الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 27 أبريل 2023

الطعن 20 لسنة 13 ق جلسة 4 / 11 / 1943 مج عمر المدنية ج 4 ق 74 ص 206

جلسة 4 نوفمبر سنة 1943

برياسة حضرة صاحب السعادة أمين أنيس باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: أصحاب العزة نجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك ومحمود فؤاد بك المستشارين.

---------------

(74)
القضية رقم 20 سنة 13 القضائية

مسئولية مدنية. 

مشروع عام قامت به الحكومة. عدم مراعاة الاعتبارات الفنية في عمله. مسئولية الحكومة عما يصيب الغير من الضرر بسببه. حدود اختصاص المحاكم فيما يتعلق بالأوامر الإدارية. 

(المادتان 15 من لائحة ترتيب المحاكم و151 مدني)

--------------
إذا كانت الحكومة وهي تقوم بتنفيذ مشروع عام لم تراع الاعتبارات الفنية اللازمة في عمله فإنها تكون مسئولة حتماً عما يصيب الغير من الضرر من جراء ذلك. وليس من المحظور على المحاكم، إذا ما رفع إليها نزاع من هذا القبيل، أن تتحرى ثبوت التقصير المدعى به على الحكومة وتتحقق من الضرر المطلوب التعويض عنه، فإن ذلك لا يدخل في الحظر الوارد بالمادة 15 من لائحة الترتيب المقصور على تأويل أي عمل أو أمر من أوامر الإدارة وقف تنفيذه، بل هو متعلق بطلب تعويض عن ضرر مدعى لحوقه بطالب التعويض بسبب خطأ مدعى وقوعه من جانب الحكومة. وإذن فإذا كان الموضوع المعروض على المحكمة هو مجرد طلب تعويض عن ضرر يقول المدعي إنه أصاب أرضه ومباني عزبته الواقعة على ترعة معينة بسبب مياه النشع التي تسربت إليها من هذه الترعة بعد إنشائها، فإنه لا تثريب على المحكمة إذا هي في بحثها عناصر مسئولية الحكومة قد تعرضت لمنسوب المياه في تلك الترعة وأثبتت أن الحكومة جعلت هذا المنسوب فيها على ارتفاع متجاوز الحد الأقصى المسموح به فنياً فحصل منه النشع، وأنها مع ذلك أهملت إنشاء المصارف التي تخفف من أثر تجاوز الحد الأقصى للزيادة المباحة في منسوب المياه عن منسوب الأرض، وأن الهدار الذي وضع في آخر الترعة لا يؤدي عمله - فكل هذا البحث لم يكن فيه تعرض للأمر الإداري من ناحية وقفه أو تأويله أو إلزام جهة الإدارة بإجراء عمل معين أو بالتصرف في شأن من الشئون على خلاف ما تصرفت، وإنما هو للتحقق من قيام الخطأ المدعى به وحصول الضرر الذي أصاب طالب التعويض من تصرف من جانب الحكومة لم تلاحظ فيه الاعتبارات الفنية.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي المؤيد له ومن الأوراق والمستندات المقدمة لهذه المحكمة والتي كانت من قبل مقدمة لمحكمة الموضوع - فيما يأتي:
رفع المطعون ضده الدعوى رقم 600 سنة 1937 أمام محكمة الأمور المستعجلة ضد الطاعنة وقال في صحيفتها إن وزارة الأشغال إذ أنشأت ترعة كوم أشفين لم تراع الأصول الفنية الواجب اتباعها عند إنشاء مجاري المياه مما ترتب عليه حصول نشع في أرض الحديقة والعزبة المملوكتين له والمجاورتين للترعة المذكورة، وطلب الحكم بتعيين خبير لمعاينة الحديقة والعزبة المذكورتين ومعرفة ما لحقهما من ضرر وسببه. وقد عين قاضي الأمور المستعجلة خبيراً لأداء هذه المأمورية، وبعد أن باشرها قدم تقريره الذي أثبت فيه حصول الضرر لأرض الحديقة والعزبة وقدر التعويض الذي يستحقه المطعون ضده بمبلغ 951 م و332 ج، وعلى إثر تقديم هذا التقرير رفع هذا الأخير الدعوى الحالية رقم 988 سنة 1937 أمام محكمة مصر الابتدائية طالباً إلزام الطاعنة بمبلغ 700 ج تعويضاً له عما أصابه من ضرر من جراء إنشاء الترعة السالفة الذكر. وقد رأت تلك المحكمة ضرورة تعيين خبير آخر تكون مأموريته الاطلاع على تقرير الخبير الأول ومحاضر أعماله والمذكرات المقدمة من طرفي الخصومة ومعاينة مباني عزبة المدعي وأشجار الحديقة وإثبات حالتها وحالة ترعة كوم أشفين المارة بالجهة البحرية منها وبيان ما بتلك المباني والأشجار من تلف، وما إذا كان راجعاً إلى النشع بسبب خطأ في تصميم المشروع أو تنفيذه وبيان أوجه الخطأ تفصيلاً إذا كان ثم خطأ وعليه كذلك معاينة الهدار لمعرفة ما إذا كان يؤدي الغاية التي أقيم من أجلها من عدمه، وقد باشر هذا الخبير مأموريته وقدم تقريره للمحكمة وأثبت فيه خطأ وزارة الأشغال للأسباب التي ذكرها فيه، وقدر لتعويض المطعون ضده مبلغ 950 م و180 ج. وقد أخذت محكمة مصر بهذا التقرير وحكمت في 17 من ديسمبر سنة 1940 للمطعون ضده بهذا المبلغ والمصاريف المناسبة له وكذلك جميع مصاريف دعوى إثبات الحالة و300 قرشاً أتعاب محاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
فاستأنفت وزارة الأشغال هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر بالاستئناف رقم 429 سنة 58 قضائية وطلبت للأسباب الواردة بعريضة الاستئناف إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
وفي 4 من أكتوبر سنة 1942 قضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وإلزام وزارة الأشغال بالمصاريف و800 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
أعلن هذا الحكم إلى الوزارة في 9 من يناير سنة 1943 فقررت الطعن فيه بطريق النقض في 6 من فبراير سنة 1943 وأعلنت تقرير الطعن إلى المطعون ضده في 8 من ذلك الشهر إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجه الأول من وجهي الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون حين تدخل في تحديد منسوب المياه في ترعة كوم أشفين المارة بأرض المطعون ضده وحين قرر، متابعاً في ذلك رأي الخبير، أن الترعة المذكورة لا فائدة منها في جزئها المار بحري الأرض المذكورة وأخيراً حين ألزم مصلحة الري بأن تأخذ بطريقة الري بالراحة وبالآلات جميعاً، وبأن تنشئ المصارف اللازمة جنباً إلى جنب الترع العمومية، ويكون الحكم بذلك قد قضى على ما نصت عليه المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية، لأن لمصلحة الري وحدها الحق المطلق في تقدير هذه الشئون تنظر فيها وتقدرها وفقاً لمصلحة المجموع بغير تدخل أو رقابة من المحاكم. وزادت الطاعنة على ذلك أن الحكم المطعون فيه وإن كان قد عنى باستظهار القاعدة الواردة بهذه المادة إلا أنه انتهى إلى نتائج لا تتفق مع تلك القاعدة وذلك أن منع المحاكم من وقف تنفيذ الأوامر الإدارية يتضمن منعها من إلغائها من باب أولى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ عرض للمادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية قال ما يأتي: "قالت وزارة الأشغال في عريضة استئنافها ما نصه (ومن هذا يتضح أن العيوب التي أشار إليها الخبير لا علاقة لها بطريقة إنشاء الترعة وإنما هي متعلقة بكيفية استعمالها وتلك الكيفية تخرج عن اختصاص المحكمة لكونها من صميم المسائل الإدارية) ومع ذلك فإن الوزارة لم تطلب صراحة في عريضة استئنافها ولا في مذكرتها المقدمة لهذه المحكمة الحكم بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى، ولكن لأن هذا الدفع متعلق بالنظام العام، وقد نص عليه في المادة (15) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية وجب على المحكمة أن تنظر فيه من تلقاء نفسها، والمحكمة ترى أن هذا الدفع في غير محله، لأن الموضوع المطروح أمام المحكمة إنما هو مجرد طلب تعويض عن ضرر يقول المستأنف عليه بأنه لحق بأرضه وبمباني عزبته الواقعة على ترعة كوم أشفين بسبب مياه النشع التي تسربت إلى أرضه ومباني عزبته من هذه الترعة بعد إنشائها. ومثل هذا النزاع غير محظور على المحاكم نظره والفصل فيه، لأنه خارج عن دائرة الحظر المقررة في المادة (15) سابقة الذكر، وهي قاصرة في هذا الشأن على تأويل معنى الأمر الإداري وعلى وقف تنفيذه، وكلا الأمرين خارج عن نطاق النزاع القائم بين الخصوم، ومتى كان الأمر كذلك فلا تثريب على الخبير ولا على المحكمة إن هما تعرضا لمناسيب المياه والأرض وصلاحية الهدار ووجوب الصرف وغير ذلك من الأمور التي يقتضي بحثها قبل الحكم". وهذا الذي أوردته محكمة الاستئناف يتفق مع المقرر قانوناً. لأن الحكومة يجب أن تعد مسئولة إذا ما قامت بتنفيذ أحد مشروعاتها العامة من غير أن تراعي الاعتبارات الفنية. فإذا لحق أحد الأفراد ضرر من جراء تنفيذ المشروع على ذلك الوجه كانت ملزمة بتعويضه عن هذا الضرر، وهو ما قضى به الحكم المطعون فيه، فقد استبان خطأ الطاعنة من تقريري الخبيرين المعينين في القضية واللذين ثبت منهما أن مصدر النشع ترعة كوم أشفين للأسباب التي ذكرت بهما، وأهمها ارتفاع منسوب المياه عن أرض المطعون ضده ارتفاعاً وصل في بعض الأحيان إلى الستين سنتيمتراً وهو العلة الأساسية للنشع، ومنها أن الطاعنة وقد رفعت منسوب المياه في الترعة ارتفاعاً جاوز الحد الأقصى المسموح به فنياً فإنها أهملت إنشاء المصارف التي تخفف من وقع هذه الزيادة، ومنها أخيراً ما أثبته الخبير من أن الهدار لا يقوم بعمله.
وحيث إن هذه الأمور التي أثبتتها محكمة الموضوع لا تتعارض مع ما قضت به المادة الخامسة عشرة من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية، فهي لم تلغ أمراً إدارياً، ولم توقف تنفيذه، وكل ما فعلته أنها رأت أنه قد وقع خطأ من وزارة الأشغال للأسباب سالفة الذكر فقضت بالتعويض، وهي إذ فعلت ذلك لم تخالف القانون ولم تخطئ في تطبيقه.
وحيث إن محصل الوجه الآخر أن المحكمة استندت في إثبات خطأ الطاعنة على أقوال وكيل هندسة ري الإسماعيلية عند مناقشته في جلسة 12 من سبتمبر سنة 1940 ولم تأخذ بأقواله التي أدلى بها في جلسة 26 من ذلك الشهر إذ قرر: "بأن جزء الجنينة الذي بلغ فيه منسوب الأرض 2 س و16 متراً لم يصب بتلف وأما الذي أصيب بتلف فهو الجزء المرتفع الذي بلغ أقصى ارتفاعه 34 س و16 متراً وهذا يدل على أن الضرر ليس حاصلاً بسبب ارتفاع منسوب المياه، وعلى أن الهدار لا يقوم بعمله". وقالت الطاعنة بأن هذا لا سند له من تقرير الخبير.
وحيث إنه فيما يختص بأقوال وكيل هندسة ري الإسماعيلية فقد ذكر الحكم المطعون فيه بصدده، بعد أن قال إن أهم الأخطاء التي وقعت من وزارة الأشغال هو ارتفاع منسوب المياه في الترعة، أن ما لاحظه مندوب الوزارة من جفاف بعض المواضع المنخفضة من أرض المطعون ضده في حين أن بعض المواضع المرتفعة هي التي أصابها الضرر من النشع مع بعدها عن الترعة، لا يقلل من قيمة هذه الحقيقة. ذلك لأن هذه الظاهرة قد ترجع إلى أسباب جيولوجية تغير المجرى الطبيعي لمياه النشع، وهذا ما يسميه الزراع بعرق النشع، وقد يكون مجراه طبيعياً فيظهر النشع في الأرض المنخفضة، وقد يكون مجراه غير طبيعي بسبب حواجز وموانع طبيعية في طبقات الأرض نفسها فيظهر النشع في الأرض المرتفعة دون المنخفضة، وهو ما لم تعترض الطاعنة عليه في تقرير طعنها ولا في مذكرتها الشارحة لأسباب الطعن.
وحيث إنه فيما يتعلق بالخطأ الناشئ عن عدم قيام الهدار بعمله فقد قالت الطاعنة بأن المحكمة قالت في حكمها إن من وجوه الخطأ ما أثبته الخبير في تقريره من أن الهدار لا يقوم بعمله في حين أن الخبير لم يذكر ذلك.
وحيث إن المطعون ضده ذكر في رده على الطاعنة أن هذا الذي ذكرته المحكمة وارد في تقرير الخبير الذي عينته محكمة الأمور المستعجلة، وقد عنيت الطاعنة بتقديم التقرير الآخر، ولم تقدم هذا التقرير، وكان الواجب عليها تقديمه لتثبت صحة ما تدعيه، أما وهي لم تقدمه فيجب اعتبار ما أثبته الحكم المطعون فيه معبراً عن الحقيقة. على أنه يؤخذ من تقرير الخبير الذي عينته المحكمة الابتدائية والذي قدمته الطاعنة أن الهدار لم يكن علاجاً ناجعاً لمنع الضرر للأسباب الفنية التي ذكرها. وهذا يتفق في معناه مع ما قاله الحكم المطعون فيه من أن الهدار لا يقوم بعمله.
وحيث إنه من كل ما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق