه الطاعن عن طلب الحجر عليها وهو 27 من سبتمبر سنة 1919 أي بعد تسجيل العقد المطعون فيه في يونيه سنة 1919. وفي هذا ما يجعل العقد المذكور بعيداً عن مرمى طعن الطاعن ولو كان صادراً قبل تسجيله بأيام كما يقول، فلا يعيب الحكم المطعون فيه توسعه في البحث والاستدلال مما كان في غنى عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق