الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 أبريل 2023

الطعن 18 لسنة 10 ق جلسة 13 / 6 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 68 ص 245

جلسة 13 يونيه سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

-----------------

(68)
القضية رقم 18 سنة 10 القضائية

مسئولية. 

قانون إصابات العمل. مقاول من الباطن. يعتبر في هذا القانون صاحب عمل. ارتفاع مسئولية المقاول من الباطن قبل العامل المصاب للقرابة واحتمال العول. ارتفاع مسئولية المقاول الأصلي. أساس مسئولية المقاول الأصلي اعتباره ضامناً للمقاول من الباطن.
(قانون إصابات العمل رقم 64 لسنة 1936)

----------------
إن المقاول من الباطن يعتبر في القانون رقم 64 لسنة 1936 الخاص بإصابات العمل من أصحاب العمل. وإذن فعلاقة المقاول من الباطن بالعامل المصاب إذا كان من أعضاء أسرته الذين قد يلزم بأن يعولهم لا تخضع لأحكام هذا القانون بمقتضى المادة الثانية منه، وبالتالي لا تخضع لهذه الأحكام علاقة المقاول الأصلي بذلك العامل. إذ القانون في هذه الحالة لا يجعل المقاول الأصلي مسئولاً إلا على اعتباره مجرّد ضامن للمقاول من الباطن. وبناء على ذلك فإنه كلما كانت المسئولية عن المقاول من الباطن منتفية للقرابة فإن مسئولية المقاول الأصلي تكون لا محل لها.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وسائر المستندات المقدّمة من طرفي الخصومة وكانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - في أن محمود مصطفى الصباغ أفندي أراد أن يكمل بناء منزله ببور سعيد بإقامة دورين فيه فاتفق مع عباس العزازي إبراهيم المقاول (أوّل المطعون ضدّهما) بتاريخ 10 من أغسطس سنة 1937 على أن يقوم له بهذا العمل، واتفق هذا الأخير بدوره مع حامد محمد عاشور مقاول أعمال البياض على أن يتولى هذا العمل في بناء الدورين، وحرّر عقد بينهما ذكر في البند الثالث منه أن حامد محمد عاشور مسئول عن سلامة العمال وصيانتهم من أي خطر، وليس على عباس أقل مسئولية في ذلك. ولما بوشرت أعمال البياض استخدم حامد محمد عاشور أخاه محمد محمد عاشور عاملاً مع سائر العمال فحدث أنه في مساء 11 من نوفمبر سنة 1937 سقط عن سقالة فتوفى على الأثر من إصابته بتهتك في المخ وكسر منخسف بعظام الجمجمة. وضبطت واقعة لهذا الحادث قيدت تحت رقم 10 عوارض سنة 1938 قسم ثاني بور سعيد أثبت في محضرها أن سبب وفاة محمد محمد عاشور هو سقوطه عن سقالة بأن زلت قدمه من ارتفاع نحو 12 متراً. وفي 14 من مارس سنة 1938 رفع الطاعن الأوّل عن نفسه، وبصفته ولياً طبيعياً على أولاده القصر حنفي وحسنة وكاملة وفتحية، والطاعنة الثانية الدعوى رقم 160 كلي الزقازيق سنة 1938 على المطعون ضدّهما وعلى محمود مصطفى الصباغ أفندي أمام محكمة الزقازيق الابتدائية طالبين إلزامهم متضامنين بأن يدفعوا لهما ثلثمائة جنيه والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة والأمر بالنفاذ العاجل، وذكرا في صحيفة تلك الدعوى أن ولدهما محمد محمد عاشور استخدمه المقاولان في بناء بمنزل محمود مصطفى الصباغ أفندي، وفي 11 من نوفمبر سنة 1937 سقط عن سقالة من علو شاهق بسبب عدم ربطها وتوفى في الحال، ولهذا فإنهما يطلبان الحكم بالمبلغ المتقدّم ذكره تعويضاً عما لحقهما من الضرر بوفاته. نظرت المحكمة وفي 26 من ديسمبر سنة 1938 حكمت حضورياً بعدم قبولها بالنسبة لفتحية إحدى المدّعيات وقبولها بالنسبة لباقي المدّعين وبإخراج محمود مصطفى الصباغ أفندي منها بغير مصاريف ثم بإلزام المطعون ضدّهما متضامنين بأن يدفعا للمدعين عدا فتحية 108 جنيهات والمصاريف المناسبة ومائتي قرش أتعاباً للمحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
استأنف المطعون ضدّه الأوّل هذا الحكم بصحيفة أعلنها لخصومه في 16 و18 من مايو سنة 1939 طالباً فيها للأسباب التي أوردها قبول استئنافه شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعنين وإلزامهما بالمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين ومن باب الاحتياط الكلي إلزام حامد محمد عاشور المطعون ضدّه الثاني بما عساه يحكم به عليه هو مع المصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين. حُضّر هذا الاستئناف وأحيل إلى المرافعة بجلسة 15 من نوفمبر سنة 1939 فرفع محامي الطاعنين في تلك الجلسة استئنافاً فرعياً طلب فيه تعديل الحكم المستأنف إلى 113 جنيهاً بدلاً من 108 جنيهات المحكوم بها، وقد طلب محامي المستأنف أصلياً القضاء بطلباته الواردة في صحيفة استئنافه، وطلب ثاني المطعون ضدّهما تأييد الحكم المستأنف. وفي 20 من ديسمبر سنة 1939 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئنافين شكلاً وفي موضوع الاستئناف الأصلي بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف ضدّهما الأوّل والثانية (الطاعنين) قبل المستأنف (المطعون ضدّه الأوّل) وألزمتهما بمصاريف الدرجتين وأربعمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما وفي موضوع الاستئناف الفرعي برفضه وإلزام رافعيه بمصاريفه.
أعلن هذا الحكم للطاعنين في 22 من فبراير سنة 1940 فطعن فيه وكيلهما بطريق النقض في 9 من مارس سنة 1940 بتقرير أعلن للمطعون ضدّهما في 12 منه إلخ.


المحكمة

وبما أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تفسير وتطبيق المادة الثانية فقرة "هـ" وفي تفسير المادة الخامسة من القانون رقم 64 لسنة 1936 الخاص بإصابات العمل، كما أخطأ أيضاً في استناده إلى عقد الاتفاق المبرم بين المطعون ضدّهما مع وجود شرط باطل فيه لا يتفق مع قانون إصابات العمل.
وفي بيان ذلك يقول الطاعنان إن محكمة الاستئناف قد اعتبرت المقاول من الباطن صاحب عمل في حين أن المادة الخامسة من قانون إصابات العمل قد وردت فيها عبارة: "إذا كلف بتنفيذ العمل مقاول من الباطن" وهي عبارة تشعر بأن ذلك القانون يفرّق في التسمية وفي المعنى بين صاحب العمل وبين المقاول من الباطن. وما كان إذن من الصواب ما ذهبت إليه تلك المحكمة من تطبيق المادة الثانية فقرة "هـ" من هذا القانون على المطعون ضدّه الثاني، لا سيما وأن عقد الاتفاق المحرّر بينه وبين المطعون ضدّه الأوّل قد نص على أن هذا هو الملزم بتقديم أدوات العمل من مون وعدد وأخشاب وسقايل وغيرها، وكل ما التزم به المطعون ضدّه الثاني هو أن يشتغل مع بعض العمال بأيديهم. ولم يكن من الصواب أيضاً قول المحكمة إن المطعون ضدّه الثاني كان من الملزمين بأن يعول أخاه محمد محمد عاشور المتوفى خلافاً لما هو ثابت من الشهادة الإدارية المقدّمة.
أما وجه مخالفة الحكم للمادة الخامسة من قانون إصابات العمل فترجع إلى أن الحكم المطعون فيه أسس المسئولية التي يمكن أن تقع على المطعون ضدّه الأوّل على أنه ضامن للمقاول من الباطن مع أن الواقع أن مسئولية المطعون ضدّه الأوّل قائمة في كل الحالات باعتباره صاحب العمل، ولم يكن الغرض في المادة الخامسة من القانون حين أشركت المقاول من الباطن في المسئولية مع صاحب العمل إلا زيادة الضمان للعامل، ولهذا جاء في آخر تلك المادة ما نصه: "فإذا استعمل العامل حقه ضدّ صاحب العمل الأصلي جاز لهذا الأخير أن يرجع على المقاول من الباطن ليسترد منه ما دفعه".
أما خطأ الحكم في الاستناد إلى عقد الاتفاق المبرم بين المطعون ضدّهما فيقول عنه الطاعنان إنه خطأ ظاهر إذ لا يمكن قانوناً لصاحب العمل الأصلي أن يخلي مسئوليته المنصوص عنها في القانون بما يضعه من شروط في عقده مع المقاول من الباطن.
وبما أن مثار ما جاء له الطاعنان في تقرير طعنهما وفي مذكرتهما هو ما أورده الحكم المطعون فيه فيما يأتي:
"وحيث إنه ثابت من محضر ضبط الواقعة في القضية رقم 10 سنة 1938 عوارض قسم ثاني بور سعيد أن المتوفى سقط من على السقالة بأن يكون زلت قدماه فوقع على الأرض بارتفاع 12 متراً تقريباً ولم يثبت من ذلك التحقيق وجود أي إهمال أو تقصير من المقاول يترتب عليه أية مسئولية".
"وحيث إنه يجب البحث فيما إذا كان القانون الخاص بشأن إصابات العمال ينطبق على مثل هذه الحالة".
"وحيث إن هذه الدعوى رفعت في 14 من مارس سنة 1938 أي في خلال الستة شهور التالية للوفاة طبقاً للمادة العاشرة من القانون المذكور".
"وحيث إن المادة الثانية من هذا القانون تنص في الفقرة "هـ" منها على أن هذا القانون لا يسري على أعضاء أسرة صاحب العمل الذين قد يلزم بأن يعولهم، وتقضي المادة الخامسة منه بأنه إذا كلف بتنفيذ العمل مقاول من الباطن حق للعامل أن يطالب بالتعويض كلاً من المقاول من الباطن وصاحب العمل الأصلي على أساس الأجر الذي يدفعه الأوّل للعامل. فإذا استعمل العامل حقه ضد صاحب العمل الأصلي جاز لهذا الأخير أن يرجع على المقاول من الباطن ليستردّ منه ما دفعه".
"وحيث إنه يستخلص من أحكام المادتين المذكورتين أن قانون إصابات العمال لا ينطبق على أعضاء أسرة رب العمل الذي قد يلزم بأن يعولهم، وأنه إذا طولب صاحب العمل الأصلي بالتعويض جاز له أن يطالب المقاول من الباطن (وهو صاحب عمل أيضاً) برد ما دفعه".
"وحيث إنه بتطبيق تلك القواعد على هذه الدعوى المطروحة أمام هذه المحكمة يتبين أن هذا القانون لا يسري على حامد محمد عاشور المستأنف ضدّه الثالث لأن المتوفى كان عاملاً عنده وفي الوقت نفسه هو أخ له وبهذه الحالة الأخيرة من أعضاء أسرته الذين قد يلزم بأن يعولهم".
"وحيث إنه متى امتنع إمكان تطبيق قانون العمل بالنسبة للمقاول من الباطن وهو المستأنف ضدّه الثالث فلا يمكن تطبيقه بالنسبة للمقاول الأصلي وهو المستأنف لأن أساس مسئولية الأخير كما هو مفهوم من نص المادة الخامسة هو ضمانه للمقاول من الباطن، فمتى ارتفعت المسئولية في هذه الحالة عن المسئول الأصلي وهو المقاول من الباطن ارتفعت بالتالي عن الضامن وهو المستأنف".
"وحيث إنه مما يزيد في تأييد هذا الرأي بالنسبة للدعوى الحالية ما هو ثابت في عقد الاتفاق بين المستأنف والمستأنف ضدّه الثالث من أن الأخير هو المسئول عن سلامة العمال وصيانتهم من أي خطر وليس على المستأنف أقل مسئولية أو ملزومية بشيء".
"وحيث إنه لذلك كله ترى المحكمة أن المستأنف غير مسئول عن أي تعويض على أساس المسئولية التقصيرية أو على أساس قانون إصابات العمل. ولذلك يتعين إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى قبله".
هذا ما ذكرته محكمة الاستئناف تأييداً لوجهة نظرها.
وبما أن مناط كل ما جاء به الطاعنان في طعنهما هو ذهابهما في تفسير نص المادة الثانية فقرة "هـ" والمادة الخامسة من قانون إصابات العمل رقم 64 لسنة 1936 الصادر في 14 من سبتمبر سنة 1936 مذهباً يتعارض مع ما فسرت به محكمة الاستئناف هذين النصين.
وبما أن عبارة الفقرة "هـ" من المادة الثانية هي "أعضاء أسرة صاحب العمل الذين قد يلزم بأن يعولهم".
أما عبارة المادة الخامسة فإنها كما يلي: "إذا كلف بتنفيذ العمل مقاول من الباطن حق للعامل أن يطالب بالتعويض كلاً من المقاول من الباطن وصاحب العمل الأصلي على أساس الأجر الذي يدفعه الأوّل للعامل. فإذا استعمل العامل حقه ضدّ صاحب العمل الأصلي جاز لهذا الأخير أي يرجع على المقاول من الباطن ليسترد منه ما دفعه، على أن صاحب العمل الأصلي يصبح غير مسئول مطلقاً إذا وقع الحادث في الأمكنة الخارجة عن إشرافه".
وبما أن الذي يؤخذ من نص الفقرة "هـ" من المادة الثانية أن المقاول من الباطن قد اعتبره الشارع صاحب عمل. وقد تأيد ذلك بما استخلصته بحق محكمة الاستئناف من فحوى المادة الخامسة من القانون، إذ لا شبهة في أن النص على أن لصاحب العمل أن يسترد من المقاول من الباطن ما قد يكون ألزم بدفعه للعامل الذي اختار مقاضاته، ولم يقاض المقاول من الباطن - لا شبهة في أن هذا النص بصيغته التي ورد بها يقطع بأن المشرع قد اعتبر صاحب العمل مجرّد ضامن لا مديناً للعامل.
أما ما يقوله الطاعنان في مذكرتهما من أن الشارع قد تفادى النص على رجوع صاحب العمل بما يعادل فقط نصيب المقاول من الباطن في المسئولية اعتماداً على ما قد يكون صاحب العمل حمّل مقاوله من الباطن المسئولية بأكملها قبل العامل - هذا القول غير سائغ، ولا يعقل أن يكون الشارع قد لاحظ تنسيق نصوصه وفق ما يتخيل من اتفاقات يبرمها أصحاب العمل مع مقاوليهم بشأن توزيع المسئولية بينهم.
كذلك لا يلتفت إلى تشبيه الطاعنين صاحب العمل بشركات التأمين فإنه قياس لا يتسق مع البحث المعروض.
وبما أنه يبين مما تقدّم أن صاحب العمل لا يمكن أن يكون في أحكام قانون إصابات العمل سوى ضامن للمقاول من باطنه الذي يعتبر المدين الأصلي للعامل، وأن حقوق وواجبات صاحب العمل هي حقوق الضامن وواجباته، وقد قصد واضع القانون من النص على ذلك مصلحة العمال الذين سنّ هذا التشريع لهم. ومتى كانت الحال على هذا الاعتبار فإن سقوط الدين عن المدين للعلة التي ذكرها الحكم، وهي القرابة واحتمال أن يعول المدين العامل، تسقط معه مسئولية الضامن.
أما ما قاله الطاعنان من أن المقاول من الباطن وإن كان أخاً للعامل المتوفى فإنه محجوب عن إرثه بوجود والدهما حياً، ومتى امتنع الإرث امتنع احتمال العول - هذا القول مردود بأن نص المادة الثانية فقرة "هـ" من قانون إصابات العمل، قد ذكرت امتناع المسئولية لمجرّد احتمال العول، ولا شك في أن الاحتمال في الدعوى المعروضة قائم ووجوه تحققه كثيرة.
وبما أنه متى تقرر أن لا مسئولية على المطعون ضدّه الثاني بناء على نص القانون أصبح من نافلة القول نعي الطاعنين على الحكم المطعون فيه خطأه في الاستناد إلى العقد المبرم بين المطعون ضدّهما مع وجود شرط باطل فيه رفع مسئولية أوّلهما على غير ما ألزمه القانون. إذ مسئوليته كضامن تزول حتماً برفع مسئولية المطعون ضدّه الثاني كمدين بسبب احتمال عوله أخاه المتوفى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق