الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 25 سبتمبر 2023

الطعن 492 لسنة 5 ق جلسة 13 / 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 132 ص 1543

جلسة 13 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

-----------------

(132)

القضية رقم 492 لسنة 5 القضائية

تأمين وادخار 

- القانون رقم 419 لسنة 1955 بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار للعمال الخاضعين لأحكام قانون عقد العمل الفردي - إلزامه أصحاب الأعمال بالاشتراك في صندوق التأمين والادخار مع إعفاء من يكون منهم مرتبطاً بأنظمة خاصة أكثر رعاية للعمال - اشتراط المادة 36 من القانون لإفادة أصحاب الأعمال من هذا الإعفاء تقديم طلب به في خلال المدة التي حددتها، وإجازتها مد هذه المدة بقرار من اللجنة التي يقدم إليها الطلب - الحكمة من تحديد المواعيد المذكورة - التأخر في تقديم طلب الإعفاء أو في طلب مد المدة المحددة في المادة 36 المذكورة - لا يترتب عليه بذاته عدم قبول الطلب أو بطلانه.

-----------------
إن القانون رقم 419 لسنة 1955 بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار للعمال الخاضعين لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 بشأن عقد العمل الفردي إنما يستهدف، كما أفصحت عن ذلك مذكرته الإيضاحية، "حماية الطبقات العاملة عن طريق تطبيق نظم التأمين الاجتماعي بما يحقق إشاعة الطمأنينة بين أفراد هذه الطبقة ويخلق روح الاستقرار في نفوسهم، فينصرفون إلى أعمالهم ويزداد إنتاجهم"؛ وتحقيقاً لهذه الغاية فرض القانون المذكور نظام التأمين والادخار بالنسبة إلى كل صاحب عمل وعامل وجعله إلزامياً، كما تقضي بذلك المادة 22 منه. على أنه - كما تقول المذكرة الإيضاحية - "لما كان النظام المنشأ بمقتضى أحكام هذا القانون هو بديل لمكافأة نهاية الخدمة، فقد قضت المادة المذكورة باستمرار الأنظمة القائمة التي ترتب للعمال امتيازات تكميلية بالإضافة إلى الالتزام القانوني. ومن البدهى أن استمرار هذه الأنظمة سيكون بالإضافة إلى الاشتراك بالمؤسسة"؛ ولذا نصت المادة 22 على وجوب مراعاة أحكام المادة 36 من القانون، وهي تقضي في فقرتها الأولى بأن "يستثنى من أحكام الفقرة الأولى من المادة 22 وما يترتب عليها من التزامات أصحاب الأعمال والعمال إذا كانوا وقت العمل بهذا القانون مرتبطين بتنفيذ أنظمة خاصة، سواء في شكل صناديق ادخار أو عقود تأمين جماعية أو نظم معاشات"، وقد جاء في المذكرة الإيضاحية في هذا الخصوص بياناً لذلك ما يلي: "ونظراً إلى أن بعض طوائف العمال يتمتعون حالياً وقبل صدور القانون بنظم أكثر رعاية من النظام المقترح؛ لذلك فقد استثنت المادة 36 أصحاب الأعمال والعمال المرتبطين بتنفيذ مثل هذه الأنظمة من الخضوع للالتزام الوارد في المادة 22 بشروط خاصة". ومن بين هذه الشروط أن تعتمد النظام لجنة تشكل لهذا الغرض برياسة وكيل وزارة الشئون الاجتماعية وعضوية كل من مدير عام الإدارة العامة للعمل ورئيس مصلحة التأمين بوزارة المالية والاقتصاد، وهذه اللجنة هي المختصة بفحص الموضوع والبت فيه، ويجب عليها أن تخطر صاحب العمل بقرارها خلال ستة أشهر على الأكثر من تاريخ تقديم الطلب، وإلا اعتبر النظام معتمداً، ولها أن تفرض من التعديلات ما تراه مناسباً لإقرار النظام. فإذا لم يتم إجراء هذه التعديلات خلال شهر على الأكثر من تاريخ إخطار صاحب العمل بقرار اللجنة اعتبر النظام مرفوضاً. ويبين مما سلف إيراده أن سياسة القانون رقم 419 لسنة 1955 المشار إليه إنما تقوم على رعاية مصلحة العمال، وهم الجانب الأضعف في عقد العمل الفردي، كما تقوم على الأخذ بالنظام السابق الارتباط به عند نفاذ القانون متى كان أصلح لهم. وغني عن القول أن موقف الحكومة في هذا الشأن هو موقف المنفذ للقانون بنصوصه وروحه المحقق لأهدافه، وأنه يتعين عليها أن تنزل على مقتضاه بتحقيق مصلحة العمال التي يهدف القانون إلى حمايتها؛ ومن ثم لزم أن يكون المناط في تأويل النصوص الإجرائية الخاصة بمواعيد تقديم طلبات الإعفاء ومد المهلة على أساس هذا الفهم. وإذا كانت المادة 36 من القانون تقضي بأن "يقدم صاحب العمل طلبه إلى اللجنة المذكورة خلال شهر على الأكثر من تاريخ العمل بهذا القانون مرفقاً به تقرير من خبير في رياضيات التأمين على الحياة (اكتوارى) يوضح فيه القواعد الخاصة بالنظام، ومدى ملاءمة الأموال المكونة والاشتراكات المقررة للمزايا التي تعود من تطبيقه والأسس الفنية التي اتبعت في التقدير"، كما تقضي بأنه "يجوز للجنة بناء على طلب صاحب العمل مد مهلة الشهر المشار إليها لأسباب تقدرها بحيث لا تجاوز ثلاثة أشهر"، فإنها لم تنص على الجزاء المترتب على التأخير في تقديم أي من هذين الطلبين، ولم تقض بعدم قبول الطلب في هذه الحالة أو بطلانه. ومن المسلم أنه لا سقوط ولا بطلان إلا بنص؛ الأمر الذي يدل على أن هذه المواعيد هي في حقيقة الأمر تنظيم لبحث هذه المواضيع، وحث لأصحاب الأعمال على المبادرة بتقديم النظم المشار إليها حتى تتم تصفية هذه الشئون التي لا بد من تصفيتها لإمكان تطبيق القانون وتنفيذه على النحو ووفقاً للأغراض التي يستهدفها. يقطع في أن المناط في تأويل تلك النصوص هو رعاية مصلحة العمال والأخذ بما هو أصلح لهم، ما نصت عليه المادة 36 آنفة الذكر من أنه "يجب أن يكون قرار اللجنة في حالة الاعتراض مسبباً ومبنياً على عدم كفاية المزايا الممنوحة للعمال أو عدم ملاءمة الاشتراكات لهذه المزايا". وغني عن البيان أنه لو رأت اللجنة عدم قبول الطلب لتقديمه بعد الميعاد دون بحث الموضوع والموازنة بين النظامين وأيهما أصلح للعمال، وكان النظام المرتبط بتنفيذه صاحب العمل والعمال وقت نفاذ القانون أكثر رعاية لهؤلاء من النظام القانوني المفروض، لكان في هذا تفويت لمصلحة ظاهرة للعمال، وهو ما لا يتسق أساساً مع السياسة التي يقوم عليها القانون، بل ما يتعارض معها ويخرج على أهدافه، بينما جعل الشارع المناط في قرار اللجنة والأساس الذي يقوم عليه هذا القرار هو مراعاة المزايا الأصلح للعمال.


إجراءات الطعن

في 12 من مارس سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 492 لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 13 من يناير سنة 1959 في الدعوى رقم 923 لسنة 11 القضائية المقامة من شركة ويلس وشركاه ببور سعيد ضد كل من: (1) السيد وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بصفته رئيس لجنة اعتماد الأنظمة الخاصة بالتأمينات الجماعية، و(2) السيد الوكيل المساعد لوزارة الشئون الاجتماعية المختص بشئون العمل. و(3) السيد مدير الإدارة العامة للعمل، و(4) السيد رئيس مصلحة التأمين بوزارة المالية والاقتصاد، بصفتهم أعضاء اللجنة سالفة الذكر، و(5) السيد وزير الشئون الاجتماعية. وهو الحكم القاضي "بإلغاء القرار الصادر في 14 من إبريل سنة 1957 من لجنة الإعفاء المنصوص عليها في القانون رقم 419 لسنة 1955 برفض طلب مد المهلة، وما يترتب عليه من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه، "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، مع إلزام الشركة المدعية المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الشئون الاجتماعية والإدارة العامة للعمل في 22 من مارس سنة 1959، وإلى مصلحة التأمين بوزارة المالية في 24 منه، وإلى شركة ويلس وشركاه ببور سعيد في 29 منه، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 4 من إبريل سنة 1959. وفي 21 من مارس سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت الدائرة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا بجلسة 25 من إبريل سنة 1959، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق في الطعن إلى جلسة اليوم. وقد أودعت الشركة المطعون عليها حافظة مستندات ومذكرة بملاحظاتها انتهت فيها إلى طلب "رفض الطعن، وتأييد الحكم الابتدائي المطعون فيه، مع إلزام الوزارة المطعون لمصلحتها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن شركة ويلس وشركاه ببور سعيد أقامت الدعوى رقم 923 لسنة 11 القضائية ضد كل من: (1) السيد وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بصفته رئيس لجنة اعتماد الأنظمة الخاصة بالتأمينات الجماعية، و(2) السيد الوكيل المساعد لوزارة الشئون الاجتماعية المختص بشئون العمل، و(3) السيد مدير الإدارة العامة للعمل، و(4) السيد رئيس مصلحة التأمين بوزارة المالية والاقتصاد بصفتهم أعضاء اللجنة سالفة الذكر، و(5) السيد وزير الشئون الاجتماعية؛ وذلك أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 29 من مايو سنة 1957 ذكرت فيها أن القانون رقم 419 لسنة 1955 بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار للعمال الخاضعين لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 بشأن عقد العمل الفردي صدر ونشر في 3 من سبتمبر سنة 1955، ونص في المادة 21 منه على أنه "يجب على صاحب العمل أن يورد الاشتراكات المقتطعة من أجور عماله وتلك التي يؤديها لحسابهم إلى المؤسسة وذلك خلال الخمسة عشر يوماً الأولى من الشهر التالي"، كما نص في المادة 22 منه على أن "يكون الاشتراك في صندوق التأمين إلزامياً بالنسبة إلى كل صاحب عمل، كما يكون الاشتراك في صندوق الادخار إلزامياً بالنسبة إلى كل صاحب عمل وعامل، وذلك مع مراعاة أحكام المادة 36 من هذا القانون"، وحكمة هذا التحفظ الأخير هي احتمال أن تكون هناك أوضاع تتحقق بها مصلحة الطبقة العاملة بشكل أقوى وأبلغ أثراً مما لو طبق عليها القانون؛ ومن ثم لم يجعل حكمه عاماً وإنما استثنى منه أصحاب الأعمال الذين كانوا قبل صدوره يسيرون على نظم مماثلة لما ورد فيه، فنص في المادة 36 منه المعدلة بالقانون رقم 597 لسنة 1955 على أن "يستثنى من أحكام الفقرة الأولى من المادة 22 وما يترتب عليها من التزامات أصحاب الأعمال والعمال إذا كانوا مرتبطين بتنفيذ أنظمة خاصة سارية المفعول قانوناً قبل 7 من ديسمبر سنة 1955، سواء في شكل صناديق ادخار أو عقود تأمين جماعية أو نظم معاشات"، كما نظم في الفقرة الثانية من هذه المادة طريقة الإعفاء من الاشتراك في مؤسسة صناديق التأمين والادخار، وأتاح لصاحب العمل أن يقدم طلباً بذلك إلى اللجنة المختصة خلال شهر من تاريخ العمل بالقانون مرفقاً به تقرير من خبير في رياضيات التأمين على الحياة، وأجاز للجنة مد مهلة الشهر لأسباب تقدرها بما لا يجاوز ثلاثة أشهر، كما خولها حق فرض تعديلات تتم خلال شهر من تاريخ إخطار صاحب العمل بها وإلا اعتبر طلبه مرفوضاً. على أن يجوز لها مد هذه المهلة بحيث لا تجاوز ثلاثة أشهر. وقد صدر في 6 من ديسمبر سنة 1956 القرار الوزاري رقم 114 لسنة 1956 بتطبيق أحكام القانون رقم 419 لسنة 1955، ونشر بالوقائع المصرية في 10 من ديسمبر سنة 1956، وكانت مدينة بور سعيد محتلة بالجيوش الأجنبية، والأحوال فيها مضطربة نتيجة للاعتداء الغادر، سواء على أرض الدولة أو على ممتلكات الشركات والأفراد، مما ترتب عليه عدم وصول هذا القرار إلى علم الشركة. وظل الحال كذلك مدة طويلة تعطلت فيها كافة المرافق بما يعد مثالاً صارخاً للقوة القاهرة التي تنتفي إزاءها أية مسئولية، حتى إن الحكومة نفسها تدخلت بإصدار العديد من القوانين لمساعدة أهل بور سعيد، معطلة بها نصوص القانون العام أو الخاص، بل إن الأداة الحكومية لم تبدأ في مباشرة أوجه نشاطها إلا في النصف الثاني من شهر يناير سنة 1957؛ وانبنى على هذه الحالة أن الشركة، التي كانت قد فقدت أوراقها ودفاترها فلم تستطع لم شعثها إلا بعد جهد بالغ، تقدمت في 4 من فبراير سنة 1957 بطلب إلى اللجنة المنصوص عليها في المادة 36 من القانون لإعفائها من الاشتراك في صناديق التأمين والادخار، وأرفقت به صوراً من عقد التأمين الجماعي لموظفيها وعمالها، وهو المبرم مع شركة الإسكندرية للتأمين على الحياة والذي بدأ سريانه من أول أغسطس سنة 1955، وكذا صوراً من تقرير خبير الشركة المذكورة في رياضيات التأمين. إلا أن إدارة التأمين والادخار بوزارة الشئون الاجتماعية ردت في 30 من مارس سنة 1957 بأن اللجنة المختصة رفضت هذا الطلب لمخالفته لنص الفقرة "ج" من البند (ثانياً) من المادة 36 من القانون رقم 419 لسنة 1955. وفي 2 من إبريل سنة 1957 أرسلت الشركة التماساً تطلب فيه إلى اللجنة مد المهلة بالنسبة إليها ثلاثة أشهر؛ مستندة في ذلك إلى حالة القوة القاهرة، وإلى الطلب الذي تقدمت به نقابة عمالها وموظفيها إلى اللجنة باعتماد نظام التأمين المقترح لكون مزاياه تفوق الأنظمة الأخرى المنصوص عليها في القانون، وكذا إلى البيان الذي بعثت به شركة التأمين في 24 من مارس سنة 1957 إلى اللجنة مبدية فيه استعدادها لمنح مزايا أخرى علاوة على تلك الموجودة بالإضافة إلى المادة العاشرة من عقد التأمين. وإذ رفضت اللجنة الأخذ بهذه الاعتبارات، وأصرت على التمسك بموقفها تنفيذاً لحرفية القانون قولاً منها بأن قرارها نهائي، فإنها تكون قد أهدرت الحكمة التي قام عليها هذا القانون، وجاوزتها إلى الغرض الثانوي وهو عدم إضعاف مركز المؤسسة المنشأة بمقتضاه من الناحية المالية، دون نظر إلى ما في هذا من إجحاف بحقوق العمال، ويكون قراراها الصادران في 30 من مارس سنة 1957 و15 من إبريل سنة 1957 برفض الإعفاء ورفض مد المهلة قد وقعا مشوبين بإساءة استعمال السلطة لتعطيلهما حكم القانون رقم 419 لسنة 1955 الذي قصد به حماية الطبقة العاملة بتوفير أحسن النظم لها بالنسبة إلى التأمين والادخار، بعدم منح الشركة المدعية الإعفاء المقرر بمقتضاه، على الرغم من ارتباطها بنظام جماعي للتأمين أكثر مزايا من قبل صدور هذا القانون، ولأن رفض طلب مد المهلة من شهر إلى ثلاثة أشهر هو إجراء تعسفي إزاء حالة القوة القاهرة الثابت قيامها في بور سعيد، ولو أن هذا المد هو رخصة خولها المشرع للجنة. ولما كان هذا الرفض قد ترتب عليه أن أصبحت الشركة مهددة بتوقيع العقوبة المنصوص عليها في المادة 42 من القانون، وهي الغرامة التي لا تقل عن مائتي قرش ولا تزيد على ألفي قرش بالنسبة إلى كل عامل خولفت في حقه أحكام القانون، وكانت الشركة قد سددت الأقساط المستحقة عليها لشركة الإسكندرية للتأمين في 14 من مايو سنة 1955 و4 من فبراير سنة 1957، فإنها تطلب: "الحكم أولاً، وبصفة مستعجلة، بوقف نفاذ القرارين الصادرين بتاريخي 30 من مارس سنة 1957 و15 من إبريل سنة 1957 فيما تضمنه الأول من رفض طلب الإعفاء، وفيما تضمنه الثاني من رفض طلب مد المهلة. ثانياً، وفي الموضوع، بإلغاء القرارين سالفي الذكر، مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إن وزارة الشئون الاجتماعية والعمل ردت على هذه الدعوى بأنه في 6 من ديسمبر سنة 1956 صدر القرار الوزاري رقم 114 لسنة 1956 بسريان القانون رقم 419 لسنة 1955 الخاص بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار للعمال الخاضعين لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في بشأن عقد العمل الفردي على سائر جمهورية مصر، ونشر في الوقائع المصرية في 10 من ديسمبر سنة 1956، على أن يعمل به اعتباراً من أول يناير سنة 1957. وقد ورد للجنة الخاصة بالنظر في طلبات الإعفاء التي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة 36 من القانون والمعدلة بالمادة 2 من القانون رقم 597 لسنة 1955 خطاب مقدم من الشركة المدعية تاريخه 4 من فبراير سنة 1957 بطلب استثنائها من الاشتراك في صندوقي التأمين والادخار المنشأين بالتطبيق لأحكام القانون المشار إليه؛ وذلك لوجود عقد تأمين جماعي مبرم بينهما وبين شركة الإسكندرية للتأمين على الحياة لصالح موظفيها وعمالها في 14 من مايو سنة 1955، ويبدأ مفعوله في أول أغسطس سنة 1955، وقد عرض عقد التأمين المذكور مع خطاب الشركة على لجنة الإعفاء المنعقدة في 26 من مارس سنة 1957، فقررت رفض طلب الإعفاء لتقديمه بعد الميعاد القانوني، وأخطرت الشركة بذلك بكتابها المؤرخ 30 من مارس سنة 1957. وفي 2 و14 من إبريل سنة 1957 ورد خطابان من الشركة بالتماس إعادة النظر في طلبها السابق الذي تقرر رفضه، وذكرت أن أسباب تأخيرها في تقديم هذا الطلب كانت ترجع لظروف قاهرة خارجة عن إرادتها نتيجة للعدوان على مدينة بور سعيد. ولما كان قرار اللجنة نهائياً بمقتضى أحكام المادة 36 من القانون رقم 419 لسنة 1955، فقد حرر للشركة بذلك، وطلب منها مراعاة تنفيذ أحكام هذا القانون.
ومن حيث إن الشركة المدعية قدمت مذكرتين بدفاعها أضافت فيهما إلى ما جاء بصحيفة دعواها أن العدوان الغادر على مدينة بور سعيد هو عين القوة القاهرة المعدمة للمسئولية؛ إذ غدا إرسال الخطابات إبان هذا العدوان وفي أعقابه مستحيلاً، وقد ظل الأمر بعزل بور سعيد عن الدولة المصرية وبعدم جواز التنقل فيها أو السفر إليها قائماً لم يلغ إلا في 8 من مايو سنة 1957، كما أن الاحتلال تناول - إلى جانب تخريب مرافق البلد كلها وأولها البريد والسكك الحديدية - المنازل والشركات والورش التي احترقت مستنداتها وبعثرت دفاترها وانتثرت أوراقها في شوارع المدينة وفوق صفحة القناة. وكان واجباً على اللجنة المختصة بالنظر في طلبات الإعفاء إزاء كل هذه الظروف التي لا يمكن أن يكون للقوة القاهرة من معنى غيرها، إن لم تجد هذا مبرراً كافياً لقبول طلب الإعفاء، أن توافق على الأقل على مد المهلة المنصوص عليها في القانون، أما ردها بأن قرارها نهائي فهو رد خاطئ مشوب - إلى جانب إساءة استعمال السلطة - بعيب مخالفة القانون؛ وذلك أن معيار تقدير القوة القاهرة هو معيار ذاتي لا شخصي، بمعنى أنه متى توافرت أركان هذه القوة وجب الأخذ بها وتأجيل المواعيد ووقف تنفيذ الالتزام بتقديم طلب الإعفاء حتى يزول الحادث. وليس من العدالة في شيء أن يحرم عمال بور سعيد من المزايا التي تضمنتها عقود التأمين الجماعية لمجرد الفرض جدلاً بأن طلب الإعفاء قدم بعد الميعاد. كما أنه ليس من المصلحة جر الشركة المدعية إلى الإفلاس بعد أن ظلت أعمالها معطلة طوال فترة الاعتداء، وبعد أن خربت مكاتبها ومنشآتها بما أورثها حالة مالية سيئة. وأضافت الشركة أنها قدمت المستندات الدالة على أفضلية نظام التأمين المتفق عليه بينها وبين شركة الإسكندرية للتأمين لصالح العمال والموظفين على النظام المقرر بمقتضى القانون رقم 419 لسنة 1955 والقرارات الوزارية والقوانين اللاحقة له، وأن مقتضى إلغاء قرار لجنة الإعفاء قيام حق الشركة في إجراء التعديل بعد رفض نظامها المبتدأ؛ وذلك باعتبار أن المهلة لا زالت منفسحة أمامها.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) قضت بجلسة 25 من يونيه سنة 1957 "بوقف تنفيذ القرار المؤرخ 14 من إبريل سنة 1957 فيما تضمنه من رفض طلب المدعي مد المهلة المنصوص عليها في الفقرة "ج" من البند الثاني من المادة 36 من القانون رقم 419 لسنة 1955"، واستندت في ذلك إلى أن طلب الشركة قد أرسل إلى الوزارة في 4 من فبراير سنة 1957، أي بعد الميعاد بأربعة أيام فقط، ولا جدال في أنه قد قدم بعد الميعاد، إلا أن مد المهلة قد رخص فيه القانون للجنة، وهو تصرف مستقل عن قرارها برفض الطلب لتقديمه بعد الميعاد، فإذا كان القرار الأول صحيحاً لفوات الميعاد، فإن هذا لا يمنع اللجنة من إعمال الرخصة التي خولها إياها القانون بمد المهلة، خصوصاً وأن الظروف التي أحاطت بمدينة بور سعيد، وهي ظروف معلومة للجميع، تبرر طلب الشركة مد المهلة. وعلى ذلك يكون القرار الصادر برفض طلب مد المهلة مخالفاً للقانون؛ الأمر الذي يبرر إجابة الشركة إلى طلب وقف تنفيذه؛ نظراً لما يترتب عليه من نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إن السيد مفوض الدولة أودع تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه - للأسباب التي أبداها به - إلى أنه يرى "الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر في 14 من إبريل سنة 1957 فيما تضمنه من رفض طلب المدعي مد المهلة المنصوص عليها في الفقرة "ج" من البند الثاني من المادة 36 من القانون رقم 419 لسنة 1955، مع إلزام الحكومة بالمصروفات".
ومن حيث إن الحكومة قدمت مذكرة بملاحظاتها قالت فيها إن المشرع في القانون رقم 419 لسنة 1955 جعل الاشتراك في صناديق التأمين والادخار إلزامياً على كل صاحب عمل وعامل على النحو الذي جاء في المادة 22 من القانون، إلا أنه استثنى من ذلك بنص المادة 36 أصحاب العمل والعمال المرتبطين بأنظمة خاصة سارية المفعول، بشرط أن يكون النظام نافذاً قبل 6 من ديسمبر سنة 1955، وأن يتقدم طالب الإعفاء بطلبه خلال شهر من تاريخ العمل بالقانون، أي اعتباراً من أول يناير سنة 1957 في ميعاد غايته يوم أول فبراير سنة 1957، مع جواز مد مهلة الشهر إلى ثلاثة أشهر لأسباب تقدرها لجنة الإعفاء. وقد تقدمت الشركة المدعية بطلب إعفائها من الاشتراك في صناديق التأمين والادخار في 4 من فبراير سنة 1957، أي بعد الميعاد الذي نص عليه القانون، فقررت اللجنة بجلستها المنعقدة في 26 من مارس سنة 1957 رفض هذا الطلب لتقديمه بعد الميعاد القانوني، وأخطرت الشركة بذلك في 30 من مارس سنة 1957، فتظلمت الشركة من هذا القرار طالبة مد المهلة بالنسبة لها إلى ثلاثة أشهر، وعللت تأخرها في تقديم الطلب بقيام ظروف خارجة عن إرادتها نتيجة للعدوان الثلاثي على بور سعيد، إلا أن اللجنة قررت رفض التظلم لنهائية القرار. وقد صدر قرارا رفض الطلب ورفض التظلم مطابقين للقانون وبريئين من عيب عدم المشروعية؛ ذلك أن المشرع قد رسم الطريق الواجب على طالب الإعفاء سلوكه حتى يجاب إلى طلبه، واستلزم تقديم الطلب إلى لجنة الإعفاء خلال شهر على الأكثر من تاريخ العمل بالقانون رقم 419 لسنة 1955 الذي عمل به اعتباراً من أول يناير سنة 1957، أي في ميعاد غايته أول فبراير سنة 1957، بيد أن الشركة لم تقدم هذا الطلب إلا في 4 من فبراير سنة 1957، أي بعد الميعاد القانوني المقرر، وإذ كان في هذا مخالفة للشكل المطلوب، فلا يمكن بحال التمسك بحكم التشريع أو بحكمته مع إغفال استيفاء هذا الإجراء الشكلي؛ ومن ثم فإن طلب إلغاء قرار اللجنة برفض الإعفاء يكون غير قائم على أساس سليم من الواقع أو القانون مستحق الرفض. وليس صحيحاً ما تذهب إليه الشركة من أن رفض طلب مد المهلة المنصوص عليها في المادة 36 من القانون يعد تعسفاً من اللجنة يجعل قرارها مشوباً بعيب الانحراف؛ ذلك أن اللجنة ما كانت تستطيع بحال مد المهلة على النحو الذي تزعمه الشركة والذي سايرها فيه الحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ؛ إذ أجاز لها المشرع مد المهلة لأسباب تقدرها وبناء على طلب صاحب الشأن، بحيث لا تجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بالقانون، أي أنها لا يمكن أن تمنح أجلاً يجاوز يوم أول إبريل سنة 1957؛ ومرد ذلك أن المادة 36 من القانون وردت تحت باب "أحكام عامة وانتقالية"، وقد أراد المشرع بها أن يوجد فترة انتقال بين العهد السابق على صدور القانون والعهد اللاحق لسريانه، وحدد هذه الفترة الانتقالية بالنسبة إلى تقديم طلب الإعفاء بشهر يمكن مده إلى ثلاثة أشهر لأسباب تقدرها لجنة الإعفاء، فإذا ما انتهت هذه المهلة فلا يجوز مدها إلا بتشريع، ولا تملك اللجنة ذلك إطلاقاً لخروجه عن حدود الرخصة المخولة لها، ولما كانت الشركة - بعد إذ أخطرت في 30 من مارس سنة 1957 بقرار لجنة الإعفاء الصادر بجلسة 16 من مارس سنة 1957 برفض طلب الإعفاء المقدم منها بعد الميعاد القانوني في 4 من فبراير سنة 1957 - قد أرسلت التماساً في 2 من إبريل سنة 1957 تطلب فيه مد المهلة بالنسبة لها إلى ثلاثة أشهر، وكان تاريخ تقديم هذا الالتماس يخرج عن نطاق الرخصة التي خولها إياها المشرع والتي انتهت في أول إبريل سنة 1957، فإن اللجنة ما كانت تستطيع بحال وقت تقديم الالتماس المشار إليه أن تمنح الشركة أي أجل؛ إذ لا يملك هذا الحق سوى المشرع وحده إذا وجد من الظروف ما يبرر ذلك؛ بهذا يكون القرار المطعون فيه قد جاء صحيحاً متفقاً وأحكام القانون، ولا حجة من الناحية الواقعية لما تقول به الشركة المدعية من أنها كانت واقعة تحت ظروف قاهرة منعتها من تقديم طلبها في الميعاد القانوني؛ ذلك أن العدوان الثلاثي على مدينة بور سعيد قد وقع في 29 من أكتوبر سنة 1956 وانتهى في يوم 7 من نوفمبر سنة 1956، وتم جلاء القوات المعتدية عن بور سعيد في 20 من ديسمبر سنة 1956 وبينما لم يعمل بالقانون رقم 419 سنة 1955 إلا اعتباراً من أول يناير سنة 1957، أي بعد خروج القوات المعتدية من أرض الوطن، كما أن توزيع البريد داخل بور سعيد وخارجها قد استؤنف بانتظام منذ 22 من ديسمبر سنة 1956، ومع ذلك لم تقدم الشركة طلبها إلا في 4 من فبراير سنة 1957، أي بعد هذا التاريخ بزهاء شهر ونصف، ودون عذر مقبول. وقد نص القرار الوزاري رقم 114 لسنة 1956 الصادر تنفيذاً للقانون رقم 419 لسنة 1955 في مادته الأولى على سريان أحكام هذا القانون على سائر أنحاء جمهورية مصر، كما نص في مادته الثالثة على العمل به اعتباراً من أول يناير سنة 1957، وقد صدر هذا القرار في 10 من ديسمبر سنة 1956، ولو كان المشرع يريد استثناء مدينة بور سعيد نتيجة للظروف التي تحتج بها الشركة لنص على ذلك صراحة، ولكنه كان يعلم وقتذاك أن الحالة التي كانت تكتنف بور سعيد إبان العدوان الثلاثي قد زالت، بل إن الشركة المدعية لم يصبها أي اعتداء في غضون هذا العدوان؛ بدليل أنها لم تتقدم بأي طلب للتعويض. وهذا إلى أن شركات كثيرة في بور سعيد قد تقدمت بطلب إعفائها في الميعاد القانوني على الرغم من أنها كانت في ظروف مماثلة لظروف الشركة المدعية، على أن الطلب الذي يعتد به في مد المهلة هو الذي تقدمه الشركة قبل تقديم طلب الإعفاء، أما الذي يقدم بعد رفض طلب الإعفاء فلا يمكن الاعتداد به قانوناً؛ ومن ثم يكون رفض لجنة الإعفاء لطلب الشركة لتقديمه بعد الميعاد وكذا رفضها المهلة قد استند إلى أسباب واقعية وقانونية سليمة، وانتهت الحكومة من هذا إلى طلب الحكم برفض الدعوى، وبإلزام رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن الشركة المدعية قصرت طلباتها على إلغاء القرار الصادر في 14 من إبريل سنة 1957 من لجنة الإعفاء برفض منحها المهلة القانونية التي يسمح بها القانون رقم 419 لسنة 1955.
ومن حيث إنه بجلسة 13 من يناير سنة 1959 قضت محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات) "بإلغاء القرار الصادر في 14 من إبريل سنة 1957 من لجنة الإعفاء المنصوص عليها في القانون رقم 419 لسنة 1955 برفض طلب مد المهلة، وما ترتب عليه من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أنه لا جدال في أن حالة الاعتداء على بور سعيد وما أعقبه من احتلالها بقوات أجنبية ظلت حتى منتصف ديسمبر سنة 1956، وانقطاع "سبل المواصلات بينها وبين باقي البلاد واختلال أعمال الشركات فيها وارتباكها بسبب هجرة عمالها من المدينة، كل ذلك مع صدور القرار رقم 114 لسنة 1956 بسريان أحكام القانون رقم 419 لسنة 1955 في هذه الفترة الحرجة يجعل العلم به أو تنفيذه متعذراً، ويعتبر من الظروف القاهرة التي تحول بين الشركة وبين تقديمها طلب الإعفاء في الميعاد؛ ومن ثم تكون معذورة إذا ما قدمت هذا الطلب في 4 من فبراير سنة 1957، أي بعد انقضاء مهلة الشهر المحددة لتقديم طلب الإعفاء بأربعة أيام، فكان يتعين على اللجنة إزاء هذه الظروف الثابتة والمعلومة لها وللجميع، والتي تعتبر أكمل صورة للظروف والاعتبارات التي تبرر مد المهلة، أن تجيب الشركة إلى طلبها في هذا الخصوص؛ وتكون اللجنة - إذ رفضت هذا الطلب - قد أساءت استعمال السلطة المخولة لها وتعسفت في تطبيقها، ولم تستهدف من قرارها وجه المصلحة العامة؛ مما يجعل قرارها واجب الإلغاء، ولا يغير من هذا النظر ما استندت إليه اللجنة من أن قرارها بالرفض نهائي؛ لأن منح المهلة قد رخص فيه القانون للجنة، وهو تصرف مستقل بذاته عن قرارها برفض الطلب لتقديمه بعد الميعاد، ولم يكن ثمة ما يمنع اللجنة من إعمال الرخصة التي خولها إياها القانون بمد المهلة في الظروف الاستثنائية التي تستوجب ذلك، وبمنح هذه المهلة للشركة يعتبر الطلب المقدم منها في الميعاد، وكان يتعين عليها أن تعيد النظر فيه من جديد باعتباره مقدماً في الميعاد؛ ومن ثم تكون دعوى المطالبة بإلغاء قرار رفض مد المهلة الذي صدر مشوباً بسوء استعمال السلطة على أساس سليم من القانون، مما يتعين معه القضاء بإلغاء هذا القرار مع جميع ما ترتب عليه من آثار.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 12 من مارس سنة 1959 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، مع إلزام الشركة المدعية المصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أنه في 6 من ديسمبر سنة 1956 صدر القرار الوزاري رقم 114 لسنة 1956 بسريان أحكام القانون رقم 419 لسنة 1955 على سائر أنحاء الجمهورية اعتباراً من أول يناير سنة 1957، وقد نشر هذا القرار في الوقائع المصرية في 10 من ديسمبر سنة 1956، وكان متعيناً على الشركة المدعية أن تتقدم بطلب الإعفاء قبل انقضاء شهر يناير سنة 1957، وإذ هي لم تقدم هذا الطلب إلا في 4 من فبراير سنة 1957 فإنها تكون قد قدمته بعد الميعاد، ويكون رفض اللجنة إياه لهذا السبب سليماً، على أن الشركة وقد تقدمت بطلب الإعفاء فلا يتصور أن تعود وتطلب المهلة التي نص عليها القانون. ومع ذلك فلو صح هذا جدلاً فإن طلب المهلة يجب أن يقدم خلال شهر يناير سنة 1957 حتى يمكن الترخيص في المد، وهو الميعاد الذي كان يتعين أن تلتزمه الشركة المدعية ولكنها لم تفعل. والحكم المطعون فيه لا يجحد هذا الأصل القانوني، ولكنه أحل الشركة من التزامه؛ بحجة أن العدوان الثلاثي على بور سعيد قد صاحبته ظروف تعد بمثابة القوة القاهرة التي توقف سريان الميعاد الذي حدده القانون لتقديم طلب الإعفاء أو طلب منح المهلة على السواء، فإذا ما تبين أن الجيوش الأجنبية قد جلت عن بور سعيد نهائياً في يوم 23 من ديسمبر سنة 1956، أي قبل سريان الميعاد الذي حدده القانون، فإن العلة في قيام القوة القاهرة تكون منتفية، ويكون القرار المطعون فيه سليماً. وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إن الشركة المدعية عقبت على طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة بمذكرة قالت فيها إن تاريخ العمل بالقانون رقم 419 لسنة 1955 هو أول يناير سنة 1957، وأن انتهاء مهلة الشهر يقع في أول فبراير سنة 1957 طبقاً للفقرة "ج" من المادة 36 من القانون المذكور، وأن انتهاء رخصة الامتداد الأول لهذه المهلة هو أول مايو سنة 1957 طبقاً لذات الفقرة، وانتهاء مدة الامتداد الثاني للمهلة عينها هو أول أغسطس سنة 1957، وأن الشركة قدمت طلبها في 4 من فبراير سنة 1957، أي بعد ثلاثة أيام فقط من انقضاء مهلة الشهر، في حين أن المشرع قد حرص على إجازة امتداد المهلة لستة شهور بعد ذلك. وعلى ذلك كان للشركة أن تقدم طلبها في أول أغسطس سنة 1957، ما دامت الأسباب القهرية المبررة لذلك قائمة في منطقة بور سعيد. إذا كانت هناك مخالفة لنص الفقرة "ج" من المادة 36 من القانون رقم 419 لسنة 1955 فهي من جانب اللجنة التي ما كان لها، ما دامت أسباب القوة القاهرة متجلية، أن تهدر امتداد المهلة الذي قصد المشرع انتفاع المواطنين به أمام مشقة الظروف القهرية التي تجلب التيسير شرعاً وقانوناً وتقضي بوجوب التسامح في هذا المد، وهو تسامح لم يقرره المشرع عبثاً، بل راعى فيه ظروف مدينة بور سعيد بالذات في تلك الآونة. ولا حجة في استلزام طلب مد المهلة خلال شهر يناير؛ لأن المفروض أن الطلب المقدم فعلاً في هذا الشهر لا يحتاج مقدمه لامتداد المهلة؛ لأنه مقدم فعلاً في الميعاد. فطلب مد المهلة لا يمكن تصوره إلا من الشخص الذي لم يستطع تقديم طلبه خلال الشهر المقرر. ولو سلم في الجدل بأن جلاء الجيوش الأجنبية عن بور سعيد قد تم على الورق في 23 من ديسمبر سنة 1956، فإن هذا الجلاء النظري لم يبعث في المدينة حياتها بين يوم وليلة؛ إذ انقطع وصول الوقائع المصرية إليها وإلى شركاتها مدة طويلة، وانقطع تبعاً لذلك علم الكافة بالقانون رقم 419 لسنة 1955 وقراراته ومواعيده. ومن المقرر أن المواعيد يرد عليها الوقف إذ وقع حادث قهري استحال معه القيام بالإجراء المطلوب خلال الميعاد، وأبلغ مثل لذلك هو القوة القاهرة الناشئة عن الحرب. وليس أدل على اتجاه المشرع إلى مراعاة ظروف حرب بور سعيد من قرار رئيس الجمهورية الصادر بالقانون رقم 389 لسنة 1956 بوقف الإجراءات المترتبة على التأخير في أداء الديون وما جاء بمذكرته الإيضاحية. وبعد أن استعرضت الشركة المدعية بعض مبادئ الفقه والقضاء في أثر القوة القاهرة كحالة الحرب في وقف سريان المواعيد خلصت إلى طلب "رفض الطعن، وتأييد الحكم الابتدائي المطعون فيه، مع إلزام الوزارة المطعون لمصلحتها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إن القانون رقم 419 لسنة 1955 بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار للعمال الخاضعين لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 بشأن عقد العمل الفردي، وهو الذي صدر في 31 من أغسطس سنة 1955 ونشر في الجريدة الرسمية في 3 من سبتمبر سنة 1955، نص في الفقرة الأولى من المادة الأولى منه على أن "ينشأ صندوق للتأمين وآخر للادخار لجميع العمال الخاضعين لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 المشار إليه"، كما نص في الفقرة الأولى من المادة 22 منه على أن "يكون الاشتراك في صندوق التأمين إلزامياً بالنسبة إلى كل صاحب عمل، كما يكون الاشتراك في صندوق الادخار إلزامياً بالنسبة إلى كل صاحب عمل وعامل، وذلك مع مراعاة أحكام المادة 36 من هذا القانون"، كذلك نص في المادة 36 منه على أن "يستثنى من أحكام الفقرة الأولى من المادة 22 وما يترتب عليها من التزامات، أصحاب الأعمال والعمال إذا كانوا وقت العمل بهذا القانون مرتبطين بتنفيذ أنظمة خاصة، سواء في شكل صناديق ادخار أو عقود تأمين جماعية أو نظم معاشات. ويجب لإقرار هذا الإعفاء أن تتوافر في هذه الأنظمة القائمة الشروط الآتية: أولاً - ... ثانياً - فيما يتعلق بالعقود الجماعية ونظم المعاشات التي يترتب على وجودها الإعفاء من الاشتراك في صندوق التأمين والادخار المنشأين بمقتضى أحكام هذا القانون: ( أ )..... (ب)..... (ج) أن يقدم صاحب العمل طلبه إلى اللجنة المذكورة خلال شهر على الأكثر من تاريخ العمل بهذا القانون مرفقاً به تقرير من خبير في رياضيات التأمين على الحياة (اكتوارى) يوضح فيه القواعد الخاصة بالنظام ومدى ملاءمة الأموال المكونة والاشتراكات المقررة للمزايا التي تعود من تطبيقه والأسس الفنية التي اتبعت في التقدير. ويجوز للجنة بناء على طلب صاحب العمل مد مهلة الشهر المشار إليه لأسباب تقدرها بحيث لا تجاوز ثلاثة أشهر. ويجب علي اللجنة أن تخطر صاحب العمل بقرارها خلال ستة أشهر على الأكثر من تاريخ تقديم الطلب، وإلا اعتبر النظام معتمداً....."، ونص في المادة 45 منه على أن "على الوزراء كل فيما يخصه تنفيذ هذا القانون، وعلى وزير الشئون الاجتماعية أن يصدر ما يقتضيه العمل به من القرارات واللوائح التنفيذية. ويعمل به اعتباراً من أول الشهر التالي لانقضاء ستة أشهر على نشره في الجريدة الرسمية، وذلك بالنسبة للمؤسسات التي يوجد مركزها الرئيسي في محافظتي القاهرة والإسكندرية وفي الجهات التي يصدر بتعيينها تباعاً قرارات من وزير الشئون الاجتماعية. على أن يتم سريانه على جميع أنحاء الجمهورية في المدة التي يقررها مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الشئون الاجتماعية". وفي 6 من ديسمبر سنة 1956 صدر قرار وزارة الشئون الاجتماعية والعمل رقم 144 لسنة 1956 بسريان القانون رقم 419 لسنة 1955 على سائر أنحاء جمهورية مصر، ونص في مادته الأولى على أن "تسري أحكام القانون رقم 419 لسنة 1955 المشار إليه على سائر أنحاء جمهورية مصر"، كما نص في مادته الثالثة على أن "ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ويعمل به اعتباراً من أول يناير سنة 1957"، وقد نشر في عدد الوقائع المصرية رقم 99 في 10 من ديسمبر سنة 1956.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن مثار المنازعة هو ما إذا كان عدم تقديم صاحب العمل إلى اللجنة المختصة طلب إعفائه من الاشتراك في صندوقي التأمين والادخار المنشأين بمقتضى أحكام القانون رقم 419 لسنة 1955 استناداً إلى حكم المادة 36 من هذا القانون في ميعاد الشهر المنصوص عليه في هذه المادة لارتباطه هو والعمال وقت العمل بالقانون المذكور بتنفيذ أنظمة خاصة هي أصلح للعمال، أو عدم تقديمه طلب مد مهلة الشهر المشار إليه في الميعاد المقرر لذلك، يترتب عليه حتماً عدم النظر في الطلب موضوعاً، حتى ولو كان النظام المرتبط بتنفيذه صاحب العمل والعمال من قبل أجدى لهؤلاء وأكثر رعاية، أم أن مقتضى حكم القانون أنه لا يحتم في هذه الحالة عدم قبول الطلب، وأن الأمر لا يعدو أن يكون تنظيماً لبحث تلك الشئون، وحثاً لأصحاب العمل؛ حتى يقوموا من جانبهم باستيفاء كل ما يلزم لإنفاذ أحكام القانون حرصاً على مصلحة العمال.
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أن القانون رقم 419 لسنة 1955 إنما يستهدف - كما أفصحت عن ذلك مذكرته الإيضاحية - "حماية الطبقات العاملة عن طريق تطبيق نظم التأمين الاجتماعي بما يحقق إشاعة الطمأنينة بين أفراد هذه الطبقة ويخلق روح الاستقرار في نفوسهم، فينصرفون إلى أعمالهم ويزداد إنتاجهم". وتحقيقاً لهذه الغاية فرض القانون المذكور نظام التأمين والادخار بالنسبة إلى كل صاحب عمل وعامل وجعله إلزامياً، كما تقضي بذلك المادة 22 منه. على أنه - كما تقول المذكرة الإيضاحية - "لما كان النظام المنشأ بمقتضى أحكام هذا القانون هو بديل لمكافأة نهاية الخدمة، فقد قضت المادة المذكورة باستمرار الأنظمة القائمة التي ترتب للعمال امتيازات تكميلية بالإضافة إلى الالتزام القانوني بالمكافأة. ومن البدهى أن استمرار هذه الأنظمة سيكون بالإضافة إلى الاشتراك بالمؤسسة"؛ ولذا نصت المادة 22 على وجوب مراعاة أحكام المادة 36 من القانون، وهي تقضي في فقرتها الأولى بأنه "يستثنى من أحكام الفقرة الأولى من المادة 22 وما يترتب عليها من التزامات، أصحاب الأعمال والعمال إذا كانوا وقت العمل بهذا القانون مرتبطين بتنفيذ أنظمة خاصة، سواء في شكل صناديق ادخار أو عقود تأمين جماعية أو نظم معاشات"، وقد جاء في المذكرة الإيضاحية في هذا الخصوص بياناً لذلك ما يلي: "ونظراً إلى أن بعض طوائف العمال يتمتعون حالياً وقبل صدور القانون بنظم أكثر رعاية من النظام المقترح، لذلك فقد استثنت المادة 36 أصحاب الأعمال والعمال المرتبطين بتنفيذ مثل هذه الأنظمة من الخضوع للالتزام الوارد في المادة 22 بشروط خاصة"، ومن بين هذه الشروط أن تعتمد النظام لجنة تشكل لهذا الغرض برياسة وكيل وزارة الشئون الاجتماعية وعضوية كل من مدير عام الإدارة العامة للعمل ورئيس مصلحة التأمين بوزارة المالية والاقتصاد، وهذه اللجنة هي المختصة بفحص الموضوع والبت فيه، ويجب عليها أن تخطر صاحب العمل بقرارها خلال ستة أشهر على الأكثر من تاريخ تقديم الطلب، وإلا اعتبر النظام معتمداً، ولها أن تفرض من التعديلات ما تراه مناسباً لإقرار النظام. فإذا لم يتم إجراء هذه التعديلات خلال شهر على الأكثر من تاريخ إخطار صاحب العمل بقرار اللجنة اعتبر النظام مرفوضاً.
ومن حيث إنه يبين مما سلف إيراده أن سياسة القانون رقم 419 لسنة 1955 إنما تقوم على رعاية مصلحة العمال، وهم الجانب الأضعف في عقد العمل الفردي، كما تقوم على الأخذ بالنظام السابق الارتباط به عند نفاذ القانون متى كان أصلح لهم. وغني عن القول إن موقف الحكومة في هذا الشأن هو موقف المنفذ للقانون بنصوصه وروحه المحقق لأهدافه، وأنه يتعين عليها أن تنزل على مقتضاه بتحقيق مصلحة العمال التي يهدف القانون إلى حمايتها؛ ومن ثم لزم أن يكون المناط في تأويل النصوص الإجرائية الخاصة بمواعيد تقديم طلبات الإعفاء ومد المهلة على أساس هذا الفهم. وإذا كانت المادة 36 من القانون تقضي بأن "يقدم صاحب العمل طلبه إلى اللجنة المذكورة خلال شهر على الأكثر من تاريخ العمل بهذا القانون مرفقاً به تقرير من خبير في رياضيات التأمين على الحياة (اكتوارى) يوضح فيه القواعد الخاصة بالنظام ومدى ملاءمة الأموال المكونة والاشتراكات المقررة للمزايا التي تعود من تطبيقه والأسس الفنية التي اتبعت في التقدير"، كما تقضي بأنه "يجوز للجنة بناء على طلب صاحب العمل مد مهلة الشهر المشار إليه لأسباب تقدرها بحيث لا تجاوز ثلاثة أشهر"، فإن هذه المادة لم تنص على الجزاء المترتب على التأخر في تقديم أي من هذين الطلبين، ولم تقض بعدم قبول الطلب في هذه الحالة أو بطلانه، ومن المسلم أنه لا سقوط ولا بطلان إلا بنص؛ الأمر الذي يدل على أن هذه المواعيد هي في حقيقة الأمر تنظيم لبحث هذه المواضيع، وحث لأصحاب الأعمال على المبادرة بتقديم النظم المشار إليها؛ حتى تتم تصفية هذه الشئون التي لا بد من تصفيتها لإمكان تطبيق القانون وتنفيذه على النحو ووفقاً للأغراض التي يستهدفها. يقطع في أن المناط في تأويل تلك النصوص هو رعاية مصلحة العمال والأخذ بما هو أصلح لهم، ما نصت عليه المادة 36 آنفة الذكر من أنه "يجب أن يكون قرار اللجنة في حالة الاعتراض مسبباً ومبنياً على عدم كفاية المزايا الممنوحة للعمال أو عدم ملاءمة الاشتراكات لهذه المزايا". وغني عن البيان أنه لو رأت اللجنة عدم قبول الطلب لتقديمه بعد الميعاد، دون بحث الموضوع والموازنة بين النظامين وأيهما أصلح للعمال، وكان النظام المرتبط بتنفيذه صاحب العمل والعمال وقت نفاذ القانون أكثر رعاية لهؤلاء من النظام القانوني المفروض، لكان في هذا تفويت لمصلحة ظاهر للعمال، وهو ما لا يتسق أساساً مع السياسة التي يقوم عليها القانون، بل ما يتعارض معها ويخرج على أهدافه، بينما جعل الشارع المناط في قرار اللجنة والأساس الذي يقوم عليه هذا القرار هو مراعاة المزايا الأصلح للعمال.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون قرار لجنة الإعفاء - إذ قام على عدم نظر طلب مد المهلة المقدم إليها من الشركة المدعية بحجة تقديمه بعد الميعاد دون بحث الموضوع والموازنة بين مزايا النظام السابق ارتباط الشركة المذكورة وعمالها بتنفيذه ومزايا النظام القانوني المفروض، وتقرير أيهما أكثر رعاية لصالح العمال - قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه؛ فيتعين القضاء بإلغائه، وعلى اللجنة بحث هذا الموضوع على الأساس المشار إليه بالسلطات المخولة لها طبقاً للقانون على التفصيل الوارد به من رفض أو إقرار أو تعديل حسبما تراه أصلح للعمال، ويكون حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه قد جاء سليماً في النتيجة التي انتهى إليها من إلغاء القرار المذكور؛ ومن ثم فإنه يتعين قبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق