الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 3 أبريل 2023

الطعن 60 لسنة 8 ق جلسة 14 / 12 / 1939 مج عمر المدنية ج 3 ق 13 ص 25

جلسة 14 ديسمبر سنة 1939

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

----------------

(13)
القضية رقم 60 سنة 8 القضائية

(أ) قوّة الشيء المحكوم فيه. 

حكم جنائي. حجيته أمام المحاكم المدنية. مداها. بلكون. مالك منزل. اتهامه بأنه تسبب بإهماله في إصابة أحد السكان. تبرئته على أساس عدم وقوع خطأ من جانبه. هذا الحكم يمنع القاضي المدني من إعادة البحث في هذه المسألة. 

(المادة 232 مدني)
(ب) مسئولية المخدوم عن أعمال خادمه. قوامها. صانع استأجره مالك المنزل للقيام بعمل معين ولم يتدخل معه في إجرائه. المالك لا يسأل عن خطأ الصانع. 

(المادتان 151 و152 مدني)

------------------
1 - الحكم الصادر من المحاكم الجنائية تكون له حجيته أمام المحاكم المدنية فيما فصل فيه من جهة وقوع الفعل المكوّن للأساس المشترك بين الدعويين: الجنائية والمدنية، ومن جهة الوصف القانوني لهذا الفعل، ومن جهة إدانة المتهم فيه. فمتى فصلت المحكمة الجنائية في هذه الأمور امتنع على المحكمة المدنية أن تعيد البحث فيها، وتعيّن عليها أن تعتبر ما قضى به الحكم الجنائي فيها وتلتزمه في الخصومة المدنية حتى لا يكون حكمها مخالفاً للحكم الجنائي السابق له. فإذا قضى الحكم الجنائي ببراءة مالك العقار الذي كان متهماً بأنه مع علمه بوجود خلل في البلكون لم يرممه وتسبب بذلك في إصابة أحد السكان، وكان سبب البراءة هو عدم وقوع خطأ من جانبه إذ هو كان قد قام بإصلاح البلكون فعلاً، فإن هذا الحكم يمنع القاضي المدني من أن يستمع إلى الادعاء بوقوع الخطأ الذي قضى بانتفائه.
2 - إن مسئولية المخدوم عن أعمال خادمه لا تقوم على مجرّد اختياره، بل هي في الواقع قوامها علاقة التبعية التي تجعل للمخدوم أن يسيطر على أعمال التابع ويسيره كيف يشاء بما يصدره إليه من الأوامر والتعليمات. وإذن فمالك المنزل لا يسأل عن خطأ الصانع الذي استأجره لعمل معين إذا كان لم يتدخل معه في إجراء هذا العمل.


الوقائع

تتلخص وقائع الدعوى - على ما جاء بالحكم المطعون فيه وتقرير الطعن ومذكرات الطرفين ومستنداتهما المقدّمة في الدعوى والتي كانت من قبل مقدّمة لمحكمة الموضوع - في أن الطاعنة استأجرت من المدّعى عليه شقة بمنزله الكائن بشارع الجميل رقم 14 قسم الأزبكية بعقد تاريخه 7 من يوليه سنة 1934. وفي أثناء سريان الإجارة لاحظت وجود خلل بأرضية إحدى شرفات الشقة (بلكونة) فأخطرت المالك وهو المدّعى عليه في الطعن وطلبت إليه إصلاحها، فكلف نجاراً من قبله للقيام بعملية الإصلاح، وأحضر له قطعة من خشب قديم. ولم يمض على هذا الإصلاح أكثر من خمسة أشهر حتى هوت قطعة الخشب المذكورة بالمدّعية إلى الشارع العمومي يوم 21 من مايو سنة 1935 فأصيبت بإصابات متعدّدة في جسمها، وأبلغت الحادثة إلى البوليس. فأخذ التحقيق مجراه وأثبت المحقق في محضر المعاينة أن وجود الخلل ناشئ عن استعمال خشب قديم بعضه آيل للسقوط وغير مثبت التثبيت الكافي، وأثبت أنه يوجد تحت ألواح الخشب عوارض من خشب سميك ترتكز عليها، وأن اللوح الذي سقط لا تصل نهايته إلى هذه العوارض.
رأت النيابة العمومية أن المالك والنجار مسئولان معاً عن الحادثة فوجهت إليهما تهمة "أنهما تسببا من غير قصد في إصابة ماري جورج بأن قام النجار بترميم بلكونة من خشب ولم يثبت الأخشاب، ونشأ عن ذلك سقوط المجني عليها، ولأن الثاني (المالك) مع علمه بوجود خلل بأرضية البلكونة لم يقم بترميمها". وأقامت عليهما الدعوى العمومية، وطلبت معاقبتهما بالمادة 208 من قانون العقوبات، وقيدت هذه القضية بجدول محكمة الأزبكية المركزية تحت رقم 1569 سنة 1935. رأت محكمة الجنح أن النجار هو المسئول وحده دون صاحب الملك، ولذلك قضت بتاريخ 13 من نوفمبر سنة 1935 بمعاقبته وببراءة المالك، وأصبح هذا الحكم نهائياً.
بعد ذلك بتاريخ 9 من يوليه سنة 1936 رفعت المدعية الدعوى الحالية على المالك وطلبت الحكم بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ ألف جنيه تعويضاً عن الضرر الذي لحقها بسبب الحادثة وقيدت هذه الدعوى بجدول محكمة مصر الأهلية تحت رقم 1305 سنة 1936 كلي مصر.
دفع المدّعى عليه بعدم قبول الدعوى واستند إلى حكم البراءة الصادر لمصلحته في قضية الجنحة المركزية رقم 1569 سنة 1935 السابق ذكرها؛ وقال إن هذا الحكم حاز قوّة الشيء المحكوم فيه، فهو يمنع المحكمة المدنية من العودة إلى بحث ركن الإهمال - ذلك العنصر الذي يجب أن تقوم عليه المسئولية. وتمسك في الموضوع بأنه لم يرتكب خطأ يسأل عنه، وبأنه لا يمكن اعتباره سيداً للنجار حتى يحاسب على تقصيره. ومحكمة مصر رأت أن الحكم الجنائي لا تأثير له على الدعوى المدنية لاختلاف الأساس في الدعويين، وقدّرت فوق ذلك أن النجار يدخل ضمن الأشخاص الذين يسأل عنهم المالك. وحكمت بتاريخ 6 من إبريل سنة 1937 بإلزام المدّعى عليه بأن يدفع للمدّعية مائة جنيه بصفة تعويض.
استأنف المحكوم عليه هذا الحكم بتاريخ أوّل نوفمبر سنة 1937 وتمسك بحكم البراءة وبدفاعه الذي أبداه أمام محكمة أوّل درجة فرأت محكمة الاستئناف أن الحكم النهائي الصادر من محكمة الجنح نفى عن المالك كل خطأ، وقرّرت أن لا محل بعد ذلك لمسئوليته عن أي تعويض عن نفس الفعل. وحكمت بتاريخ 13 من إبريل سنة 1938 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المدّعية.
أعلن هذا الحكم للطاعنة في 5 من يونيه سنة 1938 وفي 26 من ذلك الشهر قرّر وكيلها بالطعن فيه بطريق النقض وأعلن تقريره بتاريخ 28 منه... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطاعنة تبنى طعنها على وجهين: الوجه الأوّل خطأ في تطبيق القانون في موضعين: (أوّلاً) أخطأ الحكم المطعون فيه فيما ذهب إليه من أن حكم محكمة الجنح النهائي يحوز قوّة الشيء المحكوم به أمام المحكمة المدنية فيمنعها من مناقشة الدعوى المدنية. وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن محكمة الجنح عندما تنظر الدعوى تقصر بحثها على الفعل المسند إلى المتهم وهل هو يكون جريمة معاقباً عليها قانوناً أم لا؟ فإذا تبين لها أن لا جريمة حكمت بالبراءة. وهذا الحكم وإن حاز قوة الشيء المحكوم فيه جنائياً فإنه لا يحوزها في شأن المسئولية المدنية، إذ أنه إلى جانب المسئولية الجنائية توجد شبه الجنحة المدنية، والحكم الصادر بالبراءة من الفعل الجنائي لا ينفي المسئولية المدنية الناتجة عن الجنحة أو شبه الجنحة المدنية. وفي الدعوى الحالية اقتصر الحكم المطعون فيه على قوله بأن المدّعى عليه غير مسئول مدنياً إذ الحكم الجنائي قضى ببراءته من الإهمال المنسوب إليه وهو أساس جنحة الإصابة خطأ، أما الجنحة المدنية أو شبه الجنحة فقد أغفل الحكم بحثهما. وهذا خطأ يعيبه ويبطله. (ثانياً) أخطأ الحكم أيضاً فيما ذهب إليه من أن المدّعى عليه غير مسئول مدنياً عن عمل النجار الذي أصلح الشرفة لأنه ليس بخادم للمدّعى عليه فلا يدخل ضمن الأشخاص الذين نصت عليهم المادة 152 من القانون المدني. مع أن الثابت في الدعوى أن المدّعى عليه هو الذي اختار النجار وأعطاه قطعة الخشب القديمة التي استعملت في الإصلاح وسقطت بالمدّعية. فالنجار كان يشتغل إذن تحت إشراف المالك، ويجب أن يسأل هذا عن عمله. هذا هو مبنى الوجه الأوّل من الطعن.
وحيث إن الطاعنة أثارت في الشق الأوّل من هذا الوجه البحث في مدى حجية الحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية، وعابت على الحكم المطعون فيه الأخذ بهذه الحجية.
وحيث إن القاعدة الصحيحة في حجية الحكم الجنائي أن هذه الحجية تقوم كلما فصل الحكم الجنائي فصلاً شاملاً ولازماً في: (1) تحقق وقوع الفعل الذي يكوّن الأساس المشترك لكلتا الدعويين الجنائية والمدنية. (2) الوصف القانوني لهذا الفعل. (3) إدانة أو عدم إدانة المتهم بارتكاب الفعل. فمتى فصلت المحكمة الجنائية في هذه الأمور جميعها أصح باب بحثها مغلقاً أمام المحاكم المدنية، وتعين على تلك المحاكم أن تعتبرها ثابتة وتسير في بحث الحقوق المدنية المترتبة عليها على أساس هذا الثبوت بحيث يكون حكمها متناسقاً مع الحكم الجنائي السابق صدوره.
ومن حيث إن أساس الدعوى الحالية هو ما تنسبه الطاعنة إلى المدّعى عليه من تقديمه إلى النجار قطعة خشب قديمة لم تتحمل الضغط حتى سقطت بالمدّعية وسببت الحادثة، كما أنها تسند إليه خطأ آخر وهو سوء اختياره لذلك النجار. ولذلك فقد اعتبرته مسئولاً بالمادة 151 من القانون المدني عن الخطأ الأوّل وبالمادة 152 عن سوء اختياره للنجار.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى الحكم الجنائي الصادر في دعوى الجنحة رقم 1569 سنة 1935 محكمة جنح الأزبكية المركزية أن الخطأ الذي تنسبه الطاعنة للمطعون ضدّه هو نفس الأساس الذي قامت عليه الدعوى الجنائية. وقد عرض الحكم الجنائي لها الخطأ فنفاه نفياً باتاً عن المطعون ضدّه. فإذا لوحظ أن المادة القانونية التي كانت النيابة تطلب تطبيقها هي المادة 208 من قانون العقوبات، وأن نص هذه المادة عام يشمل الخطأ أياً كان نوعه، فإن الحكم الجنائي يجب احترامه أمام القضاء المدني. ويتعين إذن عدم الالتفات إلى هذا الشق من وجه الطعن.
ومن حيث إنه عن سوء الاختيار للنجار فقد عابت الطاعنة على الحكم المطعون فيه أنه رفض اعتبار النجار الذي أصلح البلكون خادماً للمدّعى عليه قولاً منه بأنه لا يدخل ضمن الأشخاص الذين نصت عليهم المادة 152 من القانون المدني مع أن المدّعى عليه هو الذي اختاره وكان يشرف على عمله.
ومن حيث إن مسئولية السيد عن أعمال خادمه لا تقوم على مجرّد اختياره تابعه بل هي في الواقع تقوم على علاقة التبعية التي تجعل السيد يسيطر على أعمال التابع فيسيره كيف شاء بما يصدره إليه من الأوامر والتعليمات. والنجار الذي أحضره المدّعى عليه على ما جاء بالأوراق - لم تتوافر فيه هذه الشروط إذ هو رجل فني كلف القيام بعمل معين بسبب حرفته. فلا مسئولية إذن على المدّعى عليه من جراء هذا العامل الفني.
الوجه الثاني قصور في أسباب الحكم: تقول الطاعنة في هذا الوجه إنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بما أثبته محضر المعاينة في قضية الجنحة من إهمال المدّعى عليه، ومن ذلك أن قطعة الخشب التي قدّمها النجار لتصليح البلكون كانت قديمة ومستعملة من قبل، وأنها لم تثبت بمسامير جديدة إلى آخر ما عدّدته من وجوه الإهمال. ثم قالت إن الحكم المطعون فيه لم يرد بشيء على هذا الدفاع واقتصر على قوله بأن لا محل لمناقشة ما ورد بمذكرة الطاعنة. وفي هذا ما يعيبه ويبطله. هذا هو مبنى الوجه الثاني من وجهي الطعن.
ومن حيث إن الحكم الجنائي قضى بإدانة النجار بناء على أن من لوازم عمله الفني أن يلاحظ، أثناء قيامه به، ما قد يترتب على التقصير فيه، واستند في براءة المالك إلى أنه قد قام بواجبه فعلاً وأحضر نجاراً مختصاً، وكان هذا الأخير مكلفاً بتوجيه نظره إلى فساد الخشب الذي اتكأت عليه الشرفة، ثم ذكر الحكم ما يأتي: "ومما يدل على أن النجار لم يلفت نظر المالك ما قرّره أوّلهما بالبوليس من أنه أجرى عمله كما يجب، وأنه معتقد بمتانة وصلاحية عمله الذي قام به". وهذا الذي أورده الحكم الجنائي قاطع في نفي كل إهمال عن المالك، والحكم المطعون فيه إذ استند إلى حكم البراءة المشار إليه، وأقفل باب البحث في ركن الإهمال وما اتصل به من دفاع الطاعنة، قد أصاب في ذلك أخذاً بحجية الحكم الجنائي وضرورة احترام ما قضى به في أمر الإهمال وهو عين ما كان معروضاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق