الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 أبريل 2023

الطعن 5 لسنة 10 ق جلسة 23 / 5 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 62 ص 210

جلسة 23 مايو سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

---------------

(62)
القضية رقم 5 سنة 10 القضائية

(أ) هبة. 

سند دين يستر تبرعاً من والد إلى ولده. إضافة القبض فيه إلى أجل. اشتراط عدم جواز حوالة السند. اعتباره وصية. غير صحيح. تكييفه. هبة في صورة إقرار بدين.
(ب) هبة موصوفة بعقد آخر. 

انتقال ملكية الموهوب بمجرّد الإيجاب والقبول. اشتراط الواهب تأجيل التسليم. لا تأثير له في صحة انعقاد الهبة.
(المادة 48 مدني)

-----------------
1 - إذا كان المسلم به من الخصوم أن السند موضوع الدعوى الصادر من والد إلى ولده إنما يستر تبرعاً، ولم يكن الخلاف إلا على وصف التبرع فيه هل هو منجز فيكون هبة نافذة أم مضاف إلى ما بعد الموت فيكون وصية لوارث موقوفاً نفاذها على إجازة بقية الورثة، ثم قالت المحكمة بأنه وصية لإضافة القبض فيه إلى أجل في حين أن المقرّ كان له وقت الإقرار مبلغ من المال في أحد المصارف يسمح له بتنجيز التبرع منه وأن المتبرع له كان معوزاً، ثم لاشتراط عدم جواز حوالة السند وسكوت المتبرع له عن المطالبة به حتى توفى والده، فهذا التكييف غير صحيح، لأن هذا التصرف إنما هو عقد هبة في صورة إقرار بدين مستكمل لجميع الشروط فهو صحيح ونافذ.
2 - الهبة متى كانت موصوفة بعقد آخر فإن الملكية تنتقل بها بمجرّد الإيجاب والقبول. ويكون للموهوب له أن يطلب تسلم الموهوب بناء على ما له من حق الملك فيه إذا كان لم يسلم إليه من قبل. والهبة إذا كان مشروطاً فيها تأجيل التسليم فإن ذلك لا يبطلها ولا تأثير له في صحة انعقادها.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - كما يبين من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق الأخرى التي كانت تحت نظر محكمة الموضوع - في أن المرحوم أبادير جرجس ميخائيل مورّث طرفي الخصومة أعطى ولده الطاعن إقراراً بدين تاريخه 30 من أكتوبر سنة 1930 نصه كما يلي: "أقرًّ واعترف أنا الواضع اسمي بخطي فيه أدناه أبادير جرجس ميخائيل من إسنا ومقيم بمصر أنه عليّ وفي ذمتي إلى ولدي حليم أبادير مبلغ وقدره مائة ألف قرش صاغ ميري عبارة عن ألف جنيه مصري قيمة عشرين ورقة بنكنوت فيه خمسين جنيهاً وملزوم أسدّدها إليه بعد مضي خمس سنوات تمضي من تاريخه أدناه. والقيمة وصلتني منه نقدية. ولا يجوز تحويل هذا الدين لشخص آخر خلافه. وقد تحرّر هذا للعمل والمعاملة بموجبه عند اللزوم المقرّ بما فيه - كاتبه أبادير جرجس".
توفى هذا المورّث بعد حلول أجل السداد بسنتين تقريباً فطالب الطاعن سائر الورثة بسداد نصيبهم في الدين مما خصهم في التركة فلم يدفع منهم غير أحدهم أنيس أبادير أفندي. فرفع الطاعن ضدّ باقي الورثة وهم المطعون ضدّهم والست ماتيلدة أبادير الدعوى رقم 967 سنة 1938 كلي مصر طالبهم فيها بدفع مبلغ 650 جنيهاً مع فوائده القانونية بسعر 5% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية لحين السداد. وفي أثناء سير تلك الدعوى تنازل عن مخاصمة الست ماتيلدة وخصم حصتها معدّلاً طلباته قبل باقي المدّعى عليهم وهم المطعون ضدّهم إلى مبلغ 562 جنيهاً و500 مليم. وفي 6 من فبراير سنة 1939 حكمت محكمة مصر بإلزام هؤلاء بأن يدفعوا للطاعن من تركة مورّثهم الخواجة أبادير جرجس مبلغ 562 جنيهاً و500 مليم والمصاريف المناسبة وفوائد هذا المبلغ بواقع 5% من يوم المطالبة للسداد و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ العاجل وبلا كفالة. استأنف المطعون ضدّهم هذا الحكم وطلبوا إلغاءه ورفض دعوى الطاعن مع إلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. ومحكمة استئناف مصر قضت في 26 من نوفمبر سنة 1939 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن مع إلزامه بالمصاريف عن الدرجتين و1000 قرش مقابل أتعاب المحاماة للمطعون ضدّهم.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 28 من ديسمبر سنة 1939 فطعن فيه بطريق النقض في 25 من يناير سنة 1940 بتقرير أعلنه إلى المطعون ضدّهم في 30 من ذلك الشهر إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى على محكمة الاستئناف مخالفتها للقانون وخطأها في تطبيقه بأن اعتبرت الإقرار الصادر له من والده ساتراً لوصية لم يجزها باقي الورثة فهي باطلة، وإنه بفرض أن ذلك الإقرار يستر هبة فإن تلك الهبة لم تكن منجزة فهي هبة باطلة أيضاً. وذلك جميعاً طبقاً لحكم الشريعة الإسلامية.
ويقول الطاعن في بيان ذلك إن الإقرار الصادر له من والده هو إقرار بدين حقيقي، وإنه بفرض أنه يستر تبرعاً فإن ذلك التبرع كان هبة منجزة صحيحة طبقاً لأحكام القانون المدني الواجب تطبيقه في هذه الدعوى، وإنه مع التسليم جدلاً بأن الإقرار يستر وصية فإنها تنفذ من مال التركة بدون حاجة إلى إجازة باقي الورثة عملاً بأحكام قانون الأحوال الشخصية الذي كان يخضع له الموصي وهو شريعة الأقباط الأرثوذكس.
وحيث إنه بالرجوع إلى ذلك الحكم يبين أنه بعد إثباته أن الطرفين متفقان على أن الإقرار الصادر من والد الطاعن في 30 من أكتوبر سنة 1930 يستر تبرعاً، ومختلفان في تكييف هذا التبرع. فالطاعن يقول إنه هبة منجزة نافذة والمطعون ضدّهم يقولون إنه وصية لوارث لا تنفذ بغير إجازة الورثة. بعد أن أثبت الحكم ذلك قرّر أن نية الوالد المتبرع كانت منصرفة إلى الوصية معللاً نظره هذا بالاعتبارات الآتية:
"من حيث إن الوالد أضاف تبرعه إلى أجل طويل رغم ما ثبت من أنه كان يحتفظ حوالي تاريخ التبرع بمبلغ في أحد المصارف يسمح له بتنجيزه، وما ثبت من عوزة ولده وقصر يده عما هو في حاجة ماسة إليه للإنفاق على زوجته وأولاده ومن اعتماده - طوال ذلك الأجل وبعد انقضائه - على معونة والده يقدّمها إليه في تقتير وحرص شديد بعد إلحاح متكرر من ولده وزوجته".
"ومن حيث إن المتبرع اشترط في السند عدم جواز تحويله حتى إذا ما فكر ولده في المطالبة بقيمته بعد حلول الأجل وجد نفسه مضطرّاً لمواجهة والد في مكنته إذا شاء أن يحرمه مما يأمل أن يرثه عنه كله أو بعضه بتصرف من التصرفات التي لا يمكن الوارث الطعن فيها. وقد أمسك المستأنف عليه بالفعل عن المطالبة بالسند بعد حلول أجله زهاء سنتين حتى توفى والده".
"ومن حيث إن ما سبق يكشف عن نية الوالد وانصرافها عن التنجيز إلى الإضافة للموت".
"ومن حيث إنه عدا ما تقدّم ففي مسودة الخطاب المحرّر في 13 من مايو سنة 1933 بخط غير منكور للمتبرع تهديد بسحب المنحة التي ميز بها المستأنف عليه عن بقية إخوته. وعدول الأب عن تبرع صدر منه لابنه لا يمكن إذا كان هبة منجزة أما الرجوع في الوصية فجائز في كل الأحوال مما يؤيد أن نية المتبرع انعقدت على الإيصاء".
"ومن حيث إن الوصية لوارث لا تنفذ في حق بقية الورثة ما لم يجيزوها وذلك سواء كان الموصي مسلماً أو غير مسلم. وقد أنكر المستأنفون الوصية الصادرة للمستأنف عليه فتبطل بالنسبة لهم".
"ومن حيث إنه حتى لو استبعدنا عن المورّث نية الإيصاء فإن هبته مضافة لأجل، وهذا يخل بركن التنجيز الذي يتطلبه الشرع الإسلامي لوقوع الهبة صحيحة".
"ومن حيث إن الشارع المدني في باب الهبة اقتصر على بضعة أحكام تتعلق بشكل العقد وكيفية انعقادها اقتبسها من الشريعة الإسلامية مع بعض التعديل دون أن يعني بالنص على أركان انعقاد الهبة وشرائط صحتها وإمكان الرجوع فيها وأحواله وما إلى ذلك مما يتعلق بأصل الهبة، فدل ذلك على رغبته في إخضاعها لقواعد الشريعة التي اختارها مصدراً لما اقتبسه من الأحكام".
"ومن حيث إن إفراغ الهبة في إحدى الصور التي اشترطتها المادتان 48 و49 مدني لصحة عقدها شكلاً لا يغنى عن وجوب توافر كافة أركانها وشرائطها الموضوعية".
تلك هي الأسباب التي بني عليها الحكم المطعون فيه لتدعيم وجهة نظره في تكييف الإقرار المتنازع بشأنه بأنه وصية أو هبة غير منجزة، وأن التصرف على كلا الاعتبارين باطل.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقرّ على "أنه وإن كان لمحكمة الموضوع السلطة الكاملة في تفسير العقود المختلف على معناها بحسب ما تراه أقرب إلى نية المتعاقدين مستعينة في ذلك بجميع وقائع الدعوى وظروفها إلا أنه إذا أدّى بها هذا التفسير إلى إعطاء العقد وصفاً قانونياً خاطئاً فإن حكمه يكون خاضعاً لرقابة محكمة النقض التي يجب عليها في هذه الحالة تصحيح ما وقع من الخطأ". وأنه "لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير صيغ العقود والشروط والقيود المختلف عليها بما تراه أوفى بمقصود المتعاقدين مستعينة في ذلك بجميع ظروف الدعوى وملابساتها، ولها بهذه السلطة أن تعدل عن المدلول الظاهر لهذه الصيغ المختلف على معناها إلى خلافه بشرط أن تبين في أسباب حكمها لم عدلت عنه، وكيف أفادت تلك الصيغ المعنى الذي اقتنعت به ورجحت أنه مقصود العاقدين، بحيث يتضح من هذا البيان أنها قد أخذت في تفسيرها باعتبارات مقبولة يصح عقلاً استخلاص ما استخلصته منها".
وحيث إنه في الدعوى الحالية قد عدلت محكمة الاستئناف، بناء على اتفاق طرفي الخصومة، عن المدلول الظاهر للإقرار وهو أنه سند بدين، ثم جعلت تتحسس نية المقرّ الحقيقية من الاعتبارات القائمة في الدعوى لتتعرف كنه التبرع الذي يستره إقراره.
وحيث إن الاعتبارات التي بررت بها محكمة الموضوع قطعها بأن نية المورّث كانت الإيصاء بقيمة السند ليست في الواقع على المنزلة التي أنزلتها، وهي لا ترجح الاعتبارات الأخرى المتوافرة في الدعوى والتي تنفي بتاتاً تلك النية. فقد سلم والد الطاعن إليه سند الدين، وفسح له بذلك سبيل مطالبته بقيمته عند حلول الأجل المسمى فيه. وإذا كان الطاعن لم يقم بتلك المطالبة فإن تحرّى الباعث على سكوته والتنويه بأنه خشية الحرمان من الميراث أو المعونة لا يمكن بحال أن يمس صفة الدين ولا الالتزام بالوفاء. كذلك النص على أن السند غير قابل للتحويل ليس له هذا الأثر إذ أنه نص جاء عبثاً ما دام أن السداد مشروط لنفس الطاعن لا لإذنه وأمره.
أما ما استطردت إليه محكمة الاستئناف بقولها إنه مع استبعاد نية الإيصاء عن المورّث فإن تصرفه يكون هبة غير منجزة فهي باطلة طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية - هذا الاستطراد لا يلتفت إليه إذ البحث فيما إذا كانت شروط الهبة قد استوفيت طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية أو لم تستوف لا محل له إطلاقاً فإن الرجوع إلى قانون الأحوال الشخصية بشأن الهبة إنما يكون عند سكوت القانون المدني عن تبيان حكمه فيها. والحال هنا على غير ذلك فقد أوضحت المادة 48 من ذلك القانون الحكم اللازم تطبيقه في الدعوى الحالية وهو أنه متى كانت الهبة موصوفة بعقد آخر فإن الملكية تنتقل فيها بمجرّد الإيجاب والقبول بدون حاجة إلى تسليم فعلي. وانتقال الملكية يترتب عليه حتماً المطالبة بالتسليم، وليس هناك ما يمنع قانوناً من تأجيل التسليم إلى أجل مسمى إذا رغب الواهب في ذلك.
وحيث إنه متى استبان أن محكمة الموضوع قد أخطأت في التكييف القانوني للإقرار إذ اعتبرته وصية أو هبة غير منجزة باطلة فيتعين نقض الحكم المطعون فيه بغير حاجة لبحث المسائل القانونية الأخرى التي أثارها الطاعن.
وحيث إن الدعوى صالحة للحكم في موضوعها.
وحيث إن مدلول الإقرار وظروف الدعوى والاعتبارات التي أتى بها الحكم الابتدائي الصادر فيها - كل هؤلاء تجزم بأن والد الطاعن أراد أن يهبه في حياته ألف جنيه فمنحه هذه الهبة في صورة إقرار بدين استكملت فيه جميع شروط العقد الساتر.
وحيث إنه لما سبق بيانه تكون هذه الهبة قد استوفيت شرائطها الشكلية والموضوعية طبقاً لأحكام القانون فهي صحيحة نافذة.
وحيث إنه يتعين لما تقدّم تأييد الحكم الابتدائي الصادر من محكمة مصر الابتدائية في 6 من فبراير سنة 1939 في الدعوى رقم 967 سنة 1938 كلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق