جلسة 14 من مايو سنة 1988
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ عزيز بشاي سيدهم وأبو بكر الدمرداش أبو بكر ونبيل أحمد سعيد ومحمد المهدي عبد الله المليحي والدكتور محمد جودت الملط وجوده محمد أبو زيد ومحمد يسري زين العابدين ومحمد معروف محمد وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم وجمال السيد دحروج المستشارين.
-----------------
(3)
الطعن رقم 1352 لسنة 33 القضائية
دعوى - الطعن في الأحكام - مدى ولاية المحكمة الإدارية العليا عند نظر الطعن - مدى جواز التصدي للموضوع عند إلغاء الحكم المطعون فيه. (مرافعات) (منازعة إدارية).
على المحكمة الإدارية العليا إذا ما تبينت بطلان الحكم المطعون فيه وانتهت إلى إلغائه أن تفصل في موضوع الدعوى متى كان صالحاً للفصل فيه - أساس ذلك: مبدأ الاقتصاد في الإجراءات الذي يعتبر من الأصول الجوهرية في قانون المرافعات ولا يتعارض أعماله مع طبيعة المنازعة الإدارية إذ هو في حقيقته من أصول القانون الإداري الذي يقوم في جوهره لتحقيق فاعليته على سرعة الحسم سواء في اتخاذ القرار الإداري أو في الفصل في المنازعة الإدارية - لا وجه للحجاج بمبدأ تعدد درجات التقاضي لأنه متى كان موضوع الدعوى صالحاً للفصل فيه فلا مبرر لإطالة أمد النزاع والعودة بالإجراءات مرة أخرى إلى محكمة الموضوع التي أصدرت الحكم المطعون فيه مع احتمال تعرضه للنقض مرة ثانية - لا يختلف إلغاء الحكم لبطلانه عن إلغائه لغير ذلك من الأسباب فالبطلان من أوجه مخالفة القانون وهو نتيجة لهذه المخالفة - إلغاء الحكم سواء لبطلانه أو لغير ذلك من الأسباب يزيله من الوجود - لا فرق في ذلك بين إلغاء للبطلان أو لغيره - فصل المحكمة الإدارية العليا في النزاع بعد إلغاء الحكم لغير البطلان لا يختلف عن فصلها فيه بعد إلغائه للبطلان - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأحد الموافق 15 من مارس سنة 1987، أودع الأستاذ/ ....... المحامي نائباً عن الأستاذ/ ...... المحامي بصفته وكيلاً عن السيدين/ ...... و......، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1352 لسنة 33 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بجلسة 15 من يناير سنة 1987 في الدعوى رقم 332 لسنة 40 القضائية المقامة من الطاعنين ضد المطعون ضدهم والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه الصادر من مدير عام ري البحيرة بتاريخ 26/ 10/ 1985 وإلزام المدعيين بمصروفاته مع الأمر بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني مسبباً في الموضوع، وطلب الطاعنان - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به في الشق المستعجل والقضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار مدير عام ري البحيرة الصادر بتاريخ 26/ 10/ 1985 بخصوص المستقاة موضوع النزاع مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وأعلن الطعن قانوناً. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه للأسباب المبينة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع ببطلان الحكم المطعون فيه وبإعادة الشق العاجل إلى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية للفصل فيه مجدداً من هيئة أخرى وإبقاء الفصل في مصروفات الطعن للحكم الذي ينهي الخصومة فيه وإلزام جهة الإدارة بمصروفات الطعن.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بدائرة منازعات الأفراد والعقود الإدارية بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 1/ 6/ 1987 وتداول أمامها بالجلسات على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى قررت بجلسة 4/ 1/ 1988 إحالته إلى الدائرة المذكورة لنظره بجلسة 30/ 1/ 1988 وبالجلسة المذكورة نظرته هذه الدائرة وتداول أمامها بالجلسات على النحو الثابت بالمحضر حتى قررت بجلسة 26 من مارس سنة 1988 إحالة الطعن إلى الدائرة المنصوص عليها في المادة (54) مكرراً من قانون مجلس الدولة لنظره بجلسة 9 من إبريل سنة 1988 لتقضي في جواز تصدي المحكمة الإدارية العليا للفصل في موضوع الدعوى إذا ما حكمت ببطلان الحكم المطعون فيه.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه أولاً - أنه في حالة قضاء المحكمة الإدارية العليا ببطلان حكم مطعون فيه أمامها يكون لها أن تفصل في موضوع الدعوى إذا تبين لها وفقاً لظروف كل دعوى وما احتوته أوراقها من مستندات وأوجه دفاع - أنها مهيأة للفصل في موضوعها، وأنه لا جدوى عملياً من إعادتها مرة أخرى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم الذي قضى ببطلانه. والمرجع في ذلك لوجدان المحكمة. ثانياً - إعادة الطعن الماثل إلى الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه على ضوء ما تقدم.
وقد حدد لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 9 من إبريل سنة 1988، وفيها نظرت المحكمة الطعن على الوجه المبين بمحضر الجلسة وبعد أن سمعت ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات قررت إصدار الحكم بجلسة 7/ 5/ 1988، وفيها أعيدت للمرافعة لجلسة 14/ 5/ 1988 وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعن على الوجه الثابت بالمحضر ثم قررت إصدار الحكم بأخر الجلسة، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن مقطع النزاع المعروض على هذه المحكمة إذا تبينت المحكمة الإدارية العليا في طعن تنظره بطلان الحكم الصادر فيه فتفصل في موضوعه بنفسها أم تعيده بعد الحكم بالبطلان إلى المحكمة التي أصدرته لتنظره هيئة أخري بها.
ومن حيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا جرى منذ بداية إنشائها على أنه متى انتهت المحكمة إلى بطلان الحكم المطعون فيه وتبينت أن الدعوى صالحة للفصل فيها فإنها تفصل في موضوع الدعوى بنفسها، ويقوم هذا القضاء في جوهره على أن الطعن في الحكم يفتح الباب أمامها لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون ولتسلط رقابتها عليه في جميع نواحيه من حيث شكله أو موضوعه لاستظهار مطابقة قضائه للقانون لتعلق الأمر بمشروعية القرار موضوع المنازعة ومحل الحكم فلا تقضي بإعادة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو وقع أمامها الإجراء الباطل بل يتعين عليها أن تتصدى للمنازعة لتنزل حكم القانون فيها على الوجه الصحيح وتتحدد صلاحية الدعوى للفصل فيها بتهيئة الفرصة لتوافر دفاع الأطراف كاملاً على سبيل المثال: الحكم الصادر في الطعن رقم 960 لسنة 2 ق جلسة 1/ 12/ 1956 ورقم 151 لسنة 3 ق بجلسة 15/ 6/ 1957 ورقم 1643 لسنة 3 ق بجلسة 23/ 11/ 1957 ورقم 969 لسنة 7 ق جلسة 15/ 11/ 1964 ورقم 1118 لسنة 7 ق جلسة 27/ 12/ 1964 و1207 لسنة 7 ق جلسة 6/ 11/ 1966 و348 لسنة 9 ق جلسة 3/ 11/ 1968 و219 لسنة 21 ق جلسة 17/ 5/ 1980 و502 لسنة 31 ق جلسة 31/ 10/ 1987. ثم اتجهت بعض دوائر المحكمة الإدارية العليا بعد ذلك وفي أوقات معاصرة للأحكام السابقة إلى أنها في حالة بطلان الحكم المطعون فيه تعيد الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى. ويقوم هذا الاتجاه في جوهره على أنه يمتنع على المحكمة إذا انتهت إلى بطلان الحكم التصدي لموضوع الدعوى لما ينطوي عليه من إخلال جسيم بإجراءات التقاضي وتفويت درجة من درجاته (على سبيل المثال الحكم الصادر في الطعن رقم 427 لسنة 5 ق بجلسة 15/ 10/ 1960 والطعن رقم 826 لسنة 6 ق جلسة 6/ 1/ 1962 و164 لسنة 12 ق جلسة 23/ 5/ 1970 و681 لسنة 16 ق جلسة 29/ 2/ 1976 و1183 لسنة 18 ق جلسة 5/ 6/ 1977 و509 لسنة 29 ق جلسة 1/ 11/ 1986 و1539 لسنة 31 ق جلسة 3/ 5/ 1986 و 1095 لسنة 30 ق جلسة 1/ 11/ 1986).
ومن حيث إن من الأصول التي يقوم عليها القانون وتحكم أسس تطبيقه وجوب تفادي تكرار الأعمال أو الأفعال أو الإجراءات أو التدابير القانونية المحدثة لنفس الأثر القانوني، إلا لضرورة حتمية من القانون نفسه توجب ذلك التكرار أياً كانت أسبابه. وهو أصل يأخذ به تقنين المرافعات الحالي بعدما حاول سابقة التقليل من مداه بحده من مبدأ تصدي محكمة الطعن سواء بالاستئناف أو النقض لأمر في الحكم المطعون فيه لم تشمله أسباب الطعن. فقرر إرساء لهذا المبدأ وترسيخاً له عدم الحكم ببطلان الإجراء رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية منه (م 20/ 2)، وجواز تصحيح الإجراء الباطل ولو بعد التمسك به (م 23) وتحول الإجراء الباطل وانتقاصه (م 24/ 1، 2) وعدم بطلان الإجراءات السابقة على الإجراء الباطل ولا اللاحقة عليه إذا لم تكن مبنية عليه (م 24/ 3). ثم أخذ به كذلك في المادة 269/ 2 بإلزام المحكمة المحالة إليها القضية بعد نقض الحكم لغير مخالفة قواعد الاختصاص باتباع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها منعاً لتكرار الطعن بالنقض لذات السبب خروجاً عما كان متبعاً من عدم وجود إلزام قانوني باتباع حكم محكمة النقض، ثم أخذت به الفقرة الرابعة من ذات المادة بصورة أوضح فأوجبت على محكمة النقض إذا نقضت الحكم وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه أن تحكم في موضوع الدعوى كما أوجبت عليها ذلك أيضاً إذا كان الطعن للمرة الثانية ورأت المحكمة نقض الحكم. فهنا خرج التقنين عن أصل تعدد درجات التقاضي الذي يقوم عليه إلى أصل الاقتصاد في الإجراءات، لما قدره من ترجيحه في هذه الصور من صور التنازع بين الأصلين ووجوب ترجيح أحدهما وتقديمه على الآخر. فقدر أولوية الأخير على الأول متى كان موضوع الدعوى صالحاً للفصل فيه فلا مبرر لإطالة أمد النزاع والعود بالإجراءات مرة أخرى إلى محكمة الموضوع التي أصدرت الحكم المطعون فيه، مع احتمال تعرضه للنقض مرة ثانية، وفي هذه الإطالة أضرار لا بأطراف النزاع فقط بل بالنظام القضائي نفسه باتخاذ أصل تعدد الدرجات للإطالة والإضرار، فرجح عليه أصل الاقتصاد في الإجراءات وقرر له أولوية مقدراً ما لمحكمة القانون من خبرة بالقانون والموضوع على السواء في موضوع صالح للفصل فيه. تعجيلاً للبت في الموضوع أياً كانت أسباب نقض الحكم لخطأ في القانون أو لمخالفة الثابت بالأوراق إلى غير ذلك، فأياً ما كان سبب الطعن والنقض تمكن المحكمة من تصفية النزاع وحسمه لغير رجعة تجنباً لإعادة الإجراءات من جديد.
ومن حيث إن تطبيق أحكام تقنين المرافعات طبقاً للمادة 3 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة فيما لم يرد فيه نص في هذا الأخير. بما لا يتعارض مع طبيعة المنازعة الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة، يمكن المجلس من الأخذ بأصول المرافعات وتطبيقاتها التي لا تتعارض مع المنازعة الإدارية، ومنها أصل الاقتصاد في الإجراءات فهو أخذ بأصل جوهري من أصول القانون وأسس تطبيقه، ولا يتعارض إعماله في الصورة التي قررتها المادة 269/ 4 مرافعات مع طبيعة المنازعة الإدارية، بل أخذت به هذه المحكمة على وتيرة متصلة منذ إنشائها، بل ومن قبل أن يعرفه تقنين المرافعات بهذا الوضوح فهو أوجب الأعمال في نطاق القضاء الإداري، إذ هو في حقيقته من أصول القانون الإداري نفسه الذي يقوم في جوهره لتحقيق فاعليته على سرعة الحسم سواء في اتخاذ القرار الإداري أو في الفصل في المنازعة الإدارية. فإذا ما انتهت المحكمة الإدارية العليا إلى إلغاء حكم مطعون فيه أمامها لغير مخالفة قواعد الاختصاص فعليها إذا كان موضوعه صالحاً للفصل فيه أن تفصل فيه مباشرة ولا تعيده إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه. ولا يختلف إلغاء الحكم لبطلانه عن إلغائه لغير ذلك من الأسباب فالبطلان من أوجه مخالفة القانون وهو نتيجة لهذه المخالفة وإلغاء الحكم سواء لبطلانه أو لغير ذلك من الأسباب يزيله من الوجود لا فرق في ذلك بين إلغاء للبطلان أو لغيره، وفصل المحكمة الإدارية العليا في النزاع بعد إلغاء الحكم لغير البطلان لا يختلف عن فصلها فيه بعد إلغائه للبطلان. فلا يوجد في طبيعة المنازعة الإدارية إلا ما يؤكد وجوب الأخذ بهذا الأصل وإعماله - ولهذا يتعين على المحكمة الإدارية العليا إذا انتهت إلى إلغاء الحكم المطعون فيه أمامها ولو لبطلانه أن تفصل في موضوع النزاع متى كان صالحاً للفصل فيه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بأن على المحكمة الإدارية العليا إذا ما تبينت بطلان الحكم المطعون فيه وانتهت إلى إلغائه أن تفصل في موضوع الدعوى متى كان صالحاً للفصل فيه، وقررت إعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق