الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 4 أبريل 2023

الطعن 71 لسنة 9 ق جلسة 29 / 2 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 36 ص 93

جلسة 29 فبراير سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

-----------------

(36)
القضية رقم 71 سنة 9 القضائية

تقادم. 

قطع المدّة. الانقطاع المدني. الانقطاع الطبيعي. شروطه. مرور أكثر من سنة على وضع اليد. زوال الحيازة بفعل أجنبي. بنك. تعيينه حارساً على أرض متنازع عليها. رفع يد المالك عن هذه الأرض. لا يقطع التقادم. 

(المواد 81 و82 مدني و26 مرافعات)

---------------
إن القانون المدني الأهلي قد نص في المادة 81 منه عن التملك بمضي المدّة على أنه "إذا انقطع التوالي في وضع اليد فلا تحسب المدّة السابقة على انقطاعه"، كما نص في المادة 82 على أنه "تنقطع المدّة المقرّرة للتملك بوضع اليد إذا ارتفعت اليد ولو بفعل شخص أجنبي. وتنقطع المدّة المذكورة أيضاً إذا طلب المالك استرداد حقه بأن كلف واضع اليد بالحضور للمرافعة أمام المحكمة أو نبه عليه بالرد تنبيهاً رسمياً إلخ". وانقطاع المدّة في الحالة الأولى يعرف بالانقطاع الطبيعي، وفي الحالة الثانية بالانقطاع المدني. والقانون المصري لم ينص على تحديد مدّة للانقطاع الطبيعي كما فعل القانون الفرنسي الذي نص في المادة 2243 على أنه يجب أن تكون مدة الانقطاع زائدة على سنة، وما ذلك منه إلا بالقياس على دعوى وضع اليد التي يشترط لرفعها ألا يكون قد مضى أكثر من سنة على غصب العين المطلوب استردادها مما يفيد أن الانقطاع الذي يستمرّ طوال هذه المدّة يكون واجباً الاعتداد به.
على أن القانون المصري ما دام قد حدّد في الفقرة الثالثة من المادة 26 مرافعات أهلي لقبول دعوى إعادة وضع اليد نفس المدّة التي حدّدها القانون الفرنسي فقد دل بذلك على أنه قد قصد هو الآخر إلى أن الحكم بإعادة وضع يد الحائز يزيل عنها شائبة الانقطاع فتكون الحيازة رغم ما كان قد طرأ عليها مستمّرة لها كل نتائجها. هذا ويجب في الانقطاع الطبيعي، فضلاً عن شرط المدّة، أن يكون زوال الحيازة بفعل شخص أجنبي. ولا يكفي لذلك مجرّد منع الحائز من الانتفاع بشخصه بالعين، بل يجب أن يكون واضع اليد الجديد منتفعاً بالعين لغير حساب الحائز. وبعبارة أخرى يجب أن يكون من شأن رفع يد الحائز حرمانه من ثمرات العين التي كان يحوزها ومن منافعها. فإذا عين البنك العقاري حارساً على أرض للمحافظة على حقوق الدائنين، وتسلم هذه الأرض، وارتفعت يد مالكها عنها فإن ذلك لا يصح اعتباره قطعاً للتقادم، لأن وضع يد البنك على الأرض بهذه الصفة لم يكن ملحوظاً فيه أن ينتفع بها البنك لنفسه بل ليحصل غلتها ويستوفى منها دينه ثم يرد ما بقى منها للمالك. 


الوقائع

تتضمن وقائع هذه الدعوى - كما يبين من الحكم المطعون فيه والأوراق الأخرى المقدّمة لهذه المحكمة من الطرفين وكانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - أن السيدتين نبوية السيد حسن وفرحة أبو شعيشع المطعون ضدّهما الثانية والثالثة باعتا إلى الست زينب محمد المطعون ضدّها الأولى اثنين وعشرين فداناً بناحية الحامول مركز شربين بعقد عرفي لم يسجل، وذلك في أوّل يناير سنة 1915، وثابت تاريخه بصفة رسمية بقلم كتاب محكمة مصر المختلطة في 12 من فبراير سنة 1917 وقد ذكر في ذلك العقد أن المشترية تسلمت الأرض ووضعت يدها عليها والتزمت بسداد ما عليها من أقساط الدين المطلوب للبنك العقاري المصري. وفي 16 من إبريل سنة 1931 باعت السيدتان نبوية وفرحة إلى الطاعن 24 فداناً و11 قيراطاً و10 أسهم وكان من بينها الـ 22 فداناً المبيعة منهما من قبل إلى الست زينب. وقد سجل الطاعن عقد مشتراه في 18 من إبريل سنة 1931 ثم أجر الأرض إلى نفس المستأجر من الست زينب وتمكن بهذه الوسيلة من انتزاعها من حيازتها.
وفي 11 من نوفمبر سنة 1935 رفعت الست زينب محمد الدعوى رقم 53 سنة 1936 كلي المنصورة ضدّ الطاعن والمطعون ضدّهما الثانية والثالثة طلبت فيها الحكم بتثبيت ملكيتها وكف منازعة المدّعى عليهم لها ومحو التسجيلات الموقعة على الأرض لمصلحة الطاعن. وقد حكمت محكمة المنصورة الابتدائية في 19 من مايو سنة 1936 بطلبات الست زينب. فاستأنف الطاعن حكمها طالباً إلغاءه ورفض دعوى الست زينب. وفي 9 من يونيه سنة 1937 قضت محكمة استئناف مصر بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المطعون ضدّها الأولى. فطعنت هذه الأخيرة في حكم محكمة الاستئناف بطريق النقض والإبرام، ومحكمة النقض قضت في 24 من فبراير سنة 1938 بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة الاستئناف لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى.
وبإعلان تاريخه 13 من مارس سنة 1938 عجلت المطعون ضدّها الأولى الدعوى أمام محكمة الاستئناف طالبة تأييد الحكم المستأنف الصادر من محكمة المنصورة الابتدائية في 19 من مايو سنة 1936. وفي 24 من يناير سنة 1939 قضت محكمة استئناف مصر تمهيدياً بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون ضدّها الأولى بكافة الطرق القانونية وضع يدها على الأرض المتنازع عليها بصفتها مالكة لها من تاريخ شرائها في أوّل يناير سنة 1915 إلى أن نزعها الطاعن من تحت يدها في سنة 1935 ورخصت لهذا الأخير بالنفي وإثبات أن المطعون ضدّها الأولى لم تضع يدها أصلاً، وأن الأرض كانت داخلة ضمن حراسة البنك العقاري المصري، وكلفت الطاعن بأن يودع المستندات المثبتة وضع الأرض تحت يد الحارس فعلاً. وقد نفذ ذلك الحكم التمهيدي بسماع شهود الطرفين إثباتاً ونفياً. وبعد المرافعة في الدعوى قضت محكمة الاستئناف في 16 من مايو سنة 1939 في موضوع الاستئناف المرفوع من الطاعن برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمته بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقد بنت المحكمة حكمها على ما يأتي: (1) أنه قد ثبت لديها أن المطعون ضدّها الأولى قد وضعت يدها على الأرض منذ شرائها إياها في سنة 1915 إلى أن انتزعها الطاعن منها في سنة 1931 على إثر شرائه الجديد، وكان انتزاعها من طريق تأجيرها إلى نفس المستأجر للأرض من المطعون ضدّها الأولى. (2) أن حراسة البنك العقاري على الأرض لم تنفذ ولم يقدّم الطاعن ما يدل على أن البنك قد استولى فعلاً على الأرض تنفيذاً لحكم الحراسة. (3) أن الغرض من حراسة البنك كان الحصول على أقساط دينه وضمان سدادها، وقد تم له ذلك بصرف النظر عن الأمر الصادر بالحراسة.
وفي 27 من يونيه سنة 1939 قرّر محامي الطاعن أنه يطعن في حكم محكمة الاستئناف بطريق النقض والإبرام للأسباب التي دوّنها في تقرير طعنه... إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن يبنى طعنه على وجهين: (الأول) مسخ وتحريف المستندات المقدمة في الدعوى. (والثاني) خطأ في تطبيق القانون.
ويقول الطاعن في بيان الوجه الأول إنه قدّم حكماً من قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة المنصورة المختلطة صادراً في 22 من أغسطس سنة 1917 قضى بتعيين البنك العقاري حارساً قضائياً على أرض النزاع ضمن أرض أخرى وخطاباً من ذلك البنك يفيد دخول تلك الأرض فيما عين حارساً عليه وخطاباً آخر من البنك أيضاً مذكوراً به أنه استلم فعلاً الأرض التي عين حارساً عليها، ولكن محكمة الاستئناف لم تأخذ بهذه المستندات القاطعة واعتبرتها لا تفيد استلام البنك للأرض المتنازع عليها استلاماً فعلياً.
ويقول الطاعن في بيان الوجه الثاني إن المادة (81) من القانون المدني تنص على أنه إذا انقطع التوالي في وضع اليد فلا تحسب المدّة السابقة على انقطاعه، وإن هذا الانقطاع قد حصل فعلاً بالنسبة لوضع يد المطعون ضدّها الأولى باستلام البنك الأرض بصفته حارساً عليها واستمرار حراسته إلى 29 من إبريل سنة 1918 ولم يكن البنك في وضع يده بهذه الصفة ممثلاً أو نائباً عن المطعون ضدّها الأولى التي لم تكن خصماً في دعوى الحراسة، ولم يكن عقدها مسجلاً حتى كانت تعتبر حائزة للعقار (tiers détenteur) ويصح اختصامها فيها، وإنه باحتساب مدّة وضع اليد بعد انتهاء الحراسة تكون أقل من مدّة التقادم المكسب للملكية.
هذا هو ما بني عليه الطعن المقدم.
وحيث إنه يتعين أن يستظهر بادي الرأي حكم القانون في أثر تسلم البنك العقاري بالفعل الأرض المتنازع عليها تنفيذاً لحكم الحراسة، وهل هذا التسلم، بفرض حصوله، يقطع مدة التقادم أو لا يقطعها إذ أنه في حالة ما يكون التسلم غير قاطع للتقادم يصبح الوجه الأوّل غير منتج إطلاقاً.
وحيث إن القانون المدني الأهلي قد نص في المادة (81) على أنه "إذا انقطع التوالي في وضع اليد فلا تحسب المدّة السابقة على انقطاعه". كما نص في المادة (82) على أنه "تنقطع المدّة المقررة للتملك بوضع اليد إذا ارتفعت اليد ولو بفعل شخص أجنبي. وتنقطع المدّة المذكورة أيضاً إذا طلب المالك استرداد حقه بأن كلف واضع اليد بالحضور للمرافعة أمام المحكمة أو نبه عليه بالرّد تنبيهاً رسمياً...". وانقطاع المدّة في الحالة الأولى يعرف بالانقطاع الطبيعي (interruption naturelle) وفي الحالة الثانية يعرف بالانقطاع المدني (interruption civile).
وحيث إن الحالة التي نحن بصددها إنما هي حالة انقطاع طبيعي ناشئ عن رفع يد الحائز بفعل شخص آخر.
وحيث إن القانون المصري لم يحدّد مدّة الانقطاع الطبيعي الذي يؤثر في التقادم المكسب للملكية، كما فعل القانون الفرنسي في المادة 2243 بأن أوجب أن تزيد مدّة الانقطاع عن سنة. والحكمة في تحديد هذه المدّة هي أنه متى استردّ الحائز حيازته من غاصبها في أثنائها فإن الانقطاع يعتبر كأنه لم يكن. أما إذا لم يفعل فلا يكون له حق في الاسترداد بعد انقضاء تلك المدّة التي لا تحمى إلا في أثنائها يد الحائز والتي تبدأ من تاريخ التعرض (مادة 23 من قانون المرافعات الفرنسي).
وحيث إن القانون المصري قد حدّد في الفقرة الثالثة من المادة 26 مرافعات أهلي نفس المدّة التي حدّدها القانون الفرنسي لقبول دعوى إعادة وضع اليد إذ قد نص على ما يأتي: "الدعاوى المتعلقة بالمنازعة في وضع اليد على العقار المبنية على فعل صادر من المدّعى عليه لم تمض عليه سنة قبل رفع الدعوى". فهو إذن يسير في روحه على هذه المبادئ التي تؤدّي - على ما سبق بيانه - إلى أن الحكم بإعادة وضع يد الحائز يزيل شائبة انقطاعها ويجعلها حيازة مستمرة ولها كل نتائجها.
وحيث إنه من جهة أخرى يجب أن يتوافر في انقطاع المدّة انقطاعاً طبيعياً أمران أساسيان: (الأوّل) زوال الحيازة (la dépossession) عن الحائز بفعل شخص أجنبي غير المالك. (الثاني) استمرار مدّة هذا الزوال لأكثر من سنة بحيث يمتنع على الحائز حق استرداد حيازته.
وحيث إنه بالنسبة للأمر الأوّل فإنه لا يكفي لتوافره مجرّد منع الحائز من الانتفاع بشخصه بالعين (la jouissance) بل يجب أن يكون واضع اليد الجديد منتفعاً بالعين لغير حساب الحائز. وبعبارة أخرى يجب أن يكون من شأن رفع يد الحائز حرمانه من ثمرات ومنافع العين التي كان يحوزها.
وحيث إنه في الدعوى الحالية قد عين البنك العقاري بتاريخ 22 من أغسطس سنة 1917 حارساً على أرض النزاع في وقت كانت فيه المطعون ضدّها الأولى مالكة للأرض تحت أحكام القانون القديم بموجب عقد البيع العرفي الصادر لها من المالكتين (المطعون ضدّهما الثانية والثالثة) في أوّل يناير سنة 1915 والثابت تاريخه بصفة رسمية في 12 من فبراير سنة 1917، وكان السبب في تلك الحراسة هو "المحافظة على حقوق الدائنين" على ما هو مذكور ذكراً صريحاً في إعلان دعوى الحراسة بناء على طلب البنك.
وحيث إنه وإن كان يترتب على نفاذ هذه الحراسة رفع يد المطعون ضدّها الأولى عن الأرض إلا إنه لا يصح أن يعتبر رفع يدها هذا قاطعاً للتقادم المكسب للملكية الذي تستند إليه الآن لحماية نفسها من تصرف البائعتين مرة ثانية إلى الطاعن. وذلك: (أوّلاً) لأن البنك لم يضع يده على الأرض لينتفع بها لنفسه بل ليحصل غلتها ويستوفي منها دينه (وهذا بلا ريب عمل في مصلحة المالك الظاهر) ويعود ما بقى منها لصاحب الحق فيه وهو بلا جدال المطعون ضدّها الأولى. (ثانياً) لأن وضع يد البنك على الأرض بهذه الصفة يجعله بعيداً عن الخضوع لأحكام دعاوى وضع اليد (Actions possessoires).
وحيث إنه يبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد كان على حق في اعتباره حراسة البنك العقاري غير قاطعة للتقادم، وذلك حين ذكر ما يأتي: "يضاف إلى ذلك أن الغرض من صدور أمر الحراسة لصالح البنك المذكور لم يكن إلا بدافع المحافظة على ما استحق من أقساط دينه وضمان سدادها".
وحيث إنه متى استبان أن تسلم البنك للأرض المتنازع عليها تنفيذاً للحراسة لا يقطع التقادم في الدعوى المطروحة يكون البحث في الوجه الأول من وجهي الطعن غير منتج على ما تقدّم إيضاح ذلك جميعاً، ويتعين إذن رفض الطعن برمته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق