جلسة 13 فبراير سنة 1941
برياسة سعادة محمد فهمي حسين باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.
-------------
(99)
القضية رقم 54 سنة 10 القضائية
(أ) حكم. تسبيبه.
مخالفة محكمة الاستئناف المحكمة الابتدائية في مسألة. أخذها بأسباب الحكم الابتدائي مع أسباب من عندها. لا تناقض. الأخذ بأسباب الحكم الابتدائي. معناه. الأسباب التي لا تتناقض مع الأسباب التي أضافتها هي.
(المادة 103 مرافعات)
(ب) حوالة.
حوالة بدين بقصد الوفاء. تنقل ملكية الدين إلى المحتال. مباشرة المحتال التنفيذ بموجبها على ملك المدين. دخوله في المزايدة مشترياً لنفسه استيفاء لدينه من ثمن المبيع. استخلاص أن الحوالة كان مقصوداً بها الوفاء. سلطة محكمة الموضوع في ذلك.
(المادة 349 مدني)
(جـ) إثبات.
طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق بناء على أوراق بدعوى أنها مبدأ ثبوت بالكتابة. رفضه. سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأوراق من هذه الناحية.
(المادتان 217 و228 مدني)
المحكمة
وحيث إن الوجه الأوّل من أوجه الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في نفي صفة الوكالة عن المطعون ضدّه في شرائه الأطيان بالمزاد العلني. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن تنازله للمطعون ضدّه لم يقابله ثمن، ومن ثم تكون الحوالة جامعة بين الرهن والوكالة وخاضعة لأحكام الاثنين معاً ويعتبر المحوّل إليه أو المرتهن وكيلاً في التحصيل، وهو بهذه الصفة لا يجوز له أن يزايد أو يشتري لحسابه مع أنه وكيل عن صاحب الرهن أي المحيل في البيع. ولا يردّ على ذلك أن له مصلحة خاصة في الإجراءات لأن الوكالة قد تنعقد لمصلحة الموكل والوكيل معاً. وقد جاء الحكم في الوقت ذاته متناقضاً إذ هو أيد الحكم الابتدائي لأسبابه، وهذا الحكم أثبت للمطعون ضدّه هذه الصفة في إجراءات نزع الملكية واقتصر على نفيها في التزايد. ويضيف الطاعن إلى ما ذكر تدليلاً على إنابة المطعون ضدّه عنه في التنفيذ أن الحساب الجاري بينه وبين الطاعن لم يكن قد تصفى وكانت بعض بنوده كأتعاب المحاماة محل خلاف وقد جرت إلى التقاضي. كما أن المطعون ضدّه قد اضطر إلى مقاضاة الطاعن بعد نزع الملكية ورسوّ المزاد ليحوّل دينه إلى دين معين المقدار ويحصل على حكم قابل للتنفيذ. ولهذا لا يكون للمطعون ضدّه إلا صفة الوكيل في التنفيذ.
وحيث عن واقعة الحال تتحصل حسبما أثبته الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي المؤيد له في أن الطاعن استدان من المطعون ضدّه مبالغ متفرقة وأحاله تأميناً لوفائها ديناً مكفولاً برهن مطلوباً من مهدي مختار، فلما حان الوقت لاستخلاص هذا الدين من المدين المحال باشر المطعون ضدّه إجراءات التنفيذ واشترى العقار باسمه ثم باعه بثمن يزيد على قيمة مرسى المزاد. وقد عرض الحكم الابتدائي للمسألة المختلف عليها بين الطرفين وهي دائرة حول ما يتمسك به الطاعن من أن إجراءات التنفيذ كانت لحسابه، وأن الأطيان المشتراة بالمزاد تعتبر لذلك مملوكة له، وما يقوله المطعون ضدّه من أن الشراء إنما كان لحسابه الخاص. وقد أتى الحكم بما استدل به كل منهما على وجهة نظره إلى القول بأن مباشرة المطعون ضدّه لإجراءات التنفيذ إنما كانت لاستيفاء دينه، وأن الطاعن لم يقم الدليل على أن شراء المطعون ضدّه للأطيان بالمزاد كان لحسابه هو. وقد جاء الحكم الاستئنافي مؤيداً وجهة النظر هذه آخذاً بما رأته المحكمة الابتدائية في قضائها بأن الطاعن لم يثبت وكالة المطعون ضدّه عنه في إجراءات نزع الملكية فلا محل لما أراد أن يرتبه على هذه الصفة المزعومة من النتائج.
وحيث إنه يستفاد مما ذكر أن الحكمين متفقان في أن ما يدعيه الطاعن من نيابة المطعون ضدّه عنه في الشراء لم يقم عليه دليل ولا أثر للتناقض بينهما في هذه المسألة التي هي مقطع النزاع في الدعوى. وإذ كانت محكمة الاستئناف قد اقتنعت بأن المطعون ضدّه في إجراءات نزع الملكية إنما كان يعمل لحسابه لا لحساب الطاعن فإن مخالفتها للحكم الابتدائي في هذه المسألة مع أخذها بأسبابه لا تناقض فيه إذ اعتمادها على الأسباب الواردة بالحكم الابتدائي لا ينصرف إلا إلى ما لا يتنافى مع الأسباب التي أتت بها.
وحيث إنه إذا كانت الحوالة حاصلة بقصد الوفاء فهي ناقلة للملك، وللمحتال بموجبها أن يباشر التنفيذ على ملك المدين المحال ويدخل في المزايدة مشترياً لنفسه استيفاء لدينه من ثمن المبيع.
وحيث إن ما جاء به الحكم المطعون فيه مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من أوراق الدعوى وظروفها هو أن المقصود من الحوالة كان استيفاء المطعون ضدّه حقه قبل المحيل من المدين المحال بطريق التنفيذ عليه بمقتضى عقد الحوالة الرسمي الذي أحله محل الدائن في كل ما له من حقوق قبل المدين. كما جاء به أن المطعون ضدّه لم يكن في ذلك يعمل لحساب الطاعن وإنما اشترى لنفسه خاصة. وإذ كان كل ما استخلصته محكمة الموضوع يرجع الأمر فيه إلى تقديرها المطلق فلا سبيل للجدل فيه أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لا محل بعد ذلك للبحث فيما عرض له الطاعن من أن ليس للمطعون ضدّه، وقد كان وكيلاً عنه في إجراءات نزع الملكية ضدّ المدين المحال، أن يشتري الأطيان المنزوعة ملكيتها لنفسه. ذلك لأنه بصرف النظر عن خطأ الطاعن فيما ردّده في طعنه من أن الخطر الوارد في المادة 258 من القانون المدني بعدم جواز تولي الوكيل طرفي العقد يمتد إلى الحالة التي يصوّرها الطاعن مع ما بينهما من بون وتباين إذ المطعون ضدّه لا يمثل قط طرفي التعاقد في الصورة التي يدعيها الطاعن - بصرف النظر عن هذا الخطأ الظاهر فإن وكالة المطعون ضدّه عن الطاعن في الشراء قد نفاها الحكم المطعون فيه واعتبر المطعون ضدّه مشترياً لنفسه للاعتبارات السابق بيانها.
وحيث إن الوجه الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه خالف قواعد الإثبات برفضه طلب الطاعن إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الوكالة. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه دفع أمام المحكمة الابتدائية وأمام محكمة الاستئناف بأنه اتفق مع المطعون ضدّه على التنفيذ لحسابه ومصلحته، وعلى أن يشتري بالمزاد لحسابه أيضاً، وطلب إثبات ذلك بالبينة استناداً إلى ما يأتي: (أوّلاً) دفاتر المطعون ضدّه التي قيد فيها صفقة رسوّ المزاد لحساب الطاعن. (ثانياً) إجابة المطعون ضدّه في تحقيقات أجرتها النيابة العمومية. (ثالثاً) إقرارات محاميه أمام القضاء وفي المذكرات المقدّمة منه. (رابعاً) احتساب المطعون ضدّه مصروفات نزع الملكية على الطاعن وكذلك رسوم التسجيل. (خامساً) دعوى رفعها المطعون ضدّه على الطاعن والسيدة قرينته في تاريخ لاحق لصدور حكم مرسى المزاد. ولكن كلتا المحكمتين رفضت طلب الإحالة إلى التحقيق مخالفة بذلك القواعد القانونية المتفق عليها من أنه يجوز إثبات الوكالة الضمنية والوكالة الفعلية بالبينة. وكذلك أخطأ الحكمان فيما يأتي: (أوّلاً) في التكييف القانوني لمبدأ الثبوت بالكتابة، ومع أنهما رفضا اعتبار ما ثبت بالدفاتر وبإجابات المطعون ضدّه مبدأ للثبوت فإنهما لم يبينا في الحكم الوقائع حتى تستطيع محكمة النقض مراقبة الحكم في هذه الناحية. (ثانياً) في رفض الأخذ بوجهة نظر الطاعن بأن المادة تجارية تجوز فيها الإحالة إلى التحقيق، وفي رفض الإحالة إلى التحقيق لإثبات أن الفوائد كانت ربوية.
وحيث إن الحكم الابتدائي عرض لما جاء بدفاتر المطعون ضدّه ففسره تفسيراً سائغاً معقولاً، ولم ير فيه ما يمكن أن يستفاد منه أن المطعون ضدّه كان في شرائه بالمزاد وكيلاً عن الطاعن. وكذلك عرض الحكم الاستئنافي لطلب الطاعن الإحالة إلى التحقيق بناء على الاعتبارات الأخرى المشار إليها في وجه الطعن فقال: "إن الطلب الاحتياطي الخاص بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن رسوّ المزاد وإن كان باسم المستأنف عليه (المطعون ضدّه) إلا أنه كان لحسابه (أي المستأنف وهو الطاعن) فإن هذه الواقعة ليست مسألة تجارية. كما أن القول من جانب المستأنف بوجود فوائد ربوية في المعاملات التي تمت بينه وبين المستأنف عليه فليست هذه الدعوى محل نظره. أما ما يريد المستأنف اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة ويستمدّه من إجابات المستأنف عليه أمام النيابة والبيانات المثبتة في دفاتره واحتساب مصاريف نزع الملكية على المستأنف ورفع المستأنف عليه دعويين على المستأنف وزوجته فإن هذه المحكمة ترى أنه لا يمكن اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة قانوناً لأنها لا تجعل الواقعة المراد إثباتها وهي المتقدّم ذكرها قريبة الاحتمال......".
وحيث إنه يبين مما ذكره الحكمان عما استند إليه الطاعن مما تدوّن بدفاتر المطعون ضدّه أو ورد بأقواله في التحقيق أو في مرافعة محاميه مما أشار إليه في صدد طلب الإحالة إلى التحقيق أن محكمة الموضوع كانت على حق في اعتبارها عملية الاتفاق المدعى به على شراء المطعون ضدّه الأطيان لحساب الطاعن معاملة مدنية بحتة لعدم دخولها ضمن الأعمال التي نصت عليها المادة الثانية من القانون التجاري. كما أن رفض محكمة الموضوع طلب الإحالة إلى التحقيق لإثبات ربوية الفوائد في المعاملات بين الطرفين مما لا يسوغ التظلم منه لدى محكمة النقض ما دام البحث فيه غير منتج في الدعوى الحالية. وأما ما قالته المحكمة من أن تقدّم به الطاعن من الأوراق لعدّه مبدأ ثبوت بالكتابة يسوغ الإحالة إلى التحقيق لإثبات الوكالة في الشراء فإن محكمة الموضوع رأت أن كل ما استند إليه الطاعن مما أشار إليه الحكم لا يتوافر فيه أحد عناصر مبدأ الثبوت بالكتابة وهو جعل الأمر المطلوب إثباته قريب الاحتمال. وإذ كان هذا التقدير موضوعياً ولا يتجافى مع مدلول العبارات المدوّنة بأقوال المطعون ضدّه أو وكيله والتي كانت معروضة على محكمة الموضوع من قبل فهو تقدير حاسم لا رقابة لمحكمة النقض عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق