جلسة 25 يناير سنة 1940
برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.
------------------
(26)
القضية رقم 68 سنة 9 القضائية
تنفيذ الأحكام.
غرامة محكوم بها. الإكراه البدني. ليس عقوبة. الغرض منه. مجرّد إجبار المحكوم عليه على الأداء. التنفيذ به بأقصى المدّة المحدّدة في القانون. لا يبرئ من الغرامة كلها.
(المواد 267 و269 و270 و274 تحقيق جنايات والمادة 336 تحقيق مختلط)
المحكمة
وبما أن ما بني عليه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله حين قرّر أن التنفيذ بالإكراه البدني يبرئ من الغرامة مهما بلغت متعللاً في ذلك بأن الإكراه البدني إنما هو عقوبة تحل محل عقوبة الغرامة مع أن صريح نص المادة 370 من قانون تحقيق الجنايات ينفي هذا الذي ذهبت إليه محكمة الاستئناف في حكمها المطعون فيه. هذا هو مبنى الطعن المقدّم.
وبما أن ما ساقه الحكم المطعون فيه تعليلاً للنظر الذي توجه إليه هو الفقرات الآتية:
"وحيث إن المطلع على تعليقات نظارة الحقانية على المادتين 267 و270 من قانون تحقيق الجنايات الصادر في سنة 1904 وعلى الباب الثامن منها الخاص بالمصاريف يجد أن الروح الذي أملى هذه النصوص الجديدة ترمي إلى جعل العقوبات المالية المحكوم بها للحكومة على نوعين خلافاً للتشريع السابق: أحدهما المصاريف وما يجب ردّه، وثانيهما الغرامة. أما النوع الأوّل فنص في المادة 270 من قانون تحقيق الجنايات على أن ذمة المحكوم عليه لا تبرأ منه ولو مع الإكراه البدني. وأما النوع الثاني فتبرأ ذمة المحكوم عليه باعتبار عشرين قرشاً عن الثلاثة الأيام الأولى وعشرة قروش عن كل يوم بعدها، وفي الحدود المبينة في المادة 267 من قانون تحقيق الجنايات. وحجته في ذلك - كما يستفاد من التعليقات المذكورة - هي أن المصاريف تتكبدها الخزانة العامّة، ومن المبادئ المقرّرة أن من يحكم عليه في دعوى يلزم بمصاريفها. أما المبالغ المحكوم بردّها فهي مبالغ مأخوذة من أموال الدولة بغير حق فيجب ردّها. ولذلك جعل الشارع لهذا النوع حكماً خاصاً هو أن التنفيذ بالإكراه البدني لا يعفي المحكوم عليه منها. أما الغرامة فلم تكن مقابل شيء أخذ من الخزانة العامة ولا يصح أن تكون مورد دخل لها وإنما هي على حدّ تعبير التعليقات عقوبة لو نفذت بالإكراه البدني لحلت محل الحبس فعلاً. أما باقي العقوبات المالية الأخرى فالتنفيذ بالإكراه فيها على حدّ تعبير التعليقات أيضاً لا يزال معتبراً واسطة للحصول على الدفع ليس إلا".
"وحيث إنه بناء على ما تقدّم يكون التنفيذ بالإكراه البدني لغرامة وبالحساب المبين في المادة 270 وفي الحدود المبينة في المادة 267 مبرئاً لذمة المحكوم عليه من هذه الغرامة بالغة ما بلغت".
"ومن حيث إن وضع الشارع لحدّ أدنى وحدّ أعلى لمدة الحبس في المادة 267 لم يكن القصد منه أن النيابة إذا نفذت بطريق الإكراه البدني بجزء من الغرامة يتعادل مع أقصى مدّة للحبس يجوز لها التنفيذ بالباقي على الممتلكات، لأن هذا يتنافى مع نص القانون الصريح في أن التنفيذ بالإكراه البدني يبرئ الذمة من الغرامة، ومع ما تقرّر من أن الغرامات لا يصح أن تكون مورد دخل للخزانة. وإنما جعل الشارع الحدّ الأقصى ثلاثة أشهر لأنه هو الحدّ الذي رآه كافياً لحث المحكوم عليه على دفع الغرامة بحيث إنه إذا وصله كان ذلك دليلاً على أنه عاجز عن الدفع نقداً ولأنه رأى أن من الظلم أن يحبس المحكوم عليه لغرامة أكثر من ثلاثة أشهر والغرامة في عرفه عقوبة أخف من الحبس (انظر التعليقات على المادة 267 من قانون تحقيق الجنايات)".
"وحيث إنه لذلك لا يسع المحكمة إلا أن تحكم بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم جواز نزع الملكية بباقي الغرامة المحكوم بها على المستأنف بعد أن نفذت النيابة الحكم عليه بالإكراه البدني".
وبما أن هذا الذي تقول محكمة الاستئناف إنها تحسسته من تعليقات نظارة الحقانية على المادتين 267 و270 من قانون تحقيق الجنايات الصادر في سنة 1904 وتعليقات تلك النظارة على الباب الثامن الخاص بالمصاريف من أن الروح الذي أملى تلك النصوص كان يرمى إلى جعل حكم الغرامة غير حكم المصاريف وما يجب ردّه فجعل الإكراه البدني مبرئاً من الأولى وغير مبرئ من الثانية - إن هذا الذي تقول محكمة الاستئناف إنها تحسسته يصطدم مع صريح نص المادة 270 من قانون تحقيق الجنايات ممدوداً النظر فيه إلى نص المواد 267 و269 و274 من ذلك القانون فإن عباراتها جميعاً تكشف عن معنى جليّ لا حاجة معه إلى تحسس معنى آخر خفي. وهذا الذي تكشف عنه تلك النصوص هو:
(أوّلاً) أن الإكراه البدني الذي بينت ضوابطه في تلك النصوص ليس فيه إطلاقاً عنصر من عناصر العقوبات المقيدة للحرّية.
(وثانياً) أن تحديد أجل الإكراه البدني بوضع قواعد لحسبان مدّته وفرض حدّ أقصى لها لم يقصد الشارع منه التعرّض لإعفاء المحكوم عليه مما عساه يبقى في عنقه من الغرامة بعد بلوغ الإكراه البدني أجله، وإنما أراد أن يبين المدى الذي يصبح الإكراه بعده في نظر الشارع غير مجد في حمل المحكوم عليه على أداء الغرامة.
وليس من شك في أن الأخذ بما ذهب إليه الحكم المطعون فيه يؤدّي إلى نتائج مزعجة بتسوية حال من وقعت منهم جرائم خطيرة استوجبت الحكم بغرامة فادحة بمن وقعت منهم جرائم هينة يتسق حساب مقدارها مع حدّ الحبس المقدّر للإكراه البدني وهو ما يتنزه عنه كل تشريع.
وبما أنه يبين من هذا جميعاً أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله. ويتعين إذن نقضه والحكم في موضوع الدعوى وهو بعينه مثار الطعن، وذلك طبقاً للتأويل الصحيح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق