جلسة 8 فبراير سنة 1945
برياسة سعادة محمد زكي علي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.
--------------
(204)
القضية رقم 53 سنة 14 القضائية
بيع وفاء.
استرداد المبيع. للبائع عند وفاة المشتري أن يجزئ دعوى الاسترداد. توجيه العرض أو الدعوى إلى بعض ورثة المشتري. لا يعتبر توجيهاً إلى الباقين. (المادة 346 مدني)
الوقائع
تتلخص وقائع هذا الطعن في أن سعد الله سعد بولس أفندي باع إلى محمد عثمان جامع 18 س و11 ط و1 ف بيعاً وفائياً بموجب عقدين، أحدهما محرر في 8 من ديسمبر سنة 1936 ذكر فيه أن المدة التي يجوز الاسترداد فيها خمس سنوات، والآخر في 26 من فبراير سنة 1938 ومدة الاسترداد المتفق عليها فيه أربع سنوات، وقد توفي المشتري في 20 من يونيه سنة 1938 وترك ورثة بعضهم قصر (وهم غير داخلين في هذا الطعن) والباقون بلغ وهم المطعون ضدهم، كما أنه حجر على البائع وعينت زوجته وهي الطاعنة قيمة عليه في 28 من مايو سنة 1938، وفي أول نوفمبر سنة 1939 قبل نهاية الأجلين المعينين في العقدين للاسترداد تقدمت الطاعنة إلى مجلس حسبي الجيزة المختص بتركة المشتري تقول إن من بين أموال المحجور عليه 18 س و11 ط و1 ف مبيعة بيع وفاء للمرحوم محمد عثمان جامع مقابل مبلغ 170 ج بموجب عقدين، وإنها تريد دفع المبلغ المذكور في العقدين لاسترداد المبيع، وبما أنه من بين ورثة المشتري قصراً ولا يمكن الوصية عليهم قبض نصيبهم في المبلغ وشطب تسجيل البيع الوفائي إلا بترخيص من المجلس فهي تطلب الترخيص للوصية في قبض نصيب القصر وشطب التسجيل، وفي 11 من ديسمبر سنة 1939 وافق المجلس على الترخيص للوصية في ذلك.
وفي 28 من فبراير سنة 1942 (بعد انقضاء أجل الاسترداد في العقدين) وجهت الطاعنة إنذاراً إلى المطعون ضدها الأولى عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر برغبتها في دفع 170 جنيهاً إليها بعد تقديمها الإعلام الشرعي المثبت لوراثتها وقرار المجلس الحسبي المثبت لتعيينها وصية والقرار الصادر بالترخيص لها بقبض نصيب القصر وعقدي البيع الوفائي.
وفي 19 من مارس سنة 1942 أقامت الطاعنة بصفتها الدعوى رقم 892 سنة 1942 أمام محكمة مصر الابتدائية على المطعون ضدها الأولى عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر وهم فخر وعثمان ونظيمة وسعدية أولاد المرحوم محمد عثمان جامع، وعلى مجلس حسبي الجيزة، وطلبت فيها سماع المطعون ضدها الأولى الحكم في مواجهة مجلس حسبي الجيزة بإبطال عقدي البيع الوفائي وباعتبارهما كأن لم يكونا وتسليم المقادير الواردة بهما وشطب جميع التسجيلات المترتبة عليهما مع تكليف مجلس حسبي الجيزة بتقديم صورة قراره الصادر في 11 من ديسمبر سنة 1939 ومع إلزام المطعون ضدها الأولى بجميع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وحفظ الحق في مطالبتها بالريع وبالتعويض.
وقبل رفع هذه الدعوى كان المطعون ضدهما الثاني والثالث (وهما ابنا المشتري البالغان) قد رفعا في 9 من مارس سنة 1942 هما والمطعون ضدها الأولى عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر الدعوى رقم 213 سنة 1942 أمام محكمة حلوان على الطاعنة بصفتها وطلبوا فيها الحكم بتثبيت ملكيتهم إلى الأطيان الموضحة بعقدي البيع الوفائي المؤرخين في 8 من ديسمبر سنة 1936 و26 من فبراير سنة 1938 وكف منازعة الطاعنة لهم فيها مع إلزامها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقد أحالت محكمة حلوان في 2 من إبريل سنة 1942 هذه الدعوى إلى محكمة مصر الابتدائية باتفاق الطرفين، وقيدت بجدول هذه المحكمة تحت رقم 966 سنة 1942 كلي مصر.
وفي 7 من أكتوبر سنة 1942 عدلت الطاعنة طلباتها في الدعوى المرفوعة منها بإعلان وجهته إلى جميع ورثة المشتري طالبة الحكم ببراءة ذمة محجورها من قيمة الثمن الوارد بعقدي البيع الوفائي وشطب تسجيلها وتكليف أمين قلم الرهون بالتأشير بذلك وتسليم الطالبة بصفتها هذه الأطيان مقابل دفع مبلغ 513 م و92 ج قيمة المستحق لورثة المشتري بعد عملية الاستهلاك حتى تاريخ جلسة المرافعة مع إلزام المدعى عليهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 11 من ديسمبر سنة 1942 قررت محكمة مصر الابتدائية ضم الدعوى رقم 966 سنة 1942 إلى الدعوى رقم 892 سنة 1942 للفصل فيهما بحكم واحد.
وفي 9 من يناير سنة 1942 قضت المحكمة - أولاً في الدعوى رقم 892 سنة 1942 برفضها، وثانياً في الدعوى رقم 966 سنة 1942 بتثبيت ملكية المدعين إلى 18 س و24 ط وإلى 12 ط موضوع العقدين المؤرخين في 8 من ديسمبر سنة 1936 و26 من فبراير سنة 1938 وكف منازعة المدعى عليها لهم فيها، وثالثاً بإلزام الطاعنة بصفتها بمصاريف الدعويين إلخ.
فاستأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر، وطلبت القضاء لها بطلباتها أمام المحكمة الابتدائية.
وفي 16 من يناير سنة 1944 قضت المحكمة - أولاً في الدعوى رقم 892 سنة 1942 كلي مصر بإلغاء الحكم المستأنف وباستحقاق الطاعنة بصفتها لاسترداد 14 ط من 24 ط في 18 س و11 ط و1 ف المبيعة بالعقدين المسجلين في 11 من ديسمبر سنة 1936 و23 من مارس سنة 1938 نظير دفع مقابلها من ثمن المبيع كله وقدره 170 جنيهاً مع نصيبه من مصاريف التسجيل إلى المطعون ضدها الأولى بصفتها وصية على أولادها القصر من المرحوم محمد عثمان جامع، وذلك من المبلغ المودع في الخزانة من الطاعنة على ذمة الثمن والمصاريف مع إلزام المطعون ضدها الأولى بصفتها المذكورة بالمصاريف المناسبة عن الدرجتين إلخ. وثانياً في الدعوى رقم 966 سنة 1942 كلي مصر بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من تثبيت ملكية المطعون ضدهما الثاني والثالث والمطعون ضدها الأولى بصفتها الشخصية إلى نصيبهم وقدره 10 ط من 24 ط من القدر المبيع بالعقدين المذكورين وإلغائه ورفض الدعوى فيما زاد على ذلك مع إلزام الطاعنة بصفتها بالمصاريف المناسبة عن الدرجتين وإلزام المطعون ضدها الأولى بصفتها وصية بباقي المصاريف عن الدرجتين مع المقاصة في أتعاب المحاماة.
ولم يعلن هذا الحكم. وقد قرر وكيل الطاعنة في 27 من إبريل سنة 1944 الطعن فيه بطريق النقض بتقرير أعلن إلى المطعون ضدهم إلخ إلخ.
المحكمة
ومن حيث إن الطاعنة بنت طعنها على ثلاثة أوجه: الأول مخالفة الحكم المطعون فيه للمادة 167 من القانون المدني، والثاني خطؤه في تطبيق أحكام الوكالة، والثالث قصوره في التسبيب. وفي بيان الوجهين الأول والثاني تقول الطاعنة إن محكمة الاستئناف لم تعتبر إجراءات الاسترداد صحيحة بالنسبة إلى البالغين من ورثة المشتري بمقولة إن الطاعنة لم تبد رغبتها في الاسترداد إلا بالنسبة إلى حصة القصر استناداً إلى الطلب المقدم منها إلى المجلس الحسبي في أول نوفمبر سنة 1939 مع أنها ما كانت تعلم أن للمشتري ورثة آخرين غير الوصية وأولادها القصر، وتحت تأثير هذا الاعتقاد الذي كانت فيه حسنة النية اقتصرت في توجيه الرغبة في الاسترداد إلى القصر والوصية فقط. وعقبت الطاعنة على ذلك بأن المادة 167 من القانون المدني تقضي بصحة الوفاء للمالك الظاهر وبأنه عند وحدة الحق يكون الشركاء كل منهم وكيلاً عن الآخر. فالشريك في الملك المشاع، وكذلك الوارث الظاهر، إذا رفعت منه أو عليه دعوى فإن الحكم الذي يصدر يكون حجة على الشركاء أو على التركة إذا كانت التركة هي المقصودة بالذات. وأضافت الطاعنة إلى ذلك أن الحكم لم يصب حين قال إنه "لا محل لحسن النية والعاقدان من بلد واحد مما كان يسهل معه التحقق". وذلك أنه بفرض أن العاقدين من بلد واحد فإن هذا لا يترتب عليه معرفة أحدهما للآخر، وخصوصاً أن أحد العاقدين وهو المشتري توفي والثاني وهو البائع حجر عليه. والإهمال بغير قصد، وعجز القائم بالعمل عن القيام به على الوجه الصحيح، لا ينفيان حسن النية، إذ حسن النية معناه أن يكون الإنسان قد قام بعمله بلا قصد سيئ وباعتقاد أنه يقوم بعمله خير قيام، صح هذا الاعتقاد أم لم يصح. ومسألة حسن النية وإن كان ظاهرها أنها موضوعية هي في الواقع مسألة قانونية لمحكمة النقض مراقبة استنتاج محكمة الموضوع لها. وتقول الطاعنة إنها أظهرت رغبتها في استرداد جميع الأطيان ودفع جميع الثمن وإنه وإن كان الطلب الذي تقدمت به للمجلس الحسبي كان مقصوراً على حصة القصر فإنها ما كان يمكنها أن تطلب من المجلس شيئاً يتعلق بحصة البالغين، وإنه على أسوأ الفروض كان يتعين على محكمة الاستئناف أن تعتبر ما اتخذته من الإجراءات صحيحاً أيضاً بالنسبة إلى حصة الوصية على القصر وهذه الحصة هي ثلاثة قراريط. وفي بيان الوجه الثالث من أوجه الطعن تقول الطاعنة إن اقتصار محكمة الاستئناف على ما ذكرته من "أن ما أثاره وكيل المستأنفة (الطاعنة) عن الوارث الظاهر وتمثيل أحد الورثة لباقيهم لا يعتد به في مثل الدعوى" لا يكفي في تسبيب الحكم. كما أن ما ذكرته المحكمة في صدد الرد على التمسك بحسن النية لا ينهض سبباً كافياً لنفيه.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة استعرضت الإجراءات التي اتخذتها الطاعنة في الميعاد المبين في كلا العقدين لاسترداد المبيع، فقالت إنه ليس ثمة نزاع في أنه لم يحصل عرض حقيقي أو إيداع للثمن في مدة الأجلين المعينين في العقدين للاسترداد، إذ لم يحصل فيهما سوى الطلب المقدم من الطاعنة إلى المجلس الحسبي في أول نوفمبر سنة 1939، وبما أن هذا الطلب اقتصر على الترخيص للوصية في قبض نصيب القصر، فلا يمكن أن يتعدى إلى الوصية نفسها ولا إلى باقي الورثة، ولذا فلا يلزمهم. وقد ردت المحكمة على ما دفعت به الطاعنة من أنها كانت تجهل وجود ورثة آخرين غير القصر، كما ردت على ما استندت إليه من التمسك بنظرية الوفاء للمالك الظاهر، وبأن الدعوى التي ترفع على أحد الورثة يلتزم بها الباقون - ردت على ذلك بقولها: "إن ما أثاره وكيل المستأنفة (الطاعنة) عن الوارث الظاهر وتمثيل أحد الورثة لباقيهم لا يعتد به في مثل الدعوى، ولا محل لحسن النية والعاقدان من بلد واحد مما كان يسهل معه التحقق، كما أن لكل وارث حقه الثابت فإذا ما قصرت المستأنفة فلا يؤخذ باقي الورثة بهذا التقصير". ثم قالت إن الأصل في حق الاسترداد أنه غير قابل للتجزئة، فلا يجوز استرداد جزء من المبيع وترك الباقي، غير أن الحكم يختلف إذا توفى المشتري وخلفه ورثته وأراد البائع استرداد المبيع، فهو بالخيار إن شاء جمع بين الورثة واسترد المبيع بأكمله وإن شاء استرد بعض الحصص دون الباقي، وعليه فلا يكون للطاعنة حق إلا في نصيب القصر.
ومن حيث إنه يتضح مما تقدم أن المحكمة لم تخطئ إذ لم تجز الاسترداد إلا بالنسبة إلى حصة القصر في المبيع، ما دام لم يصدر من الطاعنة أي عرض للثمن إلا في الطلب المقدم منها للمجلس الحسبي، وهذا الطلب لا يتناول إلا حصة القصر فقط، فلا يتناول حصة باقي الورثة ولا حصة الوصية نفسها. أما ما تقوله من أنها كانت حسنة النية في اعتقادها أنه لم يكن للمشتري ورثة غير الوصية وأولادها القصر، وأن المادة 167 من القانون المدني تحميها في عرضها الثمن على المالك الظاهر قبل انتهاء الأجل المعين في العقدين - أما ما تقوله من هذا فمردود بأن المحكمة لم تصدقها في دعواها بناءً على الاعتبارات التي ذكرتها والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبته عليها. ومع ذلك فإن الطلب المقدم من الطاعنة إلى المجلس الحسبي، وهو الذي تعتمد عليه في عرض الثمن، صريح في أنها إنما تعرض الثمن فيما يتعلق بنصيب القصر من الورثة، مما معناه أنها تسلم فيه بأن هناك من هم ورثة المشتري غير قصر. وأما ما تقوله من أنه عند وحدة الحق يكون الشركاء كل منهم وكيلاً عن الآخر، وأن الحكم الذي يصدر ضد الشريك على الشيوع أو الوارث يكون حجة على الشركاء أو على التركة، فمردود أيضاً بأنه وإن كان الاسترداد بحسب الأصل لا يقع إلا على المبيع كما هو، إلا أن الفقرة الثانية من المادة 346 من القانون المدني قد استثنت الحالة التي تكون فيها دعوى الاسترداد "مقامة على ورثة المشتري بالنسبة للحصص المشاعة بينهم أو المفروزة التي يملكها كل منهم". وهذا لا يصح معه القول بأن توجيه العرض أو الدعوى إلى بعض الورثة يعتبر توجيهاً إلى الباقين. ومتى كان للبائع عند وفاة المشتري، أن يجزئ دعوى الاسترداد بمطالبة بعض الورثة دون الآخرين فلا وجه لقول الطاعنة إن دعواها، بعد تجزئتها، تعتبر موجهة إلى جميع الورثة.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك فلا يصح أن ينعى على الحكم أنه أخطأ أو أنه قصر في التسبيب ويكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.