جلسة
أول يناير سنة 1974
برياسة السيد المستشار عباس حلمي عبد
الجواد، وعضوية السادة المستشارين: عدلي بغدادي، وعثمان حسين عبد الله، محمد توفيق
المدني، محمد كمال عباس.
---------------
(18)
الطعنان
رقما 53 و57 لسنة 38 القضائية
(1) حكم. "عيوب التدليل". التناقض.
التناقض الذي يبطل
الحكم هو ما تتماحى به أسبابه. أو ما يكون واقعاً في الأسباب بحيث لا يمكن معه فهم
أساس قضاء المنطوق.
(2) حكم. "ما لا يعد تناقضاً". عقد. "إبطال العقد".
بطلان. "بطلان التصرفات". أهلية.
قضاء الحكم ببطلان
تصرفات المحجور عليه تأسيساً على أنه كان عند تصرفه في حالة عته معدم لإرادته.
كفاية ذلك لحمل قضائه. استطراده إلى بحث حالة السفه أو انتفاء هذا الوصف عند تصرف
المحجور عليه إلى آخرين. تزيد.
(3 و4) حكم. "حجية
الحكم". قوة الأمر المقضي. أهلية.
القرار الصادر
بتوقيع الحجز لعته. حيازته حجية مطلقة بوصفه منشئاً لحالة مدنية.
قضاء المنطوق هو
المعول عليه في الحكم. حجية الأمر المقضي لا ترد إلا على هذا القضاء وما يكون من
الأسباب مرتبطاً به ارتباطاً وثيقاً.
(5)محكمة الموضوع. نقض. "مسائل
الواقع". أهلية.
تقدير حالة العته
مما يتعلق بفهم الواقع في الدعوى. لا معقب من محكمة النقض على القاضي في ذلك متى
كان استخلاصه سائغاً.
(6)بطلان. "بطلان التصرفات". عقد.
"إبطال العقد". أهلية. محكمة الموضوع. خبرة.
للقاضي مطلق الحق
في تقدير ما يدلي به الخبراء من أراء. حقه في إقامة قضائه ببطلان العقد لعته
المتصرف على ما يطمئن إليه من شهادة الشهود والقرائن ولو كانت مخالفة لرأي الطبيب.
(7)محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير
الأدلة". نقض. "سلطة محكمة النقض".
سلطة محكمة الموضوع
في تقدير الأدلة. حقها في أن تأخذ بنتيجة دون أخرى. لا رقابة لمحكمة النقض عليها
في ذلك متى كانت الأدلة التي أوردتها من شأنها أن تؤدي إلى هذه النتيجة.
(8)حكم. "تسبيب الحكم". محكمة
الموضوع. إثبات.
عدم التزام محكمة
الموضوع ببيان أسباب عدم اطمئنانها إلى ما لم تأخذ به من أقوال الشهود تعزيز أقوال
الشهود بقرائن قضائية يكمل بعضها بعضاً. عدم جواز مناقشة كل قرينة على حده للتدليل
على عدم كفايتها في ذاتها.
(9)محكمة الموضوع. "مسائل الواقع".
أهلية. حكم. عيوب التدليل.
تعرف حسن نية
المتصرف إليه أو سوء نيته من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع. عدم
مخالفة ما استخلصه الحكم من أقوال الشهود للثابت بمحضر التحقيق. تدليله على سوء
نية المتصرف إليه وعلمه بعته المتصرف بأسباب سائغة. لا قصور ولا خطأ في الإسناد.
---------------
1
- التناقض الذي يفسد الأحكام هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ما تتماحى به
الأسباب بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه، أو ما يكون واقعاً في أسبابه
بحيث لا يمكن معه أن يفهم على أي أساس قضت المحكمة بما قضت به في منطوقه.
2
- متى كان يبين أن الحكم المطعون فيه إذا قضى ببطلان التصرفات الصادرة من محجور
المطعون ضدها وما ترتب عليها من تصرفات - قد أثبت أن ذلك المحجور عليه كان عند
تصرفه إلى الطاعنين في حالة عته معدم لإرادته، وهو ما اتخذه الحكم أساساً للقضاء
ببطلان تلك التصرفات، وكان هذا وحده كافياً لحمل قضائه فإنه لا يعيبه ما يكون قد
استطرد إليه بعدئذ من بحث حالة السفه أو انتفاء هذا الوصف عن تصرفات المحجور عليه
إلى زوجته وأولاده، وإذ كان ذلك من باب الفرض الجدلي والتزيد الذي يستقيم الحكم
بدونه، وليس من شأنه أن يغير من الأساس الذي أقام الحكم عليه قضاءه ومن ثم يكون
النعي عليه بالتناقض غير صحيح.
3
- المعول عليه في الحكم هو قضاؤه الذي يرد في المنطوق دون الأسباب، إلا أن تكون قد
تضمنت الفصل في بعض أوجه النزاع التي أقيم عليها المنطوق والأصل أن حجية الأمر
المقضي لا ترد إلا على منطوق الحكم، وعلى ما يكون من أسبابه مرتبطاً بالمنطوق
ارتبطاً وثيقاً.
4
- القرار الصادر بتوقيع الحجر للعته - بوصفه منشئاً لحالة مدنية - له حجية مطلقة
تسري في حق الناس جميعاً، وإذا التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، واعتد بحجية
ذلك القرار، فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
5
- من المقرر في قضاء هذه المحكمة (1) أن تقدير حالة العته هو مما يتعلق بفهم الواقع في الدعوى فلا يخضع
فيه قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض متى كان استخلاصه في ذلك سائغاً.
6
- الطبيب ليس هو الذي يعطي الوصف القانوني للحالة المرضية التي يشاهدها، بل الشأن
في ذلك للقاضي الذي يملك أن يقيم قضاءه ببطلان العقود لعته المتصرف على ما يطمئن
إليه من شهادة الشهود والقرائن، ولو كانت مخالفة لرأي الطبيب، إذ للقاضي مطلق الحق
في تقدير ما يدلي به الخبراء من أراء.
7
- لمحكمة الموضوع سلطة تقدير أقوال الشهود والقرائن واستخلاص ما تقتنع به منها متى
كان استخلاصها سائغاً ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق، وهي إذ تباشر سلطتها في
تقدير الأدلة تملك الأخذ بنتيجة دون أخرى متى أقامت قضاءها على أسباب كافية لحمله،
ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كانت الأدلة التي أوردتها من شأنها أن
تؤدي إلى هذه النتيجة.
8
- لا إلزام على محكمة الموضوع - إذ تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود - بأن
تسوق أسباب عدم اطمئنانها إلى ما لم تأخذ به منها، وهي إذا ساندت قضاءها - بعد اعتمادها
على أقوال الشهود - بقرائن قضائية يكمل بعضها بعضاً، فإنه لا يسوغ مناقشة كل قرينة
منها على حده للتدليل على كفايتها بذاتها في إثبات الحقيقة التي اطمأنت إليها.
9
- تعرف حسن نية المتصرف إليه أو سوء نيته هو من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها
قاضي الموضوع وإذ كان ما استخلصه الحكم من أقوال الشهود لا مخالفة فيه للثابت
بأقوالهم بمحضر التحقيق، وكانت الأسباب التي استند إليها الحكم في التدليل على سوء
نية الطاعنين المتصرف إليهم ممن تصرف له المحجور عليه - وعلمهما بعته محجور
المطعون ضدها سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن النعي عليه
بالخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب يكون على غير أساس.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقريرين
اللذين تلاهما السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين
استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع -
على ما يبين من الحكم المطعون وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها الأولى في
الطعنين أقامت الدعوى رقم 504 سنة 1961 كلي المنيا على الطاعنين الثلاثة في الطعن
رقم 53 سنة 38 ق - وهم المطعون ضدهم الثلاثة الأخيرون في الطعن 57 سنة 38 ق. وعلى
المطعون ضدهما الثاني والثالثة في الطعن الأول. وهما الطاعنان في الطعن الثاني -
وطلبت الحكم ببطلان عقود البيع المبينة بصحيفة الدعوى والصادرة من محجورها إلى
الطاعنين الثلاثة في الطعن الأول وببطلان التصرفات التي ترتبت عليها واعتبارها
جميعاً كأن لم تكن وقالت في بيان ذلك أن هؤلاء الطاعنين الثلاثة استغلوا عته زوجها
وفساد رأيه واستكتبوه ستة عقود خلال سنتي 1954 و1955 بيعه لهم خمسة وعشرين فداناً
وأنها لذلك طلبت الحجر عليه وقضت محكمة الأحوال الشخصية بالجيزة في 20/ 11/ 1959
بالحجر عليه وبتعيينها قيمة عليه وأنه إزاء بطلان تلك التصرفات وما تبعها من تصرف
أولئك الطاعنين الثلاثة بالبيع في تلك الأطيان إلى المطعون ضدهما الأخيرين فقد
أقامت على هؤلاء الخمسة - بصفتها قيمة على المحجور عليه - هذه الدعوى بطلباتها
سالفة البيان - دفع الطاعنون الثلاثة بسقوط الحق في طلب إبطال عقود البيع الصادرة
إليهم لمضي ثلاث سنوات على إبرامها. وفي 28/ 5/ 1963 قضت المحكمة الابتدائية برفض
هذا الدفع وبإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المدعية "المطعون ضدها الأولى
بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها شهادة الشهود أن حالة عته محجورها وسفهه
كانت شائعة ومعروفة ويعلمها المدعى عليهم جميعاً أو يستطيعون العلم بها وقت حصول
التصرف وكانوا على بينة منها، أو أن التصرف تم بالنسبة للمدعى عليهم الثلاثة الأول
"الطاعنين الثلاثة" نتيجة استغلال أو تواطؤ مع المحجور عليه استباقاً
لصدور قرار الحجر ولينفي المدعى عليهم ذلك وبعد سماع شهود الطرفين قضت المحكمة في
29/ 3/ 1966 للمطعون ضدها الأولى بطلباتها استأنف المحكوم عليهم هذا الحكم
بالاستئنافين رقم 88، 89 سنة 2 ق بني سويف "مأمورية المنيا" وفي 4/ 12/
1967 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن المشترون من المشترين من
المحجور عليه في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 53 سنة 38 ق، كما طعن فيه
المشتريان منهم بالطعن رقم 57 سنة 38 ق، وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت فيهما
الرأي برفض الطعنين، وبالجلسة المحددة لنظرهما قررت هذه المحكمة ضم ثانيهما إلى
الأول ليصدر فيهما حكم واحد والتزمت رأيها السابق.
وحيث إن الطعن
الأول بني على سبعة أسباب والطعن الثاني على أربعة ينعى الطاعنون على الحكم
المطعون فيه بالسبب الخامس من الطعن الأول وبالسبب الأول من الطعن الثاني، التناقض
في التسبيب ويقولون في بيان ذلك أنه بينما ذهب الحكم إلى القول بأن محجور المطعون
ضدهما الأولى كان في حالة عته وسفه معاً، وهما مما لا يتصور اجتماعهما، عاد فنفى
عنه العته ووصفه بالسفه وحده، وذلك في الوقت الذي اعتبر فيه تصرفاته العاصرة
بالبيع إلى زوجته وأولاده صحيحة وهو ما يعيب الحكم بالتناقض.
وحيث إن هذا النعي
مردود ذلك أن التناقض الذي يفسد الأحكام هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة -
ما تتماحى به الأسباب بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه أو ما يكون
واقعاً في أسبابه بحيث لا يمكن معه أن يفهم على أي أساس قضت المحكمة بما قضت به في
منطوقه.
ولما كان الحكم
الابتدائي الصادر في موضوع الدعوى بتاريخ 29/ 3/ 1966 - الذي أيده الحكم المطعون
فيه وأخذ بأسبابه - قد أثبت في مدوناته ما سبق لمحكمة الدرجة الأولى أن قضت به في
28/ 5/ 1963 من رفض الدفع بسقوط الحق في الدعوى لمضي المدة، وإحالة الدعوى إلى
التحقيق لإثبات شيوع حالة عته المحجور عليه، ونقل عن هذا الحكم - في مقام تأسيسه
لما قضى به - قوله "إن المدعية - المطعون ضدها الأولى - بصفتها قيمة على
زوجها أقامت دعواها بطلب الحكم ببطلان عقود البيع التي صدرت من زوجها وأن المقرر
قانوناً أنه بالنسبة لمن صدر له التصرف ممن وقع عيه الحجر للعته عملاً بالمادة
114/ 2 من القانون المدني أنه إذا صدر التصرف قبل تسجيل قرار الحجر فلا يكون
باطلاً إلا إذا كانت حالة العته شائعة وقت التعاقد أو كان الطرف الآخر على بينة
منها باعتبار أن العته معدم لإدارة من يصاب به فتصبح تصرفاته باطلة من وقت ثبوته
ولذلك لا يتطلب بطلانها توافر التحايل على القانون أو الغش أو التواطؤ بين من حجر
عليه للعته والمتصرف له" وسار الحكم الابتدائي الصادر في الموضوع على هذا
النهج في قضائه وانتهى بعد استعراضه لأدلة الطرفين إلى قوله "إنه على هدي ما
تقدم يبين أن الدعوى الماثلة تكاملت لها عناصر صحتها فقد قام الدليل على أن حالة
العته المحجور عليه كانت شائعة وقت إبرام العقود موضوع الدعوى. ولا مناص إعمالاً
لحكم القانون من القضاء ببطلان هذه التصرفات قاطبة" وكان يبين من ذلك أن
الحكم المطعون فيه - إذا قضى ببطلان التصرفات الصادرة من محجور المطعون ضدها
الأولى وما ترتب عليها من تصرفات - قد أثبت أن ذلك المحجور عليه كان عند تصرفه إلى
الطاعنين الثلاثة في حالة عته معدم لإرادته، وهو ما اتخذه الحكم أساساً للقضاء
ببطلان تلك التصرفات، وكان هذا وحده كافياً لحمل قضائه، فإنه لا يعيبه ما يكون قد
استطرد إليه بعدئذ من بحث حالة السفه أو انتفاء هذا الوصف عن تصرفات المحجور عليه
إلى زوجته وأولاده إذ كان ذلك من باب الفرض الجدلي والتزيد الذي يستقيم الحكم
بدونه وليس من شأنه أن يغير من الأساس الذي أقام عليه الحكم قضاءه ومن ثم يكون
النعي على الحكم بالتناقض غير صحيح.
وحيث إن الطاعنين
ينعون بالسبب الأول من الطعن الأول وبالوجه الثاني من السبب الثاني والوجه الأول
من السبب الثالث من الطعن الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون
والقصور في التسبيب ويقولون في بيان ذلك أن دفاعهم أمام محكمة الموضوع كان يقوم
على أن الحجر الموقع على محجور المطعون ضدها الأولى إنما كان للسفه لا العته إذ
اقتصرت أسباب قرار الحجر على إثبات سفهه، مما لا يجوز معه القرار - فيما قضى به في
منطوقه من الحجر عليه للعته أيضاً - قوة الأمر المقضي كما أنه لا يجوز هذه القوة
لصدوره بناء على تواطؤ بين المحجور عليه وزوجته المطعون ضدها الأولى، وإذ أغفل
الحكم المطعون فيه الرد على ما تمسك به الطاعنون من ذلك فإنه يكون علاوة على خطئه
في تطبيق القانون مشوباً بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي
غير سديد ذلك أنه لما كان المعول عليه في الحكم هو قضاؤه الذي يرد في المنطوق دون
الأسباب إلا أن تكون قد تضمنت الفصل في بعض أوجه النزاع التي أقيم عليها المنطوق،
كما أن حجية الأمر المقضي لا ترد إلا على منطوق الحكم وعلى ما يكون من أسبابه
مرتبطاً بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته أن
محكمة الأحوال الشخصية قد "انتهت إلى القضاء بتوقيع الحجر العته والسفه على
"محجور المطعون ضدها الأولى" وأنه ورد بأسباب قرار الحجر الصادر من تلك
المحكمة "أنه ثبت من الكشف الطبي الشرعي أنه مصاب بانحلال عصبي لإدمانه
المسكرات كما ظهر من مناقشته بمعرفة النيابة أن إجاباته تؤيد قيام هذه
الحالة". هو ما يتفق والثابت بقرار الحجر - وقد رتب الحكم المطعون فيه على
ذلك قوله. "أن ما ورد بمنطوق القرار من أن المطلوب الحجر عليه معتوه وسفيه
حاز قوة الأمر المقضي ومرتبط ارتباطاً وثيقاً بأسبابه ولا محل لإعادة مناقشته أو
المجادلة فيه" وكان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه أخذ بأسبابه
قد رد على الإدعاء بصورية قرار الحجر بقوله "أنه لا جدوى مما يثيره المدعى
عليهم من صورية قرار الحجر لأن هذا الحكم هو عنوان الحقيقة فيما يتعلق بحالة
المحجور عليه العقلية والذهنية، وفيا يتعلق بتصرفاته السابقة على الحجر صحة
وبطلاناً في حدود ما يقضي به القانون. ولا محل للقول بأنه صدر تواطؤاً بين الزوج
وزوجته إضراراً بمن تصرف إليهم في أمواله لأن القضاء في هذه الأمور لا يكون رهناً
باتفاقات تتم بين شخص وآخر لتعلقها بأهلية الشخص زوالاً أو نقصاً وتلك أمور متعلقة
بالنظام العام فإذا ما استظهرت محكمة الأحوال الشخصية صحة طلب الحجر فلا يسمع بعد
ذلك من إنسان قول بعكس ما قالت به المحكمة بل ولا تملك محكمة أخرى أن تنتهي إلى
تقريرات تتعارض مع ما قالت به محكمة الأحوال الشخصية في هذا الصدد بقرار الحجر
الذي وضع حداً للجدول في هذا الأمر وكان هذا الذي قرره الحكم المطعون فيه لا
مخالفة فيه القانون، ذلك أن القرار الصادر بتوقيع الحجر قد حاز قوة الأمر المقضي
فيما قضى به من الحجر على زوج المطعون ضدها الأولى للعته وأن هذا القرار - بوصفه
منشئاً الحالة مدنية له حجية مطلقة تسري في حق الناس جميعاً. لما كان ذلك وكان
الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر واعتد بحجية ذلك القرار فإنه لا يكون قد
أخطأ في تطبيق القانون أو شابه قصور في التسبيب ويكون النعي عليه بهذا السبب على
غير أساس.
وحيث إن الطاعنين
ينعون بالسبب الثاني من الطعن الأول وبالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم
المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ويقولون بيان ذلك أن الحكم قضى برفض الدفع
المبدى منهم بسقط حق المطعون ضدها الأولى في طلب إبطال عقود البيع موضوع النزاع
لعدم تمسكها به خلال ثلاث سنوات من تاريخ إبرام تلك العقود، تأسيساً من الحكم على
أن طلب البطلان في واقعة الدعوى يتقادم بمضي خمس عشرة سنة عملاً بنص المادة 141 من
القانون المدني، وفي حين أن طلب المطعون ضدها الأولى إبطال تصرفات محجورها مبناه
بطلانها بطلاناً نسبياً يسقط الحق في التمسك به بمضي ثلاث سنوات طبقاً لنص المادة
140 من ذلك القانون وفي ذلك ما يعيب الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي
مردود ذلك أنه طبقاً لنص المادة 141 من القانون المدني لا تسقط دعوى البطلان إلا
بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد. ولما كان الحكم المطعون فيه - وعلى ما سلف بيانه
- قد أقام قضاءه على أن محجور المطعون ضدها الأولى كان مصاباً بعته معدم لإرادته
في تاريخ العقود الصادرة منه إلى الطاعنين الثالثة - مما يقع معه تصرفه باطلاً
عملاً بنص المادة 114 من ذلك القانون. وأنه لم تمضي خمس عشرة سنة على إبرام تلك
العقود ورتب الحكم على ذلك قضاءه برفض الدفع بسقوط الحق في طلب إبطال تلك التصرفات
بمضي ثلاث سنوات، فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب
غير سديد.
وحيث إن الطاعنين
ينعون بباقي أسباب الطعن الأول وبالوجهين الثاني والثالث من السبب الثالث وبالسبب
الرابع من الطعن الثاني على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في
التسبيب ويقولون في بيان ذلك أنهم تمسكوا أمام محكمة الموضوع بعدم قيام حالة العته
بمحجور المطعون ضدها الأول في تاريخ العقود المطلوب إبطالها واستدلوا على ذلك بما
أثبته الطبيب الشرعي الذي تولى فحصه في تقريره الذي قدمه إلى محكمة الأحوال
الشخصية في قضية الحجر وبما أدلى به أمام تلك المحكمة من أن حالة العته ترجع إلى
شهر سبتمبر سنة 1955 وهو ما أيده فيه التقرير الطبي الاستشاري المقدم من الطاعن
الأول إلا أن الحكم المطعون فيه أطرح هذه الأدلة الفنية وأقام قضاءه على أن حالة
عته المتصرف كانت قائمة به منذ تاريخ سابق على التصرفات الصادرة في غضون سنة 1954
ومستهل سنة 1955 والقضاء تبعاً لذلك ببطلانها وما ترتب عليها من تصرفات واستند في
ذلك إلى أقوال شهود وقرائن لا تصلح لحمل قضائه إذ أنه علاوة على وجوب الاستناد في
تقدير الحالة العقلية إلى أراء ذوي الخبرة بمثل هذه المسألة الفنية، فإن ما ساقه
الحكم من قرائن حاصلها أن توقيع المتصرف على تلك العقود تم بعيداً عن موطنه بمغاغة
وأن الطاعنين الثلاثة في الطعن الأول لم يكونوا إلا ستاراً للطاعنين في الطعن
الثاني اللذين اشتريا الأطيان مثار النزاع منهم بعد تصرف محجور المطعون ضدها
الأولى إليهم فيها لا تنهض دليلاً على ثبوت عته ذلك المتصرف لأن العقود الصادرة
منه قدمت إلى مكتب الشهر العقاري بمغاغة لمراجعتها وأن التوقيع عليها في القاهرة
إنما كان لإقامته بما وقتئذ كما أن شراء الطاعنين في الطعن الثاني لتلك الأطيان
كان على فترات متباعدة وكذلك فإنه ليس فيما شهد به شهود المطعون ضدها الأولى من
اعتياد محجورها معاقرة الخمر منذ أمد بعيد، وأما أبده أحدهم أمام المحكمة
الابتدائية من أقوال تخالف ما سبق له الإدلاء به أمام محكمة الأحوال الشخصية في
قضية الحجر، ما يصلح لإثبات عته ذلك المتصرف في تاريخ العقود الصادرة منه إلى
الطاعنين الثلاثة، وفي ذلك كله ما يعيب الحكم المطعون فيه بالفساد في الاستدلال
والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي
في شقه الأول مردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن تقدير حالة العته هو
مما يتعلق بفهم الواقع في الدعوى فلا يخضع فيه قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض
متى كان استخلاصه في ذلك سائغاً وأن من حقه أن يحيل الدعوى إلى التحقيق لإثبات عته
المتصرف وقت صدور العقود المطعون فيها وأن الطبيب ليس هو الذي يعطي الوصف القانوني
للحالة المرضية التي يشاهدها بل الشأن في ذلك للقاضي الذي يملك أن يقيم قضائه
ببطلان العقود لعته المتصرف على ما يطمئن إليه من شهادة الشهود والقرائن ولو كانت
مخالفة لرأي الطبيب إذ للقاضي مطلق الحق في تقدير ما يدلي به الخبراء من آراء،
ولما كان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه قد أورد
في مقام الرد على ما تمسك به الطاعنون من رأي الطبيب الشرعي قوله "إن ما قال
به الطبيب الذي وقع الكشف على المحجور عليه بمناسبة طلب الحجر من إرجاع حالة العته
إلى تاريخ أو آخر يعتبر في هذا الشأن دليلاً ظنياً لا يرقى إلى مرتبة الدليل
القطعي... وقد قرر الطبيب أنه من الممكن إرجاع حالتي العته والسفه إلى أغسطس أو
سبتمبر سنة 1955 ورغم أن تلك التواريخ متقاربة مع تواريخ التصرفات موضوع الدعوى
مما يوحي في حد ذاته بأن حالتي العته والسفه كانتا قائمتين وقت إبرامها إلا أن
الذي تراه المحكمة مؤكداً هذا المعنى مؤيداً له ما أدلى به شهود المدعية وعلى
الأخص الأول والثالث منهم ولما كان هذا من الحكم سائغاً ولا خطأ فيه فإن النعي
عليه بهذا الشق لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض،
والنعي في شقه الأخر مردود أيضاً بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن لمحكمة
الموضوع سلطة تقدير أقوال الشهود والقرائن واستخلاص ما تقتنع به منها متى كان
استخلاصها سائغاً ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق وأنها إذ تباشر سلطتها في تقدير
الأدلة تملك الأخذ بنتيجة دون أخرى متى أقامت قضاءها على أسباب كافية لحمله ولا
رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كانت الأدلة التي أوردتها من شأنها أن تؤدي
إلى هذه النتيجة، وأنه لا إلزام على محكمة الموضوع - إذا تأخذ بما تطمئن إليه من
أقوال الشهود - بأن تسوق أسباب عدم اطمئنانها إلى ما لم تأخذ به منها كما أنه إذا
ساندت قضاءها - بعد اعتمادها على أقوال الشهود - بقرائن قضائية يكمل بعضها بعضاً
فإنه لا يسوغ مناقشة كل قرينة على حده للتدليل على عدم كفايتها بذاتها في إثبات
الحقيقة التي اطمأنت إليها. ولما كان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه
وأخذ بأسبابه، بعد أن أورد فحوى أقوال شهود أطراف النزاع الذي استمعت إليهم محكمة
الدرجة الأولى نفاذاً لحكمها الصادر في 28/ 5/ 1963 أخذ بأقوال شهود المطعون ضده
الأولى - التي اطمأن إليها في التدليل على عته محجورها في تاريخ تصرفه بالبيع إلى
الطاعنين الثلاثة وشيوع هذه الحالة علاوة على علمهم بها، وساند ذلك بما أورده من
قرائن واتخذ من هذه وتلك قواماً لقضائه وكان الحكم المطعون فيه قد أضاف إلى ذلك
قوله "إن المحكمة تطمئن إلى أقوال شاهدي المستأنف ضدها (المطعون ضدها الأول)
الأول والثالث إذا قرر أولهما أن المحجور عليه.... كان منغمساً في الملذات يحتسي
الخمور ويغيب عن وعيه وفي حالة انهيار كما أنه لا يعرف أنه يوجه نفسه... وأن جميع
الذين يقيمون بمحافظة المنيا يعلمون بحالته... كما شهد الثالث بما يؤيد أقول
الشاهد السابق... وأن المحكمة تطمئن لأقوال هذا الشاهد الأخير التي أدلى بها أمام
المحكمة ولا تثريب عليها إن هي اعتمدت على أقواله دون الأقوال التي أدلى بها أمام
محكمة الأحوال الشخصية لما كان ذلك وكان ما استخلصه الحكم المطعون فيه من أقوال
الشهود يتفق مع ما ورد بشأنها بمحضر التحقيق ولا خروج فيه عما يؤدي إليه مدلولها؛
وكانت القرائن التي استند إليها مستمدة من أوراق الدعوى ومتساندة يكمل بعضها بعضاً
بما لا يجوز معه مناقشة كل منها على حدة، وكانت هذا الأدلة سائغة ومن شأنها أن
تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم من قيام حالة العته بمحجور المطعون ضدها
الأولى إبان تصرفه بالبيع إلى الطاعنين الثلاثة مما لا رقابة لمحكمة النقض عليه
فيه، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذه الأسباب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين
في الطعن الثاني ينعيان بالوجه الرابع من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه
الخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب ويقولان في بيان ذلك أنهما تمسكا أمام محكمة
الموضوع بأنهما كانا يجهلان قيام حالة العته المقول بها بمحجور المطعون ضدها
الأولى إذا أن تاريخ طلب الحجر لاحق على تاريخ التصرفات الصادرة منه إلى الطاعنين
الثلاثة في الطعن الأول بعد شرائهما من هؤلاء بعض الأطيان المبيعة إليهم وكذلك فإن
الطلب والقرار الصادر بتوقيع الحجرة لم يسجلاً، وأنهما كانا بذلك حسني النية وأن
محكمة الدرجة الأولى قدرت جدية هذا الدفاع فقضت بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبيت
المدعية "المطعون ضدها الأولى" أن حالة العته كانت شائعة في تاريخ
التصرفات المطلوبة إبطالها وأن المدعى عليهم "الطاعنين في الطعنين"
كانوا على علم بها، وقد اتفقت كلمة الشهود إثباتاً ونفياً على أنهم لا يعملون
شيئاً عن سوء نية الطاعنين، ولكن الحكم المطعون فيه نسب إلى الشهود ما لم يقولوه
وقضى ببطلان التصرفات الصادرة إليهما، دون أن يعني بالرد على دفاعهما مما يعيبه
بالخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي
مردود ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه دلل على سوء نية الطاعنين. في الطعن
رقم 57 سنة 38 ق. - بقوله "إنه يبين من الحكم المستأنف أنه أقام قضاءه ضد
المستأنفين على ما قرره من أن الشاهد الأول شهد عن صلة المدعى عليه الرابع وزوجته
المدعى عليها الخامسة - الطاعنين في الطعن رقم 57 سنة 38 ق - بالمدعى عليهم
الثلاثة الأول "الطاعنين في الطعن رقم 53 سنة 38 ق" - وعن مدى علمهم
بحالة محجور المطعون ضدها الأولى وأنه نما لعلمه بأن المدعى عليهم الثلاثة الأول
تصرفوا فيما ابتاعوه من..... من أطيان إلى المدعى عليه الرابع وزوجته المدعى عليها
الخامسة وأن... وأطيانه تابعان لزمام بلدة طنبدي وأن المدعى عليه الرابع بحكم
وظيفته كعمدة يعلم كل ما يدور ببلدته خصوصاً وأن التصرفات التي صدرت من.....
للمدعى عليهم الثلاثة الأول كانت أمراً شائعاً لكل الناس وقرر الشاهد الثالث أن
العمدة يعلم بحالة... بحكم مجاورته... وأطيانه التي تبعد عنه بحوالي 2 كيلو متر
كما أن كل من محافظة المنيا على علم بحالته وأن هذه المحكمة تطمئن لأقوال هذين
الشاهدين في شأن علم المستأنفين بحالة...." وقد أضاف الحكم "وقد قطع
شهود المدعية بصفتها بعلم المدعى عليهم جميعاً بما كانت عليه حالة المحجوز عليه
وقت إبرام تلك التصرفات بل إن هؤلاء الشهود قد قطعوا بسوء النية المدعى عليهما
الأخيرين "الطاعنين في الطعن رقم 57 سنة 38 ق" إذ قد رفضا الشراء بادئ
ذي بدء من المحجوز عليه لما يعلمان عن حالته ثم إذ بهما بعد برهة وجيزة تمضي بين
كل العقود الصادرة إلى المدعى عليهم الثلاثة الأول ثم ينتقل بعد ذلك مباشرة إلى
المدعى عليهما الأخيرين بل أن هذه الصورة تقرب إلى الذهن معنى أكبر عمقاً من ذلك
مؤداه أنه المدعى عليهما الأخيرين قد جعلا من المدعى عليهم الثلاثة الأول ستاراً
لستر التصرفات التي استهدف أصلاً أن تكون لهما لأنه لا يمكن تصور أن تكون الصدفة
وحدها هي العامل الوحيد في أن تصدر عقود أربعة من المحجور عليه إلى المدعى عليهم
الثلاثة الأول ثم تتعاقب هذه التصرفات الأربعة رأساً وإلى المدعى عليهما الرابعة
والخامسة". لما كان ذلك وكان تعرف حسن نية المتصرف إليهما أو سوء نيتهما هو
من وسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع وكان ما استخلصه الحكم من أقوال
الشهود لا مخالفة فيه للثابت بأقوالهم بمحضر التحقيق الذي أجرته محكمة الدرجة
الأولى وكانت الأسباب التي استند إليها الحكم في التدليل على سوء نية الطاعنين
المذكورين وعلمهما بعته محجوز المطعون ضدها الأولى سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما
رتبه الحكم عليها فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم
يتعين رفض الطعنين.
لذلك
رفضت المحكمة الطعنين وألزمت الطاعنين في كل
منهما بمصروفات طعنهم وبمبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة للمطعون ضدها
الأولى وحكمت بمصادر الكفالة في كل من الطعنين.
(1) نقض
19/ 1/ 1971 مجموعة المكتب الفني السنة 22. ص 71.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق