الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 10 أكتوبر 2020

الطعن 35 لسنة 5 ق جلسة 12 / 12 / 1935 مج عمر المدنية ج 1 ق 308 ص 975

جلسة 12 ديسمبر سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمد لبيب عطية بك ومراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك المستشارين.

----------------

(308)
القضية رقم 35 سنة 5 القضائية

تسجيل العقود:
(أ ) العقود المنشئة لحق ملكية أو حق عيني عقاري آخر أو نقله أو تغييره أو زواله. وجوب تسجيلها. عدم التسجيل. نتائجه. (المادة الأولى من قانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923)
)ب) المادة 270 من القانون المدني. حكمها لم يعد باقيا بعد قانون التسجيل.
)حـ) الدعوى البوليصية. تعريفها. (المادة 143 من القانون المدني)
)د) العقار موضوع التعهد. ملكية المتعهد وقت تعهده للتصرف إليه. التصرف فيه لآخر. تسجيل المتصرف إليه الآخر عقده قبل المتصرف إليه الأوّل. مانع من إجراء حكم المادة 118 (مدنى).

--------------
1 - إن المادة الأولى من قانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923 تقضى بأن جميع العقود التي من شأنها إنشاء حق ملكية أو حق عيني عقاري آخر أو نقله أو تغييره أو زواله يجب تسجيلها، وأن عدم تسجيلها يترتب عليه ألا تنشأ هذه الحقوق ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول، لا بين المتعاقدين أنفسهم ولا بالنسبة لغيرهم، وأنه لا يكون للعقود غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين المتعاقدين، وأن هذه الأحكام تعتبر مقيدة للنصوص الخاصة بانتقال الملكية والحقوق العينية الأخرى بمجرّد الإيجاب والقبول بين المتعاقدين.
فما لم يحصل التسجيل فان الملكية تبقى على ذمة المتصرف حتى ينقلها التسجيل ذاته للمتصرف إليه ولا يكون للمتصرف إليه في الفترة التي تمضى من تاريخ التعاقد إلى وقت التسجيل سوى مجرّد أمل في الملكية دون أي حق فيها. وفى تلك الفترة إذا تصرف المتصرف لشخص آخر فانه يتصرف فيما يملكه ملكا تاما، فاذا أدرك هذا الشخص الآخر وسجل عقده قبل تسجيل عقد المتصرف إليه الأوّل فقد خلصت له - بمجرّد تسجيله - تلك الملكية العينية التي لم يتعلق بها حق مّا للأوّل، حتى ولو كان المتصرف والمتصرف إليه الثاني سيئ النية متواطئين كل التواطؤ على حرمان المتصرف إليه الأوّل من الصفقة. وإذن فلا يقبل من أى إنسان لم يكن عقده مسجلا ناقلا الملك فعلا إليه أن ينازع من آل إليه نفس العقار وسجل عقده من قبله مدّعيا أن له حقا عينيا على العقار يحتج به عليه، كما أنه لا يقبل مطلقا الاحتجاج على صاحب العقد المسجل الذى انتقلت إليه الملكية فعلا بتسجيله، لا بسوء نية المتصرف ولا بالتواطؤ.
2 - لا يجوز التحدّي بعبارة سوء النية أو حسنها أو العلم أو عدم العلم المشار إليهما بالمادة 270 وغيرها من مواد القانون المدني؛ لأن هذه المادة مؤسسة على مبدأ القانون المدني الذى كان يرتب نقل ملكية المبيع بين المتعاقدين على مجرّد الإيجاب والقبول. وهذا المبدأ قد قضت عليه الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من قانون التسجيل قضاء نهائيا، كما نصت المادة 16 من هذا القانون على إلغاء كل نص يخالفه، وإذن فتلك المادة (270) قد نسخها قانون التسجيل ولم يعد حكمها باقيا.
3 - الدعوى البوليصية المشار إليها بالمادة 143 من القانون المدني هي دعوى شخصية يرفعها دائن لإبطال تصرف مدينه الحاصل بطريق التواطؤ للإضرار به وحرمانه من إمكان التنفيذ بدينه على الملك المتصرف فيه والذى كان يعتمد عليه الدائن لضمان استداده بحقوقه. وليس من نتائج هذه الدعوى تثبيت ملكية المدعى لما يطلب إبطال التصرف فيه.
4 - إن المادة 118 من القانون المدني تشترط في كل من الصورتين الواردتين بها، وهما كون العين مملوكة للمتعهد وقت التعاقد أو كون ملكه لها حدث من بعد التعاقد، ألا يكون قد ترتب للغير حق عيني عليها. فاذا كان العقار الذى هو موضوع التعهد مملوكا للبائع وقت تعهده للمتصرف إليه الأوّل، ثم تعلقت به ملكية شخص آخر تعلقا قانونيا، فهذا مانع من إجراء حكم المادة 118 فيه.


الوقائع

تتحصل الوقائع - بحسب ما هو ثابت بالحكم المطعون فيه - في أن قلادة قرياقص (الطاعن) رفع هذه الدعوى على المطعون ضدّهم أمام محكمة أسيوط الابتدائية الأهلية وقيدت بجدولها العمومي برقم 460 كلى سنة 1933 قائلا فيها إنه اشترى من المطعون ضدّهما الثانية والثالث منزلا بناحية ساحل طهطا مركز طهطا بمقتضى عقد عرفي تاريخه 19 فبراير سنة 1932. وقد ألح عليهما في القيام بتحرير العقد النهائي والتصديق عليه لتسجيله ولكنهما تلكآ في ذلك، وتبين له أن الغرض من تسويفهما أن يبيعا المنزل ثانيا، فأرسل لهما تلغرافا في 10 مارس سنة 1932 يخطرهما فيه برفعه دعوى إثبات حصول التعاقد ويحذرهما من التصرف ثانية في المنزل. وقد رفع فعلا عليهما الدعوى رقم 338 كلى سنة 1932 أمام محكمة بنى سويف الابتدائية الأهلية بعريضة دفع رسمها في 6 مارس سنة 1932 وأعلنت إليهما في 23 مارس سنة 1932 ذكر فيها ما تقدّم، وطلب الحكم بإثبات حصول البيع حتى يمكن تسجيل الحكم ليقوم مقام العقد الرسمي في التسجيل ونقل تكليف المنزل لاسمه. وقد دخل المطعون ضدّه الأوّل رزق الله خير الله خصما ثالثا في الدعوى المذكورة بدعوى أنه مالك للمنزل موضوع النزاع بمقتضى عقد بيع تاريخه 8 مارس سنة 1932 ومصدّق عليه من محكمة طهطا الجزئية الأهلية في 22 مارس سنة 1932 ومسجل في 23 منه، ولكن المحكمة حكمت بتاريخ 13 يونيه سنة 1932 حضوريا بصحة توقيع المطعون ضدّهما الثانية والثالث على عقد البيع العرفي الصادر منهما بتاريخ 19 فبراير سنة 1932 وهذا الحكم تسجل في 14 نوفمبر سنة 1932. وبما أن تصرف المطعون ضدّهما الثانية والثالث بالبيع في المنزل للمطعون ضدّه الأوّل وهو والد المطعون ضدّها الثانية هو تصرف صوري بني على التواطؤ والغرض منه الإضرار به إذ صدر العقد في 22 مارس سنة 1932 وسجل في 23 منه بينما رفع هو دعوى إثبات حصول التعاقد وورد رسمها في 6 مارس سنة 1932، وأرسل تلغرافه في 10 مارس سنة 1932 يحذر فيه البائعين له من التصرف ثانية، فذلك هو يطلب الحكم بتثبيت ملكيته إلى المنزل مع بطلان التصرف الصادر من المطعون ضدّها الثانية إلى والدها المطعون ضدّه الأوّل ومحو التسجيلات المتوقعة على المنزل وكف منازعة المطعون ضدّهم الثلاثة له وإلزامهم بالمصاريف الخ.... وعند المرافعة في هذه الدعوى قرّر المدّعى (الطاعن) أنه اشترى المنزل بثمن قدره 520 جنيها دفع منه وقت التعاقد 370 جنيها والباقي وقدره 150 جنيها تحرّر به كمبيالتان للبائعين وصمم على طلباته السابقة. ودفع رزق الله خير الله (المطعون ضدّه الأوّل) بأن عقده، وقد سجل قبل تسجيل حكم إثبات التعاقد الصادر للمدّعى، فيعتبر هو العقد الناقل للملكية وطلب رفض الدعوى. وقرر حكيم أفندي مرجان في المذكرة التي قدّمها أن البيع تم للمدّعى (الطاعن) على ثمن قدره 350 جنيها وأن الثمن الذى ذكر في العقد غير حقيقي وأن المدّعى لم يدفع إلا 200 جنيه وتحرر عليه بالباقي وقدره 150 جنيها كمبيالتان، ولمماطلته في دفع قيمتهما اضطر إلى بيع المنزل إلى رزق الله خير الله الذى سدّد الثمن جميعه، وعرض حكيم أفندي مرجان أن يردّ مبلغ المائتي جنيه إلى قلادة قرياقص (المدّعى) مع الكمبيالتين المحرّرتين عليه.
ومحكمة أسيوط الابتدائية الأهلية بعد أن أمرت بتحقيق أجرته فعلا قضت بتاريخ 22 فبراير سنة 1934 حضوريا بتثبيت ملكية الطاعن إلى المنزل المبين الحدود والمعالم بعريضة الدعوى وبطلان عقد البيع المؤرّخ 8 مارس سنة 1932 والمسجل في 23 منه الصادر من المطعون ضدّهما الثانية والثالث إلى رزق الله خير الله المطعون ضدّه الأوّل ومحو التسجيلات المتوقعة على المنزل بسببه وألزمت ثلاثتهم بالمصاريف وبمبلغ 300 قرش أتعاب محاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
فاستأنف رزق الله خير الله هذا الحكم طالبا إلغاءه ورفض دعوى قلادة قرياقص (الطاعن) وإلزامه بالمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين. ولدى المرافعة في هذا الاستئناف الذى قيد بجدول محكمة استئناف أسيوط برقم 133 سنة 9 قضائية صمم الحاضر عن المستأنف على طلبه الأصلي وهو إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. ثم طلب من باب الاحتياط إيقاف السير في الدعوى حتى تستبين عناصر دعوى إبطال التصرفات وهى الدعوى التي ارتكن عليها الحكم المستأنف في إبطال هذا البيع الصادر له (كذا). وطلب الحاضر عن المستأنف ضدّه الأوّل (الطاعن) تأييد الحكم المستأنف وإلزام المستأنف بالمصاريف وأتعاب المحاماة، وأصر على أن ثمن المنزل 520 جنيها لا 350 جنيها وأنه دفع منه للمستأنف ضدّهما الثاني والثالثة (حكيم مرجان وتفوقة) 370 جنيها عند تحرير العقد. والحاضر عن المستأنف ضدّهما الثاني والثالثة المذكورين قال إن حقيقة الثمن 350 جنيها، وإن المستأنف ضدّه الأوّل (الطاعن) لم يدفع منه إلا 200 جنيه وعرض على المستأنف ضدّه الأوّل بالجلسة مبلغ المائتي الجنيه والكمبيالتين المحرّرتين عليه بباقي الثمن. ولرفض المستأنف ضدّه الأوّل قبول المبلغ طلب الحاضر عن المستأنف ضدّهما الثاني والثالثة إيداعه على ذمته بخزانة المحكمة وأودع فعلا في 15 ديسمبر سنة 1934.
وبتاريخ 3 يناير سنة 1935 حكمت محكمة الاستئناف حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما يختص بتثبيت ملكية قلادة قرياقص للمنزل موضوع النزاع وبرفض طلبه بشأنه وبإيقاف الفصل في باقي الموضوع إلى أن يحصل قلادة قرياقص على حكم يحدّد مبلغ ما يستحقه قبل المستأنف ضدّهما الثاني والثالثة وأبقت الفصل في المصاريف الآن.
وقبل إعلان هذا الحكم إلى الطاعن طعن فيه بطريق النقض في أوّل أبريل سنة 1935 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّهم بتاريخ 3 و6 من الشهر المذكور. وقدم الطاعن وأوّل وثالث المطعون ضدّهم مذكراتهم في الميعاد القانوني، ولم تقدّم المطعون ضدّها الثانية شيئا، وقدّمت النيابة مذكرتها في 2 نوفمبر سنة 1935.
وبجلسة يوم الخميس الموافق 28 نوفمبر سنة 1935 المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم تأجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن مع كثرة الإسهاب في بيان علله في أصل التقرير وفى المذكرة الشارحة له يقوم في جوهره على سببين:
(الأوّل) أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون ولم يحسن تأويله ولا تطبيقه. وذلك فيما قرّره من أن قانون التسجيل قضى على سوء النية والتواطؤ والتدليس، وأن التفاضل بين عقدين لا يكون إلا بأسبقية التسجيل بصرف النظر عن وجود تواطؤ أو عدم وجوده، مع أن التدليس عمل منكر لا يدور بخلد شارع أن يحميه.
(الثاني) أن الحكم المطعون فيه، وقد قبل دعوى الطاعن باعتبارها دعوى إبطال تصرفات (دعوى البوليصية)، قد أخطأ في رفضه تثبيت ملكية الطاعن للمنزل المبيع ما دام إبطال التصرف بالدعوى البوليصية يعيد الملك إلى مالكه الأصلي وهو المدين، وما دام المقرّر أن الدعوى البوليصية لا ينتفع منها إلا الدائن الذى رفعها، وما دام أن هذا الدائن الذى رفعها هو الطاعن في الدعوى الحالية، وما دام أن موضوع دينه ليس مالا نقديا، بل هو عين عقارية معينة، وما دامت هذه العين ترجع بالدعوى البوليصية إلى مالكها الأصلي فتنفيذ تعهده لا يمكن أن يكون إلا بإعطاء هذه العين للدائن ما دامت هي موضوع دنيه، كما هو مقتضى المادة 118 من القانون المدني.
ومن أجل هذا يطلب الطاعن نقض الحكم وتأييد الحكم الابتدائي أو إحالة الدعوى لمحكمة استئناف أسيوط للقضاء فيها ثانية وفق ما تقرّره محكمة النقض من المبادئ.
عن الوجه الأوّل:
حيث إن المادة الأولى من قانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923 تقضى بأن جميع العقود التي من شأنها إنشاء حق ملكية أو حق عيني عقاري آخر أو نقله أو تغييره أو زواله يجب تسجيلها وأن عدم تسجيلها يترتب عليه ألا تنشأ هذه الحقوق ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين المتعاقدين أنفسهم ولا بالنسبة لغيرهم، وأنه لا يكون للعقود غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين المتعاقدين، وأن هذه الأحكام تعتبر مقيدة للنصوص الخاصة بانتقال الملكية والحقوق العينية الأخرى بمجرّد الإيجاب والقبول بين المتعاقدين.
وحيث إن عبارة هذه المادة واضحة الوضوح كله في أن التسجيل نفسه هو الناقل للملكية وأن مجرّد الإيجاب والقبول لا تأثير له في هذا الصدد، بل إن الملكية تبقى على ذمة المتصرف إلى حين تسجيل العقد فينقلها التسجيل ذاته للمتصرف إليه.
وحيث إن النتيجة المنطقية لهذا أن المتصرف إليه ليس له في الفترة التي تمضى من تاريخ التعاقد إلى وقت التسجيل سوى مجرّد أمل في الملكية دون أي حق فيها.
وحيث إن المتصرف الذى لا زال مالكا في تلك الفترة إذا تصرف لشخص آخر فانه يتصرف فيما يملكه ملكا تاما، فاذا أدرك هذا الشخص الآخر وسجل عقده قبل تسجيل عقد المتصرف إليه الأوّل، فقد خلصت له بمجرّد تسجيله تلك الملكية العينية التي لم يتعلق بها حق مّا للأول. فاذا سجل الأوّل عقده من بعد ذلك فان تسجيله لا يصادف محلا يرد عليه ولا ملكية ينقلها، بل يكون تسجيلا لغوا وعملا حابطا معدوم الأثر.
وحيث إن هذا النظر هو منطق النص، ولا يمنع البتة من صحته واستقامته أن يكون المتصرف والمتصرف إليه الثاني سيئ النية متواطئين أشدّ التواطؤ على حرمان المتصرف إليه الأوّل من الصفقة كما يذهب إلى ذلك بعض الباحثين. ولقد يجلى هذا النظر تجلية عملية واضحة أن المتصرف إليه الأوّل إذا أراد المخاصمة على الملكية فان دعواه لا يمكن إلا أن تكون دعوى تثبيت ملكية سندها هو عقده المسجل ثم هو يطلب فيها الأخذ بعقده هذا وإبطال عقد خصمه المتصرف إليه الثاني ومحو تسجيله لحصوله بطريق التواطؤ. وإذ كانت الملكية بمقتضى صريح النص لا تحصل له إلا بالتسجيل، وكان هو في الفترة التي مضت من تاريخ عقده إلى وقت التسجيل لم تحصل له تلك الملكية، وكان القاضي يستحيل عليه اعتباره مالكا في تلك الفترة، فسيان إذن أن يكون المتصرف والمتصرف إليه الثاني تواطآ أو لم يتواطآ لأنه لا ملكية لا تكون سلبت بهذا التواطؤ وإنما الذى سلبه التواطؤ هو مجرّد أمله في الامتلاك في المستقبل، والآمال ليست حقوقا يحتج بها على الغير.
وحيث إنه فوق كون النظر المتقدّم مستفادا من ذات نصوص المادة الأولى من قانون التسجيل، وأن ذلك التمثيل العملي يجليه كل التجلية، فان الشارع أورد في المذكرة الإيضاحية لقانون التسجيل من البيان الصريح ما يؤكده كل التأكيد. ويجدر أن نثبت هنا الأصل الفرنسي لهذه المذكرة في الصدد الذى بشأنه البحث ونتبعه بترجمته الصحيحة، فان مما يؤسف له كثيرا أن الترجمة التي اعتادت وزارة الحقانية طبعها ضمن مجموعة القوانين والقرارات والمنشورات الخاصة بالتسجيل هي ترجمة غير صحيحة وها هو النص الفرنسي:
Il n’est pas sans intérêt de relever que le principe de la néces - sité de la transcription, pour opèrer le transfert, même entre parties, a été admis par plusieurs législations, qui n’ont pas encore été en mesure d’adopter un systeme complet de Livres Fonciers: telles la législation hellénique et la législation hollandaise.
Au point de vue pratique, ce principe a aussi le grand avan - tage de couper court aux nombreuses contestations surgies sur la portée juridique en la matière, du mot "tiers" et de la restriction "prétendant un droit réel" qui y fait suite à l’article 737 du Code Civil Mixte, ou "ayant des droits sur l’immenble et les ayant con - servés en se conformant à la loi" de l’article 742 du même code; de même qu’aux questions relatives à la bonne ou à la mauvaise foi.
C’est en vain qu’on essaierait d’ invoquer, en sens contraire, les raisons de l’équité et de la bonne foi contractuelle. En effet, il incombe à l’acquereur la charge de remplir la formalité de la trans – cription, Pour porter son acquisition à la connaissance du public, et l’aliénateur n’a que le devoir de ne rien faire qui puisse L’empê - cher d’y procéder utilement. Si. L’aliénateur met l’acquerear dans l’impossibilité de remplir utilement la formalité nècessaire pour opérer le transfert, il est possible d’une action personnelle.
وهاك ترجمته الصحيحة:
"ومما يجدر بالذكر أن مبدأ ضرورة التسجيل لنقل الملكية حتى بين المتعاقدين قد أقرّته جملة شرائع لم تتمكن حتى الآن من إدخال نظام تام للسجلات العقارية كقانون اليونان وهولندا.
ولهذا المبدأ في العمل مزية كبرى هي قطع دابر ما كثر قيامه في هذا الموضوع من الخلاف على تحديد مراد القانون بكلمة "الغير" وبالقيد الوارد بعدها بالمادة 737 من القانون المدني المختلط وهو "ممن يدّعى حقا عينيا" وبالقيد الوارد بالمادة 742 من القانون المذكور وهو "الذين لهم حقوق عينية على العقار وحفظوها بموافقتهم للقانون" وكذلك قطع دابر المسائل الخاصة بحسن النية أو سوئها.
ومن العبث محاولة التحدّي بمقتضيات العدالة وحسن النية الواجب قيامه في المعاقدات للقول بخلاف هذا. فان الواقع أنه يتحتم على من آل إليه الحق أن يقوم بالتسجيل كيما يكون الجمهور على علم من أيلولة هذا الحق إليه، وليس على من صدر منه التصرف سوى أن يمتنع عن كل ما يعرقل إجراء هذا التسجيل إجراءً مفيدا. فاذا وضع من صدر منه التصرف الطرف الآخر في حال يستحيل عليه معها إجراء اللازم لنقل الملكية إجراءً مفيدا فانه يكون عرضه لرفع دعوى شخصية عليه".
من هذا البيان يؤخذ صراحة: (أوّلا) أن مراد الشارع جعل التسجيل هو الناقل للملكية بصفة مطلقة في حق كل إنسان وأنه لا يقبل من أى إنسان لم يكن عقده مسجلا ناقلا الملك فعلا إليه أن يدعى أن له حقا عينيا على العقار يحتج به على من آل إليه نفس العقار وسجل عقده من قبله، بل إن مثل هذه الدعاوى قد قطع القانون دابرها قطعا نهائيا. (وثانيا) وهو نتيجة حتمية لهذا أن لا محل مطلقا للاحتجاج على صاحب العقد المسجل الذى انتقلت إليه الملكية فعلا بتسجيله لا بسوء نية المتصرف ولا بالتواطؤ (الذى ليس شيئا آخر سوى سوء النية لدى المتصرف والمتصرف إليه الثاني معا). (وثالثا) أن الشارع نفسه لاحظ أن من يتصرف أوّل مرة قد يضع المتصرف إليه الأوّل في حال يستحيل معها تسجيل عقده تسجيلا مفيدا أي ناقلا للملك. وذلك طبعا لا يكون إلا بأن يتصرف مرة ثانية ويبادر المتصرف إليه الثاني بتسجيل عقده فتنتقل إليه الملكية قبل أن يتمكن المتصرف إليه الأوّل من تسجيل عقده، فاذا سجله كان تسجيله غير مفيد لعدم مصادفته محلا يرد عليه - لاحظ ذلك وأشار إليه كما تقدّم في مذكرته الإيضاحية فلم يرتب على هذا الوضع إلا المسئولية الشخصية فقط، وصرح بأنه من العبث محاولة التحدّي في مثل هذه الحالة لا بمقتضيات العدالة ولا بمسألة حسن النية الواجب قيامه في المعاقدات. وكل هذا يؤيد النظر المستفاد من ذات نصوص المادة الأولى من القانون.
وحيث إن الاعتراض بالمادة 270 من القانون المدني، والقول بأن حكمها باق لم ينص قانون التسجيل الجديد على إلغائه كالمواد الأخرى التي ألغاها، وبأن نصها الفرنسي يفيد أن سوء نية المتصرف إليه الثاني مانع له من الاحتجاج بتسجيله على المتصرف إليه الأول الذى تأخر في التسجيل، بل بأن نصها العربي مانع من هذا الاحتجاج لو ثبت مجرّد علم المتصرف إليه الثاني بسبق وجود التصرف الأول - هذا الاعتراض برمته لا محل له من الاعتبار: (أوّلا) لأن المادة 270 مؤسسة على مبدأ القانون المدني الذى كان يرتب نقل ملكية المبيع بين المتعاقدين على مجرّد الإيجاب والقبول؛ وهذا المبدأ وقد قضت عليه الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من قانون التسجيل قضاء نهائيا، وجاءت المادة 16 منه فقررت "إلغاء كل نص يخالف هذا القانون" فالمادة 270 المؤسسة على المبدأ الملغى قد نسخت أيضا بعموم هذه العبارة الأخيرة. (ثانيا) أن سوء النية أو حسنها قد قرر واضع القانون صراحة في مذكرته الإيضاحية - كما تقدّم - أنه يريد قطع دابر الخوض في مسائله والقضاء عليها قضاء نهائيا. والواضح أن تقريره هذا ليس الغرض منه بالذات سوى عدم إمكان التحدّي بعبارة سوء النية أو حسنها والعلم أو عدم العلم المشار إليهما في هذه المادة وأمثالها.
وحيث إنه لجميع ذلك يكون الحكم المطعون فيه سليما قانونا من هذه الناحية ويكون وجه الطعن الأوّل في غير محله.
عن الوجه الثاني:
وحيث إن محكمة الاستئناف بعد أن قرّرت في حكمها المطعون فيه أن الحكم الابتدائي المستأنف لم يصب في تثبيت ملكية الطاعن للمنزل المتنازع عليه قالت إنه إنما قضى بتثبيت ملكية الطاعن لهذا المنزل استنادا إلى دعوى إبطال التصرفات (أي إلى الدعوى البوليصية) ثم أخذت تقرّر أحكام هذه الدعوى البوليصية وأنها لا تؤدّى إلى تثبيت ملكية الدائن للعين التي يطلب إبطال التصرف فيها. وبعد تقريرها لتلك الأحكام انتهت إلى ما يفيد أنها اعتبرت أن الطاعن رفع الدعوى البوليصية فعلا وإلى أن المحكمة الابتدائية قد تعجلت فأبطلت التصرف الثاني الحاصل لرزق الله خير الله قبل أن يتحدّد الدين الذى يستحقه قلادة قرياقص (الطاعن) ضدّ البائعين له (المطعون ضدّهما الثانية والثالث) وأنه لذلك يتعين مع القضاء بإلغاء الحكم الابتدائي المذكور بالنسبة لما قضى به من تثبيت ملكية قلادة قرياقص (الطاعن) للمنزل موضوع النزاع أن يوقف السير في الدعوى (أي دعوى بطلان التصرف وهى الدعوى البوليصية المذكورة) إلى أن يتحدّد هذا الدين بدعوى مستقلة.
وحيث إن الدعوى البوليصية المشار إليها بالمادة 143 من القانون المدني هي دعوى شخصية يرفعها دائن لإبطال تصرف مدينه الحاصل بطريق التواطؤ للإضرار به وحرمانه من إمكان التنفيذ بدينه على الملك المتصرف فيه والذى كان يعتمد عليه الدائن لضمان استداده بحقوقه. وليس من نتائج هذه الدعوى - كما قالت محكمة الاستئناف بحق - تثبيت ملكية المدّعى لما يطلب إبطال التصرف فيه.
وحيث إن الدعوى التي رفعها الطاعن على المطعون ضدّهم ليست هي الدعوى البوليصية المذكورة وإنما هي دعوى عينية عقارية موضوعها تثبيت ملكيته للمنزل المتنازع فيه، وسببها ما يزعمه من أيلولة هذه الملكية إليه بطريق المشترى. وإذا كان هو ادّعى بطلان عقد المطعون ضدّه الأوّل لصوريته المتواطأ عليها بينه وبين البائعين المطعون ضدّهما الآخرين أو لحصوله بالتواطؤ معهما إضرارا به ولو لم يكن صوريا فلم يكن ذلك منه إلا بقصد إزالة العقبة التي تعترض دعواه المنحصرة في تثبيت ملكيته، ولم يقصد قط بهذا الادعاء أن له دينا شخصيا على البائعين وأن البائعين تصرفا في ملكهما للمطعون ضدّه الأوّل بطريق التواطؤ فرارا من دينه هذا الشخصي وإضرارا به حتى لا يتمكن من استداده بهذا الدين من ثمنه - لم يقصد الطاعن هذا قط، ولم يطلبه ولو من باب الاحتياط، والحكم المطعون فيه حال من إفادة أي شيء من هذا.
وحيث إن اعتبار محكمة الاستئناف أن هناك دعوى البوليصية قائمة إلى جانب دعوى تثبيت الملكية ومنفصلة عنها، وإيقاف هذه الدعوى البوليصية حتى يتحدّد دين الطاعن هو توليد لدعوى خاصة خارجة عن حدود دعوى الطاعن التى كانت مطروحة أمامها.
وحيث إنه يلوح أن الذى حدا بمحكمة الاستئناف إلى هذا الاعتبار ما طلبه لديها رزق الله خير الله احتياطيا من إيقاف الدعوى (أى دعوى الملكية) حتى تستبين عناصر دعوى بطلان التصرفات. فتكون المحكمة كأنها افتكرت أن هناك دعوى إبطال تصرفات هي الدعوى البوليصية مع أن قلادة قرياقص المدّعى لم يرفع الدعوى البوليصية قط.
وحيث إن وجه الطعن الثاني مستقى جميعه من العبارات التي وردت بأسباب الحكم المطعون فيه خاصة بتلك الدعوى البوليصية التي لم يطرحها قلادة قرياقص المدعى (الطاعن) للمحكمة ولو من باب الاحتياط، ويكون لا محل للنظر في شيء من هذا الوجه الثاني إلا إذا كان خوض محكمة الاستئناف في الدعوى البوليصية وأحكامها وما رتبته على هذا الخوض من النتائج قد أضر بالطاعن، وكان له بسبب هذا الإضرار مصلحة في طعنه.
وحيث إن قضاء محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة لما قضى به من تثبيت ملكية الطاعن للمنزل موضوع النزاع وبرفض دعواه في هذا هو قضاء صحيح كما سلف البيان، فالباقي للطاعن هو تحديد قيمة دينه من ثمن وغيره والسعي في تقاضيه ولو برفع الدعوى البوليصية لإبطال التصرفات الحاصلة إضرارا به وحرمانا له من تقاضى هذا الدين؛ ومن واجبه أن يرفع الدعوى بهذا جميعه عند الاقتضاء. فاذا كانت محكمة الاستئناف أعفته من الآن من الدعوى البوليصية واعتبرتها قائمة لديها وأنه ليس عليه سوى تحديد دينه فليس له أية مصلحة في الشكوى من هذا القضاء، ويكون كل ما أورده في وجه الطعن الثاني تأسيسا على عبارات المحكمة بخصوص الدعوى البوليصية غير معتبر.
وحيث إنه يلاحظ أن هذا الوجه الثاني هو من جهة أخرى غير مقبول لفساد أساسه. ذلك بأن الطاعن انتهى من الأقيسة المتتالية التي أوردها فيه إلى أن المتعين أن يقضى له بالمنزل عملا بالمادة 118 من القانون المدني مع أن هذه المادة تشترط في كل من الصورتين الواردتين بها - وهما كون العين مملوكة للمتعهد وقت التعاقد أو كون ملكه لها حدث من بعد التعاقد - أن لا يكون قد ترتب للغير حق عيني عليها. وبما أن المنزل الذى هو موضوع التعهد إذا كان مملوكا للبائعين وقت تعهدهما للطاعن فانه قد تعلقت به ملكية رزق الله خير الله تعلقا قانونيا، وهذا مانع من إجراء حكم المادة 118 المذكورة فيه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق