الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 3 أبريل 2023

الطعن 413 لسنة 30 ق جلسة 16 / 12 / 1965 مكتب فني 16 ج 3 ق 201 ص 1278

جلسة 16 من ديسمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: إبراهيم الجافي، ومحمد صادق الرشيدي، وعباس حلمي عبد الجواد، وسليم راشد أبو زيد.

---------------

(201)
الطعن رقم 413 لسنة 30 القضائية

(أ) حكم "بيانات الحكم". "بيان اسم كاتب الجلسة". بطلان.
بيان اسم كاتب الجلسة في الحكم أمر غير جوهري. إغفاله لا يترتب عليه البطلان. البطلان يترتب حتماً على عدم توقيع رئيس المحكمة أو عدم ذكر أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم واسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية.
(ب) إثبات "إقرار". "التنازل عن الحق". دعوى.
الإقرار الصريح والقاطع في الدلالة على التنازل عن الأجرة المطالب بها في الدعوى، لا على السير في الدعوى فحسب. مقتضاه سقوط حق المقر نهائياً في المطالبة بتلك الأجرة في أي دعوى أخرى.
(ج) عقد. "عيوب الرضا". "غلط". محكمة الموضوع. نقض "مسائل الواقع".
نفى الحكم عن التنازل عن الأجرة وجود الغلط الجوهري المدعى به بما استخلصه من علم مدعي الغلط بحقيقة ما وقع فيه. توافر هذا العلم وعدم توافره من مسائل الواقع تستقل بها محكمة الموضوع ولا سبيل لمحكمة النقض عليها في ذلك.
(د) هبة "الرجوع في الهبة". التزام "عدم القابلية للانقسام". وارث. "دين المورث".
الرجوع في الهبة في حالة عدم قبول الموهوب له. شرطه أن يستند هذا الرجوع إلى عذر يقبله القاضي. دين الأجرة على المورث دين قابل للانقسام - بعد وفاته - على الورثة كل بقدر حصته الميراثية.

---------------
1 - عددت المادة 349 من قانون المرافعات البيانات التي يجب اشتمال الحكم عليها ومن بينها أسماء القضاة الذين أصدروه واسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية ورتبت المادة البطلان على خلو الحكم من هذين البيانين ولم يتطلب المشرع فيما يتطلبه من بيانات في الحكم أن يذكر فيها اسم كاتب الجلسة الأمر الذي يفيد أن بيان اسم هذا الكاتب ليس أمراً جوهرياً في نظر المشرع. وإذا كانت المادة 350 من قانون المرافعات قد نصت على أن "يوقع رئيس الجلسة وكاتبها على نسخة الحكم الأصلية..." إلا أنها لم ترتبت البطلان على إغفال هذا الإجراء - وإن كان البطلان يترتب حتماً على عدم توقيع رئيس الجلسة على نسخة الحكم الأصلية لأن هذه النسخة - باعتبارها ورقة رسمية - لا تكتمل لها صفة الرسمية إلا بتوقيع القاضي الذي أصدر الحكم بغير حاجة لتوقيع الكاتب عليها، على أساس أن الحكم من عمل القاضي وأن عمل الكاتب لا يعدو نقل ما دونه القاضي - ومن ثم فإن إغفال توقيع كاتب الجلسة على نسخة الحكم الأصلية لا يترتب عليه بطلان ما دام عليها توقيع رئيس الجلسة.
2 - متى كانت عبارات الإقرار صريحة وقاطعة في الدلالة على أن التنازل الذي تضمنه هو تنازل نهائي عن الأجرة المطالب بها في الدعوى وليس مقصوراً على الحق في السير فيها فإن مقتضى هذا التنازل سقوط حق المقر نهائياً في المطالبة بتلك الأجرة بأي طريق وبالتالي فكل دعوى يرفعها بالمطالبة بهذه الأجرة تكون خليقة بالرفض إذ لا يجوز له أن يعود فيما أسقط حقه فيه.
3 - إذا كانت محكمة الموضوع قد نفت عن الإقرار (بالتنازل عن الأجرة) وجود الغلط الجوهري المدعى به بما استخلصته من الوقائع التي أوردتها ولها أصلها في الأوراق من أن الطاعن (المؤجر) كان يعلم وقت صدور الإقرار منه بحقيقة التلف الذي أصاب زراعة المطعون ضدهما (المستأجرين) والذي يدعي الطاعن أنه وقع في غلط في شأنه معتقداً أنه يرجع إلى ظروف غير متوقعة ومستحيلة الدفع، فإنه لا سبيل لمحكمة النقض عليها في ذلك لأن استخلاص توافر هذا العلم أو عدم توافره من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع.
4 - تشترط المادة 500 من القانون المدني للرجوع في الهبة في حالة عدم قبول الموهوب له أن يستند الواهب في الرجوع إلى عذر يقبله القاضي. فإذا كان ما تعلل به الطاعن لتبرير حقه في الرجوع عن تنازله عن الأجرة من وقوعه في غلط قد ثبت فساده كما أن ما يدعيه من أن دين الأجرة غير قابل للانقسام غير صحيح في القانون لأن دين الأجرة وإن كان أصلاً للمورث إلا أنه ما دام بطبيعته قابلاً للانقسام فهو ينقسم بعد وفاته على الورثة كل بقدر حصته الميراثية، إذا كان ذلك، فإن العذر الذي استند إليه الطاعن لتبرير حقه في الرجوع في إقراره بالتنازل يكون منتفياً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تخلص في أن المرحوم السيد عبد الحافظ عمرو مورث الطاعنين تقدم في 17 من سبتمبر سنة 1951 إلى قاضي الأمور الوقتية بمحكمة القاهرة الابتدائية طالباً إصدار أمر بتوقيع الحجز التحفظي على ما يوجد من زراعة بالأرض التي يستأجرها منه المطعون ضدهما وفاءً للأجرة التي استحقت عليهما عن سنة 1951 الزراعية وتحديد جلسة للحكم بإلزام المطعون ضدهما متضامنين بأن يسلماه 793 و1/ 3 قنطار قطن و921 أردب قمح و177.75 ضريبة أرز بالأوصاف والأوزان المبينة بعقد الإيجار وبالطلب وتثبيت الحجز التحفظي وجعله نافذاً - وقال مورث الطاعنين في طلبه إن المطعون ضدهما استأجرا منه أطياناً زراعية مساحتها 695 ف و12 ط لمدة ثلاث سنوات تبدأ من أول نوفمبر سنة 1949 وتنتهي في آخر أكتوبر سنة 1952 ونص في عقد الإيجار المؤرخ 12 من سبتمبر سنة 1949 على أن المساحة التي تزرع قطناً يكون إيجار الفدان منها قنطارين وثلث قنطار والمساحة الباقية يكون إيجار الفدان منها أردبين وثلث قمحاً ونصف ضريبة من الأرز على أن يكون تسليم القطن للمؤجر في 15 من سبتمبر من كل سنة - إلا أن المستأجرين لم يقوما بالوفاء بشيء من أجرة سنة 1950/ 1951 الزراعية مما دعا المؤجر لتقديم طلبه السابق - صدر الأمر في 17 من سبتمبر سنة 1951 بتوقيع الحجز التحفظي ونفذ في 30 من سبتمبر سنة 1951 وقيدت دعوى الموضوع برقم 3945 سنة 1951 كلي القاهرة - ثم أقام مورث الطاعنين دعواه رقم 5074 سنة 1952 كلي القاهرة بطلب آخر تقدم به في 16 من أكتوبر سنة 1952 لقاضي الأمور الوقتية لاستصدار أمر بتوقيع الحجز التحفظي على الزراعة التي بالعين المؤجرة وفاءً لذات الأجرة السابقة والتي كانت مطلوبة عيناً في الدعوى الأولى وطلب الحكم بإلزام المطعون ضدهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 18381 ج و625 م ثمن المحاصيل المستحقة له وفوائد هذا المبلغ وتثبيت الحجز التحفظي وجعله نافذاً وقد صدر الأمر بتوقيع الحجز المطلوب ونفذ في 23 من أكتوبر سنة 1952 وتظلم المطعون عليهما من ذلك الأمر بدعواهما رقم 4752 سنة 1952 كلي القاهرة وقضى في هذا التظلم بتاريخ 31/ 1/ 1953 بتعديل الأمر المتظلم منه وجعله قاصراً على توقيع الحجز وفاءً لمبلغ 5000 ج و700 م واعتباره أمراً تكميلياً للأمر الصادر في 17/ 9/ 1951 والحجز الموقع في 30/ 9/ 1951 وعند نظر الدعوى الأولى رقم 3945 سنة 1951 كلي القاهرة بجلسة 24 من ديسمبر سنة 1952 عدل المؤجر طلباته فيها فاستغنى عن طلب الأجرة عيناً وطلب إلزام المطعون ضدهما بالمبلغ المطالب به في الدعوى الثانية رقم 5074 سنة 1952 كلي القاهرة على أساس أنه قيمة المحاصيل المستحقة له مقابل الأجرة - توفى المؤجر بعد ذلك وحل محله ورثته وهم أولاده ممدوح ورياض وحسن وممتاز وزينب وأنعام وبرلنتي وفتحية وقدم الأستاذ ممدوح عبد الحافظ عمرو توكيلاً عن أخواته زينب وأنعام وبرلنتي كما أن الأستاذ ممتاز عبد الحافظ عمرو مثل في الدعوى بصفته الشخصية وبصفته قيماً على شقيقته فتحية عبد الحافظ عمرو - وبجلسة 18 يناير سنة 1955 قررت المحكمة الابتدائية ضم الدعويين رقمي 3945 سنة 1951 كلي القاهرة و5074 سنة 1952 كلي القاهرة معاً ليصدر فيهما حكم واحد - وكان من بين دفاع المطعون ضدهما أمام محكمة أول درجة أن الأستاذ ممدوح عمرو عن نفسه وبصفته وكيلاً عن أخواته زينب وأنعام وبرلنتي قد تنازل عن جميع حقوقه وحقوق موكلاته المرفوعة بها الدعوى رقم 3945 سنة 1951 كلي القاهرة إذ تنازل عن حقه في المطالبة بإيجار سنة 1951 الزراعية المنتهية في أكتوبر سنة 1951 وذلك بمقتضى إقرار كتابي ثابت التاريخ في 20 سبتمبر سنة 1953 كما أن الأستاذ ممتاز عبد الحافظ عمرو قد تنازل أيضاً عن جميع حقوقه المرفوعة بها تلك الدعوى بمقتضى إقرار كتابي صادر منه ثابت التاريخ في 21 أكتوبر سنة 1953 وطلب المطعون ضدهما إثبات هذا التنازل إلا أن الأستاذ ممتاز عبد الحافظ عمرو نازع في ذلك قائلاً إن الإقرار بالتنازل الصادر منه يعتبر باطلاً لوقوعه في غلط عند إصداره كما اعترضت أيضاً السيدتان أنعام وبرلنتي على نفاذ الإقرار الصادر من وكيلهما الأستاذ ممدوح عمرو في حقهما وذلك تأسيساً على أنه يتضمن تبرعاً لا يجوز للوكيل إجراءه إلا بتوكيل خاص محدد. وفي 11 مايو سنة 1957 حكمت محكمة القاهرة الابتدائية (أولاً) بإثبات تنازل كل من المدعيين الأستاذ ممدوح عبد الحافظ عمرو والسيدات زينب وأنعام وبرلنتي كريمات المرحوم السيد عبد الحافظ عمرو عن الدعوى رقم 3945 سنة 1951 والدعوى رقم 5074 سنة 1952 مدني كلي القاهرة (ثانياً) بإثبات تنازل المدعي الأستاذ ممتاز عبد الحافظ إبراهيم عمرو عن الدعوى رقم 3945 سنة 1951 مدني كلي القاهرة وبرفض دعواه رقم 5074 سنة 1952 مدني كلي القاهرة (ثالثاً) إعادة الدعوى للمرافعة لمناقشة خبير دعوى إثبات الحالة رقم 3594 سنة 1951 مستعجل مصر. وفي 30 مايو سنة 1959 حكمت تلك المحكمة بالنسبة لباقي الورثة المدعين وهم رياض عبد الحافظ عمرو وحسن عبد الحافظ عمر وممتاز عبد الحافظ عمرو بصفته قيماً على شقيقته فتحية (أولاً) بعدم قبول الدعوى رقم 5074 سنة 1952 كلي القاهرة (ثانياً) بندب خبير حسابي من مكتب خبراء القاهرة للاطلاع على أوراق الدعوى وما يقدمه له الطرفان من مستندات وتصفية الحساب بين الطرفين عن أجرة سنة 1951 الزراعية على الأسس الواردة بأسباب الحكم وهي أن المساحة المنزرعة قطناً في تلك السنة هي 237 ف و10 ط وأن أجرة الفدان منها قنطاران وثلث قنطار وأن يحسب سعر القنطار وفقاً لأسعار يوم 15 سبتمبر سنة 1951 وهو اليوم الذي اتفق في عقد الإيجار على تسليم القطن فيه للمؤجر سنوياً. استأنف ممدوح عبد الحافظ عمرو وأنعام عبد الحافظ عمرو وبرلنتي عبد الحافظ عمرو الحكم الصادر في 11 مايو سنة 1957 بالاستئناف رقم 991 سنة 74 ق أمام محكمة استئناف القاهرة كما استأنفه ممتاز عبد الحافظ عمرو بالاستئناف رقم 1097 سنة 74 ق. وقررت محكمة الاستئناف ضم الاستئنافين معاً ليصدر فيهما حكم واحد وقضت في 28/ 6/ 1960 برفض الاستئنافين وتأييد الحكم المستأنف. كما استأنف رياض عبد الحافظ عمرو وحسن عبد الحافظ عمرو وممتاز عبد الحافظ عمرو بصفته قيماً على شقيقته فتحية الحكم الصادر في 30 مايو سنة 1959 بالاستئناف رقم 946 سنة 76 ق أمام محكمة استئناف القاهرة وفي 28 يونيو سنة 1960 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. فطعن السيد/ ممتاز عبد الحافظ عمرو بالطعن الماثل في هذا الحكم بطريق النقض وذلك فيما قضى به من رفض استئنافه رقم 1097 سنة 74 قضائية وتأييد الحكم المستأنف وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض هذا الطعن ولما عرض على دائرة فحص الطعون قررت إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن هذا الطعن بني على خمسة أسباب يتحصل أولها في أن الحكم المطعون فيه قد وقع باطلاً لتأييده حكماً معدوماً هو الحكم الابتدائي الصادر في 11 مايو سنة 1957 بإثبات تنازل الطاعن عن الدعوى رقم 3945 سنة 1951 وبرفض دعواه رقم 5074 سنة 1952 - ذلك أن هذا الحكم الابتدائي لم يوقع على نسخته الأصلية من كاتب الجلسة مما يجعله والعدم سواء. ويقول الطاعن إن عدم تمسكه بهذا السبب أمام محكمة الاستئناف لا يسقط حقه في إبدائه أمام محكمة النقض وذلك لتعلقه بالنظام العام ولأنه لم يعلم بخلو الحكم من توقيع كاتب الجلسة. إلا عندما استخرج صورة رسمية منه لإيداعها ملف الطعن.
وحيث إن المادة 349 من قانون المرافعات قد عددت البيانات التي يجب اشتمال الحكم عليها ومن بينها أسماء القضاة الذين أصدروه واسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية ورتبت المادة البطلان على خلو الحكم من هذين البيانين ولم يتطلب المشرع فيما تطلبه من بيانات في الحكم أن يذكر فيه اسم كاتب الجلسة الأمر الذي يفيد أن بيان اسم هذا الكاتب ليس أمراً جوهرياً في نظر المشرع, وإذا كانت المادة 350 من قانون المرافعات قد نصت على أن "يوقع رئيس الجلسة وكاتبها على نسخة الحكم الأصلية المشتملة على وقائع الدعوى والأسباب والمنطوق" إلا أنها لم ترتب البطلان على إغفال هذا الإجراء كما فعلت المادة التي تسبقها مباشرة ولئن كان البطلان يترتب حتماً على عدم توقيع رئيس الجلسة على نسخة الحكم الأصلية فإن ذلك يرجع إلى أن هذه النسخة باعتبارها ورقة رسمية لا تكتمل لها صفة رسمية إلا بتوقيع القاضي الذي أصدر الحكم - أما بالنسبة لتوقيع كاتب الجلسة على هذه النسخة فالأمر مختلف إذ أن عدم اشتراط المشرع بيان اسمه في الحكم يفيد أنه اعتبر أن بيان اسم القاضي في الحكم وتوقيعه على نسخته الأصلية يكفي لاستكمال هذه الورقة صفة الرسمية بغير حاجة لتوقيع الكاتب عليه وذلك على اعتبار أن الحكم من عمل القاضي وأن عمل الكاتب فيه لا يعدو نقل ما دونه القاضي ولو كان توقيع الكاتب لازماً لاكتمال صفة الرسمية لنسخة الحكم الأصلية لأوجب المشرع بيان اسمه في الحكم كما فعل عندما استلزم توقيع المحضر على ورقة الإعلان لاكتسابها صفة الرسمية فنص في المادة العاشرة من قانون المرافعات على وجوب بيان اسمه وتوقيعه على ورقة الإعلان ومن ثم فإن إغفال توقيع كاتب الجلسة على نسخة الحكم الأصلية لا يترتب عليه بطلان ما دام عليها توقيع رئيس الجلسة، ولما كان هذا النظر هو ما أخذت به الدائرة الجنائية بهذه المحكمة واستقر عليه قضاءها وكان هذا الرأي له وجاهته وسنده في القانون فإنه مهما يكن من معارضة غالبية الفقه له فالأحرى بهذه المحكمة أن تقره وتتبعه استقراراً للأحكام ويتعين لذلك رفض هذا السبب من أسباب الطعن.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون من وجهين يقول في بيان أولهما إن هذا الحكم أيد الحكم الابتدائي الصادر في 11 من مايو سنة 1957 والذي قضى بإثبات تنازله عن الدعوى رقم 3945 سنة 1951 وذلك على الرغم من معارضته في إثبات هذا التنازل وإذ كان القانون لم يجز إثبات ما اتفق عليه الخصوم إلا في حدود ما بينه في المادة 124 من قانون المرافعات التي تشترط لجواز إثبات هذه الاتفاقات أن يقرها طرفا الخصومة بالجلسة ويطلبان إثباتها فإذا اعترض أحدهما عليها امتنع على المحكمة إثباتها فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في القانون بقضائه بتأييد الحكم الابتدائي الذي أثبت تنازل الطاعن عن الدعوى رقم 3940 سنة 1951 على الرغم من اعتراضه أمام المحكمة الابتدائية على إثبات هذا التنازل ويقول الطاعن بياناً للوجه الثاني إن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون أيضاً بتأييده ذلك الحكم الابتدائي فيما قضى به من رفض دعوى الطاعن رقم 5074 سنة 1952 ذلك أن المطعون ضدهما الخصوم في هذه الدعوى لم يطلبا من المحكمة رفضها وإنما اقتصرا على طلب إثبات تنازل الطاعن عنها وبذلك تكون محكمة الموضوع قد حورت طلبات الخصوم في الدعوى وهو ما لا تملكه وقضت برفضها على خلاف ما طلب الخصوم فيها.
ويتحصل السبب الثالث في أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون بتأويله الإقرار الكتابي الصادر من الطاعن بما يخالف الثابت فيه. ذلك أن التنازل الوارد بهذا الإقرار إنما ينصب على الحق في رفع الدعوى ولا يتناول الحق الموضوعي المطلوب الحكم به في هذه الدعوى وهو الحق في طلب الأجرة المتأخرة ولقد خلط الحكم المطعون فيه بين الحقين واعتبر التنازل شاملاً للحق في طلب الأجرة وعلى هذا الأساس قضى برفض دعوى الطاعن رقم 5074 سنة 1952 وإذ كان التنازل عن الدعوى لا يستفاد منه التنازل عن الحق المطالب به فيها وكان التنازل عن هذا الحق لا يفترض فإن الحكم المطعون فيه إذ استنتج من إقرار الطاعن أنه يتناول التنازل عن الحق في المطالبة بالأجرة يكون مخالفاً للقانون إذ لو كان الطاعن يقصد التنازل عن ذلك الحق لكان قد تنازل أيضاً عن دعواه الثانية رقم 5074 سنة 1952 ولم يقصر تنازله على دعواه الأولى رقم 3945 لسنة 1951 التي تنازل عنها ولو فرض وكان هناك شك في عبارات التنازل فإن هذا الشك يجب أن يفسر في مصلحة الطاعن وأن يعتبر تنازله مقصوراً على الدعوى دون الحق المطالب به فيها.
وحيث إن النعي بهذين السببين غير صحيح ذلك أنه يبين من الاطلاع على الإقرار الكتابي المؤرخ في 28 من سبتمبر سنة 1953 الموقع عليه من الطاعن أن نصه هو ما يأتي "أنا ممتاز عبد الحافظ عمرو أقرر بتنازلي تنازلاًً نهائياً وبدون قيد ولا شرط عن جميع حقوقي في القضية المرفوعة من مورثي المرحوم السيد عبد الحافظ عمرو أمام محكمة مصر الابتدائية ضد الأستاذ عبد المنعم محمد أبو زيد المحامي والأستاذ أحمد محمد أبو زيد وهي القضية رقم 3945 سنة 1958 كلي مصر وموضوعها المطالبة بإيجار سنة 1951 الزراعية وهي السنة التي تنتهي في 31 من أكتوبر سنة 1951 وذلك نظراً للكارثة التي لحقت بمحصول القطن في ذلك العام والتي أودت بكل المحصول تقريباً بسبب ظروف طرأت على الزراعة لم يكن أحد يتوقعها ولا قبل للمستأجرين على دفعها كما هو ظاهر من تقرير مكتب خبراء وزارة العدل في القضية المذكورة - وقد لمست ذلك بنفسي حيث إن زراعتي تقع بجوار الأطيان محل النزاع وقد هلك محصولها كذلك بسبب هذه الظروف الجوية الشاذة وبناءً على هذا التنازل ليس لي أن أطالب الأستاذ عبد المنعم أبو زيد أو الأستاذ أحمد أبو زيد بشيء بالمرة وتصبح الحجوز التحفظية المتوقعة ضدهما كأن لم تكن وليس لها أي مبرر - ويعتبر هذا الإقرار نهائياً ولا يحق لي الرجوع فيه أو تعديله بأي حال من الأحوال مهما كانت الظروف وأتعهد بالحضور لتقرير كل ما هو مدون في هذا الإقرار أمام المحكمة في أي وقت أطلب فيه وللمحكمة أن تحكم فوراً بصحة هذا الإقرار عند تخلفي عن الحضور حتى لا تتعطل مصلحة الأستاذين عبد المنعم أبو زيد وأحمد أبو زيد من التأخير في الفصل في هذه القضية. وقد تحرر هذا الإقرار للعمل بموجبه عند اللزوم" ولما كانت عبارات هذا الإقرار صريحة وقاطعة في الدلالة على أن التنازل الذي تضمنه هو تنازل نهائي عن الحق في المطالبة بأجرة سنة 1951 الزراعية بتمامها وهو الحق المطالب به في الدعويين رقمي 3945 سنة 1951 و5074 سنة 1952 كلي القاهرة وليس مقصوراً على الحق في السير في هاتين الدعويين أو عن الأولى منهما كما يزعم الطاعن - لما كان ذلك، وكان مقتضى هذا التنازل هو سقوط حق الطاعن نهائياً في المطالبة بتلك الأجرة بأي طريق وبالتالي فكل دعوى يرفعها بالمطالبة بهذه الأجرة تكون خليقة بالرفض - إذ لا يجوز له أن يعود فيما أسقط حقه فيه فإن إعمال هذا الإقرار على الوجه الصحيح كان يقتضي من محكمة الدرجة الأولى أن ترفض الدعويين المشار إليهما ما دام المطعون ضدهما قد قدما إليها هذا الإقرار وطلبا منها إعماله ومن ثم يكون قضاؤها برفض الدعوى الثانية رقم 5074 سنة 1952 صحيحاً وإذ أيد الحكم المطعون فيه هذا القضاء فإنه لا يكون مخالفاً للقانون أما عن قضاء المحكمة الابتدائية في الدعوى الأولى رقم 3945 سنة 1951 بإثبات تنازل الطاعن عنها فإنه لما كان إعمال الإقرار على الوجه الصحيح كان يقتضي من المحكمة على ما سلف بيانه لا تقتصر على إثبات التنازل عن هذه الدعوى بل ترفضها فإن قضاءها بإثبات التنازل عنها يكون في مصلحة الطاعن وبالتالي فنعيه على هذا القضاء بمخالفة المادة 124 مرافعات يكون غير منتج لانتفاء مصلحته فيه ومن ثم يكون النعي بالسببين السابقين على غير أساس.
وحيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ رفض ما طلبه الطاعن من إبطال تنازله آنف الذكر لما شابه من غلط جوهري - ذلك أن الطاعن قد بين الغلط الذي وقع فيه بقوله إن الدافع له على التنازل هو ما اعتقده من أن زراعة المطعون ضدهما قد أصيبت بكارثة أودت بكل المحصول وأن هذه الكارثة ترجع إلى ظروف غير متوقعة ومستحيلة الدفع ولكن اتضح فيما بعد أن هذا الدافع يخالف الحقيقة والواقع إذ أن محكمة الموضوع نفسها بدرجتيها قضت لباقي الورثة الذين لم يصدر منهم تنازل بحقهم في أجرة سنة 1951 وبنت قضاءها بذلك على أن التلف الذي زعمه المطعون ضدهما ليس حقيقياً وأن التلف الذي حصل فعلاً لا يتجاوز نصف قنطار في الفدان الواحد وأن ادعاء هذين المطعون ضدهما بإصابة زراعتهما بمرض فسيولوجي غير صحيح أيضاً وبذلك يكون قد ثبت أن الدافع للطاعن على التنازل مخالف للواقع وبالتالي يكون قد وقع في غلط يبطل تنازله لأنه غلط جوهري وقد كان المطعون ضدهما على علم بهذا الغلط لأنهما كانا يعلمان الحقيقة أو على الأقل كان من السهل عليهما أن يتبيناه - كما استند الطاعن في طلب إبطال إقراره بالتنازل للغلط على واقعة أخرى كان يجهلها وقت هذا الإقرار ولو أنه عرفها لما أقر بهذا التنازل وهذه الواقعة هي أن مصلحة الضرائب لم توافق على إقرار مورثه عن إيراداته عن سنة 1951 وهي سنة النزاع وأجرت في هذا الإقرار تصحيحات ترتب عليها مطالبتها للورثة ومن بينهم الطاعن بمبالغ كبيرة عن تلك السنة ولم يعلم الطاعن بهذا التصحيح إلا عندما أخطرته مصلحة الضرائب في سنة 1955 ويقول الطاعن إنه على الرغم من تدليله على الغلط بكل ما سلف فإن الحكم المطعون فيه اكتفى في تسبيب قضائه برفض إبطال الإقرار لهذا السبب بنفي الصفة الجوهرية عن الغلط المدعى به ولم يناقش الحجج التي ساقها الطاعن لتأييد دفاعه في هذا الشأن مما يجعل ذلك الحكم مخالفاً للقانون ومشوباً بالقصور.
وحيث إنه ورد بأسباب الحكم الابتدائي الصادر في 11 مايو سنة 1957 والتي أخذ بها الحكم المطعون فيه في صدد ما يثيره الطاعن بهذا السبب ما يلي: "ولا يجوز له (للطاعن) التحلل من هذا الإقرار بل يجب أخذه بآثاره لأن من سعى في نقض ما تم على يديه فسعيه مردود عليه ولا يدحض هذا النظر ما يدعيه المدعي المذكور (الطاعن) من وقوعه في غلط لاعتقاده أن زراعة القطن قد أصيبت بحوادث استثنائية أودت بمحصوله بينما الأمر على خلاف ذلك لما هو ثابت من مرافعة خصوم الدعوى ومن ذات الإقرار المشار إليه من أن له زراعة تقع بجوار الأطيان المطالب بإيجارها موضوع التداعي وأن زراعته قد أصيبت نتيجة حوادث استثنائية بإقراره ومن أجل هذا يكون هذا الدفاع غير سديد" وأضاف الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص قوله "إنه يشترط لإبطال العقد أن يكون هناك غلط جوهري وأن يقع فيه المتعاقد الآخر أو يكون على علم به أو من السهل عليه أن يتبينه كما تقضي بذلك المادة 120 من القانون المدني ولم يقم في الأمر أي غلط إذ أن إصابة محصول القطن كانت معلومة للطرفين ورفعت بشأنها الدعوى رقم 3594 سنة 1951 مستعجل مصر ونوقش الخبير بجلسة 8/ 6/ 1957 فأوضح أسباب تلك الإصابة يضاف إلى ذلك أن المستأنف (الطاعن) ذكر في إقراره (المؤرخ 28/ 9/ 1953) أنه يعلم بالإصابة من تقرير الخبير وقد لمسها بنفسه في زراعته المجاورة للأطيان محل النزاع" ولما كانت محكمة الموضوع قد نفت عن الإقرار وجود الغلط المدعى به بما استخلصته من الوقائع التي أوردتها والتي لها أصلها في الأوراق من أن الطاعن كان يعلم وقت صدور هذا الإقرار منه بحقيقة التلف الذي أصاب زراعة المطعون ضدهما فإنه لا سبيل لمحكمة النقض عليها في ذلك لأن استخلاص توفر العلم بحقيقة التلف أو عدم توفره هو من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع ولا يقدح في انتفاء الغلط المدعى به القضاء لباقي الورثة الذين لم يصدر منهم تنازل بحقهم في أجرة سنة 1951 محل النزاع ذلك لأنه من جهة فإن هذا القضاء لا ينفي ما قرره الحكم من علم الطاعن وقت الإقرار بحقيقة التلف الذي أصاب زراعة المطعون ضدهما وبخاصة وقد ذكر في إقراره أنه لمس هذه الحقيقة بنفسه إذ أن زراعته تقع بجوار الأطيان المؤجرة لهذين المطعون ضدهما وقد هلك محصولها كذلك - ومن جهة أخرى فإن هذا القضاء لم يبن على عدم وقوع تلف بزراعة المطعون ضدهما بل إن المحكمة قد سلمت في أسباب حكمها السابق في 30/ 5/ 1959 بوقوع هذا التلف وإنما قالت إن تلف الزراعة المؤجرة كان مرده أو على الأقل كان أهم أسبابه إصابتها بالآفات الزراعية وهو حادث عادي ومتوقع الحصول وليس حادثاً استثنائياً ورتبت على ذلك عدم انطباق الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدني الخاصة بنظرية الظروف الطارئة التي استند إليها المطعون ضدهما في طلب تخفيض الأجرة كما رفضت طلبهما تخفيض الأجرة بالاستناد إلى المادة 616 من ذلك القانون تأسيساً على ما تقدم وعلى أنه اتفق في البند السابع من عقد الإيجار على إعفاء المؤجر من مسئولية هلاك الزرع كما بررت المحكمة أيضاً قضاءها برفض تخفيض الأجرة بأن المطعون ضدهما وإن كان قد أصابتهما خسارة في سنة النزاع وهي سنة 1951 الزراعية فقد عوضا هذه الخسارة بما ربحاه في سنتي الإيجار الأخريين وهما سنتا 1950 و1952 وقالت إن الربح الذي حققاه في هاتين السنتين من شأنه أن يقيم التوازن الاقتصادي الذي قد يكون قد تزعزع بسبب ما أصاب القطن في سنة النزاع أو على الأقل يرد الإرهاق الذي أصاب المطعون ضدهما إلى الحد المعقول وهو نطاق الخسارة المحتملة المألوفة" أما ما يثيره الطاعن خاصاً بإجراء مصلحة الضرائب تصحيحات في الإقرار الذي قدمه المورث عن إيراداته في سنة 1951 فإنه غير منتج في إثبات الغلط المدعى به هذا إلى أنه لا يعتد بالغلط في تقدير النتائج المترتبة على الإقرار ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن حاصل السبب الخامس أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون برفضه طلب الطاعن الترخيص له في أن يرجع في إقراره. ذلك أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن هذا الإقرار كان بغير مقابل فيعتبر لذلك هبة ويكون له حق الرجوع فيه طبقاً للمادة 500 من القانون المدني لكن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفاع واكتفى في الرد عليه بقوله إنه لا يوجد ما يبرر إجابة هذا الطلب مع أن المبرر قائم وهو وقوع الطاعن في غلط وأحقيته في أن يطلب الحكم له بما حكم به لباقي الورثة الذين لم يتنازلوا إذ أنهم جميعاً دائنون بدين غير قابل للانقسام مما يترتب عليه أن ما يحكم به لبعضهم يستفيد منه الآخرون.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه رد على دفاع الطاعن المتضمن طلب الرجوع في إقراره بقوله "وبما أن هذا السبب مردود بأنه طبقاً لنص المادة 500 من القانون المدني لابد للترخيص في الرجوع في الهبة من وجود عذر مقبول وهذا العذر غير متوفر في الدعوى" ولما كانت المادة 500 من القانون المدني تشترط للرجوع في الهبة في حالة عدم قبول الموهوب له أن يستند الواهب في الرجوع إلى عذر يقبله القاضي وكان ما تعلل به الطاعن لتبرير حقه في الرجوع في إقراره من وقوعه في غلط قد ثبت فساده على ما تقدم ذكره عند الرد على السبب السابق كما أن ما يدعيه من أن دين الأجرة غير قابل للانقسام وما يرتبه على ذلك غير صحيح في القانون لأن دين الأجرة وإن كان أصلاً للمورث إلا أنه ما دام بطبيعته قابلاً للانقسام فإنه ينقسم بعد وفاته على الورثة كل بقدر حصته الميراثية. لما كان ذلك، فإن العذر الذي استند إليه الطاعن لتبرير حقه في الرجوع في الإقرار يكون منتفياً وإذ رد الحكم على دفاعه في هذا الخصوص بعدم توفر العذر المبرر للرجوع في الهبة وذلك بعد أن نفى عن الإقرار الغلط المدعى به فإن هذا الحكم لا يكون مخالفاً للقانون أو قاصراً في التسبيب.
وحيث إنه لما تقدم جميعه يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق