جلسة 14 مارس سنة 1940
برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك ومحمد كامل الرشيدي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.
-----------------
(43)
القضية رقم 45 سنة 9 القضائية
بدل.
إعطاء أحد المتبادلين للآخر أرضاً بعضها كان قد بيع من قبل. بيع من غير المالك للمبيع. دعوى المطالبة بقيمة ما نقص من مقابل البدل. أساسها. التضمين عن بيع ملك الغير. المادة الواجبة التطبيق هي المادة 265 مدني. اعتبارها من أحوال الاستحقاق وتطبيق المادة 312 مدني. خطأ. إلزام البائع بقيمة ما نقص من مقابل البدل. في محله. التضمينات التي يلزم بها البائع بمقتضى المادة 265 لا يمكن أن تكون أقل من الثمن المدفوع وقت التعاقد. لا مصلحة من الطعن في الحكم بهذا الخطأ.
(المواد 264 و265 و312 مدني)
الوقائع
تتضمن وقائع هذه الدعوى - كما يبين من الحكم المطعون فيه والأوراق الأخرى التي كانت تحت نظر محكمة الاستئناف - أنه بمقتضى عقد بدل عرفي محرّر في فبراير سنة 1914 أعطى الطاعن للحكومة (مصلحة الأملاك الأميرية) 500 فدان تابعة لزمام بني سلامة وأخذ منها 549 فداناً و14 قيراطاً و14 سهماً تابعة لزمام ناحيتي وردان وأبو غالب. وقد ذكر في عقد البدل أن أرض الطاعن وأرض الحكومة متساويتان في القيمة باعتبار أن ثمن كل منهما يبلغ 4166 جنيهاً و229 مليماً وأن صفقة البدل تمت بين الطرفين تحت أحكام شروط بيع الأملاك الأميرية الحرّة المنشورة بالجريدة الرسمية بعددها رقم 99 الصادر في 6 من سبتمبر سنة 1906. وقد تم تسليم كل طرف ما أخذه بموجب محضر تسليم تاريخه 13 من سبتمبر سنة 1914. وفي وقت التسليم تبين أن 38 فداناً و22 قيراطاً و12 سهماً من الأرض التي أعطاها الطاعن للحكومة كانت قد بيعت منه في سنة 1911 للحكومة أيضاً (وزارة الأشغال) بثمن مقداره 1557 جنيهاً و569 مليماً واستنزلت من تكليفه، وقد أدخلت في مصرف المحيط واعتبرت من المنافع العامة. كما تبين أيضاً أن 9 فدادين و21 قيراطاً من الأرض التي أعطتها الحكومة للطاعن هي تحت يد شخص آخر يدعى الخواجة نقولا بلدي ومرفوع بشأنها دعوى أمام المحكمة المختلطة، فطلبت الحكومة إلى الطاعن أن يدفع لها مبلغ 1557 جنيهاً و569 مليماً وهو ثمن 38 فداناً و22 قيراطاً و12 سهماً المذكورة، فامتنع الطاعن عن الدفع متعللاً بوجوب انتظار الفصل في الدعوى المرفوعة من نقولا بلدي التي يتنازع فيها مع الحكومة في ملكية 9 فدادين و21 قيراطاً. حكم نهائياً لمصلحة نقولا بلدي، ولم يتيسر للحكومة أن تقبض من الطاعن بالطرق الودّية الباقي لها من مبلغ 1557 جنيهاً و569 مليماً بعد خصم ثمن 9 فدادين و21 قيراطاً. فرفعت عليه مصلحة الأملاك هذه الدعوى في أوّل مارس سنة 1932 أمام محكمة إسكندرية الابتدائية الأهلية وطلبت فيها الحكم بإلزامه بمبلغ 1409 جنيهات و444 مليماً وفوائده بسعر 5% سنوياً من تاريخ إعلان الدعوى لحين السداد مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وفي أثناء نظر الدعوى أمام تلك المحكمة اتفق الطرفان على ندب خبير زراعي لتقدير قيمة 9 فدادين و21 قيراطاً المحكوم بملكيتها إلى نقولا بلدي. وقد باشر الخبير عمله وقدّم تقريره وأثبت فيه أنها تساوي 641 جنيهاً و975 مليماً باعتبار ثمن الفدان الواحد 65 جنيهاً. وفي 30 من مايو سنة 1935 قضت المحكمة الابتدائية بإعادة القضية للخبير ليقدّر ثمن 38 فداناً و22 قيراطاً و12 سهماً وثمن 9 فدادين و21 قيراطاً وقت حصول البدل في فبراير سنة 1914 وقد باشر الخبير عمله وقدم تقريره.
وفي 22 من مارس سنة 1937 قضت محكمة الإسكندرية بإلزام الطاعن بأن يدفع للحكومة مبلغ 1268 جنيهاً و354 مليماً وفوائده بسعر 5% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية لحين السداد مع المصاريف المناسبة و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة بانية حكمها هذا على وجوب إجراء المحاسبة بين الطرفين على قيمة الأرض الناقصة من الجهتين وقت حصول البدل الذي اعتبرته وقت نزع الأرض من تحت يد كل من الطرفين. وذلك عملاً بحكم المادة 312 من القانون المدني. ثم أبانت أن قيمة 38 فداناً و22 قيراطاً و12 سهماً وقت البدل كانت هي نفس قيمتها في سنة 1911 وقت أن باعها الطاعن للحكومة وأجرت حساب الفرق بين القيمتين وألزمته به.
وفي 22 من يوليه سنة 1937 استأنف الطاعن حكم محكمة الإسكندرية وطلب إلغاء الحكم الابتدائي ورفض دعوى الحكومة مع إلزامها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وبجلسة 2 من إبريل سنة 1938 المحدّدة للتحضير استأنفت المطعون ضدّها الحكم الابتدائي استئنافاً فرعياً طالبة تعديله بإلزام الطاعن بأن يدفع لها مبلغ 1439 جنيهاً و698 مليماً.
وفي 14 فبراير سنة 1939 حكمت محكمة استئناف مصر في الاستئنافين الأصلي والفرعي بقبولهما شكلاً وفي موضوعهما بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضدّها مبلغ 1343 جنيهاً و364 مليماً وفوائده بسعر 5% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية في أوّل مارس سنة 1932 لحين السداد مع المصاريف المناسبة عن الدرجتين ومبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما.
وفي 11 من مايو سنة 1939 أعلن حكم محكمة الاستئناف إلى الطاعن بناء على طلب الحكومة، فطعن فيه محاميه بتاريخ 8 من يونيه سنة 1939 بطريق النقض والإبرام إلخ.
المحكمة
ومن حيث إن الطاعن يبنى طعنه على وجوه أربعة تتحصل فيما يلي:
الوجه الأوّل - خطأ في تطبيق القانون. وفي بيانه يقول الطاعن إن محكمة الاستئناف أقرّت وجهة نظر المحكمة الابتدائية في تطبيق المادة 312 من القانون المدني على موضوع النزاع حالة كون هذه المادة لا تنطبق إلا في حالة استحقاق الغير للعقار المبيع. ولما كان الغير هو الشخص الأجنبي عن المتعاقدين، وفي حالتنا هذه تطالب الحكومة بثمن 38 فداناً و22 قيراطاً و12 سهماً باعها الطاعن إلى الحكومة نفسها في سنة 1911 وأدخلتها فعلاً في المنافع العامة قبل حصول البدل في سنة 1914 فلا يصح اعتبارها من الغير الذي عنته المادة 312 سالفة الذكر.
ويقول الطاعن أيضاً إنه كان يجب اعتبار الـ 38 فداناً و22 قيراطاً و12 سهماً نقصا في المبيع الذي تعين ثمنه جملة. وبهذا لا يكون للمشتري إلا الخيار بين فسخ البيع وبين أخذ المبيع بالثمن المتفق عليه طبقاً للمادة 292 مدني، ولما كان هذا الحق قد سقط بالسكوت عليه سنة واحدة من تاريخ العقد كحكم المادة 296 مدني فقد كان واجباً على محكمة الاستئناف أن تعتبر الحكومة ملزمة بأخذ القدر المتبادل عليه بالثمن المسمى في العقد.
الوجه الثاني....... إلخ.
عن الوجه الأوّل:
وحيث إن الطاعن جاء يقرّر في مذكرته المقدّمة لهذه المحكمة أخذاً بما ذهبت إليه المطعون ضدّها في مذكرتها أن خطأ محكمة الاستئناف كان في تطبيق المادة 312 بدلاً من المادة 265 من القانون المدن. وبجلسة المرافعة أعلن تنازله عن التحدّي بالمادتين 262 و296 من القانون المدني.
وحيث إن الواقعة الثابتة في الحكم المطعون فيه والتي لا نزاع فيها بين الطرفين تنحصر في أن الطاعن أعطى للمطعون ضدّها أرضاً كانت تعتقد وقت البدل أن الطاعن يملكها ثم تبين لها وقت التسليم أنها قد خرجت عن ملكه ببيعه إياها إلى وزارة الأشغال منذ ثلاث سنوات سابقة على البدل.
وحيث إن التكييف القانوني الصحيح لهذه الواقعة هو بيع الشيء الذي لا يملكه بائعه المنصوص عنه في المادتين 264 و265 من القانون المدني.
وحيث إن ضمان البائع المترتب على البيع ينحصر في تسليم المبيع للمشتري وعدم منازعته فيه من الغير (الفقرة الثانية من المادة 266 والمادة 300 من القانون المدني). فإذا عجز البائع عن التسليم أو عجز عن كف منازعة الغير للمشتري وجب عليه الضمان، وهذا الضمان في الحالتين مرجعة بيع البائع ما لا يملك. إلا أن المبيع كان في الحالة الأولى تحت يد الغير وقت البيع فتعذر التسليم، وكان في الحالة الثانية تحت يد المشتري فاستردّه مالكه الحقيقي ونزعت بذلك الملكية من ذلك المشتري.
وحيث إنه يترتب على هذا الضمان بطلان البيع في الحالة الأولى أو فسخه في الحالة الثانية وإلزام البائع برد الثمن مع التضمينات (المواد 264 و265 و304 من القانون المدني).
وحيث إنه وإن كان الشارع لم ينص على أحكام خاصة للحالة التي يكون فيها البيع باطلاً بالنسبة لبعض المبيع لصدوره من غير مالك إلا أنه لا جدال في وجوب العمل بطريق القياس (par analogie) بالأحكام التي نص عليها في حالة استحقاق جزء من المبيع (éviction partielle) (مادة 310 - 312) لوحدة السبب في الحالتين كما سبق البيان.
وحيث إن محكمة الاستئناف قد جارت المحكمة الابتدائية في تطبيقها للمادة 312 ولم تزد عليها شيئاً وهو ما يفهم منه أنها اعتبرت الحالة المعروضة لديها من أحوال الاستحقاق غير أنها فيما فعلت لم تأت بحكم مخالف للقانون إذ قضت بإلزام الطاعن برد ثمن ما باعه خارجاً عما يملك. وهذا قضاء مطابق لحكم المادة 265 التي نصت على إلزام البائع بالتضمينات - تلك التضمينات التي لا يجوز أن تكون أقل من الثمن المدفوع وقت التعاقد، فليس للطاعن - والوضع على تلك الحال - أية مصلحة في أن ينعى على الحكم المطعون فيه خطأه في تطبيق القانون على الواقعة الثابتة في الحكم ما دام أن قضاءه بشأنها في نتيجته مطابق للقانون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق