الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 10 أكتوبر 2020

الطعن 67 لسنة 5 ق جلسة 27 / 2 / 1936 مج عمر المدنية ج 1 ق 332 ص 1066

جلسة 27 فبراير سنة 1936

برياسة حضرة محمد لبيب عطية بك وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعلى حيدر حجازي بك المستشارين.

---------------

(332)
القضية رقم 67 سنة 5 القضائية

(أ ) وارث.

صدور سند من المورّث لأحد الورثة. طعن أحد الورثة على هذا السند. اعتباره في هذا الطعن كالأجنبي عن المورّث.
(ب) حكم.

رده على كل حجج الخصوم. لا موجب.

-----------------
1 - إن الشريعة الإسلامية قد جعلت للوارث إبان حياة مورّثة حقا في ماله ينحجر به المورّث عن التصرف بالوصية لوارث آخر. وهذا الحق يكون كامنا ولا يظهر في الوجود ويكون له أثر إلا بعد وفاة المورّث، وعندئذ تبرز بقيام هذا الحق شخصية الوارث منفصلة تمام الانفصال عن شخصية المورّث في كل ما يطعن به على تصرفات المورّث الماسة بحقه، وتنطبق عليه كما تنطبق على الأجنبي عن المورّث أحكام القانون الخاصة بالطعن على تصرفات المورّث، فيحل له إثبات مطاعنه بكل طرق الإثبات. فاذا كان مدار النزاع أن المدعى عليهم في الطعن يطعنون على السند الذى تستمسك به الطاعنة بأنه تصرف إنشائي من المورّث أخرجه في صيغته مخرج تصرف إقراري بقصد إنشاء وصية للطاعنة مع أنها من ورثته الذين لا يصح الإيصاء لهم إلا بإجازة سائر الورثة، وقدّم خصوم الطاعنة وهم من الورثة أمام المحكمة أدلة تفيد أن السند المتنازع عليه هو وصية لم يجزها سائر الورثة، فأخذت بهذه الأدلة وأبطلت السند فلا تثريب عليها في ذلك.
2 - محكمة الموضوع ليست ملزمة بأن ترد على كل تفصيلات الدفاع المقدّم ما دام حكمها قد قام على أساس صحيح من الوقائع، وما دام التوجيه القانوني لما استخلصته من تلك الوقائع استخلاصا صحيحا هو توجيه سليم لا عيبه فيه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
بما أن الطعن رفع صحيحا في ميعاده عن حكم قابل له واستوفيت الإجراءات القانونية فهو مقبول شكلا.
وبما أن الطعن بنى على وجهين جعل لكل منهما فروع.
فالوجه الأوّل عنون بأنه خطأ في تطبيق القانون وفى تأويله وجعلت فروعه ما يأتي:
(أوّلا) إن محكمة أوّل درجة ومحكمة الاستئناف جعلتا الورثة الذين ينازعون في صحة سند أمضاه مورّثهم من طبقة (الغير) الذين لهم أن يطعنوا في السند بالصورية وبغير الصورية وبأن يطعنوا في تاريخه بحصول تقديم أو تأخير فيه مع أن القاعدة القانونية أن السند المأخوذ على المورّث حجة على ورثته إلا إذا قدّموا ورقة ضدّ صادرة ممن حرر السند لمصلحته، وفى الدعوى الحالية لم يقدّم الورثة شيئا من ذلك.
(ثانيا) إنه على فرض أن الوارث من طبقة (الغير) وأن له الطعن في موضوع السند بالصورية وبالتقديم أو التأخير في تاريخه، فان عبء إقامة الدليل القانوني على ذلك يقع عليه. وفى الدعوى الحالية لم يقدّم الورثة دليلا قانونيا على حصول تقديم في تاريخ السند، ودعواهم بالصورية غير جائز إثباتها بالقرائن.
(ثالثا) أخطأت محكمة الاستئناف في تطبق القانون حين اعتبرت أن إقرار إسكندر جرجس أفندي في السند بأن القيمة وصلته نقدا هو هبة غير مقبوضة لم تتم لعدم نفاذها بالقبض طبقا للمادة 49 من القانون المدني - أخطأت المحكمة في ذلك إذ أن القاعدة المسلم بها أن الهبة المستترة في صورة إقرار بدين تتم بمجرّد تسليم ورقة الإقرار بالدين.
(رابعا) قد قلب الحكم المطعون فيه القاعدة القانونية في مسائل الإثبات إذ حمّل الطاعنة، وفى يدها سند محرّر بخط وإمضاء مدينها، عبء إثبات صحة موضوع السند.
أما الوجه الثاني فقد جعل عنوانه بطلان الحكم ومدّت منه الطاعنة فرعين:
(الأوّل) أن الحكم المطعون فيه (الحكم الاستئنافي) باطل من حيث تناقضه واضطراب أسبابه لأن الحكم الابتدائي بعد أن اعتبر أن إقرار إسكندر جرجس أفندي في السند بأن قيمته وصلته نقدا هو هبة مستترة لم تتم لعدم نفاذها بالقبض عاد وأعلن بأنه يستفاد من القرائن المقدّمة أن دعوى المديونية غير صحيحة وتكون إذن حقيقة السند وصية لوارث لا تصح إلا بأجازة الورثة.
(الثاني) أن الحكم باطل لأنه لم يبين سبب رفض المحكمة ضمنا أوجه الدفاع التي استعرضتها الطاعنة في صحيفة الاستئناف.
لهذا جميعا طلبت الطاعنة نقض الحكم.
وبما أن النزاع الذى تردّد بين طرفي الخصومة أمام المحكمة الابتدائية ثم أمام محكمة الاستئناف ينحصر في أن الطاعنة تمسكت بأن السند الصادر لها من شقيقها إسكندر جرجس أفندي قد حرر في التاريخ المذكور فيه وهو سبتمبر سنة 1929 وأن قيمته وصلت المدين نقدا كما جاء في عبارته. أما خصومها المطعون ضدّهم فانهم تمسكوا بأن السند صوري لمخالفة السبب الوارد به للواقع وهو أنه وصية، وأن حقيقة تاريخ تحرير السند ليس ما دوّن به، بل إنه حرر في الفترة ما بين أوّل أغسطس سنة 1933 تاريخ سفر المتوفى من مصر وبين 9 منه تاريخ وفاته فجأة في أوربا.
وقد استرسل المطعون ضدّهم في بيان أدلتهم على ما استمسكوا به. وناقشت المحكمة الابتدائية هذه الأدلة موازنة إياها بملاحظات الطاعنة، ثم استخلصت من ذلك جميعا وجوها ستة فصلتها في الحكم من حاصل الوقائع والأدلة والقرائن التي طرحت أمامها، وقطعت برأيها في النزاع صائغة ذلك فيما يأتي:
وحيث إنه لجميع ما تقدّم يكون السبب الوارد في الكمبيالة بمبلغ 5000 جنيه موضوع هذه الدعوى وهو أن القيمة وصلت نقدا سببا غير صحيح وأن الواقع أن إسكندر جرجس أفندي لم يصله شيء من هذا المبلغ ويكون السند بغير سببه الظاهر.
وحيث إنه في هذه الحالة يكون إقرار إسكندر جرجس أفندي في هذا السند بأن القيمة وصلته نقدا إنما حقيقته هبة غير مقبوضة لم تتم لعدم نفاذها بالقبض طبقا للمادة 49 من القانون المدني. فاذا أضيف إلى ذلك أن المورّث إسكندر جرجس أفندي كان حريصا في معاملته مع المدّعية وغيرها طالما كان لديه أمل في الحياة كما يستفاد من حرصه على أخذ إيصالات موقع عليها من المدّعية بمبالغ منها ما قيمته جنيه واحد أو خمسين قرشا (راجع الدفتر) فلا تصدر من مثله هذه الهبة للمدّعية بنية تملكها في الحال، بل لا بدّ أن تكون النية منصرفة إلى أن يكون تنفيذها فيما بعد الموت إيثارا لها على أختها الست زاهية جرجس التي كانت تنازعه في حياته وعلى باقي الورثة من العصبات. وهذا الإيثار من جانب المورّث إلى أخته المدّعية بسبب مساكنتها له ومسالمتها له لا يكون إلا في حالة اليأس من الحياة.
وبما أن المدّعية كانت مصاحبة للمتوفى حتى في سفره إلى أوروبا إلى ساعة وفاته، فقد كانت في ظروف تسمح لها بالتأثير عليه والتسلط على إرادته في وقت دنوّ حياته (تريد أجله). وتدل حالة الورقة على أنها كتبت في وقت غير عادى وإلا لو كانت صادرة في سنة 1929 كما هو تاريخها لكان هناك مجال للروية ولتصحيح ما فيها من الأخطاء باستبدالها بورقة مستوفاة جميع الشرائط القانونية.......... إذا أضيف إلى ذلك كله ما يستفاد من القرائن المتقدّمة من أن دعوى المديونية غير صحيحة يكون السند موضوع هذه الدعوى حقيقته وصية لوارث لا تصح إلا بإجازة باقي الورثة تلك الإجازة الغير المتوفرة في هذه الدعوى ومن ثم يتعين الحكم ببطلان هذا السند لكون حقيقته وصية وبالتالي رفض دعوى المطالبة به.
هذا ما جاء في الحكم الابتدائي.
أما الحكم الاستئنافي المطعون فيه فقد استهل بالعبارة الآتية:
ومن حيث إن الحكم المستأنف قد أصاب كبد الحقيقة فيما قضى به من اعتبار مبلغ السند المرفوع بشأنه الدعوى وصية لوارث لا تصح إلا بإجازة باقي الورثة وهم لم يجيزوها. وفى الواقع لم تقدّم المستأنفة (الطاعنة) أي دليل مقنع على أنها سلمت لأخيها في يوم تحرير السند مبلغ 5000 جنيه........
وبعد أن استطرد الحكم في استظهار بعض وقائع موضوعية تؤيد نظر الحكم الابتدائي اختتم بما يأتي:
ومن حيث مما تقدّم ومن أسباب الحكم الابتدائي التي تأخذ بها هذه المحكمة يجب تأييد الحكم المستأنف.
وبما أنه يبين من هذا الذى اقتبس من الحكمين مضافا إلى ما فصّل فيهما أن النظرية التي استمسكت بها الطاعنة في أوّل فروع الوجه الأوّل من وجهى الطعن لا محل لتطبيقها في الدعوى الحالية، إذ مدار النزاع هنا أن المدّعى عليهم في الطعن يطعنون على السند الذى تتمسك به الطاعنة بأنه تصرف إنشائي من المورّث أخرجه في صيغته على صورة تصرف إقراري بقصد إنشاء وصية للطاعنة مع أنها من ورثته الذين لا يصح الإيصاء لهم إلا بإجازة سائر الورثة. وحق خصوم السيدة فيكتوريا في هذا مستمدّ من الشريعة الإسلامية التي قد جعلت للوارث إبان حياة مورّثه حقا في ماله ينحجر به ذلك المورّث عن التصرف بالوصية لوارث، وإن هذا الحق يظل نائما ولا يتمكن في الوجود ويكون له أثر إلا بعد وفاة المورّث وعندئذ تبرز بقيام هذا الحق شخصية الوارث منفصلة تمام الانفصال عن شخصية المورّث في كل ما يطعن به هذا على تصرفات ذاك الماسة بحقه. وليس من شك في أنه في هذه الحالة تجرى أحكام القانون في شأن الأجنبي عن المورّث، ويحل للوارث إثبات مطاعنه بكل طرق الثبوت إذ شخصيته منفصلة تماما عن المورّث الذى مس حقه بتصرفه بالإيصاء لوارث آخر. وهذا هو ما حصل في الدعوى الحالية إذ أثبت خصوم الطاعنة أمام المحكمة بأدلة موضوعية أخذت بها أن السند المتنازع عليه هو وصية لوارث غير نافذة شرعا لعدم إجازتها من سائر الورثة.
وبما أن ما جاء في التفريع الثاني للوجه الأوّل مردود أيضا بما تقدّم وبأن محكمة الموضوع قد اعتبرت ما قدّمه خصوم الطاعنة دليلا كافيا على صحة مطاعنهم واستخلصت من الوقائع التي فصّلها الدليل المقدّم منهم نتيجة متسقة مع مفهومها العقلي فلا رقابة عليها بعد هذا لمحكمة النقض كما لا معنى لمقولة إن الطاعنة هي التي طولبت بالدليل.
أما التفريع الثالث فمردود بنفس عبارة الحكمين إذ قطعا في جلاء بأن السند إن هو إلا وصية ولم يأت ذكر الهبة إلا في الحكم الابتدائي كمقدّمة لاستقراء منطقي انتهى بأنه لا ريبة لدى المحكمة بأن المورّث قصد الإيصاء. أما نفس الحكم المطعون فيه فلم يتحدّث عن الهبة. وإذن فلا وجود للتناقض المدّعى به.
كذلك التفريع الرابع مردود لما تقدّم ذكره عن التفريع الثاني.
وبما أن ما جاء في الشق الأوّل من الوجه الثاني سبق الرد عليه عند الكلام على التفريع الثالث من الوجه الأوّل.
أما الشق الثاني فمردود بأن محكمة الموضوع ليست ملزمة بأن تردّ على كل تفصيلات الدفاع المقدّم ما دام حكمها قد قام على أساس صحيح من الوقائع، وما دام التوجيه القانوني لما استخلصته من تلك الوقائع استخلاص صحيحا هو توجيه سليم لا عيب فيه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق