جلسة 7 من يونيه سنة 1978
برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين الدكتور إبراهيم صالح؛ محمد الباجوري، صلاح نصار وإبراهيم فراج.
---------------
(276)
الطعن رقم 263 لسنة 44 القضائية
(1) إيجار "إيجار الأماكن".
الأجرة التي تخضع للتخفيض الوارد بالقانون 55 سنة 1958. هي الأجرة الحقيقية التي انعقدت عليها الإرادة الصحيحة للمتعاقدين.
(2) إيجار "إيجار الأماكن". قانون.
تخفيض المؤجر للأجرة بواقع 15% إعمالاً للقانون 199 سنة 1952 رغم عدم انطباقه. عدم اعتداد المحكمة بهذا التخفيض استناداً إلى أنه غلط في القانون. لا خطأ.
(3) دفوع. نظام عام. قانون.
الدفع بالجهل بالقانون. شرطه. أن تكون المخالفة لقاعدة غير متعلقة بالنظام العام. إعمال المتعاقد قاعدة قانونية في غير محلها. هو غلط في القانون.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 2998 لسنة 1963 مدني أمام محكمة القاهرة الابتدائية والتي قيدت فيما بعد برقم 6840 لسنة 1971 مدني شمال القاهرة الابتدائية ضد شركة الشرق للتأمين المطعون عليها بطلب الحكم بتخفيض أجرة الشقة استئجاره منها بواقع 20% اعتباراً من أول ديسمبر 1960 وجعلها 35 ج و200 مليم بدلاً من 44 ج شهرياً، وقال شرحاً لها أنه بموجب عقد مؤرخ 31/ 10/ 1960 استأجر من المطعون عليها الشقة رقم....... لقاء أجرة شهرية قدرها 44 ج، وإذ تبين أنها لم تعد للسكنى إلا في عام 1953 ومن ثم تخضع أجرتها للتخفيض المنصوص عليه في القانون رقم 55 لسنة 1958 بنسبة 20%، وامتنعت المطعون عليها عن تطبيق هذا القانون فقد أقام الدعوى. وبتاريخ 23/ 1/ 1964 حكمت المحكمة بندب مكتب الخبراء لبيان ما إذا كانت عين النزاع تم إنشاؤها وتهيئتها للسكنى قبل 18/ 9/ 1952 تاريخ العمل بالقانون سالف الذكر أم في تاريخ لاحق، وبعد أن قدم مكتب الخبراء تقريره وضمت الدعوى إلى دعويين أخريين، حكمت المحكمة في 16/ 6/ 1966 بندب أحد الخبراء لأداء المأمورية المحددة بمنطوق الحكم، وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت في 17/ 4/ 1969 بندب مكتب الخبراء لبيان أجرة كل من شقق النزاع في شهر يونيه 1958 أو خلال السنة السابقة على ذلك التاريخ مخفضة أقلهما بنسبة 20% فإن تعذر ذلك فعليه بيان أجرة كل منهما بالمقارنة بأجرة شقة مماثلة ثابت إيجارها في شهر يونيه 1958 وتخفيض تلك الأجرة بنسبة 20%، وبعد أن قدم مكتب الخبراء تقريره التكميلي عادت المحكمة فحكمت في 26/ 4/ 1973 بتخفيض أجرة شقة النزاع إلى مبلغ 36 جنيه، 200 مليم شهرياً اعتباراً من 1/ 7/ 1958 ثم 28 جنيه و960 مليم شهرياً اعتباراً من 1/ 3/ 1965 استأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالاستئناف رقم 4313 لسنة 90 ق القاهرة طالبة إلغاءه وبتاريخ 29/ 1/ 1974 حكمت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم المستأنف بتخفيض أجرة شقة النزاع إلى مبلغ 41 جنيه، 600 مليم شهرياً اعتباراً من 1/ 12/ 1960 ثم إلى 33 جنيه، 280 مليم شهرياً اعتباراً من 1/ 3/ 1965. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى بهما الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والبطلان والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أخضع أجرة شقة النزاع لقواعد التخفيض المقررة بالقانونين رقمي 199 لسنة 1952 و55 لسنة 1958 في ذات الوقت وطبق أحكام أولهما تطبيقاً كاملاً وطبق الثاني تطبيقاً مبتسراً، فقد اعتمد تخفيضاً بنسبه 15% قررته المادة 5 مكرراً (1) المضافة بالمرسوم بقانون رقم 199 لسنة 1952 ولم يعتمد من التخفيض الذي قررته المادة 5 مكرراً (4) المضافة بالقانون رقم 55 لسنة 1958 وقدره 20% سوى 5% فقط، في حين أن كل قانون من القوانين الاستثنائية محدد في تطبيق أحكامه بفترة زمنية لا يجاوزها وأن المبنى وقد تم إنشاؤه بعد 18/ 9/ 1952 فقد كان للملاك مطلق الحرية في تحديد الأجرة فإذا قامت المطعون عليها بتخفيض الأجرة من تلقاء نفسها في حدود النسبة المقررة بالقانون رقم 199 لسنة 1952 فإن هذا التخفيض يكون وليد إرادتها المطلقة وليس تطبيقاً لحكم هذا القانون، وما نص عليه في العقد بشأن تطبيقه يكون لغواً ويعتبر من قبيل التحايل على القانون، ولا أساس لما دفعت به المطعون عليها من أن تخفيضها الأجرة كان وليد الخطأ في القانون لاستحالة وقوعه من شركة كبيرة تمتلك العديد من العقارات ولأنه لا يقبل من أحد الدفع بالجهل بالقانون. هذا إلى أن الحكم لم يتعرض لما دفع به من بطلان نص التخفيض الوارد بالعقد ولم يرد على ما أورده الحكم الابتدائي من أسباب مناهضة بالإضافة إلى أنه وقد اعتد بالتخفيض الذي أجرى تطبيقاً للقانون رقم 199 لسنة 1952 يكون قد ناقض ما أورده من أن الحكم النهائي الصادر من محكمة أول درجة في 16/ 6/ 1966 قطع في خضوع شقة النزاع لأحكام القانون رقم 55 لسنة 1958 وهو ما يعيبه بالبطلان والقصور في التسبيب فضلاً عن الخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كانت المباني التي أنشئت بعد العمل بالقانون رقم 199 لسنة 1952 وحتى صدور القانون رقم 55 لسنة 1958 لم تكن تخضع من حيث تقدير أجرتها لقواعد قانونية معينة وإنما كان تقديرها متروكاً لمطلق إرادة المتعاقدين لا يحكمها في ذلك سوى قانون العرض والطلب، فإن مؤدى إخضاع أجور هذه الأماكن إلى التخفيض المقرر بالقانون رقم 55 لسنة 1958 الذي قضى بسريان أحكامه على الأجرة التي كان يدفعها المستأجر خلال سنة سابقة على تاريخ العمل به أو الأجرة الواردة في عقد الإيجار أيتهما أقل، أن تكون الأجرة المعتبرة في هذا المقام هي الأجرة الحقيقة التي انعقدت عليها الإدارة الصحيحة للمتعاقدين عند بدء التأجير أو التي اتفق المتعاقدان عليها فيما بعد متى استمر المستأجر في دفعها خلال السنة السابقة على العمل بالقانون وكانت تقل عن الأجرة الأصلية. لما كان ذلك وكانت المطعون عليها قد أسست دفاعها على أنها وقعت في غلط في القانون عند تأجيرها شقتي النزاع في تاريخ سابق على العمل بالقانون رقم 55 لسنة 1958 إذ اعتقدت أن المبنى يخضع لأحكام التخفيض المقررة بالقانون رقم 199 لسنة 1952 لبدء إنشائه في ظله وقامت بتخفيض الأجرة المتفق عليها وفقاً للنسبة المحددة به وهي 15%، وكان المقرر وفقاً للمادتين 120 و122 من القانون المدني أن للمتعاقد الذي وقع في غلط في القانون أن يطلب إبطال التصرف الذي شابه هذا الغلط متى كان جوهرياً ووقع فيه المتعاقد الآخر أو اتصل علمه به أو كان من السهل عليه أن يتبينه، وكان الحكم المطعون فيه لم يعتد بما أجراه المتعاقدان من تخفيض على الأجرة المتفق عليها على سند من وقوعهما في غلط في القانون نتيجة أعمالهما قواعد التخفيض المقررة بالقانون رقم 199 لسنة 1952 رغم عدم سريان أحكامه على المكان المؤجر، واستدل على توافر هذا العيب من عيوب الإرادة بما أورده من أنه ".. ومن حيث إنه بالنسبة للشقة رقم 107 استئجار المستأنف عليه الأول - الطاعن - فقد استرشد بالشقة 47 من ذات العمارة ووجدها الخبير مماثلة تماماً لشقة النزاع وأنها مؤجرة إلى...... بعقد مؤرخ 7/ 9/ 1953 - نظير 43 جنيهاً - وأن الشركة المستأنفة - المطعون عليها - قدمت للخبير عقدي إيجار عن الشقة 107 سابقين على استئجار المستأنف عليه الأول لها أو لهما مؤرخاً 18/ 8/ 1953 صادراً إلى جوزيف بترجيان وواضحاً به أن الأجرة 52 جنيهاً شهرياً أصبحت بعد تخفيضها بنسبة 15% طبقاً للقانون رقم 199 لسنة 1952 مبلغ 44 جنيهاً والعقد الآخر مؤرخاً 27/ 8/ 1956 صادرا..ً... وأثبت الخبير أنه جاء به مثل ما جاء بالعقد السابق بالنسبة للأجرة.. ومن حيث إنه بالنسبة لعقود الإيجار المقدمة فإن الثابت من الأوراق أن عقد إيجار الشقة 47 التي استرشد بها محامي المستأنف عليهم بالنسبة للشقة 107 (محضر أعمال الخبير في 16/ 11/ 1971) تاريخه 7/ 9/ 1953 وإن عقدي الإيجار للشقة 107 موضوع النزاع المقدمين من المستأنفة لم يعترض عليهما المستأنف عليه الأول بأي اعتراض أو يطعن عليهما بطعن جدي وأحدهما مؤرخ 18/ 8/ 1953 والثاني مؤرخ 27/ 8/ 1956 وأوضح من ذلك أن شقة النزاع رقم 107 كانت قيمتها الإيجارية 52 جنيهاً شهرياً وخفضت 15% حسبما ورد بعقد الإيجار إعمالاً للقانون رقم 199 لسنة 1952 وهذا التطبيق خاطئ وإذ كانت الشركة المؤجرة قد أخطأت في تطبيق قانون بدلاً من قانون آخر فإن هذا لا يعني أنها أجرت شقق النزاع طواعية بإيجار مخفض إذ الثابت من عقد الإيجار سالف الذكر أن القيمة الإيجارية المسماة لهذه الشقة 52 جنيهاً وأن الواجب إجراء التخفيض عليها بنسبة 20% إعمالاً للقانون رقم 55 لسنة 1958 وبنسبة 20% تطبيقاً للقانون رقم 7 لسنة 1965 وبذلك تصبح أجرتها 41 ج و600 مليم من 1/ 12/ 1960 تاريخ تنفيذ العقد ومبلغ 22 ج و280 مليم من أول مارس سنة 1965... وهذا ما يتعين تعديل الحكم المستأنف مع مراعاة أن عقود شقق المثل سابقة بمدة طويلة على صدور القانون 55 لسنة 1958 مما نجد المحكمة معه أن المؤجرة لم تكن تتوقعه حتى تعمل للتحايل عليه وأن إجراءاها تخفيض 15% إعمالاً للقانون رقم 199 لسنة 1952 خطأ قانوني لا يقيدها ولا يفهم منه أن إرادتها انصرفت إلى تخفيض الإيجار بنسبة تزيد عن النسبة التي نص عليها القانون، ويؤيد هذا النظر أنها نصت في عقود الإيجار كلها أن التخفيض بنسبة 15% إعمالاً للقانون رقم 199 لسنة 1952 فإذا ما تبين أنها طبقت قانوناً بدلاً من قانون آخر وكانت نيتها منصرفة إلى أعمال القانون وليست منصرفة إلى التنازل عن حق لها فإنه يجب رد حقها إليها وإنزال حكم القانون الصحيح بالنسبة لطرفي النزاع لأن خطأها جاء نتيجة تعدد القوانين وعدم قدرتها على تفسيرها فلا تضار بذلك ولا يمكن للمستأجرين استغلال هذا الخطأ لصالحهم خصوصاً وأن المحكمة أعطتهم حقوقهم بإجراء التخفيض المقرر بالقانونين رقمي 55 لسنة 1958 و7 لسنة 1965 كما أنه يضاف إلى ما سلف - وقد سبق بيانه - أن عقود إيجار الشقق المسترشد بها عرضت في حضور الطرفين بمحاضر أعمال الخبير وتمت المعاينة في حضورهما ممثلين في الدفاع الحاضر عن كل منهما ولم يعترض بشيء على هذه العقود مما جعل المحكمة تطمئن إليها جميعاً. فإن هذا الذي أورده الحكم سائغ في التدليل على أن الاتفاق على تخفيض الأجرة المتعاقد عليها لم يكن من قبيل التحايل على القانون وإنما جاء وليد الغلط فيه ومن ثم يقع باطلاً وتكون الأجرة قبل تخفيضها هي المتعين اتخاذها أساساً للتخفيض المقرر بالقانون رقم 55 لسنة 1958 الواجب التطبيق. لما كان ذلك وكان لا أساس لما يتمسك به الطاعن من عدم جواز الدفع بالجهل بالقانون لأن الأمر في الدعوى لا يدور حول وقوع مخالفة لقاعدة قانونية من قواعد النظام العام التي يفترض علم كل شخص بها ومن ثم لا يجوز تبريرها بالجهل بهذه القاعدة وإنما يقوم على أساس إعمال قاعدة قانونية خطأ في غير مجال تطبيقها وهو ما يخضع لقاعدة الغلط في القانون المنصوص عليها في المادة 122 من القانون المدني على ما سلف بيانه. لما كان ما تقدم، وكان ما ساقه الحكم المطعون فيه كافياً لحمل قضائه وللرد على ما أثاره الطاعن من أوجه دفاع وما جاء بأسباب الحكم الابتدائي ومتفقاً مع تقريره بأن النزاع حول خضوع العلاقة الإيجارية لأحكام القانون رقم 55 لسنة 1958 قد حسم بالحكم الصادر من محكمة أول درجة في 16/ 6/ 1966 والذي حاز قوة الأمر المقضي، فإن النعي عليه بالبطلان والخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.