الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 4 أبريل 2023

الطعن 14 لسنة 9 ق جلسة 11 / 1 / 1940 مج عمر المدنية ج 3 ق 20 ص 42

جلسة 11 يناير سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.

-----------------

(20)
القضية رقم 14 سنة 9 القضائية

اختصاص. 

ارتفاق بالري والصرف. اختصاص المحاكم بالفصل في الدعاوى الخاصة به متعلقة كانت بوضع اليد أو بالملك. دعاوى وضع اليد المتعلقة بالترع والمصارف. اختصاص الجهات الإدارية مع المحاكم بالفصل فيها. دعوى منع تعرّض في مسقى. اختصاص المحاكم بالفصل فيها. لا مخالفة فيه للقانون.
(المادتان 33 مدني و19 من لائحة الترع والجسور الصادرة في 22 فبراير سنة 1894)

----------------
إن الجهة الإدارية ليس لها في الأصل اختصاص بالفصل في حقوق الارتفاق المتعلقة بالري أو الصرف. ولكن المشرع، مراعاة لمصلحة الزراعة وما يقتضيه ذلك من وجوب احترام المساقي والمصارف من تعدّي أحد المنتفعين بها بما يضر الآخرين، قد أجاز لهؤلاء - توخياً للسرعة التي تقتضيها الحال - أن يلجأوا إلى الجهات الإدارية التي خوّلها في هذه الحالة أن تعيد الأمور إلى ما كانت عليه. وذلك دون أن يقصد منع المحاكم مما هو مقرر لها أصلاً من الفصل في هذه الدعاوى سواء أكانت متعلقة بوضع اليد أم بالملك. وبذلك تكون هناك هيئتان مختصتان بالفصل في دعاوى وضع اليد المتعلقة بالترع والمصارف. أما دعاوى الملك فإن المحاكم وحدها دون غيرها هي صاحبة الحق في الفصل فيها. وإذن فقضاء المحكمة باختصاصها بدعوى منع التعرّض في مسقى لا مخالفة فيه للقانون. وإذا كان الحكم الذي تصدره المحكمة بمرور المسقى يقتضي تنفيذه وضع بدّالة على المصرف - الأمر الذي لا يكون الترخيص به إلا من وزارة الأشغال، فإن ذلك لا تأثير له في الاختصاص.


الوقائع

تتلخص وقائع الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وتقرير الطعن وباقي أوراق الدعوى المقدّمة من الخصوم والتي كانت مطروحة من قبل على محكمة الموضوع - فيما يأتي:
بتاريخ 29 من إبريل سنة 1936 أقام الشيخ مصطفى محمود الخولي دعوى أمام محكمة الواسطى الجزئية قيدت بجدولها تحت رقم 1143 سنة 1936 ادعى فيها أنه اشترى من زكريا خليل أفندي 5 أفدنة و14 سهماً كائنة بحوض المايتين الشرقي بزمام الميمون مركز الواسطى، وأنه توجد مسقى مياه قديمة تمر بتلك الأطيان بالقطعة رقم 20 بحوض المايتين الشرقي رقم 14 وتستمد مياهها من ترعة الجنيدي وتنتهي إلى مصرف الجنيدي، وأن البائع له حرر له ورقة عرفية بتاريخ 14 من مارس سنة 1934 التزم له فيها باستمرار الانتفاع بمرور المياه من تلك المسقى ولكن الطاعنين تعرّضوا له فيها بأن هدموها ومنعوا مرور المياه منها متعللين بأنهم تلقوا ملكية بعض الأطيان من البائع بعد شرائه أطيانه، وأنه قدّم شكواه ضدّ المتعرّضين (الطاعنين) فاعترفوا بأحقيته في الانتفاع بمرور المياه وتعهدوا في 17 من مارس سنة 1936 بعدم التعرّض له، ورغماً من ذلك هدموا جزءاً من المسقى حتى لا تصل المياه لأرضه. ولذلك طلب الحكم عليهم بإعادة المسقى إلى حالتها الأولى وتمكينه (أي المطعون ضدّه) من الانتفاع بمرور المياه فيها ومنع منازعة المتعرّضين له مع إلزامهم بالمصاريف والأتعاب والنفاذ.
أنكر الطاعنون على المدعي دعواه وقالوا بأنهم امتلكوا فعلاً بطريق الشراء من زكريا خليل أفندي ثمانية أفدنة وكسرا بحوض المايتين تقع بحري مصرف الجنيدي العمومي الذي يفصل بين أطيانهم وأطيان المدعي الواقعة قبلي ذلك المصرف، وأن المسقى التي يشير إليها المدعي إنما هي مسقى خاصة بأرضهم تأخذ مياهها من ترعة الجنيدي لري أطيانهم وينتهي مجراها في أرضهم على بعد 20 أو 30 قصبة من مصرف الجنيدي، وأن هذه المسقى كانت واستمرّت كذلك دواماً.
ومحكمة الواسطى بتاريخ 25 من مايو سنة 1936 حكمت تمهيدياً بندب خبير لتحقيق الدعوى وكلفته بالانتقال إلى موضع المسقى المذكورة ومعاينتها وبيان مساحتها وحدودها وتحقيق تاريخ إنشائها وتاريخ انتفاع العين المملوكة للمدعى بها، وهل هناك حق ارتفاق لأرض المدعي بمرور المياه من هذه المسقى إلى أرضه، وهل حصل ردم المسقى وتاريخ ردمها، وما هو تاريخ انقطاع انتفاع المدعي بالمسقى. باشر الخبير مأموريته وقدّم تقريراً بنتيجة بحثه وما خلص إليه من الرأي. وبعد ذلك حكمت المحكمة بتاريخ أوّل نوفمبر سنة 1936 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي (المطعون ضدّه) وجود حق ارتفاق سابق على أرض المدعى عليهم (الطاعنين) وليثبت سابقة وجود مسقى وموقعها وحدودها وتاريخ هدمها ومن هدمها. استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة بني سويف الابتدائية، وقيد استئنافهم برقم 36 سنة 1937 طالبين الحكم بعدم قبول الدعوى أو رفضها. ومحكمة بني سويف الابتدائية بهيئة استئنافية رأت تأييد الحكم المستأنف وقضت بذلك في 8 من مارس سنة 1937. أعيدت القضية لمحكمة أوّل درجة فنفذت حكم التحقيق وسمعت شهود الطرفين. وبعد ذلك انتقلت إلى نقطة النزاع واستصحبت الخبير وعاينت محل المسقى الحالي وطرق ري أرض المدعي. ثم حكمت أخيراً بتاريخ 15 من نوفمبر سنة 1937 بإعادة المسقى لغاية حدّ مصرف الجنيدي العمومي مع تمكين المدعي من حق الانتفاع بمرور المياه منها ومنع منازعة المدعى عليهم... إلخ.
استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة بني سويف الابتدائية، وقيد استئنافهم تحت رقم 45 سنة 1938 وطلبوا الحكم بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى لأنها من اختصاص الجهات الإدارية واحتياطياً برفضها. وبتاريخ 17 من نوفمبر سنة 1938 حكمت محكمة بني سويف بهيئة استئنافية بتأييد الحكم المستأنف وإلزام الطاعنين بالمصاريف ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعنين في 23 من يناير سنة 1939 فطعن فيه وكيلهم بطريق النقض في 21 من فبراير سنة 1939 وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدّه... إلخ.


المحكمة

وبما أنه (الطعن) بني على ثلاثة أوجه تتلخص فيما يأتي:
الوجه الأوّل: ومحصله أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون فيما يتعلق باختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى. وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن أرض المطعون ضدّه تروى من ترعة الميمون ولكنه يريد تعديل ذلك ليكون ريها من ترعة أخرى بالرغم من رفض وزارة الأشغال هذا الطلب. وطبقاً للمادة 19 من لائحة الترع والجسور التي صدر بها الأمر العالي في 22 من فبراير سنة 1894 تختص لجان الري بالفصل في الشكاوى المتعلقة بهدم المساقي أو تدميرها، وليس للمحاكم أن تتدخل في ترتيب حقوق الري على الترع العمومية لأنها لا تملك بطبيعة ولايتها التصرف في منسوبات هذه الترع. والقول بجواز تدخل القاضي ليأمر بأن تكون لأرض المطعون ضده مسقى تأخذ مياهها على حساب ترعة أخرى دون إجازة وزارة الشغال لا يتفق مع قاعدة استقلال السلطات لا سيما وأنه لا بدّ قبل الحكم بطلب المطعون ضدّه من وضع بدّاله على المصرف، والترخيص بذلك خارج عن اختصاص المحاكم. هذا هو مبنى الوجه الأوّل.
وبما أن السلطة الإدارية ليس لها في الأصل أي اختصاص في الفصل في حقوق الارتفاق المتعلقة بالري أو الصرف، ولكن المشرع رأى - مراعاة لمصلحة الزراعة - وجوب احترام حالة المساقي والمصارف من تعدّي أحد المنتفعين بها بغير حق إضراراً بجيرانه فأباح لمن مسه ضر، إذا عبث أحد بمسقى أو بمصرف، أن يلجأ للجهات الإدارية، وخوّل لهذه الجهات سلطة الفصل في إعادة الحالة لأصلها بالطرق الإدارية إيثاراً للسرعة التي تقتضيها الحال. وذلك كله بغير أن يسلب المشرع حق المحاكم في الفصل في الدعاوى التي تدخل في اختصاصها سواء أكانت من دعاوى وضع اليد أم دعاوى الملك، فأصبحت هناك هيئتان مختصتان بالفصل في دعاوى وضع اليد. أما دعوى الملك فإنها بقيت من اختصاص المحاكم صاحبة الولاية العامة. فالحكم المطعون فيه إذ قضى باختصاص المحاكم بدعوى منع التعرض في المسقى لم يخطئ القانون إذن. وأما ما أشار إليه الطاعنون من أنه لا بد من وضع بدّالة على المصرف لتنفيذ الحكم بمرور المسقى وأمر الترخيص بوضع البدّالة إنما هو من اختصاص وزارة الأشغال - إن هذا الاعتراض ليس بمانع المحكمة من الفصل في دعوى داخلة في اختصاصها موضوعها إعادة مسقى هدمت لحالتها السابقة.
الوجه الثاني: في هذا الوجه يعيب الطاعنون على الحكم أن الطلب الذي تقدّم به المدّعي (المطعون ضدّه) هو طلب إعادة المسقى لحالتها، أي أن الدعوى هي من دعاوى وضع اليد، وأنهم دفعوا بأن أركان هذه الدعوى القانونية غير متوافرة فما كان من المحكمة الجزئية، وتابعتها المحكمة الاستئنافية، إلا أن عدّلت أساس الدعوى فاعتبرتها دعوى ملك حق ارتفاق، وترتب على ذلك أن المحكمة حكمت في دعوى غير الدعوى التي رفعت إليها فعلاً. ويقول الطاعنون إن هذا قلب للأوضاع يخالف أبسط قواعد القانون التي توجب على القاضي أن يبحث الدعوى في حدود ولايته القضائية. هذا هو مبنى الوجه الثاني.
وبما أن الحكم المطعون فيه قد أخذ بأسباب الحكم الابتدائي، وتلك الأسباب في مجموعها لم تبدّل في منحاها أساس الدعوى الذي رفعت به وهو إعادة المسقى التي هدمت إلى الحالة التي كانت عليها وتمكين رافع تلك الدعوى من الانتفاع بمرور المياه فيها ومنع منازعة خصومه، بل إن المحكمة استمسكت بذلك الأساس، ودللت على حق المطعون ضدّه فيما طلب، وقضت له به كاملاً. وليس من شبهة في أن هذا الأساس في ذاته يقطع بأن الدعوى هي من دعاوى وضع اليد، وقد فصلت فيها المحكمة على أنها كذلك، وحكمها إذن سليم.
الوجه الثالث: يتلخص هذا الوجه في أن المحكمة أخطأت في رفض القضاء بعدم قبول الدعوى. ذلك أن الطاعنين أبدوا هذا الدفع أمام درجتي التقاضي على أساس أنه للقضاء بطلبات المدّعي الخاصة بتمكينه من الري من المسقى بعد إعادتها لا بد أن تمرّ المياه من فوق المصرف العمومي، وهذا يستلزم وجود تصريح من مصلحة الري بإقامة بدالة، وما دام هذا التصريح غير موجود فإنه لا يحق للمدّعي أن يطلب تمكينه من الري من المسقى لأن الحكم بهذا لا بد أن يسبقه ذلك التصريح. وقد أقرّت محكمة ثاني درجة في حكمها برفض مصلحة الري التصريح بوضع بدّالة، وبعبارة أخرى بأن الدعوى سابقة لأوانها، ومع ذلك فإنها لم تقض بعدم قبول الدعوى. هذا هو مبنى الوجه الثالث.
وبما أن هذا الوجه لا يقوم على أساس صحيح إذ تبين أن الدعوى من دعاوى وضع اليد وقد استوفيت شرائطها القانونية فالحكم برفض الدفع الخاص "بعدم قبول الدعوى" هو حكم لا غبار عليه. على أن محكمة ثاني درجة قد ردّت على مسألة ضرورة التصريح من مصلحة الري بالبدّالة لتنفيذ الحكم ردّاً له وجاهته وإن كانت في غير حاجة إلى ذلك الردّ. فيتعين إذن رفض هذا الوجه أيضاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق