الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 أبريل 2023

الطعن 15 لسنة 10 ق جلسة 6 / 6 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 66 ص 231

جلسة 6 يونيه سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

---------------

(66)
القضية رقم 15 سنة 10 القضائية

محكمة الموضوع. 

سلطتها في تفسير المحرّرات. حدّها. متى تتدخل محكمة النقض؟ صورة مسألة. إقرار.
(المواد 90 و93 و138 مدني)

------------------
إن تفسير الاتفاقات والمحرّرات لتعرّف حقيقة القصد منها من سلطة محكمة الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليها فيه ما لم يكن في التفسير خروج عما تحتمله عبارات الاتفاق أو تشويه لحقيقة معناها. ولئن كان للمحكمة بهذه السلطة المخوّلة لها أن تعدل عن المعنى الظاهر لصيغ المحرّرات إلا أنه يتعين عليها في هذه الحالة أن تبين في حكمها الأسباب التي أقنعتها بأن المعنى الذي أخذت به هو هو المقصود. فإذا اتضح من هذا البيان أنها قد اعتمدت على اعتبارات مقبولة مؤدية عقلاً إلى ما ارتأته فلا شأن لمحكمة النقض معها.
وإذن فإذا كانت عبارات الإقرار المختلف على تفسيره صريحة في أن والد المقرّ وهب لابنه الآخر (الطاعن) مبلغاً من المال ليكون مهراً لزواجه، وأن هذا التبرع قد ستر في عقد صادر من الوالد لولديه (الطاعن والمطعون ضدّه وهو المقرّ) ببيع منزل إذ استبقى الوالد من الثمن قدر المبلغ الذي وهبه ليتقاضاه الموهوب له، فاعتبرت المحكمة أن التبرع هنا لم يكن صادراً من الوالد وإنما هو صادر من الابن المقرّ، وكان سندها في ذلك أن صيغة الإقرار ظاهر منها أنه تبرع من المقرّ، في حين أن هذه الصيغة صريحة في أن الوالد هو الذي صدر منه التبرع، فإن انحرافها عن هذا المعنى الظاهر إلى المعنى الذي قالت به يعتبر منها تشويهاً للإقرار مستوجباً لنقض حكمها.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي وسائر المستندات التي أيد بها طرفا الخصومة دفاعهما - في أن والد الطاعن والمطعون ضدّه باع لهما منزله الكائن بقسم الجمالية بعقد مصدّق عليه من محكمة الوايلي الجزئية في 22 من ديسمبر سنة 1925 ومسجل بمحكمة مصر المختلطة في 9 يناير سنة 1926 تحت رقم 119 بثمن مقداره 800 جنيه مصري. وقد ذكر في ذلك العقد أن البائع قبض جميع الثمن. وفي 17 من مايو سنة 1926 حرر بين الأخوين إقرار ثابت التاريخ في 10 من يناير سنة 1927 نص فيه على ما يأتي:
"300 جنيه ثلاثمائة جنيه مصري لا غير.
"قد حصل الاتفاق والتراضي فيما بيننا نحن عبد الرحمن عبد الجوّاد المصري ومحمود عبد الجوّاد المصري على أن المبلغ المرقوم أعلاه وقدره ثلاثمائة جنيه مصري يخصم من ثمن المنزل المباع لنا نحن الاثنين من المرحوم والدنا الكائن بقصر الشوق بحارة عليّ الدين تبع قسم الجمالية مناصفة بيننا عند مبيع المنزل المذكور. ويصير خصم هذا المبلغ من ثمن المنزل المذكور عند بيعه من حق أخي محمود عبد الجوّاد المصري أفندي خاصة. وهذا المبلغ قد تبرع به المرحوم والدنا إلى محمود أفندي ليكون مهراً لزواجه، وأن يتقاضاه من ثمن المنزل المذكور عند مبيعه لأحد الطرفين أو للغير. وما يتبقى بعد خصم هذا المبلغ عاليه من ثمن المنزل المذكور يكون الباقي من حق الطرفين بالمناصفة، وعند مبيع ذلك المنزل يكون برضاء الطرفين. وليس لي الحق في الرجوع في ذلك حتى إذا ما لو رجعت أكون ملزماً بدفع ما يخصني في هذا المبلغ وقدره ثلثمائة جنيه مصري وهو مبلغ 150 مائة وخمسين جنيهاً، وإذا تأخرت عن الدفع بعد البيع مباشرة فيكون لأخي محمود أفندي الحق في اتخاذ الطرق القانونية ضدّي، وتحرّر هذا للعمل بموجبه عند اللزوم. تحريراً في 17 من مايو سنة 1926 المقرّ عبد الرحمن عبد الجوّاد المصري".
وفي 2 من يوليه سنة 1927 باع الطاعن وأخوه المنزل إلى الشيخ محمد عبد الخالق بعقد تمهيدي، وحوّل الطاعن إلى المشتري إقرار 17 من مايو سنة 1926 المأخوذ على المطعون ضدّه، ولما رفض هذا الوفاء بما فيه رفع الشيخ محمد عبد الخالق على الطاعن الدعوى رقم 698 سنة 1928 أمام محكمة الوايلي الجزئية يطالبه فيها بقيمة الإقرار، وأدخل المطعون ضدّه ضامناً في تلك الدعوى فدفع هذا بعدم اختصاص المحكمة لتجاوز النصاب وقضت المحكمة بذلك في دعوى الضمان وألزمت الطاعن في الدعوى الأصلية بمبلغ 150 جنيهاً للشيخ محمد عبد الخالق.
فرفع الطاعن الدعوى الحالية أمام محكمة سوهاج الابتدائية على المطعون ضدّه بصحيفة أعلنها إليه في أوّل يونيه سنة 1938 وقيدها تحت رقم 200 كلي سنة 1939 قال فيها إنه وأخاه المطعون ضدّه اشتريا من والدهما منزلاً وتبقى من ثمنه ثلثمائة جنيه لم يقبضه البائع وإن كان ذكر في العقد أن جميع الثمن قد قبض، وقد تنازل الوالد البائع عن هذا الباقي له (للطاعن) وحوّل عليه المطعون ضدّه لكي يدفع نصفه إليه، وأيد المطعون ضدّه التزامه هذا بإقرار حرره على نفسه في 17 من مايو سنة 1926 تعهد فيه بأنه عند بيع المنزل يختص الطاعن دونه بثلثمائة جنيه من ثمنه. ولما بيع المنزل بعقد تمهيدي للشيخ محمد عبد الخالق نكل المطعون ضدّه عن عهده ولم يدفع للشيخ محمد عبد الخالق قيمة التعهد فطالب الشيخ محمد عبد الخالق المذكور الطاعن به وقضى له عليه بمبلغ 150 جنيهاً، ولهذا فإنه يطلب بدوره الحكم بهذا المبلغ على المطعون ضدّه مستنداً إلى ورقة 17 من مايو المتقدّم ذكرها.
نظرت محكمة سوهاج هذه الدعوى فدفعها المطعون ضدّه بعدم الاختصاص لقلة النصاب وفي الموضوع طلب رفضها لبطلان سند 17 من مايو سنة 1926.
وفي 24 من يناير سنة 1939 حكمت المحكمة برفض الدفع الفرعي وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى وفي موضوعها بإلزام المطعون ضدّه بأن يدفع للطاعن 150 جنيهاً والمصاريف و150 قرشاً أتعاب محاماة وشملت الحكم بالنفاذ المعجل.
استأنف المطعون ضدّه هذا الحكم أمام محكمة استئناف أسيوط بصحيفة أعلنها لخصمه في 16 من مارس سنة 1939 وقيدها تحت رقم 66 سنة 14 قضائية طالباً قبول استئنافه شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى.
وفي 16 من ديسمبر سنة 1939 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليه (الطاعن) وإلزامه بالمصاريف عن الدرجتين ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة.
أعلن هذا الحكم للطاعن في أوّل فبراير سنة 1940 فطعن فيه وكيله بطريق النقض في 29 من ذلك الشهر بتقرير أعلن للمطعون ضدّه في 3 من مارس سنة 1940 إلخ.


المحكمة

وبما أن مبنى الطعن وجهان: يتلخص أوّلهما في أن الحكم المطعون فيه قد مسخ وشوّه المستند موضوع الدعوى وهو ورقة 17 من مايو سنة 1926 التي أقرّ فيها المطعون ضدّه بأن والد الطرفين قد تبرع للطاعن بثلثمائة جنيه والتزم بخصمها له من ثمن منزلهما في حالة مبيعه، وإن لم يفعل فإنه يسدّد لأخيه الطاعن مائة وخمسين جنيهاً. ويقول الطاعن إنه مع صراحة عبارة هذا الإقرار فإن الحكم المطعون فيه قد اعتبره تبرعاً من المطعون ضدّه للطاعن لا من والدهما، ورتب على هذا الاعتبار الخاطئ أن الإقرار هبة بمنقول لم يتم قبضها، وفي هذا مسخ للمستند يبطل الحكم. ويتلخص الوجه الثاني في أن الحكم المطعون فيه بعد أن مسخ عقد 17 من مايو سنة 1926 أخطأ في تطبيق القانون بشأنه إذ كيفه بأنه عن هبة بمنقول لا تتم إلا بعقد رسمي أو بالقبض، ولما كان لا هذا ولا ذاك قد وقع فهي هبة باطلة لا وجود لها. ويقول الطاعن إن التطبيق الصحيح للقانون يقتضي اعتبار التعهد التزاماً من الوارث بتنفيذ تبرع من المورّث وهو التزام لا يجوز البتة الرجوع فيه.
وبما أن قضاء محكمة أوّل درجة بنفاذ التعهد المتنازع بشأنه قد بني على الأسباب الآتية:
"وحيث إنه عن الموضوع فإن الثابت من عقد 17 من مايو سنة 1926 أنه حصل الاتفاق بين المدّعي والمدّعى عليه بأن يختص أوّلهما بمبلغ الـ 300 جنيه الباقية عليهما من ثمن المنزل لمن تصرف إليهما بالبيع وهو والدهما، وأن هذا كان بمثابة هبة من الوالد للمدّعي ليكون مهراً لزواجه. وبالعبارة الأخيرة من العقد التزام صريح من المدّعى عليه بأن يدفع نصيبه في هذا المبلغ وقدره 150 جنيهاً لأخيه المدّعي، وعلى ظهر هذا العقد تحويل من المدّعي إلى الشيخ محمد عبد الخالق بما يفيد أن المدّعي قبض منه هذا المبلغ".
"وحيث إن المدّعى عليه قد بنى دفاعه على أن هذا المبلغ كان بمثابة تبرع منه هو لأخيه، وأن الهبة بهذه الكيفية لا تصح ولا تجوز قانوناً طبقاً لنص المادة 48 مدني".
"وحيث إن تكييف الأمر بهذا الوضع إنما هو مغالطة من المدّعى عليه لأن الهبة لم تكن منه بل من الوالد. وظاهر من العقد المبرم بين الطرفين أن التزامه بدفع مبلغ 150 جنيهاً كان صريحاً لا يقبل شكاً ولا تأويلاً".
"وحيث إنه ثبت بعد ذلك أن المدّعى عليه لم يقبل خصم مبلغ الـ 150 جنيهاً من نصيبه في ثمن المنزل مما اضطر المشتري إلى الرجوع على المدّعي بهذا المبلغ وصدر الحكم به فعلاً".
"وحيث إنه لكل ما تقدّم تكون دعوى المدّعي صحيحة ويتعين الحكم له بطلباته".
أما قضاء محكمة ثاني درجة بإلغاء ذلك الحكم فقد بني على ما يأتي:
"وحيث إن المستأنف يرتكن في استئنافه إلى عدّة أسباب تتلخص في أن الإقرار المؤرّخ في 17 من مايو سنة 1926 هو عبارة عن تبرع بمبلغ 150 جنيهاً من المستأنف إلى المستأنف عليه وأنه هبة في منقول لم يتم قبضه فتكون الهبة باطلة لعدم حصولها بعقد رسمي".
"وحيث إن المستأنف عليه قد ردّ على ذلك في مذكرته ومرافعته بالجلسة بأن مبلغ الـ 150 جنيهاً الذي تعهد المستأنف بدفعه إليه إنما هو حوالة من الأب إلى المستأنف فتكون الهبة صحيحة لأنها قد وضعت في صيغة عقد آخر وهو عقد الحوالة".
"وحيث إنه لا عقد البيع الصادر من الوالد إلى ولديه طرفي الخصومة ولا ورقة التبرع الصادرة من ذلك الوالد قد قدّم أيهما للمحكمة حتى يمكن تقدير قيمة كل منهما قانوناً، ولم يقدّم في الدعوى سوى الإقرار الصادر في 17 من مايو سنة 1926 الموقع عليه من المستأنف (عبد الرحمن عبد الجوّاد المصري)".
"وحيث إن صيغة هذا الإقرار ظاهر منها أنه تبرع من المستأنف إلى المستأنف عليه بمبلغ الـ 150 جنيهاً المرفوعة به الدعوى وهي ليست بعقد رسمي، ولما كان التبرع على هذه الصورة إن هو إلا هبة في منقول لم يتم قبضها فهي باطلة قانوناً طبقاً للمادتين 48 و49 من القانون المدني".
"وحيث إنه بناء على ما تقدّم يكون الحكم المستأنف على غير صواب وواجباً إلغاؤه".
هذا ما ركزت فيه كل من المحكمتين نظرها فيما ذهبت إليه.
وبما أنه مما يلفت النظر بادي الرأي أن محكمة الاستئناف لم تذكر في تمحيصها دفاع طرفي الخصومة إلا ما نوّهت به من أنه لم يقدّم لها عقد بيع المنزل الصادر للأخوين من والدهما ولا ورقة التبرع حتى يمكن تقدير هذين المستندين، وأنه لم يقدّم سوى إقرار 17 من مايو سنة 1926. وبعد ذلك وثبت إلى الجزم بأن صيغة هذا الإقرار ظاهر منها أنه تبرع من المستأنف (المطعون ضده) إلى المستأنف عليه (الطاعن) بمبلغ 150 جنيهاً المرفوعة به الدعوى ولم تقل بعد ذلك إلا عبارة "وهي ليست بعقد رسمي، ولما كان التبرع على هذه الصورة إن هو إلا هبة في منقول لم يتم قبضها فهي باطلة طبقاً للمادتين 48 و49 من القانون المدني".
في هذا الأداء المبتور اجتمع كل ما كان على محكمة الموضوع أن تكشف عنه في جلاء من فهمها للواقع في الدعوى أخذاً من المستندات المقدّمة ومن تكييفها ذلك الواقع التكييف القانوني الصحيح. ولما كان فهم الواقع في الدعوى من مستنداتها وإن كان من عمل محكمة الموضوع ولا رقابة عليها فيه من محكمة النقض إلا أن ذلك محدود بأن لا تتحيف محكمة الموضوع في تفسير تلك المستندات وتناقض بما تذهب إليه في تفهم معناها نصوصها الصريحة فتشوّه المعنى المتبادر وتأتي بمعنى جديد. أللهم إلا إذا كانت تلك المستندات قد اختلف على المعنى الذي تؤدّيه وبدا للمحكمة نظر فيها تراه أوفى بمقصد العاقدين، فعندئذ يكون لها أن تعدل عن المدلول الظاهر لصيغتها ولكن بشرط لا محيص عنه وهو أن تبين في حكمها لم عدلت عن هذا المعنى الظاهر إلى خلافه مما اقتنعت به، وتعلل هذا العدول باعتبارات مقبولة يستسيغها العقل. وقد سبق لهذه المحكمة تقرير هذا النظر في عدّة أحكام أصدرتها.
وبما أنه في الدعوى الحالية قد سارت محكمة الاستئناف في حكمها المطعون فيه سيرة أخرى. فهي قد تغاضت عما ورد صراحة في ورقة 17 من مايو سنة 1926 بأن والد الطرفين تبرع بمبلغ الثلثمائة جنيه للطاعن، وذهبت إلى عكس ذلك قائلة إن المتبرع هو المطعون ضدّه، ولم تعلل هذا العدول عن المعنى الجليّ الواضح بشيء سوى قولها إن صيغة الإقرار ظاهر منها أنه تبرع من المطعون ضدّه - قالت المحكمة ذلك مع أن الظاهر هو على النقيض مما قالت، ثم هي نوّهت في شيء من الاهتمام بقصور المتخاصمين عن تقديم عقد البيع الصادر لهما من والدهما، وكذلك ورقة التبرع حتى كان يتيسر لها تقديرهما، مع أن إقرار 17 من مايو سنة 1926 المقدّم فيه كل ما كان يهم المحكمة أن تلم به بشأن التبرع من الوالد وباعثه، وهو تدبير مهر زوجة الطاعن، وكيف أنه ترتب من قيمته في ذمة المطعون ضدّه مبلغ مائة وخمسين جنيهاً تعهد المذكور بسدادها لأخيه بمجرد بيع المنزل من جديد لأي كان بطريقة خصم الثلثمائة جنيه من مجموع الثمن الذي يباع به وتجنيبها قبل كل شيء لحساب الطاعن ثم اقتسام الباقي مناصفة بين الأخوين، وإذا لم يتم ذلك فيكون سداد المائة والخمسين جنيهاً من المطعون ضدّه مباشرة للطاعن.
وبما أن هذا العدول من محكمة الموضوع عن المعنى الجلي للمستند القاطع في الدعوى إلى معنى آخر غير ظاهر لا يستقيم إطلاقاً مع سائر ما ورد فيه، ولا يتسق مع ملابسات الدعوى من أية ناحية، إنما هو تشويه لذلك المستند سرى أثره إلى التكييف القانوني الذي كيف به فوقع الخطأ فيه، إذ حتمت المحكمة أن التبرع، وقد حصّلت خطأ أنه من المطعون ضدّه لا من والده، هو تبرع باطل إذ هو هبة في منقول لم يتم قبضها. وهي بلا ريب لو كانت حصّلت الواقع على حقيقته لكان للأمر وجهة أخرى في نظرها.
وبما أن التشويه الذي حصل في المستند القاطع في الدعوى والخطأ في تطبيق القانون الذي نجم عنه يقتضي نقض الحكم المطعون فيه.
وبما أن الدعوى صالحة للحكم في موضوعها من المستندات المقدّمة فيها ومن دفاع طرفي الخصومة فقد أدلى كل منهما بكل ما يمكن أن يؤيد به دفاعه.
وبما أنه وقد تبين مما سبق ذكره في أسباب هذا الحكم وفي أسباب الحكم الابتدائي الذي أصدرته محكمة سوهاج في الدعوى بتاريخ 24 من يناير سنة 1939 أن والد الخصمين وهب للطاعن مبلغ ثلثمائة جنيه سترها في عقد البيع الذي أصدره لولديه في 25 من ديسمبر سنة 1922 عن منزله الكائن بحي الجمالية بأن أقرّ في ذلك العقد بأن جميع الثمن قد تسدّد له مع أنه كان باقياً على ولديه المشتريين ثلثمائة الجنيه المذكورة. ولما كان مفاد هذا الإقرار أمرين: (الأوّل) أن الطاعن قد أعفى تنفيذاً للهبة المستورة من سداد نصف هذا المبلغ لأبيه. (الثاني) أن النصف الآخر قد أصبح له في ذمة أخيه المطعون ضدّه بطريق الحوالة من الوالد إلى ولده الطاعن على المدين المطعون ضدّه الذي قبل تلك الحوالة والتزم بأن يوفي الدين على الطريقة التي دوّنها في إقرار 17 من مايو سنة 1926. وبهذا الإقرار قد توارى كل ما يتعلق بالهبة إلا ما اتصل بعلة تحوّل نصف قيمتها للطاعن في ذمة المطعون ضدّه، وكان مظهر ذلك التزام هذا لأخيه بأن يدفع له مائة وخمسين جنيهاً، حالما يباع منزلهما ويتوافر لديه هذا المبلغ، من ثمن نصيبه فيه وهو النصف، وذلك بتجنيب ثلثمائة جنيه من أصل الثمن على ذمة الطاعن، أو يدفعها إليه مباشرة. ولا يمكن أن يقال إن هذا الالتزام هو تبرع من المطعون ضدّه حتى تثار قواعد القانون في هبة المنقول، فإن موضوعه لم يكن قط من مال المذكور. ولا يهم في الأمر أنه كان أصلاً من حق الوالد، أي من ماله، وأن هذا الوالد تبرع به للطاعن، فقد انقطعت من جهة صلة التبرع بالالتزام الجديد على ما سبق بيانه، ومن جهة أخرى فإن التبرع وقت حصوله من الوالد كان هبة جائزة نافذة لسترها في صورة عقد بيع المنزل الحاصل في 22 من ديسمبر سنة 1925 على ما تشهد به ظروف الدعوى ويدل عليه الإقرار الصادر من نفس المطعون ضدّه المنازع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق