الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 5 أبريل 2023

الطعن 2 لسنة 9 ق جلسة 14 / 3 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 42 ص 123

جلسة 14 مارس سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك ومحمد كامل الرشيدي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

----------------

(42)
القضية رقم 2 سنة 9 القضائية

(أ) وقف. 

ملكية الواقف لما وقف. الفصل في تحقق هذا الشرط. من اختصاص المحاكم الأهلية. وقف الفضولي أو المشاغب غير ملكه.
(ب) استبدال. كيف يباشر ناظر الوقف الاستبدال؟ 

(المادة 137 من لائحة المحاكم الشرعية)

----------------
1 - إن اشتراط أن يكون الموقوف مملوكاً للواقف ملكاً باتاً إنما يرد على الموقوف قبل أن ينعقد الوقف. فبحثه إذن لا يتعلق بأصل الوقف الذي يمتنع على غير المحاكم الشرعية البحث فيه، بل هو من المسائل التي تجب تصفيتها أمام المحاكم المختصة بنظر المنازعات في الملكية وفروعها قبل أن يأتي دور البحث في صحة أصل الوقف، وإلا لكان مجرّد وقف الفضولي أو المشاغب غير ملكه تكأة له لسلب المحاكم الأهلية اختصاصها بالفصل في النزاع على الملكية ونقله إلى المحاكم الشرعية التي لا شأن لها به.
2 - إن ناظر الوقف المشروط له حق الاستبدال لا يملك ذلك إلا بصفته ناظراً للوقف وبإذن القاضي الشرعي ووساطته (1).


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة وكانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - في أن محمد علي إسماعيل بك وولده علي محمد علي أفندي (مورثي الطاعنين) كانا يملكان مناصفة فيما بينهما سبعة وستين فداناً كائنة بناحية أرمنت مركز الأقصر، وكانت هذه الأطيان مرهونة للبنك العقاري تأميناً لدين على هذين المالكين.
وفي نوفمبر سنة 1909 باع محمد علي إسماعيل بك إلى غبريال صالح سيدهم المقدار المملوك له وهو ثلاثة وثلاثون فداناً ونصف فدان، ثم اتفق غبريال هذا في ديسمبر من تلك السنة على أن يردّ للبائع (محمد علي إسماعيل بك) نصف ما اشتراه منه ومقداره سبعة عشر فداناً تقريباً في مقابل مبلغ 1200 جنيه يدفعها على أقساط سنوية يضاف إلى ذلك مبلغ 75 جنيهاً يدفعها سنوياً أيضاً إلى البنك العقاري، وهذا المبلغ الأخير هو قيمة ما يخص السبعة عشر فداناً كل سنة من قسط ذلك البنك.
ولما تأخر محمد علي إسماعيل بك وولده علي محمد علي أفندي وغبريال صالح سيدهم في سداد ما يخص كلاً منهم في دين ذلك البنك اتخذ هذا الأخير إجراءات نزع ملكية الـ 67 فداناً المرهونة له جميعاً، ورسا مزادها على غبريال صالح سيدهم بحكم مرسى المزاد الصادر من محكمة مصر الابتدائية المختلطة في 3 من أكتوبر سنة 1917 وذلك في مواجهة المدينين الراهنين وهما المرحومان محمد علي إسماعيل وولده علي محمد علي أفندي مورّثا الطاعنين واستلمها فعلاً بموجب محضر تسليم مؤرّخ في أوّل مايو سنة 1918. ثم أوقفها بعد ذلك بتاريخ 20 من يوليه سنة 1919 بموجب حجة وقف بمحكمة قنا الابتدائية الشرعية. وقد آل النظر أخيراً على هذا الوقف بعد وفاة الواقف إلى المطعون ضدّه (حبيب غبريال أفندي) الذي نازعه الطاعنان في ملكية 17 فداناً و12 قيراطاً من الأطيان الموقوفة. فرفع دعوى عليهما أمام محكمة قنا الابتدائية الأهلية قيدت بجدولها برقم 101 سنة 1934 طلب فيها تثبيت ملكية وقف المرحوم غبريال صالح سيدهم المشمول بنظارته إلى المقدار المتنازع فيه والمبين الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى مع كف منازعة المدّعى عليهما وإلزامهما بالتسليم والمصاريف والأتعاب والنفاذ بلا كفالة.
وفي إثناء نظر الدعوى وجهت الطاعنة الثانية إلى الطاعن الأوّل دعوى ضمان قيدت برقم 190 كلي قنا سنة 1935 طلبت منه فيها أن يقوم بتقديم المستندات الخاصة بملكية الأطيان التي يطلب الوقف تثبيت ملكيته لها، وانتهت تلك الدعوى أخيراً بالصلح في جلسة 2 من يناير سنة 1937 حيث قدّم الطاعن الأوّل مستندات الملكية وضمت بعد ذلك إلى الدعوى الحالية.
وبعد أن نظرت محكمة قنا الابتدائية هذه الدعوى قضت فيها حضورياً بتاريخ 13 من فبراير سنة 1937 بثبوت ملكية وقف المرحوم غبريال صالح سيدهم المشمول بنظر المطعون ضدّه إلى السبعة عشر فداناً والاثني عشر قيراطاً الموضحة الحدود والمعالم بإعلان الدعوى مع كف منازعة الطاعنين له فيها وإلزامهما بالتسليم والمصاريف وثلثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
استأنف الطاعنان هذا الحكم أمام محكمة استئناف أسيوط الأهلية بالاستئناف رقم 93 سنة 12 قضائية طالبين قبول استئنافهما شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف ضدّه بصفته مع إلزامه بمصاريف وأتعاب الدرجتين.
وبتاريخ 16 من إبريل سنة 1938 قضت تلك المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وبرفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين بالمصاريف وبثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة للمستأنف ضدّه.
أعلن هذا الحكم للطاعنين في 19 من أكتوبر سنة 1938 فطعن فيه وكيلهما بطريق النقض في 17 من نوفمبر سنة 1938 بتقرير أعلن للمطعون ضدّه بصفته في 28 من ذلك الشهر إلخ.


المحكمة

وبما أن الطعن بني على سببين: أرجع أوّلهما إلى خطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون وأرجع الثاني إلى قصور ذلك الحكم في أسبابه بما يجعله باطلاً.
وفي شرح السبب الأوّل يقول الطاعنان إن سند خصمهما في دعواه كان أن السبعة عشر فداناً موضوع النزاع داخلة في حجة الإيقاف التي أبرمت في 20 من يوليه سنة 1919 وإن التنازل عنها وقد وقع بعد ذلك التاريخ لا يقيد الوقف ولا يلزمه. وكان الرد على هذا الاستناد أن غبريال صالح سيدهم وقت أن أنشأ وقفه لم يكن مالكاً ملكية خالصة لكافة الأرض التي أوقفها بل إن ملكية سبعة عشر فداناً منها كانت مشوبة بنزاع جدّي أساسه عقد ديسمبر سنة 1909. وعلى فرض أن ملكية جميع ما أوقف كانت سليمة من الشوائب وقت الإيقاف فإن الاتفاق الذي تم في 3 من ديسمبر سنة 1920 على أن يتنازل غبريال صالح سيدهم عن السبعة عشر فداناً لمحمد علي إسماعيل بك مقابل ألف وخمسمائة جنيه هو استبدال صحيح لهذا المقدار يلزم غبريال الواقف كما يلزم الوقف من بعده.
كان هذا مناط النزاع فلم يأخذ الحكم المطعون فيه بدفاع الطاعنين واستباح الفصل فيما لا ولاية للمحاكم الأهلية عليه بأن قضى بأن لا شائبة في ملكية الواقف لما ملك وأن الاستبدال غير المنكور الواقع منه لم يكن استبدالاً معتمداً. وبهذا خالف حكم القانون وأخطأ في تطبيقه.. إلخ.
وبما أن الطاعنين قد تناولا بالنقد في تقريرهما وفي مذكرتيهما الحكم الابتدائي كما تناولا الحكم الاستئنافي الذي أخذ بأسباب الحكم الأوّل.
وبما أن ما أورده الحكم الابتدائي وكان مثاراً للطعن هو ما يأتي:
"ومن حيث إنه ليس ثمة أي شك بأن تلك الأطيان التي آلت ملكيتها إلى مورّث المدعي (المطعون ضدّه) بمقتضى حكم مرسى المزاد الذي سبقت الإشارة إليه هي بذاتها تلك التي وقفها أخيراً، ومن بينها ذانك القدران اللذان سبق فأجرهما إلى علي محمد علي أفندي أحد مورّثي المدعى عليهما والظاهر أحمد سليم بك بالتفصيل المتقدم ذكره فإن فريقي الخصومة لا ينازعان في ذلك.......".
"ومن حيث إنه من ناحية أخرى فقد حدث أنه عقد بتاريخ 3 ديسمبر سنة 1920 لجنة الصلح برياسة مأمور مركز الأقصر وعضوية البعض من أعيانه رغبة في التوفيق بين ورثة المرحوم محمد علي بك وبين الواقف مورّث المدعي وأولاده انتهى أمرها بتحرير محضر صلح ورد فيه أنه بعد بحث كل ما كان يشكو منه أحد الفريقين إزاء الآخر اتفق الطرفان على أن يتنازل الخواجة غبريال صالح مورّث المدّعي وأولاده عن السبعة عشر فداناً القائم بشأنها النزاع الآن إلى ورثة محمد علي بك الناظر نظير ما عليها من الثمن الأساسي الذي اشتريت به وما استجد عليه من ديون وفوائد من وقت مشتراها إلى تاريخ تحرير المحضر المذكور الواقع في 3 ديسمبر سنة 1920.......".
"ومن حيث إنه سواء أصح القول بأن هؤلاء الورثة الذين انتهى أمرهم بالتصالح مع مورث المدّعي وأولاده قد قاموا فعلاً بأداء كل ما كلفوا بأدائه كاملاً تنفيذاً لعقد الصلح المتقدّم ذكره وهو ما لم يقم عليه حتى الآن الدليل القاطع أو لم يقوموا بتنفيذه على الوجه الأكمل المشترط فيه، فإن الأمر يجب في الواقع أن يقتصر البحث فيه على مدى ما قد يكون لعقد الصلح المذكور وما تلاه من أوراق وإيصالات صادرة من أحد فريقي الورثة إلى الفريق الآخر من أثر قانوني على ذلك الوقف الذي تم انعقاده وتوافرت شرائط صحته شرعاً. وبعبارة أخرى يجب أن يبحث أوّلاً قبل كل شيء مبلغ ما للواقف من سلطة بالنسبة لملكية الأرض التي سبق فأشهد على نفسه بوقفها وحبسها فجرت بناء على ذلك مجرى الوقف الصحيح".
"ومن حيث إنه ليس ثمة أي شك في أن الوقف بحكم التعريف الذي عرف به شرعاً هو حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدّق بالمنفعة على الفقراء ولو في الجملة أو على وجه من وجوه البر، وأن الوقف ينعقد بصدور لفظ من ألفاظه الخاصة به الصادرة من أهله مضافاً إلى محل قابل لحكمه ومستوف شرائط الصحة، وأنه بمجرد انعقاد الوقف صحيحاً يزول ملك الواقف عن العين الموقوفة ويصير الوقف لازماً، فلا يملك الواقف الرجوع فيه ولا يملك أحد من الموقوف عليهم أو غيرهم بيعاً أو هبة أو غيرها ولا يرهن ولا يورث. وهذا هو موجبه. وقد عرف محل الوقف بأنه المال المتقدم وبشرط كونه عقاراً أو منقولاً من المنقولات المتعارف وقفها. واشترط لجواز الوقف أن تكون العين المراد وقفها معلومة وقت الوقف مملوكة ملكاً باتاً للواقف ولو بعقد فاسد مع قبضه، فإن لم تكن مملوكة للمتصرف فوقفها فضولي على جهة من الجهات بلا إذن مالكها توقف نفاذ الوقف على إجازة المالك فإن أجاه نفذ وإلا فلا. ولا يمنع من صحة الوقف اشتراط الواقف انتفاعه بمنافع العين التي وقفها".
"ومن حيث إن تلك هي الشروط التي اشترطت لانعقاده الوقف صحيحاً، وهي جميعها بغير شك متوافرة فإن الواقف مورّث المدّعي كان وقت الوقف أهلاً للتصرف حراً عاقلاً بالغاً، وكان محل الوقف عقاراً مملوكاً آلت إليه ملكيته بمقتضى حكم مرسى المزاد السابقة الإشارة إليه والذي انتقل التكليف بمقتضاه فعلاً إلى اسم الواقف بمقتضى الكشوف والخريطة التي تقدّم بها الواقف إلى المحكمة الشرعية عند تحرير كتاب الوقف. فوجب إذن أن يكون له الأثر الشرعي المنصوص عليه فتزول به ملكية الواقف عن العين الموقوفة ويصير الوقف لازماً بحيث لا يملك الواقف الرجوع فيه ولا أحد من الموقوف عليهم".
"وحيث إنه متى كان الأمر كذلك كانت النتيجة التي لا محيص منها أن كل ما يصدر من الواقف أو المستحقين من بعده من إقرارات أو اتفاقات من شأنها أن تمس ملكية الأعيان الموقوفة لا يسري في حق الوقف ولا يكون له أي أثر ملزم على أساس أن الوقف قد تكوّنت له بمجرّد انعقاده صحيحاً شخصية معنوية قائمة بذاتها مستقلة عن شخصية الواقف والمستحقين. ويترتب على ذلك أن الواقف وأولاده من بعده إن تصالحوا مع الورثة المدعى عليهم بمقتضى عقد الصلح المؤرّخ 3 ديسمبر سنة 1920 بتنازلهم عن سبعة عشر فداناً من الأعيان الموقوفة لم تكن لهم أية صفة ملزمة لجهة الوقف. وكذلك الحال بالنسبة لكافة الإقرارات والإيصالات المقدًّمة بحافظة مستندات المدعى عليها الأولى الدالة على قيامها بأداء بعض المبالغ وفاء للأموال الأميرية المستحقة على السبعة عشر فداناً موضوع التنازل ولقبض الثمن الذي كان متفقاً عليه في عقد الصلح. ولا يبقى بعد ذلك لها ولمن عداها من الورثة إلا حق الرجوع على من تسلم منهم تلك المبالغ بقيمتها سواء كان هؤلاء هم الورثة المستحقون في الوقف أو غيرهم".
"ومن حيث إنه لا يمكن بعد ذلك أن يسمع من المدعى عليها الأولى ذلك النزاع الذي أثارته بشأن ملكية الواقف لما وقفه فإن حكم مرسى المزاد ومحضر التسليم المتقدّم ذكرهما هما سندا الواقف في ملكيته لما تناوله وقفه من الأطيان، والتأجير الصادر من الواقف إلى علي محمد علي أفندي أحد مورّثي المدعى عليهما إقرار بهذه الملكية وإجازة لكل أثر من الآثار التي رتبها القانون على حكم مرسى المزاد فتنتقل بمجرّد صدوره الملكية إلى الراسي عليه المزاد وخالصة طليقة من أي حق لآخر".
"ومن حيث إنه لا يبقى بعد ذلك سوى مناقشة ذلك العقد الرقيم ديسمبر سنة 1909 الموقع عليه من الواقف المرحوم غبريال صالح بما يفيد أنه اتفق مع المرحوم محمد علي إسماعيل بك أحد مورثي المدعى عليهما على أن يعطيه النصف شائعاً في الـ 33 فداناً و21 قيراطاً و22 سهماً السابق مشتراها منه بمقتضى عقد محرر عليه بتاريخ 30 نوفمبر سنة 1909 وفي نظير ذلك يكون محمد علي إسماعيل بك ملزماً بأداء 1200 جنيه إليه قيمة ثمن هذا النصف على أن يمهل في أداء المبلغ المذكور بشرط أن يكون ملزماً بأداء 72 جنيهاً في كل سنة مقابل فوائده بواقع 6 % سنوياً مع دفع مبلغ 75 جنيهاً قيمة قسط البنك الذي يخص الأطيان المذكورة أي أن جملة المبلغ المطلوب أداؤه سنوياً مبلغ 147 جنيهاً مصرياً تؤدي في آخر مايو من كل سنة ابتداء من سنة 1910 بحيث إذا تأخر محمد علي إسماعيل بك في أداء هذا المبلغ في الموعد المحدّد له أصبح هذا الاتفاق ملغياً بجملته. ولا يعتبر محمد علي إسماعيل بك مالكاً للأطيان المذكورة يحق له التصرف فيها إلا بعد قيامه بأداء ذلك المبلغ المقدّر بألف ومائتي جنيه كثمن لهذه الأطيان واستمراره في أداء الأقساط السنوية والأموال المستحقة لجهة الحكومة على القدر موضوع التعاقد، فإذا تأخر عن الأداء يفسخ هذا العقد، ولا يمكن أن يكون محل التنفيذ، وذلك بدون حاجة إلى أي إنذار رسمي أو غير رسمي، وأن الأداء لا يثبت إلا بإيصال موقع عليه من الواقف".
"ومن حيث إنه مما لا شك فيه أن تلك الشروط التي نص عليها عقد الاتفاق المذكور لم يحصل تنفيذها من جانب مورث المدعى عليهما. وليس أدل على ذلك من أن الأقساط التي اشترط أداؤها إلى البنك لم تؤد إليه فاتخذ البنك إجراءات الحجز العقاري التي انتهت ببيع الأطيان جميعها بيعاً جبرياً بطريق المزاد العلني حيث رسا مزادها على الواقف مورّث المدعي. فلا يمكن والحالة هذه أن يقام أي وزن لعقد الاتفاق المذكور. على أنه من ناحية أخرى فقد يكفي القول بأن حكم مرسى المزاد قد أزال كل أثر لعقد الاتفاق المذكور".
"ومن حيث إنه يخلص من ذلك كله أن ملكية الوقف المشمول بنظارة المدعي للقدر القائم بشأنه النزاع الآن ملكية لا تشوبها أية شائبة، وأصبح من المتعين إذن إجابة المدعي بصفته ناظراً على وقف والده غبريال صالح سيدهم إلى طلبه عدا النفاذ الذي لا ترى المحكمة محلاً للقضاء به".
أما الحكم المطعون فيه فإنه بعد إيراده وقائع الدعوى ذكر ما يأتي:
"وحيث إن المستأنفين (الطاعنين) يستخلصان من الوقائع سالفة الذكر أن الوقف وقع باطلاً بالنسبة للأطيان موضوع النزاع لخروجها عن ملك الواقف قبل الوقف بورقة سنة 1909 وأنه بافتراض صدور الوقف صحيحاً فإن الواقف قد احتفظ لنفسه فيه بالشروط العشرة. فله أن يستبدلها وقد استبدلها فعلاً بقبوله التنازل عنها أمام المحكمين وبقبضه هو وورثته بما فيهم الابن المحتفظ له بالشروط العشرة أيضاً المبلغ الذي قدّرته لجنة التحكيم كما تقدّم".
"وحيث إن دفاع المستأنفين هذا لا يمكن الأخذ به قانوناً لأن اتفاق سنة 1909 (وقد سحب من الدعوى التي كان مرفقاً بها ولم يودع بعد) لا يمكن الاحتجاج به على الوقف، وأنه لم يسجل باتفاق الطرفين. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الاستبدال الذي يمكن أن يقال إن الواقف كان يقصده عندما قبل التنازل عن الأطيان أمام المحكمين وعندما قبض هو وورثته مقابله لا يمكن أن يتم إلا بصدور إشهاد شرعي به وفقاً لنص المادة 137 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية".
"وحيث إنه لذلك وللأسباب الواردة في الحكم المستأنف والتي تأخذ بها هذه المحكمة يتعين رفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، والمستأنفان وشأنهما في اتخاذ ما يريانه للمحافظة على ما يمكن أن يكون لهما من الحقوق".
هذا هو نص ما ذكره الحكمان مما كان مثار الطعن.
وبما أن الطاعنين في ذهابهما إلى أنه ما كان للمحكمة الأهلية أن تقضي بخلو العين التي وقفها غبريال صالح سيدهم في 20 من يوليه سنة 1919 من شوائب في الملكية وقت صدور حجة الوقف قد اعتمدا في ذلك التوجيه على قولهما بأن شرط امتلاك الواقف لما يقف هو شرط في صميم أصل الوقف. وعلى هذا فالبحث في تحققه هو من اختصاص المحاكم الشرعية.
وبما أن ما ذهب إليه الطاعنان غير مسلم به. والرأي الصحيح أن استقرار ملكية الواقف فيما وقف أمر يسبق بطبيعة الأشياء إجراءات الوقف، فهو إذن لا يتصل بأصله ولا يجوز أن يفرض اتصاله فيمتنع على غير المحاكم الشرعية البحث فيه مع أنه من الأمور التي يجب أن تصفى أمام المحاكم المختصة بنظر أنواع النزاع على الملكية وفروعها قبل أن يأتي دور البحث في صحة أصل الوقف وإلا لأصبح وقف الفضولي أو المشاغب مال غيره تكأة لنقل النزاع على الملكية إلى المحاكم الشرعية التي لا شأن لها به.
وبما أن قضاء الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه قد أصاب في موضوع ما قرّره من أن "ملكية الوقف المشمول بنظارة المدّعي (المطعون ضدّه) للقدر القائم بشأنه النزاع الآن ملكية لا تشوبها أية شائبة" وذلك على أساس ما أوضحه في الأسباب المفصلة التي سبق اقتباسها، وأهمها أن عقد ديسمبر سنة 1909 الذي أبرم بين الواقف وبين محمد علي إسماعيل بك بشأن السبعة عشر فداناً المتنازع عليها لم تنفذ شروطه من مورّث الطاعنين، وأن ذلك قد أدّى إلى نزع ملكية هذه القطعة مع سائر الأرض، وعلى أساس أن حكم مرسى المزاد قد أزال كل أثر للعقد المذكور.
فالشق الأوّل من أوّل سببي الطعن لا سند له إذن من القانون.
وبما أن الشق الثاني من ذلك السبب الخاص بالاستبدال مردود بما استقرّ عليه قضاء هذه المحكمة من أن "ناظر الوقف المشروط له حق الاستبدال لا يملك الاستبدال إلا بصفته ناظراً للوقف وبإذن القاضي الشرعي ووساطته" (حكم النقض الصادر في 14 من نوفمبر سنة 1935 في الطعن رقم 39 سنة 5 قضائية).
وليس من ريب في أنه متى كانت هذه هي القاعدة التي استقرّ عليها القضاء في فهم منحى المادة 137 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة في 12 من مايو سنة 1931 فإنه لا يلتفت لما خرّجه عنها الطاعنان من أنه في حالة عدم إنكار الاستبدال فإن كل نزاع بشأنه تختص بنظره المحاكم الشرعية - لا يلتفت لهذا التخريج إذ هو يفترض مبدئياً أن الواقف وورثته بما فيهم الناظر المطعون ضدّه لا ينكرون حصول الاستبدال بدليل الإقرار الوارد في اتفاق الصلح المحرّر في 3 من ديسمبر سنة 1920 مع أن هذا الافتراض ممتنع بطبيعته لأن الإقرار المسند للواقف في ورقة ذلك الصلح فوق أنه لا قيمة له لصدوره ممن لا يملكه فقد كان الواقف وقت حصوله مجرّد ناظر وقف لا يستبدل أعيان الوقف إلا بإذن القاضي ووساطته على مقتضى القاعدة التي سبقت الإشارة إليها، فإن تأويل الإقرار بأنه بمثابة عدم إنكار للاستبدال تنقضه سيرة الخصومة المفصلة في الحكم الابتدائي وهي ناطقة بأن المطعون ضدّه لا يقرّ إطلاقاً بحصول استبدال ولا بأنه ملزم بعمله، ولهذا فقد قعد ناظر الوقف وقعد والده من قبل عن السير في الإجراءات اللازمة له وفقاً للمادة 137 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.
على أنه من الظاهر الجلي أن الاستبدال بمعناه الشرعي وما يتبعه من إقرار به أو إنكار له لا يقوم إلا بوثيقة طبقاً لأحكام تلك اللائحة. وليس للتعهد بالتنازل عن الأطيان الوارد في عقد 3 من ديسمبر سنة 1920 أي وزن في ذلك. ولهذا قالت محكمة أول درجة "إن الواقف وأولاده من بعده إذ تصالحوا مع الورثة المدّعى عليهم بمقتضى عقد الصلح المؤرّخ في 3 من ديسمبر سنة 1920 بتنازلهم عن سبعة عشر فداناً من الأعيان الموقوفة لم تكن لهم أية صفة ملزمة لجهة الوقف". ثم قالت "إن المدّعى عليها الأولى (الطاعنة الثانية) لا يبقى لها بعد ذلك ولمن عداها من الورثة إلا الحق في الرجوع على من تسلم منهم تلك المبالغ (أي الثمن وغيره المذكور في عقد 3 من ديسمبر سنة 1920) بقيمتها سواء أكان هؤلاء هم الورثة المستحقون في الوقف أم غيرهم". كذلك اختتم الحكم المطعون فيه بالعبارة الآتية "والمستأنفان (الطاعنان) وشأنهما في اتخاذ ما يريانه للمحافظة على ما يمكن أن يكون لهما من حقوق".
وبما أنه متى استبان أن ما يقوله الطاعنان بأن الاستبدال غير منكور لا يطابق الواقع أصبح غير منتج البحث فيما إذا كانت المحكمة الشرعية مختصة أو غير مختصة بنظر النزاع في الاستبدال غير المنكور الذي لا قيام له في الدعوى الحالية. أما الاستبدال المنكور فقد سبق بيان حكمه. على أن الطاعنين إنما يصوّران النزاع بأنه نزاع على الاستبدال وهو في الواقع ليس إلا ادّعاء بحصول استبدال بناء على ما اتفق عليه الواقف في ورقة 3 من ديسمبر سنة 1920 ومثله للمحاكم الأهلية أن تقضي فيه بأنه ليس استبدالاً شرعياً.
وبما أنه يبين من ذلك أن الشق الثاني من أوّل سببي الطعن لا أساس له أيضاً.


(1) راجع حكم محكمة النقض الصادر في 14 نوفمبر سنة 1935 في الطعن رقم 39 سنة 5 القضائية ص 947 من الجزء الأول وهو الذي قرر هذه القاعدة ابتداء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق