الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 4 أبريل 2023

الطعن 67 لسنة 9 ق جلسة 29 / 2 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 35 ص 85

جلسة 29 فبراير سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

------------------

(35)
القضية رقم 67 سنة 9 القضائية

مسئولية. 

تعهد الزوج بتعويض زوجته إذا طلقها. لا يخالف الشريعة ولا النظام العام. اضطراره إلى تطليقها بسبب فعل أتته. انقضاء الالتزام. تقدير ذلك. موضوعي.

--------------
إن تعهد الزوج بتعويض زوجته إذا طلقها ليس فيه مخالفة لأحكام الشريعة ولا للنظام العام. لكن هذا التعهد ينتفي الالتزام به إذا كان الزوج لم يطلق زوجته إلا بناء على فعل أتته هي اضطره إلى ذلك. وهذا من الأمور الموضوعية التي تقدّرها المحكمة بحسب ظروف كل دعوى وملابساتها.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي وسائر المستندات المقدّمة من طرفي الخصومة وكانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - في أن الطاعن تعرّف بالمطعون ضدّها في إنجلترا أيام إقامته بها فاتفقا في سنة 1929 على الزواج برضاء والديهما، وتم العقد في القاهرة بتاريخ 28 من مايو سنة 1930 أمام محكمة مصر الابتدائية الشرعية، وكان المهر المسمى في عقد الزواج ثلاثين جنيهاً ثلثاها معجل أقرّت الزوجة بقبضه والثلث مؤخر حتى حلول أحد الأجلين. وقد تعاشر الزوجان ثم اختلفا فتوجها لمحكمة مصر الشرعية يوم 9 من مارس سنة 1937 حيث أوقع الطاعن أمام القاضي طلقة رجعية على زوجته والتزم لها بنفقة عدّة بجميع أنواعها لمدة سنة مقدارها 17 جنيهاً شهرياً ابتداء من أوّل إبريل سنة 1937 إلى آخر مارس سنة 1938. ولما لم يؤدّ تلك النفقة تقدمت المطعون ضدّها لمحكمة عابدين الشرعية طالبة حبسه فقضت تلك المحكمة بتاريخ أوّل أغسطس سنة 1938 في القضية الجزئية رقم 860 سنة 37 - 1938 بحبسه ثلاثين يوماً نظير امتناعه عن دفع مائتين وأربعة جنيهات من تاريخ القبض عليه حتى يؤدّي لمطلقته هذا المبلغ أو يقدّم كفيلاً مقتدراً ترضاه فيفرج عنه حالاً.
وفي 14 من أغسطس سنة 1938 تنازل محامي المطعون ضدّها عن هذا الحكم وعن تنفيذه اكتفاءً بما تم يومها من المحاسبة وتسلم المطعون ضدّها باقي متجمد النفقة.
وكانت المطعون ضدّها رفعت قبل ذلك على الطاعن أمام محكمة مصر الابتدائية الدعوى رقم 559 كلي سنة 1938 وذكرت في صحيفتها المعلنة له بتاريخ 9 من فبراير سنة 1938 أنها تداينه في مبلغ ألفي جنيه بموجب سند وإقرار بالمديونية تاريخه 29 من إبريل سنة 1933 موقع عليه منه وثابت التاريخ بمحكمة الجيزة الجزئية في 4 من يناير سنة 1934 وطلبت سماعه الحكم بأن يدفع لها هذا المبلغ وفوائده بواقع خمسة في المائة من تاريخ المطالبة لحين السداد مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة والأمر بالنفاذ.
دفع الطاعن هذه الدعوى بأن الإقرار الصادر منه خال من ذكر سببه، وأنه من المحتم قانوناً أن يقوم كل التزام على سبب صحيح مشروع، وأن الالتزام هنا إنما قصد به تعويض المطعون ضدّها عن طلاقها، ولما كان الطلاق مقرّراً شرعاً فالسبب إذن غير مشروع.
والمحكمة بعد أن سمعت الأقوال الختامية لطرفي الخصومة قضت في 25 من يونيه سنة 1938 بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضدّها ألفي جنيه مصري وفوائدها باعتبار المائة خمسة سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية في 9 من فبراير سنة 1938 حتى تمام الوفاء والمصاريف وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ المؤقت بلا كفالة ورفضت ما خالف ذلك من الطلبات.
استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر بصحيفة أعلنها للمطعون ضدّها في 8 من أكتوبر سنة 1938 وقيدها تحت رقم 58 سنة 56 قضائية طالباً للأسباب التي أوردها الحكم بقبول استئنافه شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى وإلزام رافعتها بمصاريفها والأتعاب عن الدرجتين.
وأمام محكمة الاستئناف صمم الطاعن على هذه الطلبات وطلبت المطعون ضدّها تأييد الحكم المستأنف، والمحكمة قضت بتاريخ 9 من مارس سنة 1939 بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وألزمت الطاعن بالمصاريف وبثلثمائة قرش أتعاباً للمحاماة للمطعون ضدّها.
أعلن هذا الحكم للطاعن في 22 من يونيه سنة 1939 فطعن فيه محاميه بطريق النقض في 22 من يوليه سنة 1939 بتقرير أعلنه للمدّعى عليها في الطعن بتاريخ 26 منه... إلخ.


المحكمة

وبما أن الطعن بني على أربعة وجوه: يتلخص الأوّلان منها في أن الحكم المطعون فيه بعد أن أثبت أن المطعون ضدّها قد وافقت الطاعن على أن الدين المحرّر عنه إقرار 29 من إبريل سنة 1933 هو تعويض لها عن الطلاق قد ذهب إلى أن الإقرار بهذا الوضع لا يخالف الشريعة الإسلامية ولا النظام العام، وإنما لا يكون للمطلقة التعويض المشترط بمجرّد وقوع الطلاق، بل يجب أن يكون وقوعه غير مترتب على عمل من جانبها كسوء السلوك أو غيره، وأن يكون قد نالها من الطلاق ضرر. والبحث في هذا جميعاً مرتبط بأمور موضوعية تقدّرها المحكمة في كل دعوى على مقتضى ظروفها.
ويقول الطاعن إن هذا الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه خطأ في القانون. فإن الشريعة الغرّاء قد منحت الزوج حق الطلاق دون أن يبين سببه، وذلك حرصاً على سمعة الزوجة وحفظاً للأخلاق العامّة وصيانة لكرامة العائلات. فإذا ما طولب الزوج بتعويض عند استعماله هذا الحق كان طبيعياً أن يبين سبب الطلاق ليدرأ عن نفسه الالتزام بالتعويض، وقد يكون في هذا البيان ما يفوّت حرص الشريعة الإسلامية على سمعة الزوجة والمحافظة على الأخلاق - ذلك الحرص الذي منحت من أجله حرية الطلاق من غير قيد. ومن هنا يستبين خطأ الحكم أيضاً في إجازته بحث ما إذا كان الطلاق ترتب على عمل من جانب المطلقة كسوء سلوكها أو لم يترتب، وهل أصابها منه ضرر أو لم يصبها إذ هذا البحث لا بد أن ينكشف به ما أرادت الشريعة ستره.
ويتلخص الوجه الثالث في أن الحكم المطعون فيه استخلص من واقعة انتقال الزوجين للمحكمة الشرعية، وتوقيع الزوج الطلاق، وفرضه على نفسه نفقة لها بمحض إرادته، أن الطلاق لم يكن سببه ما أشير إليه تلميحاً في مذكرة الطاعن من سوء سلوكها.
ويقول الطاعن إن هذا الذي استخلصه الحكم هو خطأ آخر في القانون فإن فرض النفقة للزوجة طواعية عند طلاقها هو تحقيق لفكرة الشارع من ستر سمعتها أو إخفاء السبب الذي دعا إلى طلاقها فلا يجوز أن يحاج الزوج به.
ويتلخص الوجه الرابع في أن محكمة أوّل درجة التي أخذ الحكم المطعون فيه فيما أخذ بأسباب حكمها قد فرقت بغير موجب قانوني بين حق إيقاع الطلاق وبين حق التعويض الناشئ عنه. فقالت إن التعهد بعدم إيقاع الطلاق هو تعهد غير قانوني دون التعهد الآخر، مع أن التعهد بدفع تعويض عند الطلاق منشؤه حق إيقاع الطلاق ذاته ومرتبط به فلا يجوز أن يظل قائماً ما دام المساس بحق إيقاع الطلاق يخالف النظام العام.
تلك هي وجوه الطعن المقدّمة.
وبما أن مرد ما نعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي هو أوّلاً ما جاء في الفقرات الآتية من الحكم الابتدائي:
"وحيث إنه مع التسليم بأن في التزام الزوج بدفع تعويض لزوجته عند طلاقها قيداً لحق الطلاق المقرّر له شرعاً يتعين البحث فيما إذا كان في هذا القيد الذي قبله الزوج طواعية واختياراً مناقضة للمصلحة العامّة أو تعارض مع نظرة الشارع في شئون الزوجية مما لا تستسيغه النظم المقرّرة وتأباه قواعد الآداب المتواضع عليها".
"وحيث إن حق الطلاق وإن كان مقرّراً للزوج المسلم شرعاً إلا أنه حق مكروه، ويكفي في بيان كراهيته ما جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". وإنه بنص الفقهاء يرى أن الأصل في الطلاق المنع ولا يباح إلا لحاجة كبرى وريبة، فهو مشروع من جهة ومحظور من جهة أخرى، فمشروعيته من حيث إن فيه إزالة الزواج عندما تكون هناك داعية إليه، وحظره من جهة أن فيه قطع الزواج المترتبة عليه المصالح الدنيوية والأخروية. ولقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة). ففي الطلاق كفران النعمة وقطع هذه المودّة والرحمة التي بها مصالح الدين والدنيا (كتاب الأحوال الشخصية للشيخ محمد زيد الإبياني الجزء الأوّل صفحة 291 و292)".
"وحيث إنه متى كانت هذه هي النظرية الشرعية الصحيحة لحق الطلاق فلا جناح في التزام الزوج بإرادته واختياره تعويض زوجته عند طلاقها بما يدفع عنها المضرة. وهذا التعويض كثيراً ما يرد في نفس العقد على صورة جزء مؤجل من الصداق يستحق في أقرب الأجلين: الطلاق أو الوفاة. وليس ما يمنع من الاتفاق عليه بطريقة أخرى. ولا مخالفة في هذا الاتفاق للقانون أو النظام أو الآداب العامة حتى يمتنع على القاضي إقراره والأخذ به. ولقد أباحت الشريعة السمحاء للزوج أن ينزل عن شيء من حقوقه، كما أجازت للزوجة أن تشترط على زوجها ما تراه أكفل براحتها وأوفى بحاجتها. فللزوج شرعاً أن يفوّض الطلاق للمرأة ويملّكها إياه، وللزوجة أن ترضى بأقل من مهر مثلها في مقابل أن لا يخرجها زوجها من بلدها أو من بيت أبويها، أو تشترط أن يطلق ضرتها، أو أن لا يتزوّج عليها، فإن وفى بالشرط فلها المهر المسمى وقد تم رضاها، وإن لم يف بالشرط فلها مهر مثلها بتمامه. وقال الإمام أحمد: إذا تزوّجها على أن يطلق ضرتها في أسبوع فإن وفى فبها وإن لم يف فلها فسخ العقد لأنها لم تتزوّجه إلا على شرط مرغوب فيه، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحق الشرط أن توافوا به ما استحللتم به الفروج" (كتاب الأحوال الشخصية السابق الإشارة إليه صفحة 125 - 137). فإذا كانت الشريعة الإسلامية قد أحلت للزوجة أن تشترط هذا، وقبله عند زواجها، وأوصى عليه الصلاة والسلام بالوفاء به بل جعله أحق الشروط بالوفاء، فكيف يعترض على الزوجة إذا هي اشترطت على زوجها أن ينزل إليها عن بعض ماله إذا طلقها، وكيف لا يباح لها ذلك وقد أبيح في الخلع أن يأخذ الزوج قضاء من زوجته العوض المتفق عليه مقابل طلاقها مهما كانت قيمته وسواء أكان هو المتسبب في الفرقة أم الزوجة أم هما معاً (كتاب الأحوال الشخصية ص 389). فإذا كان للزوج أن يتقاضى من زوجته ثمن فكاكها منه متى ارتضته فلا غضاضة في أن تتقاضى الزوجة من زوجها تعويضاً عن طلاقها متى ارتضاه والتزم به".
"وحيث إنه تبين مما تقدّم أن سبب الالتزام كما يصوّره المدعى عليه سبب صحيح مشروع لا شائبة عليه ولا مخالفة فيه للشرع أو للنظام أو الآداب العامة".
"وحيث إنه من المتفق عليه فوق ذلك أنه يجوز للشخص أن يتعهد مقدّماً بتعويض ضرر يحدثه للغير بعمل يأتيه ولو كان هذا العمل مشروعاً كالطلاق أو الزواج بامرأة ثانية. فإذا تعهد الزوج المسلم لزوجته ألا يتخذ غيرها زوجاً مدّة قيام الزوجية فهذا التعهد وإن كان لا يمنعه من الزواج بأخرى إلا أنه إذا التزم أن يدفع تعويضاً مالياً لزوجته الأولى في هذه الحالة فالتزامه صحيح. ولا يعترض عليه بأن الالتزام هنا شرط جزائي تابع لالتزام أصلي باطل فإن الالتزام بدفع التعويض في هذه الحالة يعتبر التزاماً أصلياً معلقاً على شرط مؤقت هو الزواج بأخرى. ومثل ذلك التزام الزوج بدفع تعويض لزوجته إذا طلقها. فلا يكيف هذا الاتفاق على أنه تعهد من الزوج بعدم الطلاق يقترن بشرط جزائي بل على أنه التزام أصلي معلق على شرط مؤقت هو وقوع الطلاق (النظرية العامة للالتزامات للأستاذ السنهوري ص 510 هامش 216".
أما الحكم المطعون فيه فقد ورد به ما يأتي:
"وحيث إن الاستئناف بني على سببين: (الأوّل) أن الإقرار موضوع النزاع جاء خالياً من ذكر سبب الدين. (والثاني) أن سبب الدين غير مشروع لأنه تعويض للمستأنف ضدّها يستحق لها في حالة طلاقها".
"وحيث إن محكمة أوّل درجة تناولت في حكمها الردّ على هذين السببين بغاية التفصيل سواء من الوجهة الشرعية أو من الوجهة القانونية، وهذه المحكمة تقرّها على ما أبدته في أسبابها، وتوافقها على ما رأته من أن التعهد من قبل الزوج بدفع تعويض لزوجته عن الطلاق لا يخالف الشريعة الغرّاء ولا النظام العام".
"وحيث إن المستأنف ضدّها قد وافقت المستأنف على أن الدين المحرّر عنه الإقرار موضوع النزاع هو تعويض لها عن الطلاق، فلا محل حينئذ للإحالة على التحقيق كما يطلب المستأنف لإثبات سبب المديونية".
"وحيث إنه بعد الأخذ بمبدأ أن مثل هذا التعهد جائز قانوناً فإن المستأنف ضدّها لا تستحق التعويض بمجرّد وقوع الطلاق بل يجب أن لا يكون وقوعه مترتباً على عمل حصل من جانبها كسوء السلوك مثلاً أو غيره ويشترط أن يكون قد نالها ضرر من وقوعه. وهذه مسائل موضوعية تقدّرها المحكمة في كل دعوى حسب ظروفها وملابساتها".
"وحيث إنه ثبت من الاطلاع على إشهاد الطلاق أن الزوج والزوجة انتقلا للمحكمة الشرعية، وقرّر الزوج توقيع الطلاق، وفرض على نفسه نفقة شهرية لمدّة سنة بمحض إرادته مما يقطع بأن الطلاق لم يكن سببه ما أشير إليه تلميحاً في مذكرة المستأنف من سوء سلوك الزوجة، كما أنه لم يتقدّم من المستأنف ما يستدل منه على صحة ما أشار إليه".
"وحيث إن المستأنف ضدّها قد نالها بلا شك ضرر من وقوع الطلاق فقد تركت بلادها وأهلها وقدمت مصر وتزوّجت بالمستأنف على عقيدة أنها ستصبح ربة منزل تجد فيه السعادة والطمأنينة على مستقبلها. أما وقد وقع الطلاق من جانب الزوج وبدون ما يبرره فقد فقدت كل هذه الآمال، ولذلك فهي تستحق التعويض المتفق عليه".
"وحيث إنه للأسباب المتقدّمة ولأسباب محكمة أوّل درجة التي تأخذ بها هذه المحكمة أيضاً يكون الحكم المستأنف في محله ويتعين تأييده".
تلك هي الأسباب التي تناولها الطاعن بالنقد في وجوه طعنه الأربعة.
وبما أن مناط ما تركز فيه البحث في الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي وفي وجوه الطعن هو ما إذا كان اتفاق الزوج على تضمين زوجته إذا ما طلقها يمس النظام العام من ناحية أن هذا الاتفاق يقيد بطبيعته حرّيته الكاملة التي منحته إياها الشريعة الإسلامية في تطليق زوجته إذا ما قامت عنده أسباب خاصة تدعوه إلى ذلك بأن يضطره إما إلى كشف هذه الأسباب وتفويت حكمة الشريعة الإسلامية والنظام العام في سترها وإما الرضاء بتأدية التعويض كرهاً إتاوة لعمله في ستر ما رغب الشارع في ستره. وبهذا يحرم بطريق غير مباشر من حرّيته في التطليق.
وبما أن افتراض أن الشريعة الإسلامية حين سنت حرية الطلاق كانت تلحظ حماية هذه الحرّية ببوادر أهمها أن تعفي الزوج من ضرورة الإفضاء بما دعاه إلى الفرقة - إن هذا الافتراض لا أثر له في بحوث الفقهاء. وحتى لو قال به قائل بغير سند معتمد فإن المنطق السليم لا يطمئن له. والواقع الذي لا شبهة فيه أن الطلاق حق أباحه الشارع كعلاج لحالات اجتماعية ليس عنه من محيص. ولما كان تقدير هذه الحالات ألصق ما يكون بدخائل النفس فقد ترك أمرها لوجدان صاحب الشأن وإيمانه بالعقاب والثواب، وجاءت أحاديث السنة هادية في هذا وفيها كل الغناء. فنبه على أن الطلاق حق مكروه وعلى إقامة حكم من أهل الزوج وآخر من أهل الزوجة للتوفيق والإصلاح إن كان إليه من سبيل وإلا فتسريح بإحسان. فليس إذن من قيود للطلاق إلا معان دينية للتثبت والرصانة في إجراء له معقبات وفيه تبعات. أما أنها خطر على ستر عيوب العرض أو غيرها فقول ينقضه أن الشريعة الغرّاء قد أباحت فيما أباحت أن تطلب الزوجة الطلاق لعيوب في زوجها. ذلك أباح المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 للزوجة أن تطلب الفرقة إذا ادّعت إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما (المادة السادسة). وبدهي أن بحث ذلك دفعاً ودفاعاً قد يكشف الستر عما يقول الطاعن إن الشريعة تتطلب ستره من شئون الزوجين.
وبما أن ما قال به الطاعن من مخالفة النظام العام إذا ما اضطر الزوج بدعوى التضمين إلى بيان سبب الطلاق وكشف مستوره إنما جاء تفريعاً عن نظرية الطاعن غير المسلم بها من أن الشريعة حظرت إذاعة سبب الطلاق. ومتى أهملت هذه النظرية تعين طرح ما تفرّع عنها وامتنع القول بأن الاتفاق على تعويض الزوجة عند طلاقها هو اتفاق غير مشروع لمساسه بأحكام الشريعة الإسلامية وبالنظام العام، وأصبح لزاماً احترام مثل هذا الاتفاق. وهنا ينتقل النظر إلى نقطة أخرى وهي أنه مع التسليم مشروعية الاتفاق على تعويض الزوجة عند طلاقها فإنه لا مراء في أن للزوج الذي في عنقه هذا الالتزام أن يتحلل منه إذا كانت الزوجة هي التي دفعته بفعلها إلى الطلاق الذي تتطلب تضمينها عنه.
ولما كان الفيصل في ذلك ظروف كل دعوى بخصوصها فقد أصابت محكمة الاستئناف حين تناولت هذا الأمر بعد أن أيدت وجاهة رأي محكمة أوّل درجة في مشروعية الاتفاق على التعويض. وهي فيما ذهبت إليه من هذه الناحية قد عالجت مسألة موضوعية وقضت فيها بما اطمأن إليه فهمها للواقع بشأنها، وهو فهم لا عيب فيه ولم ينتقد منه الطاعن إلا ما فتئ يدّعيه من المساس بالنظام العام وسرية دواعي الطلاق مما سبق الرد عليه.
وبما أنه يبين من ذلك جميعاً أن الحكم المطعون فيه لم يخالف القانون حين أخذ بمشروعية الاتفاق على تضمين المطلقة وحين استخلص من فهم المحكمة للواقع في الدعوى أن الطلاق الذي أوقعه الطاعن لم يدفع إليه بفعل من المطعون ضدها. وإذن فكل ما أتى به الطاعن في الوجوه الأربعة التي قدّمها يكون معدوم الأساس وموجباً لرفض الطعن برمته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق