جلسة أول مارس سنة 1978
برئاسة السيد المستشار: محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور إبراهيم صالح، صلاح نصار، محمود رمضان وإبراهيم فراج.
---------------
(129)
الطعن رقم 30 لسنة 46 ق أحوال شخصية
(1 - 4) أحوال شخصية "الزواج" "النسب":
(1) النفاس. المقصود به. مدته. وجوب تصديق المرأة بقولها بالطهر منه. حمل المرأة في مدة النفاس. جائز.
(2) الطلاق الرجعي. أثره. للزوج مراجعة زوجته خلال فترة العدة بالقول أو بالفعل، عدم تعلق ذلك على إرادة الزوجية أو علمها.
(3) عدم سماع دعوى النسب لولد المعتدة عند الإنكار. شرطه. أن تأتي به لأكثر من سنة شمسية من وقت الطلاق.
(4) انتهاء الحكم إلى ثبوت نسب الصغيرة بالبينة الشرعية. عدم التزام المحكمة بإجابة طلب الأب بتحليل دمه ودم الصغيرة للمقارنة بينهما.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الوقائع - حسبما بين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1047 لسنة 1972 أحوال شخصية أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليها بطلب الحكم بنفي نسب البنت "نرمين" إليه وعدم تعرضها له بها، وقال شرحاً لها بأنه تزوج المطعون عليها في 19/ 9/ 1965 وعاشرها معاشرة الأزواج ثم طلقها طلقة رجعية في 7/ 12/ 1970 بعد أن رزق منها بصغير ولد ميتاً في 17/ 11/ 1970، وإذ لم يقربها منذ الوضع ولا بعد الطلاق وأتت كيداً له بلقيطة أسمتها "نرمين" وقيدتها منسوبة إليه في 12/ 8/ 1971 فقد أقام دعواه، وبتاريخ 15/ 4/ 1974 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن أنه طلق المطعون عليها وهي غير ذات حمل وأن الصغيرة التي نسبتها إليه لقيطة، وبعد سماع شهود الطرفين عادت وحكمت المحكمة بتاريخ 18/ 3/ 1975 برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 242 س 92 ق أحوال شخصية القاهرة، وبتاريخ 6/ 6/ 1976 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها رفض الطعن. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الثاني منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أقام قضاؤه على سند من القول بأن أقصى مدة للحمل هي سنة من وقت الطلاق والثابت أن المطعون عليها وضعت الصغيرة لأقل من هذه المدة فتصح نسبتها إليه، في حين أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن الطلاق تم في 7/ 12/ 1970 في فترة نفاس المطعون عليها لسبق ولادتها في 17/ 11/ 1970، وأنه لا يمكن حصول حمل في هذه الفترة، وقدم دليلاً على ذلك تقريرين من طبيبين متخصصين تضمناً عدم إمكان الحمل حتى مع حصول الجماع خلال الأسابيع الستة التي تعقب الوضع، وهو دليل علمي تؤيده قواعد الشريعة الإسلامية من منع مباشرة النساء حتى يطهرن، وإذ أغفل الحكم دلالة هذين التقريرين ولم يرد على هذا الدفاع فإنه يكون علاوة على مخالفة القانون قد شابه القصور في التسبيب.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن النفاس في عرف الشرع الإسلامي يطلق على الدم الخارج من الرحم عقب الولادة وهو شهادة على حصولها، وليس هناك من حد لأقله، وإن كان أقصى مدة له أربعون يوماً، فإذا طلقت المرأة بعد الولادة وأقرت بأنها نفست ثم طهرت فإنها تصدق بقولها وتصير صالحة للمعاشرة الزوجية ولما كان المقرر في فقه الحنفية أن الطلاق الرجعي لا يغير شيئاً من أحكام الزوجية، فهو لا يزيل الملك ولا يرفع الحل وليس له من أثر إلا نقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته، ولا تزول حقوق الزوج إلا بانقضاء العدة، وكان المطلق - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يملك مراجعة زوجته بالقول أو بالفعل ما دامت في العدة، ولا يشترط لصحة الرجعة رضا الزوجة ولا علمها. لما كان ذلك وكان النص في المادة الخامسة عشرة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية على أنه "لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد الزوجة..، ولا لولد المطلقة.. إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق.. "يدل على أن المشرع الوضعي منع سماع دعوى النسب لأي معتدة من طلاق إن جاءت بولد لأكثر من سنة شمسية من وقت الطلاق، أخذاً بأن الطب الشرعي وعلى ما أوردته المذكرة الإيضاحية - يعتبر أقصى مدة للحمل 365 يوماً حتى تشمل جميع الأحوال النادرة. لما كان ما تقدم وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على أن المطعون عليها أقرت بما يفيد أنها طهرت من الوضع وأنها أصبحت حرثاً لزوجها وصالحة لمعاشرته بعده، وأنها إذ طلقت طلقة رجعية في 7/ 12/ 1970 دون أن تقر بانقضاء عدتها منه، وكانت ولادتها الصغيرة ثابتة الوقوع في 12/ 8/ 1971 أي لأقل من سنة من وقت الطلاق الرجعي، ورتب على ذلك أن نسبة الصغيرة للطاعن تكون ثابتة، فإن هذا الذي خلص إليه الحكم لا ينطوي على مخالفة للقانون لاحتمال أن بدء الحمل كان قبل الطلاق والمطعون عليها على عصمته، أو إنه كان بعده وهي في عدته. لما كان ما سلف وكان الحكم قد رد على التقارير الطبية المشار إليها بسبب النعي بأن القول بعدم إمكان حمل المرأة في مدة النفاس لم يذهب إليه أحد من علماء الشريعة وفقهائها، وكان هذا القول صحيحاً على ما سلف بيانه فإن النعي عليه بالقصور يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الأول والرابع على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بنى قضاؤه على سند من اطمئنانه لأقوال شاهدي المطعون عليها من أنها كانت حاملاً وقت طلاقها في حين أن شاهديه قطعا بأنه لم يتم طلاق بينه وبين مطلقته منذ وضعها حملها الذي انفصل ميتاً وحتى طلاقها، وتأيدت أقوالهما بالشهادة المثبتة بأنه كان نزيل أحد الفنادق بالمنصورة مع زوجته الجديدة، وهذه الشهادة ترقى إلى مرتبة الأوراق الرسمية تبعاً لإشراف وزارة السياحة على الفنادق. هذا بالإضافة إلى أن أحد شاهدي المطعون عليها قرر أن علامات الحمل كانت بادية عليها بعد أقل من شهر من طلاقها مع أن هذه الفترة لا تكفي عقلاً لظهور هذه العلامات، الأمر الذي يعيب الحكم بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي غير سديد، ذلك إنه لما كان المقرر أن لقاضي الدعوى سلطة الترجيح بين البينات واستظهار واقع الحال ووجه الحق منها، وكان الحكم المطعون فيه رجح بينه النفي على بينة الإثبات وأقام عليها قضاءه، ودلل على ذلك بأسباب سائغة من شأنها أن تؤدي في العقل والمنطق إلى ما انتهت إليه، وكان نزول الطاعن بأحد الفنادق أو زواجه أخرى ليست بمانع له من العودة لمعاشرة المطعون عليها، فإن ما يسوقه الطاعن بسبب النعي لا يعدو أن يكون مجادلة موضوعية في تقدير الدليل مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض ويكون النعي غير وارد.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثالث أن الحكم المطعون فيه لم يجبه إلى طلب تحليل دماء الطفلة المنسوبة إليه ومقارنته بدمائه وهو دليل لم يعين بالرد عليه مما يشكل إخلالاً بحقه في الدفاع.
وحيث إن النعي في غير محله ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة طلب الخصم بندب خبير في الدعوى متى وجدت فيها ما يكفي لتكوين عقيدتها لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى ثبوت نسب الصغيرة من الطاعن على ما استخلصه من البينة الشرعية وما حصله من أوراق الدعوى وكان لهذا التحصيل مأخذه، وكانت أسبابه كافية لحمل قضائه، فلا تثريب على المحكمة إذ هي التفتت عن إجابة طلب تحليل دمه ودم الصغيرة للمقارنة بينهما إذ الأمر في الاستجابة له متروك لتقديرها ويكون النعي على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق