الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 28 سبتمبر 2023

الطعن 20981 لسنة 88 ق جلسة 13 / 1 / 2022

باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة الجنائية
الخميس (ج)
المؤلفة برئاسة السيد المستشار الدكتور / علي فرجاني نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / محمد الخطيب و هشام عبد الهادي ونادر خلف نواب رئيس المحكمة وأحمد محمد مقلد

وبحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد / محمد جمال عبد المجيد .

وأمين السر السيد / هشام عز الرجال .

في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة .
في يوم الخميس 10 من جمادى الآخرة سنة 1443 ه الموافق 13 من يناير سنة 2022 م .
أصدرت الحكم الآتي :
في الطعن المقيد بجدول المحكمة برقم 20981 لسنة 88 القضائية .

المرفوع من :

..... المحكوم عليه - الطاعن

ضد

النيابة العامة

---------------

" الوقائع "

اتهمت النيابة العامة الطاعن في القضية رقم ٣٢٥٤ لسنة ٢٠١٦ جنايات قسم البساتين ( والمقيدة برقم ٢٤١٠ لسنة ٢٠١٦ كلي جنوب القاهرة ) بأنه في يوم ١١ من فبراير سنة ٢٠١٦ بدائرة قسم شرطة البساتين - محافظة القاهرة :-
1- ضرب عمدًا المجني عليه / ..... ، مع سبق الإصرار ؛ بأن بيت النية وعقد العزم المصمم على ضربه ، وأعد لهذا الغرض سلاح أبيض ( مطواة ) ، وما أن ظفر به حتى باغته بطعنه بفخذه الأيسر محدثًا إصابته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية المرفق بالتحقيقات ، دون أن يقصد من ذلك قتله ، إلا أن إصابته أفضت إلى موته على النحو المبين بالتحقيقات .
2- أحرز سلاح أبيض ( مطواة ) دون مسوغ من الضرورة المهنية أو الشخصية على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
وحيث ادعى ورثة المجني عليه / طه حشمت طه - بوكيل عنهم قانونًا - مدنيًا قبل المتهم بمبلغ خمسمائة ألف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا بجلسة ٢٣ من ديسمبر سنة ۲۰۱۷ ، عملًا بالمادتين ٢٣١ ، ٢٣٦/2،1 من قانون العقوبات ، والمادتين ۱/۱ ، ٢٥ مكرر/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والبند رقم ( 5 ) من الجدول رقم ( 1 ) الملحق ، مع إعمال نص المادة ٣٢/2 من قانون العقوبات ، بمعاقبة المتهم بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات عما أسند إليه وإلزامه بالمصاريف ، وبإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة بلا مصاريف .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 20 من فبراير سنة 2018 ، وأودعت مذكرة بأسباب الطعن عن المحكوم عليه بتاريخ 19 من فبراير سنة 2018 موقعٌ عليها من المحامي / ....... .
وبجلسة اليوم سمعت المرافعة على نحو ما هو مبين بمحضر الجلسة .
-----------------

" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً :-
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار ، وإحراز سلاح أبيض - مطواة - دون مسوغ قانوني ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والخطأ في الإسناد ، والإخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى ، والأدلة التي عول عليها في الإدانة ، ومؤداها ، وجاءت أسبابه في عبارات عامة مجملة ، وتناقضت أقوال الشاهد الثاني مع الدليل الفني إذ أن مؤدى أقواله أن الطاعن ضرب المجني عليه من الخلف في حين أن الثابت من تقرير الصفة التشريحية ، وأقوال الطبيبة الشرعية أن الإصابة من الأمام ، ورد الحكم على الدفع بالتناقض بين الدليلين القولي والفني ردًا غير سائغ ، وجزمت المحكمة في مسألة فنية لم تجزم بها الطبيبة الشرعية ، هذا فضلًا عن التفاتها عن الإصابتين الثانية والثالثة بالمجني عليه والتي أوردهما تقرير الصفة التشريحية ، ورفضت المحكمة توجيه سؤاله للطبيبة الشرعية بشأن إصابة الطاعن بيده مما حال بينه وبين إبداء دفاعه ، واقتصر الحكم في تحصيل دفاع الطاعن على إنكاره الاتهام في حين أنه أبدى دفاعًا حاصله أن مشاجرة نشبت بينه وبين المجني عليه حاول خلالها الأخير طعنه بمطواة إلا أنه حاول رد هذا الاعتداء مما نتج عنه سقوطهما أرضًا وإصابة المجني عليه ، ولم يرد الحكم على هذا الدفاع رغم جوهريته ، كما أن تصوير الواقعة حسبما انتهى الحكم جاء متعسفًا في الاستنتاج ، ومتنافر مع العقل والمنطق ، ودفع الطاعن بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس بيد أن المحكمة ردت على هذا الدفع بما لا يصلح ردًا ، ولم يدلل الحكم تدليلًا سائغًا على توافر ظرف سبق الإصرار في حقه ، واكتفى بإيراد الأدلة كما وردت بتحقيقات النيابة العامة والتي جاءت قاصرة ، ولم ينفذ قرارها بتوقيع الكشف الطبي على الطاعن لبيان إصابته ، وعول على التحريات رغم قصورها وعدم توصلها إلى بداية الخلاف بين الطرفين ، وأخيرًا فقد التفتت المحكمة عن دفعه بشيوع الاتهام ؛ كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بقوله :- ... أنه بسبب وجود خلافات سابقة بين المتهم / محمود عبد الباقي أحمد توني ، والمجني عليه / طه حشمت طه ، وسابقة حدوث مشادة كلامية بينهما ، فأضمر المتهم الشر للمجني عليه ، وبيت النية ، وعقد العزم على التعدي عليه بالضرب وإيذائه ، وأعد لذلك سلاحًا أبيض ( مطواة ) وتوجه إلى المكان الذي أيقن سلفًا تواجده فيه ، وما أن ظفر به حتى وجه إليه طعنه في فخذه الأيسر ، فأحدث به إصابة طعنية ، وتهتك بالشريان الفخذي الأيسر ، ونزيف دموي غزير ، ولم يقصد من ذلك قتله ، ولكن الإصابة أودت بحياته . وساق الحكم على صحة الواقعة ، وإسنادها إلى الطاعن أدلة استقاها من أقوال شاهدي الإثبات ، وتحريات الشرطة وأقوال مجريها ، ومن تقرير الصفة التشريحية . لما كان ذلك ، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية ؛ قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانًا تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها ، والظروف التي وقعت فيها ، والأدلة التي استخلصت المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار ، وإحراز سلاح أبيض بغير مسوغ اللتين دان الطاعن بهما ، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي ، وألمت بها إلمامًا شاملًا ، يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلًا أو نمطًا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة ، والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافيًا في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ؛ فإن ذلك يكون محققًا لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن على الحكم بالقصور لا محل له . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحًا ومباشرًا في الدلالة على ما تستخلصه منه ؛ بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى ، واستظهار الحقائق القانونية المتصلة بها ، إلى ما تستخلصه من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج ، والاستقراء ، وكافة الممكنات العقلية ، ما دام استخلاصها سليمًا لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره - ، وليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني ؛ بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضًا يستعصي على الملاءمة والتوفيق ، وكان ما ساقه الحكم المطعون فيه من أدلة تبريرًا لقضائه بعد أن استخلص إدانة الطاعن بأنه أحدث بالمجني عليه إصابة بأعلى يمين الفخذ الأيسر الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أدت إلى الوفاة ، واستطرد قائلًا أن أطراف المجني عليه أجزاء متحركة ويوجد لها مساحة حركية ، فلا يمكن تحديد اتجاه حدوث الطعنة من الخلف أم الأمام ، وأنها جائزة الحدوث في كلتا الحالتين لوجود المساحة الحركية لأطراف المجني عليه ، وهو ما قرره شهود الإثبات ، واطمأنت إليه المحكمة ؛ فإن ما أورده الحكم من استدلال ردًا على دفاع الطاعن بالتناقض بين الدليل القولي والدليل الفني سائغ ومتفق مع العقل والمنطق . لما كان ذلك ، وكان لا يقدح في سلامة الحكم ؛ إغفاله بيان إصابة الطاعن ، وبعض إصابات المجني عليه ، لما هو مقرر من أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، ولا عليها إن هي التفتت عن أي دليل آخر ؛ لأن في عدم إيرادها له ما يفيد إطراحه ، وعدم التعويل عليه ، ومن ثم فإن نعي الطاعن على الحكم إغفاله إصاباته لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع سأل الطبيبة الشرعية عن سبب إصابة الطاعن ، فرفضت المحكمة توجيه هذا السؤال إليها ، ولما كان من حق محكمة الموضوع رفض توجيه الأسئلة الموجهة من الدفاع إلى أحد الشهود إذا تبين لها عدم حاجتها إليه في إظهار الحقيقة ؛ ومن ثم فإن النعي على الحكم بالإخلال بحق الدفاع في هذا المقام لا يكون مقبولًا . لما كان ذلك ، وكان النعي على الحكم بتطرقه إلى أمور فنية على النحو الوارد بوجه النعي ، مردودًا بأن البين من الأوراق أن الحكم استقى ما خلص إليه من أن أطراف المجني عليه متحركة ، ويوجد لها مساحة حركية ، فلا يمكن تحديد اتجاه حدوث الطعنة من الخلف أم الأمام ، وأنها جائزة الحدوث في كلتا الحالتين لوجود المساحة الحركية لأطراف المجني عليه ، وذلك أخذًا مما شهدت به الطبيبة الشرعية بجلسة المحاكمة ، هذا فضلًا عن إنه لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي ؛ متى كانت الوقائع - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - قد أيدت ذلك عندها ، وأكدته لديها ، وإذ كان ذلك ، وكان الثابت أن المحكمة بعد أن مكنت الطاعن من مناقشة الطبيبة الشرعية ، قد اطمأنت إلى شهادتها للأسانيد الفنية التي أبدتها ، والتي فصلتها المحكمة في حكمها على النحو السالف بيانه ؛ فلا يصح أن يعاب عليها - من بعد - عدم إجابتها طلب الدفاع الاسترسال في مزيد من الأسئلة ، طالما أن الواقعة قد وضحت أمامها ، ولم تر هي من جانبها ضرورة لذلك ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد أطرح تصوير الطاعن للحادث في قوله :- ... أن المحكمة لا تعول على إنكار المتهم لما نسب إليه ، وتلتفت عن هذا الدرب من الدفاع ، ولا تسايره والمدافع عنه فيما أثاره من قالة عدم المعقولية بغية التشكيك في صحة الاتهام وأدلته على نحو لا يستقيم مع الثابت مما اطمأنت إليه من أرواق الدعوى وأدلتها السابق بيانها بما يتفق وجوهر الواقعة ومضمون ما رواه شهود الإثبات بالتحقيقات متسقًا مدلول ذلك جميعًا والثابت بتقرير الصفة التشريحية بغير ثمة تعارض أو تناقض على نحو ما اطمأنت إليه المحكمة في صورة الواقعة التي استقرت لديها . وكان من المقرر أن للمحكمة أن تستخلص من أقوال الشهود ، وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث ؛ الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها ، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ، ما دام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ، ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود ، وتقديرها ؛ مرجعه إلى محكمة الموضوع ، تنزله المنزلة التي تراها ، وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، ومتى أخذت بأقوال الشهود ؛ فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال الشهود ، واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهدوا بها ، وأيدها التقرير الطبي الشرعي ، وأقوال الطبيبة الشرعية أمام المحكمة ، وكان ما أورده سائغًا في العقل والمنطق ، ومقبولًا في بيان كيفية وقوع الحادث ، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في سلامة ما استخلصه الحكم بدعوى الفساد في الاستدلال ، والقصور في التسبيب ؛ لا يعدو أن يكون مجادلة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديًا من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح ، مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بشأن قيام حالة الدفاع الشرعي عن نفسه ، وأطرحه بقوله :- ... وحيث إنه عن الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس لدى المتهم ، فإن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي ، وانتفائها ، متعلق بموضوع الدعوى ؛ ذلك أن هذا الحق لم يشرع إلا لرد الاعتداء عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء وبين الاستمرار فيه ، فلا يسوغ التعرض بفعل الضرب لمن لم يثبت أنه كان يعتدي أو يحاول الاعتداء على المدافع أو غيره . ولما كان ذلك ، وكانت المحكمة حسبما أطمان إليه وجدانها قد استقرت لديها صورة الدعوى حسبما سلف في أن المتهم هو الذي توجه ناحية المجني عليه وبادر بالتعدي عليه بالضرب حال سيره بالطريق العام باستعمال سلاحًا أبيض ( مطواة ) فأحدث إصابته التي أودت بحياته ، فإن صورة الدعوى على هذا النحو تنأى عن دفاعه بتوافر حالة الدفاع الشرعي في حقه ، ولا يجدي في الأمر قوله أن المجني عليه هو الذي أشهر السلاح الأبيض ( المطواة ) وأشهرها في وجهه فتشابكا وتدافعا فحدثت إصابة المجني عليه ، فإن قالته تلك قد نفاها شهود الإثبات جزمًا وأجمعوا صراحة أن المتهم هو الذي جاء من خلف المجني عليه وبادر بالتعدي عليه بالسلاح الذي كان يحمله ، وهي أقوال تطمئن المحكمة لصدقها ، وتأخذ بها ، فتنتهي من ثم إلى طرح دفاع المتهم بقيام حالة الدفاع الشرعي في حقه لانتفاء موجبها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها ، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ، ما دام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ، ولها أصلها في الأوراق ، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة ؛ بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج ، والاستقراء ، وكافة الممكنات العقلية ، ما دام ذلك سليمًا متفقًا مع حكم العقل والمنطق ، كما أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها ؛ متعلقة بموضوع الدعوى ، ولمحكمة الموضوع الفصل فيها بلا معقب عليها ، ما دام استدلالها سليمًا يؤدي إلى ما انتهت إليه ، ولما كان ما ساقه الحكم المطعون فيه من أدلة منتجة في اكتمال اقتناع المحكمة ، واطمئنانها إلى ما انتهت إليه من رفض الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي ، وكان ما أورده الحكم سائغًا في العقل والمنطق ، ومقبولًا في بيان كيفية وقوع الحادث ، فإن ما يثيره الطاعن في شأن الرد على الدفع المار ذكره ، ومنازعته في سلامة ما استخلصه الحكم بدعوى الفساد في الاستدلال ، والقصور في التسبيب ؛ لا يعدو أن يكون مجادلة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديًا إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح ، مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن البحث في توافر سبق الإصرار ؛ من إطلاقات محكمة الموضوع ، تستنتجه من وقائع الدعوى وعناصرها ، ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلًا مع هذا الاستنتاج ، وإذ كان الحكم قد استدل على توافر ذلك الظرف في حق الطاعن من وجود خلافات سابقة بينه وبين المجني عليه ، والتي ولدت الضغينة في نفسه ، وإعداده السلاح المستخدم في الجريمة ، وتوجهه إلى مكان تواجد المجني عليه ، ومباغتته بطعنه في الفخذ الأيسر محدثًا إصابته التي أودت بحياته ؛ فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون سليمًا وصحيحًا في القانون ، ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات أن تورد في حكمها أدلة الثبوت كما تضمنتها تحقيقات النيابة العامة ؛ ما دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة - وهو الحال في الدعوى المطروحة - ، فإن النعي على حكمها في هذا الصدد - بفرض صحته - يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بثمة قصور في تحقيقات النيابة أو أن قرارها بتوقيع الكشف الطبي عليه لبيان إصابته لم ينفذ ؛ فليس له من بعد أن ينعي على المحكمة عدم ردها على دفاع لم يثر أمامها ، ولا يقبل منه الدفع بشيء من ذلك أمام محكمة النقض لأول مرة . لما كان ذلك ، وكان لا تثريب على المحكمة إن هي أخذت بتحريات رجال المباحث ضمن الأدلة التي استندت إليها ؛ لما هو مقرر من أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سديد .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بشيوع التهمة ؛ هو من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة ردًا خاصًا اكتفاءً بما تورده من أدلة الإثبات التي تطمئن إليها بما يفيد إطراحها له ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولًا . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ؛ متعينًا رفضه موضوعًا .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلًا ، وفي الموضوع برفضه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق