جلسة 26 من إبريل سنة 1978
برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور إبراهيم صالح، محمد الباجوري، صلاح نصار وإبراهيم فراج.
---------------
(224)
الطعن رقم 23 لسنة 46 ق "أحوال شخصية"
(1 - 4) أحوال شخصية لغير المسلمين.
(1) تغيير الطائفة أو الملة. لا ينتج أثره إلا بقبول الطلب وإتمام الطقوس والمظاهر الخارجية الرسمية. مؤدى ذلك. وجوب أن يكون للطائفة أو الملة الجديدة وجود قانوني ورئاسة دينية معتمدة من الدولة.
(2) الشريعة الإسلامية وجوب تطبيقها في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين على المسلمين وغير المسلمين المختلفي الطائفة أو الملة. تحديد ما إذا كان الانتماء لجماعة معينة بعد تغييراً للعقيدة الدينية. وجوب الرجوع إلى القواعد القانونية الوضعية للمصريين غير المسلمين.
(3) الطائفة الدينية. المقصود بها. الإنجيليون الوطنيون "البروتستانت" طائفة معترف بها من الدولة. اختصاصها دون الكنائس أو الشيع أو الفرق التابعة لها بتنظيم الشئون القانونية لتابعيها.
(4) جماعة الأدفنتست. إحدى شيع المذهب البروتستانتي. الانتماء إليها. لا يعد تغييراً للطائفة أو الملة. علة ذلك. اتباع هذه الجماعة قواعد دينية خاصة أو إقامة كنائس مأذون بها. لا أثر له.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 106 سنة 1971 "أحوال شخصية" أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليها طالباً الحكم بإثبات طلاقه لها الحاصل بتاريخ 10/ 2/ 1974، وقال بياناً لدعواه أنه تزوجها بصحيح العقد الصادر لدى كنيسة الأقباط الأرثوذكس في 21/ 4/ 1965 ودخل بها، وإذ دب الخلاف بينهما وانضم لطائفة الإنجيلين من قبل رفع الدعوى، بينما ظلت هي قبطية أرثوذكسية واختلفا طائفة وملة وقد أوقع عليها الطلاق بإرادته المنفردة وفق أحكام الشريعة الإسلامية بقوله "زوجتي ومدخولتي..... طالق مني.، فقد طلب الحكم بإثباته. وبتاريخ 9/ 3/ 75 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 53 ق "أحوال شخصية "القاهرة طالباً إلغاءه والقضاء بطلباته. وبتاريخ 20/ 4/ 1976 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين، ينعى الطاعن بهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه على أن الأدفنتست لا تعتبر ديانة أو ملة أو مذهباً، وأن الانتماء إليها يعتبر مجرد انضمام إلى جمعية دينية، لا يفيد تغيير العقيدة أو الديانة، حين أنها إحدى طوائف المذهب البروتستنتي الدينية ولها شعائر خاصة، فأبناؤها يقدسون يوم السبت ولا يقرون الأسرار الكنسية ولا يخضعون لرؤساء، على خلاف الأقباط الأرثوذكس والكاتوليك وهي بهذه المثابة طائفة مستقلة تماماً عن الأقباط الإنجيليين، لها سجل خاص بوزارة الداخلية وكنائس مصرح بإقامتها وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون. هذا إلى أنه عول على الشهادة الصادرة من نائب وكيل طائفة الإنجيلين والمتضمنة أنه لا زال على مذهب الأرثوذكس مطرحاً المستندات التي قدمها والتي تؤكد انضمامه الطائفة الأدفنتست مستوفياً المظاهر الخارجية، وهو ما يعيبه بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه وإن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تغيير الطائفة ولو أنه أمر يتصل بحرية العقيدة، إلا أنه عمل إرادي من جانب الجهة الدينية المختصة، ومن ثم فهو لا يتم ولا ينتج أثره إلا بعد الدخول في الملة أو الطائفة الجديدة التي يرغب الشخص في الانتماء إليها بقبول طلب انضمامه إليها وإتمام الطقوس الخارجية الرسمية المستقلة، مما مقتضاه وجوب أن تكون للطائفة أو الملة وجود قانوني معترف به ورئاسة دينية معتمدة منها من حقها الموافقة على الانضمام والتحقق من جديته ولما كان مؤدى المادتين السادسة والسابعة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والملية أن ضابط الإسناد في تحديد القانون الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين هو الديانة، بحيث تطبق الشريعة الإسلامية على كل من المسلمين وغير المسلمين المختلفي الملة أو الطائفة، وتطبق الشريعة الطائفية على غير المسلمين المتحدي الملة والطائفة، وكانت الشرائع الخاصة أو الطائفية هي القواعد الدينية التي تحكم مسائل الأحوال الشخصية بالنسبة للمصريين غير المسلمين الذين يدينون بدين سماوي، وهي تطبق في مصر استناداً إلى نظم قانونية تقوم على أساسها، فإن الأصل أن هذه القواعد القانونية الوضعية بالإضافة إلى المصادر الدينية هي التي تحكم علاقات المصريين غير المسلمين، وتبين ما إذا كان الانتماء إلى جماعة معينة يعتبر من قبيل تغيير العقيدة الدينية التي تسوغ تطبيق الشريعة الإسلامية، أم أنه لا يفيده وأن تغييراً لم يحصل. لما كان ذلك، وكان يقصد بالطائفة ذلك الفريق من الناس الذين يجمعهم رباط مشترك من الجنس أو اللغة أو العادات تؤمن بدين معين وتعتنق مذهبا أو ملة واحدة، وكانت الأدفنتست إحدى شيع المذهب البروتستانتي وكانت طائفة الإنجيليين الوطنيين أو البروتستانت اعترفت بها الدولة طائفة قائمة بذاتها بموجب الفرمان العالي الشاهاني الصادر في 24/ 11/ 1850 وتأكد بالإرادة الخديوية السنية الصادرة في 4/ 6/ 1978 بتعيين وكيل لها بالقطر المصري، ثم بالتشريع الصادر به الأمر العالي المؤرخ 1/ 3/ 1902 وأطلق عليها فيه اسم "طائفة الإنجيليين الوطنين" وكان النص في المادة الثانية من الأمر العالي المشار إليه على أنه "لا تعتبر بصفة كنيسة إنجيلية معترف بها إلا التي يكون الاعتراف بوجودها حصل طبقاً لأمرنا هذا" وفي المادة الرابعة على أن يشكل مجلس عمومي لطائفة الإنجيليين الوطنين يؤلف من مندوبين من الكنائس الإنجيلية المعترف بها التي يكون ناظراً الداخلية خولها الحق من انتخاب أو تعيين مندوبين في المجلس المذكور"، وفي المادة الحادية عشرة على أنه "لا يخول ناظر الداخلية لكنيسة ما الحق في الاستنابة عنها بالمجلس العمومي ولا يصرح بزيادة عدد مندوبي أي كنيسة إلا بعد أخذ رأي المجلس العمومي"، وفي المادة العشرين على أن يختص المجلس العمومي أيضاً بمنح لقبل إنجيلي وطني لكل واحد من الرعايا العثمانيين لمذهب إنجيلي من الديانة المسيحية المستوطنين أو المقيمين عادة بالقطر المصري ولم يكونوا من الأعضاء أو المتشيعين لكنيسة إنجيلية معروفة... ويتخذ المجلس سجلاً لقيد أسماء جميع الأشخاص المعروفين رسمياً بصفة إنجيلين طبقاً لأحكام هذه المادة"، يدل على أن المشرع اعتبر أن اتباع المذهب البروتستانتي في مصر طائفة واحدة عرفت "بطائفة الإنجيلين" دون أن يكون لتعدد شيع وفرق وكنائس هؤلاء الاتباع أي أثر في تنظيم شئونهم القانونية، فوحد الطائفة بضم أهل الفرق البروتستانتية التي كانت موجودة حينذاك، وأجاز سلفاً ضم الكنائس والفرق التي قد تنشأ في المستقبل وتمثيلها في المجلس العمومي بنسبة عدد أتباعها، وجعل من المجلس الملي الإنجيلي العام الهيئة ذات الإشراف الأصيل الشامل على كافة مرافق المسيحيين البروتستانت من النواحي الدينية والإدارية على سواء تحت وصاية الدولة ممثلة في وزارة الداخلية. يؤيد هذا النظر ما أوردته المذكرة التفسيرية للأمر العالي سالف الإشارة من أن الطائفة الإنجيلية.... تشمل جملة كنائس إنجيلية، ولكن أهمها بكثير من جهة عدد الأعضاء الكنيسة المشيخية المتحدة المصرية.. والسبب في وضع مشروع الأمر العالي الذي نحن بصدد هو ما طلبته تلك الكنيسة حديثاً من نظارة الحقانية من إنشاء مجلس عمومي لها بنوع مخصوص لا للطائفة الإنجيلية بأجمعها وقد تعذر على نظارتي الحقانية والداخلية تنفيذ هذا الطلب لأنه كان يترتب عليه حرمان الكنائس الأخرى الإنجيلية التي تقل أهمية عن هذه الكنيسة من المحكمة المختصة الآن ينظر قضاياهم المتعلقة بالأحوال الشخصية، ولأنه نظراً لقلة عدد متشيعيها وعدم وجود نظام محلي لها في غالب الأحوال لا يتسنى إنشاء محكمة مخصوصة لكل كنيسة على حدتها، بيد أنه لم ير مانع قوي من إيجاد مجلس عمومي مع الوكيل يكون لجميع الكنائس مندوبون فيه تكون اختصاصه كاختصاصات المجالس العمومية للطوائف القبطية... إلا أن بعض الكنائس التابعة للطائفة الإنجيلية لها قواعد أكليريكية متعلقة بالزواج والطلاق... ولكن هناك بعض أشخاص يسعون بدعوى أنهم مسيحيون في تغيير القواعد المختصة بهذه المواد ملتجئين لحيل يختلقونها وهي إنشاء كنيسة على حدتها، فلا يمكن التصريح لقسم من هؤلاء الأشخاص هذه القواعد..." مما مفاده أن أية كنيسة أو شيعة أو فرقة تفرعت عن المذهب البروتستانتي لا يمكن اعتبار الانضمام إليها بمجردها تغييراً للعقيدة الدينية، طالما أن المشرع اعتد بطائفة الإنجيلين الوطنين كوحدة واحدة ورسم وسيلة الانضمام إليها. لما كان ما تقدم وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن أقام دعواه على سند من أنه انضم إلى طائفة الإنجيلين تم تبين أن انتماءه كان لجماعة السبتيين "الأدفنتست" وهي إحدى شيع المذهب البروتستانتي، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المحاكم العليا بمقتضى المادة الأولى من القانون 462 لسنة 1955 يقتصر نطاقه على اختصاص المحاكم العليا بولاية القضاء في بعض مسائل الأحوال الشخصية دون أن يمتد إلى السلطات الممنوحة لرجال الدين والتي لا زالت باقية لها، ومن بينها قبول طلبات الانضمام أو رفضها أو إبطالها، وكان المجلس الملي العام لطائفة الإنجيليين الوطنين بموجب المادة 20 من الأمر العالي آنف الذكر هو صاحب الاختصاص الوحيد بالفصل في طلبات الانضمام إلى الطائفة الواحدة بكافة شيعها وفرقها وكنائسها على ما سلف بيانه، فإن اقتصار الطاعن على الانتماء إلى جماعة السبتيين ليس من شأنه في التشريع القائم أن ينتج أي أثر قانوني في صدد تغيير الطائفة والملة بما يخرجه من وحدة طائفية إلى أخرى تجيز له إيقاع الطلاق بإرادته المنفردة وفق الشريعة الإسلامية لا يغير من ذلك أن هذه الجماعة تتبع قواعد دينية خاصة أو أن لها كنائس مأذون بها من وزارة الداخلية لأن ذلك لا يخول لها إلا أن تمثل في المجلس الملي العام للطائفة الإنجيلية على ما سلف البيان وبعد موافقة ذلك المجلس. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعي عليه بمخالفة القانون يكون على غير أساس. ولا ينال منه التفاته عن المستندات التي قدمها الطاعن للتدليل على انضمامه لتلك الجماعة لأنه غير منتج ولا جدوى منه.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.