جلسة 16 من يناير سنة 1988
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة صلاح عبد الفتاح سلام وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد المنعم رفاعي عمارة والسيد السيد عمر المستشارين.
---------------
(93)
الطعن رقم 1438 لسنة 28 القضائية
ملكية - نزع الملكية - حدود القرار الصادر بنزع الملكية.
القرار الإداري بنزع أرض مؤجرة وتسليمها إلى الملاك دون سند من القانون هو قرار غير مشروع - أساس ذلك: أن القرار قد اقتحم العلاقة القانونية بين الملاك والمستأجرين بغير مسوغ قانوني - صدور حكم بإلغاء هذا القرار وإن كان يعني زوال الأساس القانوني لتسليم الأرض إلى الملاك إلا أنه لا يترتب عليه بذاته استرداد المستأجرين لحيازة الأرض لأن الأمر يعود في هذه الحالة إلى أصل العلاقة القانونية التي تربط الملاك بالمستأجرين ويكون لذوي الشأن المطالبة بحقوقهم بدعاوى ترفع إلى جهات الاختصاص لتقضي لهم في حدود ما عسى يكون لهم من حقوق - مؤدى ذلك: أن امتناع جهة الإدارة عن إصدار قرار بطرد الملاك من الأرض وتسليمها للمستأجرين لا يعد نكولاً منها عن واجب تنفيذ الحكم الصادر بالإلغاء ولا يمثل قراراً سلبياً بالامتناع عن تنفيذ حكم قضائي - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الثلاثاء الموافق 13 من يوليو سنة 1982 أودع الأستاذ/ ..... المستشار بإدارة قضايا الحكومة (هيئة قضايا الدولة حالياً) بصفته نائباً عن السادة وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية ووزير الزراعة ووزير الحربية ومحافظ المنيا بصفاتهم قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1438 لسنة 28 قضائية عليا ضد السادة..... و..... و.... و.... أبناء.... و.... وهم ورثة المرحوم..... و..... و.... في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة العقود الإدارية والتعويضات" بجلسة 16 من مايو سنة 1982 في الدعوى رقم 886 لسنة 34 قضائية المقامة من المطعون ضدهم ضد الطاعنين والقاضي بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لصالح المدعين في الدعوى رقم 675 لسنة 22 قضائية وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية مصروفات في هذا الشق من الدعوى، وفي الشق من الدعوى الخاص بطلب التعويض وقبل الفصل فيه بندب مكتب خبراء وزارة العدل بندب أحد خبرائه المختصين للقيام بالمأمورية المبينة بأسباب ذلك الحكم، وطلبت الجهة الطاعنة - بصفة مستعجلة - الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه حتى يقضي في موضوع الطعن، والحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه برفض دعوى المطعون ضدهم وإلزامهم بالمصاريف - وتم إعلان تقرير الطعن قانوناً إلى المطعون ضدهم وفي يوم الخميس الموافق 25 من أغسطس سنة 1983.. أودع الأستاذ...... المستشار بإدارة قضايا الحكومة "هيئة قضايا الدولة حالياً" بصفته نائباً عن السيد محافظ المنيا قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 3464 لسنة 29 قضائية عليا ضد المطعون ضدهم السابق بيانهم في الحكم الصادر بجلسة 26 من يونيه 1983 من محكمة القضاء الإداري "دائرة العقود الإدارية والتعويضات" في الدعوى رقم 886 لسنة 34 المشار إليها والقاضي (بإلزام المدعى عليه الرابع بصفته بأن يدفع للمدعين مبلغ 68195.218 والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 17 من فبراير سنة 1980 وحتى تمام السداد والمصروفات). وطلبت الجهة الطاعنة بصفة مستعجلة الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه حتى تمام الفصل في الطعن والحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضدهم مع إلزامهم بالمصروفات. وتم إعلان تقرير الطعن قانوناً إلى المطعون ضدهم.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعنين المذكورين ارتأت فيه الحكم - أولاً: فيما يتعلق بالطعن رقم 1438 لسنة 28 ق بقبوله شكلاً وبرفضه بشقيه العاجل والموضوعي وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات. وثانياً: بالنسبة للطعن رقم 3464 لسنة 29 ق بقبوله شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليصبح حكم بإلزام محافظ المنيا بصفته بأن يدفع للمدعين مبلغ 68195.218 والمصروفات، وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة بمصروفات هذا الطعن.
وعين لنظر الطعن جلسة أول يونيه سنة 1987 لنظره أمام دائرة فحص الطعون، وتداول نظره أمامها على الوجه المبين بالمحاضر حتى قررت بجلسة 16 من نوفمبر سنة 1987 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) لنظره بجلسة 28 من نوفمبر سنة 1987، وقد نظرته المحكمة بالجلسة المذكورة وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما القانونية.
ومن حيث إن عناصر النزاع تخلص - حسبما يبين من الحكمين المطعون فيهما وسائر الأوراق - في أنه بتاريخ 17 من فبراير سنة 1980 أقام المطعون ضدهم الدعوى رقم 886 لسنة 34 ق بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري طالبين إلزام الطاعنين بالتضامن بأن يؤدوا إلى المطعون ضدهم مبلغ مائتي ألف جنيه تعويضاً عن الأضرار التي لحقتهم من جراء عدم تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 675 لسنة 22 ق وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزامهم بالمصاريف، ثم أضاف المطعون ضدهم إلى طلب التعويض طلب إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم المشار إليه وما يترتب على ذلك. وبجلسة 16 من مايو سنة 1982 حكمت المحكمة: أولاً - بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لصالح المدعين (المطعون ضدهم) في الدعوى رقم 675 لسنة 22 قضاء إداري وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية مصروفات هذا الشق من الدعوى، ثانياً - في الشق من الدعوى الخاص بطلب التعويض - وقبل الفصل فيه - بندب مكتب خبراء وزارة العدل ليندب أحد خبرائه المختصين للقيام بالمأمورية المبينة بأسباب الحكم - واستندت المحكمة في قضائها إلى أن الثابت من الاطلاع على ملف الدعوى رقم 675 لسنة 22 ق أنه بتاريخ 18 من فبراير سنة 1968 أقام الحاج.... و.... و.... الدعوى المذكورة ضد الطاعنين طالبين - بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه الصادر بتسليمه من الأطيان المؤجرة لهم من ورثة المرحوم.... والموضحة بصحيفة الدعوى، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وبإعادة تسليم الأطيان موضوع المنازعة إلى المدعين (المطعون ضدهم في الطعنين الماثلين) مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبجلسة 28 من يناير سنة 1969 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وفي شقها العاجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه والذي قضى بتسلمه الأطيان المؤجرة للمدعين وتسليمها إلى ملاكها الأصليين وفي الموضوع بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية مصروفات الدعوى بشقيها، وتتحصل وقائع الدعوى رقم 675 لسنة 22 ق المذكورة في أن السيد محافظ المنيا أخطر مديرية الإصلاح الزراعي بالمنيا بموجب كتاب برقم 495 سري جداً بأنه قد ورد من السيد وزير الحربية والمشرف على المخابرات العامة كتاب يفيد بأن أمراً قد صدر بإعادة الأرض المستأجرة بواسطة السيد/ ...... وأقاربه بمركز أبو قرقاص إلى أصحابها المواطنين.... وآخرين، وطلب المحافظ بتنفيذ ذلك القرار فوراً، وقامت لجنة مشكلة من الإصلاح الزراعي في 28 من ديسمبر سنة 1967 بتنفيذ هذا القرار. وأوردت المحكمة أن المستخلص من الأوراق أن القرار المطعون فيه لا يعدو أن يكون في حقيقته قراراً بإنهاء عقود الإيجار المبرمة بين المدعين كمستأجرين والملاك كمؤجرين، وقد قاموا بتأجير أرضهم بموجب عقود إيجار صحيحة وغير مذكورة ومسجلة بالجمعية التعاونية الزراعية وقد نظم قانون الإصلاح الزراعي العلاقة بين مستأجر الأرض الزراعية ومالكها، وليس من بين نصوص هذا القانون ما يسمح لجهة الإدارة أن تتدخل بأمر إداري يصدر منها في العلاقات الإيجارية القائمة بين الأفراد، فإن هي فعلت ذلك يكون قرارها معيب عيباً ينزل به إلى حد الغصب وينحدر إلى مجرد الفعل المادي المعدوم الأثر قانوناً فلا تلحقه حصانة. وانتهت المحكمة بذلك إلى حكمها المتقدم. وقد طعن في هذا الحكم بالطعن رقم 444 لسنة 15 قضائية عليا وقضت دائرة فحص الطعن بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة أول مارس سنة 1971 بإجماع الآراء بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً. واستطردت محكمة القضاء الإداري في حكمها الصادر في الدعوى رقم 886 لسنة 34 ق إلى أن الثابت من صورة الحكم الصادر في الدعوى رقم 675 لسنة 22 ق والمودعة بحافظة مستندات المدعين أنهم أعلنوا المدعى عليهم (الطاعنين) بتاريخ 26 من مارس سنة 1969 بصورة الحكم للعلم بما جاء به ونفاذ مفعوله. كما تقدم المدعين في الدعوى الماثلة بشكوى إلى مكتب النائب العام قيدت برقم 141 لسنة 1972 يتضررون فيها من عدم تنفيذ الحكم الصادر لصالحهم فقام المحامي العام الأول بتاريخ 21 من فبراير سنة 1972 بإخطار محافظ المنيا لسرعة تنفيذ هذا الحكم خلال أسبوعين من تاريخه وإلا تم اتخاذ الإجراءات اللازمة طبقاً لحكم المادة 123 من قانون العقوبات. فأصدر محافظ المنيا القرار رقم 123 لسنة 1973 بتاريخ 25 من مارس سنة 1973 بإلغاء كتابه رقم 495 في 17 من ديسمبر سنة 1967 المشار إليه في الحكم الصادر في الدعوى رقم 675 لسنة 22 ق، ونص في المادة الثانية على إبلاغ هذا القرار إلى مديرية الإصلاح الزراعي بالمنيا. وخلصت المحكمة إلى أن جهة الإدارة تقاعست عن القيام بالتزاماتها الإيجابية التي يفرضها عليها الحكم الصادر في الدعوى رقم 675 لسنة 22 ق بجلسة 28 من يناير سنة 1969 والقاضي بإلغاء القرار الصادر بتسلم الأطيان المؤجرة للمدعين من ورثة المرحوم..... وإعادة تسليم الأطيان للمدعين رغم إعلانهم الإدارة بالصيغة التنفيذية ورغم قضاء المحكمة الإدارية العليا بجلسة الأول من مارس سنة 1971 برفض الطعن في الحكم، الأمر الذي ينطوي على امتهان صارخ للأحكام القضائية. ولا يقدم في هذا ما ورد بالأوراق من أن محافظ المنيا قد أصدر قراره رقم 123 لسنة 1973 بإلغاء كتابة رقم 495 المؤرخ 17 من ديسمبر سنة 1967 المشار إليه في حكم الإلغاء. إذ بافتراض أن ذلك بتنفيذ لحكم الإلغاء فإنه تنفيذ ناقص مبتور لا يسعف الجهة الإدارية في نفي مسئوليتها أو التخفيف منها إذ كان يجب على الجهة الإدارية كما كانت حريصة على تجنيد إمكانياتها لتنفيذ القرار الملغي أن تسارع بنفس الحرص على تنفيذ حكم الإلغاء. ومن قضاء المحكمة الإدارية العليا في هذا المجال ما ورد بحكمها الصادر بجلسة 25 من فبراير سنة 1968 من أنه "يجب على الجهات الإدارية المبادرة إلى تنفيذ ما يصدر ضدها من أحكام حائزة لقوة الشيء المقضى به، فإن امتنعت ودون وجه حق عن التنفيذ في الوقت المناسب أو تعمدت التعطيل اعتبر ذلك بمثابة قرار إداري سلبي مخالف للقانون يوجب لأصحاب الشأن الحق في التعويض عما يلحقهم من أضرار مادية وأدبية". وبناء على ذلك يكون طلب المدعين إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لهم وكذلك التعويض عن عدم تنفيذ الحكم منذ صدوره قائماً على أساس سليم من القانون متعين القبول. وإذ كانت عناصر التعويض المطلوبة غير كاملة في أن المحكمة أحالت هذا الشق من الدعوى إلى مكتب خبراء وزارة العدل لتقدير ما فات المدعين من كسب وما لحقهم من خسارة من جراء عدم قيام الإدارة بتنفيذ الحكم الصادر له.
ومن حيث إنه بجلسة 26 من يونيه سنة 1983 صدر حكم محكمة القضاء الإداري "دائرة العقود الإدارية والتعويضات" في الشق الخاص بالتعويض من الدعوى المذكورة، ويقضي بإلزام المدعى عليه الرابع بصفته (محافظ المنيا) بأن يدفع للمدعين مبلغ 68195.218 جنيه والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 17 من فبراير سنة 1980 وحتى تمام السداد والمصروفات. واستندت المحكمة في قضائها إلى أنه سبق وأن قضت بجلسة 16 من مايو سنة 1982 بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لصالح المدعين فإن ركن الخطأ يكون قد توافر في حق جهة الإدارة، وترى المحكمة ما انتهى إليه الخبير في شأن تقرير ما لحق المدعين من خسارة بمبلغ 68195.218 جنيه يمثل فعلاً ما لحقهم من خسارة وما فاتهم من كسب نتيجة القرار الخاطئ لجهة الإدارة، ويتعين الحكم لهم بالمبلغ المذكور. ولما كان محل المطالبة مبلغاً معلوم المقدار وحال الأداء فإنه يستحق عنه فوائد قانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد.
ومن حيث إن مبني الطعن رقم 1438 لسنة 28 قضائية عليا المقام عن الحكم الصادر بجلسة 16 من مايو سنة 1982 أن الحكم المذكور قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله بأن قضى بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 675 لسنة 22 ق والقاضي بإلغاء قرار تسليم الأراضي التي يستأجرها المطعون ضدهم إلى ملاكها: ذلك أن البادي من الأوراق أن محافظ المنيا قام فور إعلانه بصورة من الحكم المشار إليه بإصدار قراره رقم 123 بتاريخ 25 من مارس سنة 1973 بإلغاء كافة ما جاء بخطابه رقم 495 المؤرخ 17 من ديسمبر سنة 1967 المتضمن تسليم الأرض موضوع الدعوى إلى الملاك. كما بادر بإخطار المحامي العام الأول بمكتب النائب العام بذلك. وبذلك يكون الطاعنون قد قاموا من جانبهم بتنفيذ الحكم بإلغاء القرار الذي قضى الحكم المذكور بإلغائه. أما رفع يد الملاك عنها وتسليمها إلى المطعون ضدهم فلا يدخل في سلطة الطاعنين أو اختصاصهم، باعتبار أن كلا الطرفين المتنازعين على الأرض من الأفراد، الأمر الذي يكون معه القيام بهذا الإجراء من اختصاص الجهات القائمة على التنفيذ الجبري إذا لم يقم الملاك بتسليم الأرض رضاءً. ولا تخضع هذه الجهات سواء ما يتبع منها وزارة العدل أو وزارة الداخلية لأية من الجهات الطاعنة، وإنما هي وزارات مركزية وفقاً لقانون الحكم المحلي لم تختصم في الدعوى. ولقد كان على المطعون ضدهم فور قيام المحافظ بإلغاء القرار المطعون فيه مراجعة تلك الجهات لتنفيذ الحكم جبراً، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك وقضى بإلغاء القرار السلبي المشار إليه فيكون قد جانب الصواب ويتعين القضاء بإلغائه.
ومن حيث إن مبنى الطعن رقم 3464 لسنة 29 قضائية عليا المقام عن الحكم الصادر بجلسة 26 من يونيه سنة 1983 أن ذلك الحكم قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله: إذ أن الخطأ المنسوب إلى جهة الإدارة ورتب عليه الحكم إلزامها بالتعويض لم يتحقق وجوده على وجه اليقين بالنظر إلى أن الحكم الصادر بإلغاء القرار السلبي بامتناع جهة الإدارة عن تنفيذ الحكم الصادر لصالح المدعين لم يصبح باتاً، حيث طعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا ولم تفصل في الطعن بعد، وفضلاً عن ذلك فإن التعويض المقضى به تشوبه المغالاة مما يعيبه.
ومن حيث إن المطعون ضدهم ردوا على الطعنين بمذكرة جاء فيها أن محافظ المنيا وباقي الطاعنين لم يتخذوا أي إجراء لتنفيذ الحكم الذي صدر في الدعوى رقم 675 للسنة 22 ق طوال المدة من 28 من يناير سنة 1969 - تاريخ صدوره - حتى 25 من مارس سنة 1973 تاريخ إصدار محافظ المنيا لقراره رقم 123 لسنة 1973، وذلك بالرغم من أن الحكم كان واجب النفاذ، ولم ينطو قرار المحافظ المشار إليه على التنفيذ الصحيح والكامل للحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري، حيث لم يصدر المحافظ القرارات التنفيذية اللازمة لرد حيازة الأراضي الزراعية للمطعون ضدهم، وبذلك فإن هذا القرار لم يتضمن محو الآثار التي ترتبت على القرار المحكوم بإلغائه على الرغم من أن تنفيذ الحكم المذكور كان يقضي إعدام ذلك القرار ومحو آثاره من وقف صدوره. وعلى ذلك فإن الطاعنين يكونوا قد امتنعوا عن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 675 لسنة 22 ق ما يشكل قراراً سلبياً غير مشروع بالامتناع عن تنفيذ الحكم، ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق إذ قضى بإلغائه، وبناء على ذلك يطلب المطعون ضدهم رفض الطعن رقم 1438 لسنة 28 ق. واستطرد المطعون ضدهم إلى أنه لما كان ذلك القرار غير المشروع قد أصابهم بأضرار مادية وأدبية فإن قضاء محكمة القضاء الإداري لهم بالتعويض يكون سليماً، ولم تخالف المحكمة القانون إذ أصدرت حكمها بجلسة 26 من يونيه سنة 1983 دون أن تنتظر قضاء المحكمة الإدارية العليا في الحكم الصادر بجلسة 16 من مايو سنة 1982 والقاضي بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 675 لسنة 22 ق، إذ لا يترتب على مجرد رفع الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ولا وجه للمجادلة بذلك في قيمة التعويض الذي قضت به محكمة القضاء الإداري حيث أقامت المحكمة قضاءها على ما انتهى إليه الخبير الذي انتدبته المحكمة لتقدير التعويض، كما أنه لا محل للنعي على الحكم المطعون فيه فيما انتهى من إلزام الطاعنين بأداء الفوائد القانونية على الرغم من أن المطعون ضدهم لم يطالبوا بها في عريضة دعواهم، ذلك أنهم قد طالبوا بالفوائد القانونية أمام الخبير بجلسة 22 من يناير سنة 1983 في مواجهة الطاعنين وأصروا على ذلك في مرافعاتهم الشفوية ومذكراتهم ومن ثم يكونون قد أضافوا طلباً جديداً يتعلق بالفوائد.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن السيد/ محافظ المنيا قد أصدر القرار رقم 123 لسنة 1973 بتاريخ 25 من مارس سنة 1973 بإلغاء كتابه رقم 495 المؤرخ 17 من ديسمبر سنة 1967، وهو الكتاب المشار إليه في الحكم الصادر في الدعوى رقم 675 لسنة 22 ق، وهو موجه من المحافظ إلى مديرية الإصلاح الزراعي بالمنيا والوارد منه أن وزير الحربية والمشرف على المخابرات العامة قد كتب للمحافظ بأن أمراً قد صدر بإعادة الأرض المستأجرة بواسطة السيد/ ....... وأقاربه بمركز أبو قرقاص إلى أصحابها المواطنين...... وآخرين، وطلب المحافظ تنفيذ ذلك القرار فوراً. ويتعلق جوهر النزاع بما إذا كان قرار محافظ المنيا رقم 123 لسنة 1973 المشار إليه يتضمن تنفيذاً لمقتضى الحكم الصادر في الدعوى رقم 675 لسنة 22 ق، وهو ما تذهب إليه جهة الإدارة، أقر أنه يلزم أن تقوم جهة الإدارة بإخلاء أرض النزاع من الملاك وتسليمها إلى المطعون ضدهم، وهو ما يتمسكون به.
ومن حيث إن حكم محكمة القضاء الإداري بجلسة 28 من يناير سنة 1969 في الدعوى رقم 675 لسنة 22 قضائية قد قضى بقبول الدعوى شكلاً وفي شقيها العاجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه والذي قضى بتسليم الأطيان المؤجرة للمدعين (المطعون ضدهم) وتسليمها إلى ملاكها الأصليين ورثة المرحوم....، وفي الموضوع بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقد تأيد هذا الحكم برفض الطعن المقام ضده برقم 444 لسنة 15 قضائية عليا وذلك بحكم دائرة فحص الطعون الصادر بجلسة الأول من مارس سنة 1971، مقتضى تنفيذ هذا الحكم هو إعدام كل أثر قانوني للقرار الذي صدر الحكم بإلغائه، وهو ما ترتب على صدور قرار محافظ المنيا رقم 123 لسنة 1973، حيث أشار هذا القرار في ديباجته إلى كتاب السيد وزير الحربية والمشرف على المخابرات العامة رقم 64/ 9/ 58، الذي تضمن صدور الأمر بإعادة الأرض التي يستأجرها السيد/ ..... وأقاربه بمركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا إلى ملاكها المواطنين..... وآخرين. كما تضمنت الديباجة الإشارة إلى كتاب السيد محافظ المنيا رقم 495 في 17 من ديسمبر سنة 1976 الصادر إلى مديرية الإصلاح الزراعي بالمنيا لتشكيل لجنة لتسليم الأرض المؤجرة وتسليمها إلى أصحابها.... وآخرين. ونص القرار المذكور في مادته الأولى على أن "يلغى كتابنا رقم 495 في 17/ 12/ 1967 المشار إليه". كما نصت المادة الثانية على أن "يبلغ هذا القرار إلى مديرية الإصلاح الزراعي بالمنيا" ومقتضى هذا الكتاب هو إنهاء كل أثر قانوني لقرار جهة الإدارة السابق بنزع حيازة الأرض من مستأجريها وتسليمها إلى ملاكها. وهو قرار وصفته المحكمة في حكمها الصادر بجلسة 28 من يناير سنة 1968 بأنه (قرار معيب للغاية مما ينزل إلى حد غصب السلطة وينحدر إلى مجرد الفعل المادي المعدو الأثر قانوناً فلا تلحقه حصانة، ولا يكون قابلاً للتنفيذ بالطريق المباشر، بل لا يعدو أن يكون مجرد عقبة مادية في سبيل استعمال ذوي الشأن لمراكزهم القانونية المشروعة مما يبرر بذاته مطالبتهم إزالة تلك العقبة بصفة مستعجلة، فالقرار الإداري المطعون فيه معيب بعيب جسيم هو عيب عدم الاختصاص الذي ينحدر به إلى مجرد الفعل المادي). وقد استندت المحكمة في ذلك إلى أن القرار المطعون فيه قد صدر في مسألة خاصة بين الأفراد تنظمها قواعد وأحكام قوانين الإصلاح الزراعي والقانون المدني وشروط عقود الإيجار، وليس لجهة الإدارة أن تتدخل في مثل هذه العلاقة لتنهيها بأمر إداري دون أن تكون مختصة بذلك قانوناً - وعلى ذلك فإن قرار محافظ المنيا رقم 123 لسنة 1973 المشار إليه من شأنه إنهاء هذا التدخل غير المشروع وليترك المجال للعلاقة القانونية بين المستأجرين للأرض وملاكها ليحكمها ما عساه يكون قائماً من عقود إيجار بين الجانبين والقوانين السارية في هذا الشأن. أما إذا كان للقرار المحكوم بإلغائه آثار أخرى ترتبت من حيث الواقع بأن تكون حيازة الأرض المؤجرة للمطعون ضدهم قد نزعت من أيديهم وسلمت إلى ملاكها بفعل الإدارة غير المشروع، فإن استخلاص تلك الأرض من أيدي هؤلاء الملاك هو أمر لا تملك جهة الإدارة القيام به حيث لا يخولها القانون مكانة التنفيذ المباشر في هذا المجال، حتى يمكن أن تصدر قراراً واجب النفاذ بموجب نص في القانون يمكن أن تواجه به الملاك وتنتزع حيازتهم لتردها على المطعون ضدهم، فإذا كان تدخل الإدارة في بادئ الأمر في العلاقة التي تربط الملاك بالمطعون ضدهم وقيامها بنزع الأرض المؤجرة من المستأجرين وتسليمها إلى الملاك المؤجرين يعد أمراً غير مشروع لفقدان السند القانوني الذي يخول الإدارة اتخاذ مثل هذا الإجراء، فإنها لا تملك بالمثل أن تتدخل - دون سند من القانون - لكي تنزل الحيازة من الملاك لكي تسلمها إلى المطعون ضدهم، وصدور حكم بإلغاء قرار الإدارة بتسلم الأرض المؤجرة إلى المطعون ضدهم وتسليمها إلى ملاكها وإن كان يعني زوال الأساس القانوني لمثل هذا التسليم، فإنه لا يترتب عليه بذاته استرداد المستأجرين لحيازة الأرض لأن الأمر يعود في هذه الحالة إلى أصل العلاقة القانونية التي تربط الملاك بالمستأجرين المطعون ضدهم، حيث تزول العقبة القانونية المتمثلة في القرار الإداري الذي اقتحم العلاقة الإيجارية بغير سند من القانون وأدى إلى تعطيل الحقوق الناشئة عن عقود الإيجار، ويكون لهم المطالبة بتلك الحقوق بدعاوى ترفع إلى جهات الاختصاص لتقضي لهم في حدود ما عساه يكون لهم من حقوق في هذا الشأن. وعلى ذلك لا يكون امتناع جهة الإدارة عن إصدار قرار بطرد الملاك من الأرض وتسليمها إلى المطعون ضدهم نكولاً منها عن واجب تنفيذ الحكم المشار إليه مما لا يعتبر موقفها في هذا الشأن قراراً إدارياً سلبياً بالامتناع عن تنفيذ حكم قضائي مما يقبل طلب إلغائه، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بغير ذلك قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله ويتعين الحكم بإلغائه.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى طلب التعويض فالواضح من صحيفة الدعوى أن المطعون ضدهم يقيمون طلباتهم بالتعويض على أساس القرار الصادر في ديسمبر سنة 1967 الصادر بتسليم الأرض التي يستأجرونها وتسليمها إلى ملاكها، وهو القرار الذي صدر الحكم في الدعوى رقم 675 لسنة 22 قضائية بجلسة 28 من يناير سنة 1969، حيث إنصب طلبهم بالتعويض - المادي والأدبي - عن الفترة من تاريخ تنفيذ ذلك القرار الصادر بنزع حيازة الأرض منهم، ولا يبين من صحيفة دعواهم أنهم يبنون طلباتهم بالتعويض على ما ادعوه من نسبة قرار إداري سلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم المشار إليه، والقرار الصادر بتسليم الأطيان المؤجرة للمطعون ضدهم وتسليمها إلى ملاكها والمنفذ بتاريخ 28 من ديسمبر سنة 1967 لا شك يمثل عنصر الخطأ في حق الجهة الإدارية التي أصدرته أو شاركت في وضعه في وضع التنفيذ. وقد حكم بإلغاء هذا القرار بموجب حكم محكمة القضاء الإداري بجلسة 28 من يناير سنة 1969، وتأيد ذلك بحكم المحكمة الإدارية العليا برفض الطعن الموجه إلى ذلك الحكم بجلسة أول مارس سنة 1971، وعلى ذلك فإنه اعتباراً من التاريخ الأخير الذي استقرت فيه لحكم محكمة القضاء الإداري حجيته برفض الطعن الموجه إليه، فقد كان يمكن للمطعون ضدهم أن يلجأوا إلى جهة القضاء المدني المختصة مطالبين بحقوقهم الناشئة عن عقود الإيجار في مواجهة ملاك الأرض المؤجرة لديهم، بعد أن زالت من الوجود القانوني العقبة التي كانت تحول دون ذلك وهي القرار الإداري بنزع حيازتهم لتلك الأرض وتسليمها للملاك، بموجب حكم قضائي استقرت له عناصر الحجية قبل الكافة، وعلى ذلك فإن الضرر المترتب على تنفيذ القرار الإداري المشار إليه الذي تم إلغاؤه بالحكم المذكور يقتضي على حرمان المستأجرين من الانتفاع بالأرض المؤجرة لهم عن المدة من تاريخ تنفيذه في 28 من ديسمبر سنة 1967 وحتى أول مارس سنة 1971 تاريخ الحكم برفض الطعن ضد الحكم بإلغاء القرار المذكور واستقرار حجية حكم الإلغاء على وجه تمكين الاحتجاج بها قبل الكافة، دون تحد بأن حجية الحكم - أثناء فترة الطعن وقبل أن يقضي فيه - تكون حجية موقوفة، وبالرجوع إلى تقرير الخبير يتبين أن صافي الربح الذي كان يعود على المطعون ضدهم من استغلال المساحة المؤجرة إليهم بدءاً من ديسمبر سنة 1967 وخلال السنوات الزراعية 67/ 1968 و68/ 1969 و69/ 1970 بالإضافة إلى جزء من السنة الزراعية 70/ 1971 حتى تاريخ رفض الطعن في الحكم المذكور يبلغ حوالي 8100 جنيهاً (ثمانية آلاف ومائة جنيه) وهو ما تحكم المحكمة به للمطعون ضدهم، ويلتزم بأداء هذا التعويض على سبيل التضامن كل من محافظ المنيا بصفته ورئاسة الجمهورية بحسبان أن وزير الحربية المترتب على المخابرات العامة هو الذي كتب إلى محافظ المنيا بصدور أمر بإعادة الأرض التي يستأجرها المطعون ضدهم إلى ملاكها، وجهة المخابرات العامة تتبع رئاسة الجمهورية الذي اختصم ممثلها - وقت رفع الدعوى - وهو وزير شئون رئاسة الجمهورية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكمين المطعون فيهما، وبعدم قبول الدعوى بطلب إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 675 لسنة 22 ق، وإلزام كل من رئاسة الجمهورية ومحافظ المنيا بصفته على سبيل التضامن بأن يدفعا إلى المطعون ضدهم تعويضاً قدره ثمانية آلاف ومائة جنيه (8100 جنيهاً) ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وبإلزام الطاعنين والمطعون ضدهم بالمصروفات مناصفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق