جلسة 14 من يونيو سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار، وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.
-----------------
(108)
الطعن رقم 1153 لسنة 29 القضائية (1)
(أ، ب) مجالس عسكرية.
الأحكام الصادرة منها لها قوة الأحكام القضائية. المادة الأولى من القانون رقم 159 لسنة 1957. علة ذلك.
دعوى جنائية.
انقضاؤها بالحكم البات: شروط الدفع بقوة الشيء المحكوم فيه: الحكم في الواقعة يمنع من تجديدها عن نفس الواقعة بوصف آخر جديد. الم 455 أ. ج. أثر اتحاد الواقعة التي حكم على المتهم من أجلها أمام المجلس العسكري والواقعة التي قدم بها إلى محكمة الجنايات. وجوب القضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها.
اختصاص.
اختصاص المحاكم العادية بالفصل في الجرائم المشتركة المنصوص عليها في قانوني العقوبات والأحكام العسكرية: نطاقه: هو اختصاص شامل. يسري على جميع الأفراد. أثر ذلك: اختصاص هذه المحاكم بالفصل في الجرائم المذكورة متى رفعت إليها الدعوى بالطريق القانوني.
قانون.
التفسير القضائي: وجوب التعويل على نصوص القوانين ذاتها وعدم جواز التحدي بعنواناتها.
مسئولية جنائية.
الازدواج في المسئولية الجنائية عن الفعل الواحد أمر يحرمه القانون وتتأذى به العدالة.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه بصفته موظفاً عمومياً (جندياً بالجيش) اختلس البندقية والسونكي والطلقات المبينة بالمحضر المسلمة إليه بسبب وظيفته. وطلبت النيابة من غرفة الاتهام إحالة المتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً لنص المواد 111 و112 فقرة أولى و118 و119 من القانون رقم 69 لسنة 1953، فقررت الغرفة بذلك، ومحكمة الجنايات قضت حضورياً عملاً بالمادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية لسابقة الفصل فيها. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن محصل الطعن المقدم من النيابة العامة أن الحكم المطعون فيه جاء مخالفاً للقانون، وفي ذلك تقول الطاعنة أن أحكام الاختصاص بينها الشارع في المادة 216 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة لمحكمة الجنايات، وأن قانون الأحكام العسكرية قد نص على أن المحاكم العادية تتولى الفصل في الجرائم التي تسند إلى العسكريين عندما تكون واردة في القانون العام، وأن المحاكمة العسكرية لا تمنع المحاكمة العادية وعلى القاضي أن يراعي المدة التي قضاها المحكوم عليه في التنفيذ وقد ورد ذلك في المواد 2 و36 و46 و169 من قانون الأحكام العسكرية، ولم يلغ القانون رقم 159 لسنة 1957 أياً من هذه النصوص، بل إن المذكرة الإيضاحية لهذا القانون تحيل على قانون الأحكام العسكرية، وهي صريحة في أن غرض الشارع هو منع الالتجاء إلى مجلس الدولة لإعادة النظر في أحكام المجالس العسكرية وهي محاكم قضائية، كما أن الذي يستفاد من الحكم المطعون فيه أن المتهم حوكم عسكرياً عن تهمة نظامية وهي هربه أثناء الخدمة العسكرية - في حين أن التهمة الموجهة إليه من النيابة هي اختلاسه سلاحاً وذخيرة كانا في عهدته، وقد رفعت الدعوى العمومية عنها أمام محكمة الجنايات - فكل من التهمتين تختلف عن الأخرى، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها قد خالف القانون. وحيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن الدعوى العمومية رفعت من النيابة العامة على المطعون ضده لأنه في يوم 6/ 3/ 1953 بدائرة قسم الزيتون بمحافظة القاهرة بصفته موظفاً عمومياً (جندياً بالجيش) اختلس البندقية والسونكي والطلقات المبينة بالمحضر المسلمة إليه بسبب وظيفته. وطلبت معاقبته بالمواد 111, 112/ 1, 118, 119 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953، وبعد أن نظرت محكمة جنايات القاهرة الدعوى قضت حضورياً بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها. وأسست قضاءها على ما أثبته الحكم من أن المتهم سبق أن حوكم أمام مجلس عسكري عن التهمة المبينة بقرار الاتهام وحكم عليه بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة سنة وبجلده 35 جلده وباستقطاع مبلغ 26 جنيهاً و192 مليماً سداداً لقيمة المسروقات ورفته، ثم قال الحكم بعد ذلك "إن المادة الأولى من القانون رقم 159 لسنة 1957 تنص على أن المجالس العسكرية تعتبر محاكم قضائية استثنائية لأحكامها قوة الشيء المحكوم فيه ولا يجوز الطعن في قراراتها أو أحكامها أمام أي هيئة قضائية أو إدارية خلاف ما نص عليه في هذا القانون، ومن ثم يكون الدفع المبدى من محامي المتهم على أساس سليم ويتعين قبوله والقضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها.
وحيث إنه يبين من ملف المحاكمة العسكرية أن المطعون ضده قدم إلى مجلس عسكري متهماً بخمسة ادعاءات، وأن الادعاء الثاني منها هو أن المتهم بتاريخ 5/ 3/ 1953 هرب من الخدمة العسكرية وهو معين بمخازن المهندسين ومعه البندقية لي انفلد رقم 56130 والسونكي والجفير رقم 22197 وعشر طلقات ذخيرة حية عيار 303 من عهدة أساس تدريب المهندسين وبقى غائباً إلى أن قدم نفسه بالقنطرة شرق يوم 26/ 7/ 1953 - كما اتهم في الادعاء الرابع - بكونه له شأن بالتحفظ على بضائع أميرية وسرقها - بند 147 من قانون الأحكام العسكرية وقد أدين في هذين الادعاءين وفي ادعاءين آخرين وحكم عليه بالجزاءات المفصلة في الحكم المطعون فيه على ما سلف بيانه.
وحيث إن الجرائم العسكرية هي أفعال وردت نصوصها في قانون الأحكام العسكرية رأى الشارع فيها إخلالاً بالواجبات المفروضة على الأشخاص الخاضعين للنظم العسكرية - ومن بين هذه الجرائم ما يحرمه القانون العام - فهي جرائم معاقب عليها في كل من القانونين، ولما كان القانون رقم 159 لسنة 1957 قد نص في مادته الأولى على أن "المجالس العسكرية محاكم قضائية استثنائية لأحكامها قوة الشيء المحكوم فيه ولا يجوز الطعن في قراراتها وأحكامها أمام أي هيئة قضائية أو إدارية خلاف ما نص عليه هذا القانون" وقد قصد الشارع بهذا النص تبيين ما للأحكام الصادرة من المجالس العسكرية من قوة الأحكام القضائية وكان ملحوظاً من الشارع عند تقرير هذا المبدأ - كما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية - ما أقامه من ضمانات لصالح المتهم في القانون الجديد، ولا يصح الاعتراض في هذا الصدد بالعبارة التي اختارها الشارع عنواناً لهذا القانون، ولا بعدم الإشارة إلى مواد قانون الأحكام العسكرية التي تشرك المحاكم العادية في الاختصاص - لا يصح الاعتراض بذلك من وجهين، أولهما أن عنوان القانون ليس له قوة نصه الصريح وما يقتضيه منطوق ألفاظ هذا النص، وثانيهما أن اختصاص المحاكم العادية بالفصل في الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات والتي ينص عليها كذلك قانون الأحكام العسكرية هو اختصاص شامل يسري على جميع الأفراد - سواءً كان مرتكب الجريمة له الصفة العسكرية أو مجرداً من هذه الصفة، وينبني على ذلك أن يكون اختصاص المحاكم العادية هو اختصاص عام يخوله القانون لها متى رفعت إليها الدعوى بالطريق القانوني، إلا أنه متى باشرت المحاكم العسكرية إجراءات المحاكمة فأصدرت حكمها وأصبح هذا الحكم نهائياً، فإن هذا الحكم الصادر من هيئة مختصة قانوناً بإصداره يحوز قوة الشيء المقضي في نفس الواقعة فلا يجوز طرح الدعوى من جديد أمام جهة قضائية أخرى، ذلك بأن الازدواج في المسئولية الجنائية عن الفعل الواحد أمر يحرمه القانون وتتأذى به العدالة، إذ من القواعد المقررة أنه لا يصح أن يعاقب جان عن ذات فعله مرتين "Non bis in idem" ولا يجوز أن ترفع الدعوى على المتهم أمام جهتين من جهات القضاء من أجل واقعة واحدة، ومخالفة هذه القاعدة تفتح باباً لتناقض الأحكام، فضلاً عن تجدد الخصومة - مما ينزع عن الأحكام ما ينبغي لها من الثبات والاستقرار. لما كان ذلك، وكان مبدأ حجية الأحكام يفترض وحدة الموضوع والسبب والخصوم، فإذا كانت الواقعة المادية التي تطلب سلطة الاتهام محاكمة المتهم عنها قد طرحت على المحكمة التي خولها القانون سلطة الفصل فيها، فإنه يمتنع بعد الحكم النهائي الصادر منها إعادة نظرها حتى ولو تغاير الوصف القانوني طبقاً لأحكام القانون الذي يطبقه قضاء الإعادة - وإلى هذا الأصل أشارت المادة 455 من قانون الإجراءات الجنائية حين نصت على أنه "لا يجوز الرجوع إلى الدعوى الجنائية بعد الحكم فيها نهائياً بناءً على ظهور أدلة جديدة أو ظروف جديدة أو بناءً على تغيير الوصف القانوني للجريمة". لما كانت ذلك وكانت الواقعة التي أسندت إلى المتهم وحكم عليه من أجلها من المجلس العسكري المختص هي ذات الواقعة التي قدم بها إلى محكمة الجنايات - كما سلف البيان، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر ذلك بأسباب سائغة وبأدلة لها أصلها الثابت في أوراق المحاكمة العسكرية، فإن ما انتهى إليه من القضاء بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية لسابقة الفصل فيها عملاً بالمادة الأولى من القانون رقم 159 لسنة 1957 يكون قضاءً سليماً لا يخالف القانون.
(1) المبدأ ذاته في الطعون 1253، 1257، 1289، 1293/ 29 ق - (جلسة 14/ 6/ 1960).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق