جلسة 24 من ديسمبر سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ الدكتور محمد حافظ هريدي، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.
------------------
(211)
الطعن رقم 218 لسنة 36 القضائية
نزع الملكية للمنفعة العامة. "صفة المال العام".
عدم اقتصار صفة المال العام على الأموال التي تخصص بالفعل للمنفعة العامة. شمولها أيضاً الأموال التي تخصص لهذه المنفعة بقانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن السيدة/ لينيا سيفورزا أقامت الدعوى 350/ 61 كلي الجيزة طلبت فيها الحكم ضد مدير مصلحة الأموال المقررة وآخرين، بتثبيت ملكيتها إلى 690.60 متراً شائعة في ألف متر مربع مقام عليها كازينو بناحية الجيزة وتقع بحوض السكن رقم 19 جزائر، وتحد من الجهة الغربية بشارع البحر الأعظم ومن باقي الجهات بأراضي مصلحة الأملاك، كما طلبت تسليمها وكف المنازعة لها فيها، وأسست دعواها على أن ملكية هذه الأرض آلت إليها بموجب حكم مرسى المزاد الصادر في 25/ 12/ 1951 في دعوى البيوع رقم 7 سنة 1950 الجيزة المشهر في 4/ 5/ 1954 برقم 4117، ولما نقلت التكاليف إلى اسمها قامت الحكومة بفرز نصيبها الشائع بمحضر مؤرخ 31/ 1/ 1954، إلا أنه إزاء تعرض مصلحة الأملاك لها فيها، فقد أقامت دعوى منع التعرض رقم 873/ 57 بندر الجيزة التي قضى برفضها لعدم تحقق شروط الحيازة الأمر الذي اضطرها إلى إقامة الدعوى الماثلة. دفعت الحكومة الدعوى بعدم جواز نظرها لأن أرض النزاع من أراضي الجزائر "طرح نهر" المملوكة لها، فضلاً عن أنها أصبحت من الأملاك العامة ينزع ملكيتها للمنفعة العامة بالقرارين الوزاريين 47/ 1951، 1476 سنة 1960 ويمتنع على المحاكم التعرض لهما أو الفصل في ملكية هذه الأرض بعد تخصيصها للمنفعة العامة، وندبت المحكمة في 25/ 12/ 1963 خبيراً للانتقال إلى أرض النزاع وبيان حدودها ومعالمها وتطبيق مستندات الطرفين عليها، ولبيان إن كانت أرض جزائر طرح نهر ملك الحكومة ونزعت ملكيتها للمنفعة العامة، وبيان المالك لها وتحقيق وضع اليد منذ 25/ 12/ 1951 تاريخ حكم مرسى المزاد، وقد انتهى الخبير في تقريره إلى أن أرض النزاع كانت في تكليف البائع للمدعية وتنطبق عليها مستندات ملكيتها وأنها نقلت التكليف إلى اسمها ووضعت اليد على العين في المدة من 26/ 5/ 1953 حتى 31/ 1/ 1954، وأنه وإن كان جزء من هذه الأرض يدخل ضمن قرار نزع الملكية رقم 1476 سنة 1960 الصادر بتعديل ميدان الجيزة، إلا أن مستندات الحكومة لم تكن كافية لتوضيح مساحة هذا القدر المنزوع ملكيته. وبتاريخ 3/ 3/ 1965 حكمت المحكمة برفض الدفعين بعدم السماع وعدم جواز نظر الدعوى وقضت للمدعية بطلباتها. استأنفت الحكومة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبة إلغاءه وقيد هذا الاستئناف برقم 878 سنة 82 قضائية، وبتاريخ 20/ 2/ 1966 حكمت تلك المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير، وقدمت النيابة العامة مذكرة وأبدت فيها الرأي بنقض الحكم وبالجلسة المحددة لنظر الدعوى أصرت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون وخطأه في تطبيقه وتأويله، وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض دفاع الحكومة المؤسس على أن أرض النزاع تدخل ضمن المال العام بصدور القرار بنزع ملكيتها وتخصيصها للمنفعة العامة على ما قرره من أنه يشترط لاعتبار أرض النزاع من الأموال العامة أن تكون قد خصصت لمنفعة عامة بالفعل في حين أن المادة 87 من القانون المدني والمادة الثانية من القانون 577 سنة 1954 أضافت إلى ذلك أيضاً أن يكون التخصيص بقرار من الوزير المختص، كما هي الحال في واقعة الطعن الماثلة، وبذلك يكون ما قرره الحكم من وجوب تخصيص أموال الدولة للمنفعة العامة، حتى تصبح أموالاً عامة مخالفاً للقانون، ويضيف الطاعنون أنهم وقد تمسكوا أمام محكمة الموضوع بدفاعهم على أن أرض النزاع هي من أراضي الجزائر التي تكونت من طرح النهر، وأنها بهذا الوصف تكون مملوكة للحكومة من قبل تخصيصها للمنفعة العامة، وقدموا الخرائط المساحية الدالة على ذلك، كما استندوا إلى القول بأن المطعون عليها أقرت بالتحديد الذي اتخذته في صحيفة دعواها لأرض النزاع ووصفها لها بأنها تدخل حوض السكن رقم 19 جزائر، ولكن الخبير الذي ندبته محكمة الدرجة الأولى لتحقيق هذا الدفاع وتطبيق مستندات الطرفين لم يشر بحرف واحد إلى ما انتهى إليه في هذا الشأن، واكتفى بتطبيق مستندات المطعون عليها دون الإشارة إلى النتيجة التي أسفر عنها عمله في هذا الخصوص، ومع ذلك أخذت المحكمة بتقريره وأيدها الحكم المطعون فيه اكتفاء بما قرره من أن الطاعنين لم يقدموا الدليل القاطع على أن أرض النزاع طرح نهر وبالرغم من أن الخبير المذكور قد أوضح أن جزءاً من هذه الأرض يدخل فيما نزع ملكيته للمنافع العامة وقد تجاهل ذلك الحكم المطعون فيه واستند في تبرير قضائه إلى ما قرره من أن الخبير لم يتمكن من معرفة مساحة الجزء الذي خصص للنفع العام من أرض النزاع وهو من الحكم قصور في التسبيب، إذ كان يتعين على المحكمة أن تقول كلمتها في هذه المستندات والمفاضلة بينها وبين مستندات المطعون عليها وأن تبين الأساس القانوني الذي استندت إليه في القضاء للمطعون عليها بملكية الجزء الذي انتهت المحكمة إلى أنه يدخل ضمن المنافع العامة.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن المطعون عليها حددت أرض النزاع بصحيفة دعواها بأنها أرض جزائر ومحدودة من كل الجهات بأملاك الحكومة، وبينت أن مصدر ملكيتها هو حكم مرسى المزاد الصادر ضد مدينها، ودفعت الحكومة الدعوى بعدم سماعها وعدم جواز نظرها تأسيساً على أن الأرض وقد نزعت ملكيتها للمنفعة العامة، فإنها تخرج عن دائرة التعامل ويمتنع على المحاكم التعرض للمنازعات التي تنشأ عن ذلك وأن تخصيصها للمنفعة العامة يمنع من نظر الدعوى بشأنها، وأن ما تستند إليه المدعية من أحكام لا يحتج بها عليها، إذ لم تختصم فيها وتمت إجراءاتها بطريق التواطؤ بين القائمين بها، وقدمت الحكومة للتدليل على الملكية خرائط مساحية وقرار نزع الملكية وكشوفاً رسمية تفيد عدم الاستدلال عن وجود اسم الياس كبائع لأرض النزاع إلى مدين المدعية المنزوعة ملكيته، كما قدمت عقود إيجار أرض النزاع بوصفها أرض جزائر طرح نهر مملوكة لها، وفي سبيل تحقيق هذا الدفاع ندبت المحكمة في 25/ 12/ 1963 خبيراً كلفته بيان ما إذا كانت هذه الأرض من أرض الجزائر طرح نهر وما إذا كانت قد نزعت ملكيتها للمنفعة العامة وكلفته تطبيق مستندات الطرفين على الطبيعة لمعرفة المالك لهذه الأرض وأمام الخبير المنتدب تمسكت الحكومة بأن الأرض أرض جزائر طرح نهر، ودللت على ذلك بأنها محوطة بأطيان الحكومة والشارع، وبأن المدعية لم تقدم ما يدل على أن الياس خير البائع لمدينها كان قد اشترى تلك الأطيان من الحكومة قبل بيعه لها لمدينها وصدور حكم نزع الملكية ومرسى المزاد الذي اتخذت إجراءاته تواطؤ لاغتصاب ملكها دون اختصام الحكومة التي ظلت تضع يدها على هذه الأرض، وكان ذلك سبباً في رفض دعوى المدعية يمنع تعرض الحكومة لها فيها وقد أثبت الخبير في تقريره أن الحكومة قدمت خريطة مساحية مبيناً عليها أن أرض النزاع نزعت ملكيتها لتعديل ميدان الجيزة بالقرار الوزاري 1476 سنة 1960 والمنشور في 28/ 7/ 1960 بعدد الوقائع رقم 58 وصورة معتمدة من هذا القرار مع تقرير المنفعة العامة طبقاً لرسم مرافق، كما أثبت الخبير أن تلك الخريطة المساحية تدل على أن أرض النزاع تنطبق حتى كازينو النيل من الناحية الغربية، وأخذ من ذلك أن ما نزع للمنفعة العامة لتعديل ميدان الجيزة جزء من أرض النزاع، ولكن الخبير انتهى من ذلك إلى تقرير أن مستندات الحكومة جاءت قاصرة عن توضيح مساحة هذا الجزء وأن مستندات المدعية هي التي تنطبق على أرض النزاع، وقد اعتمدت محكمة الدرجة الأولى على هذا التقرير في رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لتخصيص أرض النزاع للمنفعة العامة مقررة أن هذه الأرض تدخل ضمن مستندات المدعية وأن الجزء المنزوع ملكيته من هذه الأرض لم يتمكن الخبير من بيان مساحته لأن الحكومة لم تقدم المستندات الدالة على ذلك فتكون قد عجزت عن إثباته، ولما استأنفت الحكومة هذا الحكم تمسكت بصحيفة الاستئناف بدفاعها السابق ورددته بمذكراتها المقدمة لجلسة 20/ 2/ 1966 مؤكدة أن أرض النزاع جزء مما خصص للنفع العام وأن تقرير الخبير جاء مخالفاً للأصول العلمية التي كانت تحتم عليه تطبيق ما ورد بقرار التخصيص للمنفعة العامة على الموقع بالطبيعة للوصول إلى حقيقة الأرض التي نزعت ملكيتها وهو الأمر الذي أهمل الخبير فحصه. لما كان ذلك وكانت الفقرة الأولى من المادة 87 من القانون المدني لم تحصر الأموال العامة في تلك التي تخصص بالفعل للمنفعة العامة، بل أضافت إلى ذلك الأموال التي يصدر بتخصيصها قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص وكانت الحكومة قد تمسكت في دفاعها أمام محكمة الموضوع بصدور القرار الوزاري بنزع ملكية العين كلها للمنفعة العامة، فإن الحكم المطعون فيه إذ نفى صفة المال العام عن هذه العين بحجة أنها لم تخصص بالفعل للمنفعة العامة وأن ذلك شرط أساسي لاعتبارها كذلك يكون مخالفاً للقانون، هذا فضلاً عن أنه متى كان الثابت من الأوراق أن الحكومة قدمت للخبير للتدليل على صحة دفاعها الخرائط المساحية، كما قدمت للمحكمة الاستئنافية حافظة مستنداتها في هذا الصدد، وكان تقرير الخبير لم يفحص هذا الدفاع رغم تكليفه ببحثه وتطبيق المستندات على الطبيعة، وكان الحكم الابتدائي المؤيدة أسبابه بالحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع، بينما اكتفى الحكم المطعون فيه بقوله إن الحكومة لم تقدم أي دليل قاطع على صحته، فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق