جلسة 11 من يناير سنة 1973
برياسة السيد المستشار/ الدكتور حافظ هريدي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عثمان زكريا، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن، وأحمد صفاء الدين.
----------------
(13)
الطعن رقم 244 لسنة 36 القضائية
(1) تزوير. "الادعاء بالتزوير". إثبات. "طرق الإثبات. الكتابة". نقض. "ما لا يصلح سبباً للطعن". حكم. "تسبيب الحكم. التقريرات القانونية الخاطئة". خلف.
الادعاء بالتزوير من صاحب التوقيع على الورقة العرفية. مانع له من الادعاء بالإنكار بعد ذلك. حكم الوارث أو الخلف حكم المورث في هذا الشأن.
انتهاء الحكم إلى النتيجة الصحيحة. النعي عليه فيما أورده من تقريرات خاطئة. غير منتج.
(2) نقض. "أسباب الطعن. السبب الجديد". بطلان. وكالة.
عدم تمسك الطاعن أمام محكمة الموضوع ببطلان الخصومة أو بطلان التوكيل لانعدام أهلية مورثه في إصداره. التمسك بذلك أمام محكمة النقض. سبب جديد. غير مقبول.
(3) حكم. "تسبيب الحكم". إثبات. "طرق الإثبات. الشهادة".
عدم التزام الحكم بذكر جميع أقوال الشهود. حسبه الإشارة إلى ما ورد بها مما ينبئ عن مراجعتها. حقه في إطراح ما لا يطمئن إليه من هذه الأقوال.
(4) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الأدلة".
قاضي الموضوع. سلطته في بحث الدلائل والمستندات المقدمة وترجيح ما يطمئن إليه واستخلاص ما يرى أنه واقع الدعوى.
(5) حكم. "تسبيب الحكم".
لا على الحكم إن لم يتتبع الخصوم في مختلف مناحي أقوالهم وحججهم ويرد استقلالاً على كل منها.
(6) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الأدلة".
تقدير الأدلة وكفايتها في الإقناع من شأن محكمة الموضوع ما دام لا خروج فيه على الثابت بأوراق الدعوى.
(7) حكم. "عيوب التدليل. ما لا يعد قصوراً". تزوير. إثبات.
ثبوت توقيع المورث على العقد بالختم. عدم تمسك الطاعن أمام محكمة الاستئناف بطلب تحقيق بصمة الإصبع المنسوبة إلى المورث على ذات العقد بمعرفة أهل الخبرة. اقتناع الحكم بصحة صدور العقد من المورث تأسيساً على ما قدم من أدلة. لا قصور ولا إخلال بحق الدفاع.
(8) عقد. "انعقاد العقد". حكم. "عيوب التدليل. ما لا يعد خطأ في الإسناد". بيع. هبة. وصية. صورية.
انتهاء الحكم إلى صدور العقد صحيحاً من المورث. استخلاص اتجاه نيته إلى نقل الملكية إلى بناته بعد تحصيل إيجار السنة الزراعية التي أصدر فيها العقد. هذا الاستخلاص فيه الرد على ما وجه إلى العقد من أنه وصية مضافة إلى ما بعد الموت. قضاء الحكم بصحة العقد باعتباره عقد بيع حقيقي أو هبة يسترها عقد بيع. لا قصور ولا خطأ في الإسناد.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهن الخمس الأوليات أقمن الدعوى رقم 4167 سنة 1961 مدني كلي القاهرة ضد والدهن..... بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 30/ 2/ 1960 والمتضمن بيعه لهن 30 ف و22 ط و21 س أطياناً زراعية كائنة بناحية كفر بولين مركز كوم حمادة محافظة البحيرة وبإلزام المدعى عليه بتسليم هذه الأطيان مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وذلك بناء على عقد بيع موقع عليه ببصمة إبهام وخاتم منسوب صدورهما إلى البائع، ونص في العقد على أن الثمن قدره 7430 ج دفع وقت التعاقد، وطعن الحاضر عن المدعى عليه بالتزوير على أساس أن البائع لم يوقع على العقد ببصمة خاتمه أو إبهامه وأنه يجيد القراءة والكتابة وكان يشغل منصب رئيس محكمة شرعية قبل إحالته إلى المعاش، وبتاريخ 26/ 5/ 1962 حكمت المحكمة بقبول الادعاء بالتزوير شكلاً وإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعى عليه أنه لم يستعمل في معاملاته ختماً أو بصمة، ونظراً لانقطاع الخصومة بسبب وفاة المدعى عليه قبل تنفيذ الحكم عجلت الدعوى قبل ورثته، وطعن المدعى عليه الأول بأنه يجهل توقيع مورثه على العقد، وبعد أن حكمت المحكمة بتاريخ 4/ 4/ 1964 بعدم قبول الادعاء بالإنكار وإعادة القضية للمرافعة وأصر المدعى عليه الأول في مذكرة دفاعه على تزوير العقد، عادت بتاريخ 20/ 6/ 1964 فحكمت بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعى عليه الأول أن مورثه لم يوقع ببصمة إبهامه أو بخاتمه على العقد، وبعد أن نفذت المحكمة هذا الحكم بسماع شهود الطرفين حكمت بتاريخ 23 يناير سنة 1965 (أولاً) برفض الادعاء بالتزوير وإلزام المدعى عليه الأول باعتباره وارثاً للمرحوم...... بالغرامة وقدرها 25جنيهاً (ثانياً) بصحة عقد البيع المؤرخ 20 فبراير سنة 1960 وإلزام المدعى عليه الأول باعتباره وارثاً للمرحوم عبد العزيز سليمان بالمصروفات واستأنف المدعى عليه الأول هذا الحكم والأحكام السابقة لدى محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءها والحكم برد وبطلان العقد وقيد الاستئناف برقم 613 سنة 82 قضائية، وبتاريخ 7/ 12/ 1966 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وباستجواب طرفي الخصومة، وبعد أن نفذت هذا الحكم حكمت بتاريخ 8/ 3/ 1966 في موضوع الاستئناف برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للسببين الواردين في التقرير، وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها وطلبت نقض الحكم.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه رفض قبول الطعن بالجهالة على أساس أن الطاعن اعترف في استجوابه بأنه هو الذي طعن بالتزوير أمام محكمة أول درجة وانتحل إرادة والده دون علمه وسخر في ذلك محامياً كان وكيلاً عنه، وهو من الحكم خطأ في تطبيق القانون وتناقض في التسبيب، ذلك أن الثابت بمذكرة دفاع المطعون عليهن أمام محكمة أول درجة وبالتقرير الطبي الشرعي المقدم في دعوى الحجر أن المورث لم تكن له إرادة يمكن انتحالها في تاريخ الطعن بالتزوير، فلا تكون له أهلية التقاضي وقت رفع الدعوى مما يؤدي إلى بطلان الخصومة وبطلان الطعن بالتزوير، كما أن انتحال إرادة المورث يؤدي إلى بطلان توكيل المحامي ولا يؤدي إلى اعتبار الطعن بالتزوير صادراً من الطاعن قبل اختصامه في الدعوى وإنما يعتبر الطعن بالتزوير عديم الأثر فلا يحول دون حقه في الطعن بالتجهيل، وهو يعتبر من الغير في شأن حجية الورقة العرفية المنسوب صدورها إلى المورث.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن صاحب التوقيع على الورقة العرفية إذا لجأ إلى طريق الادعاء بالتزوير ولم يقف عند حد الإنكار كان عليه إثبات هذا التزوير، ولا يكون على المتمسك بالورقة إثبات صحتها ولا يستطيع من نسب إليه التوقيع أن يلجأ بعد ذلك إلى الإنكار ليسقط حجية الورقة ويحمل المتمسك بها عبء إثبات صدورها، كما لا يستطيع الوارث أو الخلف الالتجاء إلى الإنكار أو التجهيل بعد أن أسقط سلفه حقه فيه بالادعاء بالتزوير، وإذ كان الواقع في الدعوى أنها أقيمت على مورث الطاعن وأن الحاضر عنه طعن على عقد البيع الذي يحمل توقيعه بالتزوير، وأن الطاعن اختصم بعد وفاة المورث وتمسك بأنه يجهل توقيع المورث ولم يتمسك أمام محكمة الموضوع ببطلان الخصومة أو بطلان التوكيل لانعدام أهلية المورث في إصداره قبل صدور قرار الحجر، وكان لا يقبل التمسك بهذا البطلان لأول مرة أمام محكمة النقض باعتباره سبباً جديداً وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى النتيجة الصحيحة في قضائه بعدم قبول الطعن بالإنكار من جانب الطاعن بعد الادعاء بالتزوير، فإن النعي على الحكم فيما أورده من تقريرات خاطئة يكون غير منتج.
وحيث إن حاصل السبب الثاني في الوجوه الثلاثة الأولى أن الحكم المطعون فيه اعتمد في قضائه برفض الادعاء بالتزوير وبصحة العقد على أقوال الشهود في التحقيق، وهو من الحكم خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال وقصور من وجوه (أولها) أن الحكم قرر أن شهادة شاهدي الطاعن انصبت على القول بأن المورث كان مريضاً طريح الفراش قبل وفاته بثلاث سنوات، في حين أن الثابت من أقوالهما أنهما شهدا بأن المورث كان فاقد الوعي لا يعرف أهله ولا يستطيع التصرف في أمواله، وأنه كان يستعمل في معاملاته السابقة الإمضاء لا الختم (وثانيها) أن الحكم عول في قضائه على أن الشاهد طه مهنا قد قرر بأن المورث جاء لأداء واجب العزاء بالقرية في سنة 1960 وتمكن من صعود السلم في حين أن الشاهد لم يذكر هذه الواقعة وإنما ذكرها شاهد آخر أغفلت المحكمة الإشارة إلى أقواله فضلاًً عن أن الحكم لا يبين هذه القرية ولا يحدد ما إذا كان العزاء قد حدث قبل تاريخ العقد أو بعده، وهو لا يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها في قضائه (وثالثها) أن الحكم استند إلى أقوال الشاهد طه مهنا من أن المورث كان يستعمل الختم في معاملاته مع بنك مصر منذ سنة 1948 وأغفل ما هو ثابت بالمستندات المقدمة من الطاعن من أن المورث وقع بإمضائه في معاملاته مع البنك والجهات الأخرى بعد هذا التاريخ فضلاً عن أن استعمال المورث للختم بفرض صحته لا يؤدي بذاته إلى ثبوت صدور العقد خصوصاً وأن إحدى المطعون عليهن أقرت في الاستجواب بأن والدها كان يحتفظ دائماً بالختم في ملابسه وأنها أرملة وتقيم معه لخدمته.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجهين (الأول والثاني) منه بأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض الادعاء بالتزوير على أقوال الشهود في التحقيق وذلك بقوله "انصبت شهادة شاهدي المستأنف وهما..... و..... على أن المورث كان مريضاً طريح الفراش قبل وفاته بثلاث سنوات، وأنهما لم يعلما بالعقود موضوع الدعوى، وهذه الشهادة لا تقدم ولا تؤخر إذ أن هذين الشاهدين لا يقيمان معه في نفس المنزل ولم يكن واجباً على المورث أن يفضي إليهما بكل أسراره وأسرار بيته" وأنه "شهد"........ مدير إدارة بنك مصر وهو أحد شهود المستأنف عليهن والذي تعتمد هذه المحكمة أقواله وتطمئن إليها أن المورث كان يتعامل مع بنك مصر بتوقيعه حتى سنة 1948، وفيها انتابته رعشة في جسده فأشار عليه باستعمال الختم، كما قرر أنه في سنة 1960 جاء المورث إلى قريته أي قرية هذا الشاهد لأداء واجب العزاء وكان متعباً ولكنه استطاع صعود السلم" وأن "ذهاب البائع في سنة 1960 وهي السنة التي أبرم العقد في بدايتها إلى بلد آخر للعزاء يقطع بأنه كان في حالة صحية لا بأس بها بالنسبة لمن هو في مثل عمره، وأما أنه كان في حالة شيخوخة فمن المعلوم أن الشيخوخة طور من أطوار الحياة ولا تعتبر في نظر القانون مرضاً كما أورد الحكم الابتدائي الذي أحال الحكم المطعون فيه إلى أسبابه قوله "يؤكد سلامة هذا العقد ما شهد به شاهد المدعيات الأول من أن البائع كان يتعامل مع البنك بخاتمه ابتداء من سنة 1948، وقد قدم لبنك مصر فيشة المرحوم..........، وقد تأشر عليها بتاريخ 19/ 4/ 1948 ببصمة خاتم للمطالبة باعتمادها بدلاً من توقيعه ابتداء من هذا الشهر" وهي تقريرات موضوعية سائغة عول فيها الحكم على أقوال الشاهد الأول المطعون عليهن ولم يعول على أقوال شاهدي الطاعن ولا وجه للقول بأن الحكم تغاضى عما قرره هذان الشاهدان من أن المورث كان أثناء مرضه فاقد الوعي لا يعرف أهله ولا يستطيع التصرف في أمواله لأن الحكم صرح في أسبابه بأن الشاهدين لا يقيمان مع المورث في منزله وأن عدم علمهما بالعقد لا ينفي صدوره، ولم يكن على المورث أن يفضي إليهما بتصرف أصدره لبناته المطعون عليهن، وهو استخلاص لا يخرج بأقوالهما عن مدلولها ولا تثريب على الحكم إن لم يورد جميع أقوال الشاهدين، وبحسبه أن يشير إلى ما ورد بأقوالهما بما ينبئ عن مراجعتها، وله أن يطرح منها ما لا يطمئن إليه، كما لا وجه لرمي الحكم بالخطأ في إسناد واقعة قيام المورث بواجب العزاء إلى شاهد المطعون عليهن الأول بمقولة إن هذه الواقعة ذكرها الشاهد الثاني الذي أغفل الحكم الإشارة إليه، إذ الواقع الثابت في التحقيق بمحضر جلسة 24/ 10/ 1964 أن محكمة أول درجة بعد أن سمعت أقوال الشاهد الأول...... وأثناء سماعها لأقوال الشاهد الثاني...... أعادت سؤال الشاهد الأول وقد تضمنت إجابته حضور المورث إلى بلد الشاهد للقيام بواجب العزاء في سنة 1960 وأن الشاهد وقع بإمضائه تحت ملاحظة أوردتها المحكمة في هذا الخصوص. والنعي مردود في الوجه (الثالث) بأن الحكم وقد استخلص من أقوال الشهود أن الطاعن عجز عن إثبات التزوير وأن المورث استعمل الخاتم في معاملاته ببنك مصر بعد مرضه في سنة 1948، فإنه يكون قد تضمن التعليل المسقط لحجة الطاعن بتوقيع المورث بإمضائه في معاملاته الأخرى مع البنك أو غيره من الجهات بالمستندات المشار إليها في النعي، ذلك أن لقاضي الموضوع السلطة التامة في بحث الدلائل والمستندات المقدمة وترجيح ما يطمئن إلى ترجيحه منها واستخلاص ما يرى أنه واقع الدعوى، وما كان على الحكم أن يتتبع الخصوم في مختلف مناحي أقوالهم وحججهم ويرد استقلالاً على كل حجة أو قول أثاروه.
وحيث إن حاصل الوجوه الرابع والخامس والسادس من السبب الثاني أن الحكم المطعون فه أقام قضاءه على ما لا يصلح دليلاً على صدور البيع من المورث وبإرادته فشابه القصور والإخلال بحق الدفاع، وفى بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم استخلص من حضور أحد المحامين عن المورث في هذه الدعوى بتوكيل قديم وتسخير الطاعن لهذا المحامي في الادعاء بتزوير العقد بتاريخ 4/ 1/ 1962 قبل وفاة المورث بتاريخ 2/ 12/ 1962 دون علم من المورث أن الطاعن إنما سلك هذا السبيل لأنه علم بحقيقة العقد من والده وتحقق من صحته وصدوره بإرادته وانتهز فرصة عجز والده عن الحركة حتى يستطيع إبطال العقد، في حين أن الثابت من التقرير الطبي الشرعي المقدم بتاريخ 21/ 12/ 1961 في دعوى الحجر ومن إقرار المطعون عليهن بعجز المورث وفقده الإدراك من منتصف سنة 1960 أن المورث لم تكن له إرادة وقت الادعاء بالتزوير أو وقت رفع الدعوى، فكان يستحيل على الطاعن أن يعلم منه بحقيقة العقد، كما أن الحكم أطرح التقرير الطبي الشرعي استناداً إلى أنه لا يبين بداية الأعراض التي أصابت المورث وإلى قيامه بالعزاء في سنة 1960، في حين أن الأمراض المستعصية لا تنشأ في وقت واحد، وفي حين أن الحكم لا يحدد وقت حصول العزاء من تلك السنة مع أن العقد مؤرخ 20/ 2/ 1960 ولم يبرم في بدايتها خلال الشهر الأول منها، هذا إلى أن الطاعن تمسك في شواهد التزوير بأن بصمة الإصبع الموقع بها على العقد ليست للمورث وطلب تحقيق ذلك بمعرفة أهل الخبرة إلا أن الحكم أغفل الرد على هذا الدفاع.
وحيث إن هذا النعي في جميع ما تضمنه مردود بأنه بالرجوع إلى تقرير الطعن بالتزوير يبين أنه قدم إلى قلم كتاب محكمة القاهرة الابتدائية بتاريخ 4/ 1/ 1962 من الأستاذ محمد توفيق السيد يوسف المحامي والوكيل عن الشيخ عبد العزيز علي سليمان بتوكيل رقم 288 سنة 1959 والمصرح فيه بالطعن بالتزوير، وبالرجوع إلى محضر الجلسة أمام محكمة استئناف القاهرة في 17/ 1/ 1966 يبين أن المستأنف قرر في استجوابه أنه هو الذي طعن على العقد بالتزوير وأن والده كان فاقد الإدراك وقت الطعن على هذا العقد، وإذ كان الحكم قد أورد بهذا الصدد قوله "إن دعوى صحة العقد وقد رفعت في 18/ 8/ 1961 فقد كان باستطاعة المستأنف أن يعلم من والده الذي توفى في 2/ 12/ 1962 ما إذا كان العقد صحيحاً أم مزوراً" وأن "المستأنف إنما ركب هذا الطريق الوعر لتحققه من صحة العقد ومن صدوره بإدارة والده فأراد بهذا الأسلوب أن يبطل العقد منتهزاً في ذلك فرصة عجز والده عن الحركة في وقت الطعن بالتزوير"، وما قرره الحكم من ذلك واقع له أصله الثابت بالأوراق وما رتبه على هذا الواقع هو استخلاص سائغ ليس من المستحيل عقلاً، وكان التحدي بما أورده التقرير الطبي الشرعي عن الأعراض التي أصابت المورث للتدليل على فقده للإدراك وقت الطعن بالتزوير لا يؤثر في القرينة المستفادة من مسلك الطاعن في تسخير الوكيل للقيام بالطعن بالتزوير نيابة عن والده دون علمه وهو الثابت باعترافه في الاستجواب ولا يقبل من الطاعن التحدي بالتقرير الطبي للتدليل على أن المورث كان فاقد الإدراك وقت العقد ما دام الحكم قد أطرح هذا الدليل لأن التقرير لا يحدد بداية هذه الأعراض، وتقدير الأدلة وكفايتها في الإقناع من شأن محكمة الموضوع متى كان تقديرها لا خروج فيه على ما هو ثابت بأوراق الدعوى، إذ كان ذلك وكان الطاعن لم يتمسك في دفاعه أمام محكمة الاستئناف بطلب تحقيق البصمة المنسوبة إلى المورث على العقد بمعرفة أهل الخبرة وإنما قرر في مذكرة دفاعه أمامها بأنها بصمة مطموسة لا تقبل فحصاً أو مقارنة، وكان يكفي لإضفاء الحجية على العقد واعتباره صادراً من المورث ثبوت توقيعه عليه بالختم فإن الحكم إذ رأى فيما تقدم من أدلة ما يكفي لاقتناعه بصحة صدور العقد من المورث، ويغني عن تحقيق البصمة المنسوبة إليه على هذا العقد، فإنه لا يكون مشوباً بالقصور أو الإخلال بحق الدفاع.
وحيث إن حاصل الوجهين السابع والثامن من السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه عول في قضائه على صحة التاريخ الوارد في العقد، وهو من الحكم قصور وخطأ في الإسناد لأن الثابت بصحيفة الاستئناف أن الطاعن تمسك بأن العقد لم يوقع عليه شاهد أو كاتب، ولم يظهر في الوجود إلا بعد رفع الدعوى ومضي أكثر من سنة ونصف على التاريخ المعطى للعقد، ولم يتخذ أي إجراء للتسجيل والتسليم رغم سداد الثمن بالكامل حتى توقيع الحجر على البائع ووفاته، إلا أن الحكم قرر أنه ليس بالأوراق ما يدل على عدم صحة هذا التاريخ ولم يتخذ أي إجراء لتحقيق الطعن بصورية التاريخ على فرض ثبوت تزوير العقد، هذا إلى أن الحكم اعتمد في تكوين اقتناعه على ما قررته إحدى المطعون عليهن في الاستجواب من أن المورث كتب للطاعن عشرة أفدنة قبل ذلك بسنتين وأن الطاعن لم ينف هذا القول رغم أن الطاعن لم يوجه إليه سؤال عنها أثناء الاستجواب أو بعده، ورغم أن الحكم رتب على هذه الواقعة اعتبار البيع ساتراً لهبة منجزة دون أن يبين مظاهر التنجيز.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه بالرجوع إلى صحيفة الاستئناف يبين أن الطاعن تمسك بعدم صحة التاريخ الوارد في العقد لبيان أن هذا العقد لم يكن له وجود في هذا التاريخ، كما تمسك بأن العقد على فرض صحته لا يعدو أن يكون وصية لأن الثمن الوارد في العقد للأطيان المبيعة لا يجاوز ثلث القيمة الحقيقية لهذه الأطيان، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى بأدلة سائغة - على ما سلف البيان - إلى رفض الادعاء بالتزوير وإلى أن العقد صدر صحيحاً من المورث وهو في حالة شيخوخة، ولم يكن في حالة مرضية لا تسمح له بإصداره عن رضاء صحيح، وكان الحكم قد استخلص من نصوص العقد وملابساته أن نية المورث اتجهت إلى أن ينقل الملكية إلى بناته بعد أن يحصل إيجار السنة الزراعية التي أصدر فيها العقد، وأن تصرفه إن لم يكن بيعاً فإنه يكون هبة منجزة استوفت الشكل القانوني، وهو استخلاص سائغ يتضمن الرد على ما وجه إلى هذا العقد في دفاع الطاعن من أنه وصية مضافة إلى ما بعد الموت، لا يؤثر في ذلك أن يكون مشروطاً في العقد تأجيل التسليم إلى نهاية السنة الزراعية أو نقص الثمن المسمى بالعقد عن القيمة الحقيقية، كما لا يؤثر فيه حديث الحكم عن هبة من المورث لولده الطاعن في تصرف سابق لا دليل على حصوله لأنه تزيد يستقيم قضاء الحكم بدونه، إذ كان ذلك وكان الحكم قد قضى بصحة العقد باعتباره عقد بيع حقيقي أو هبة يسترها عقد بيع فإنه لا يكون قد أخطأ في الإسناد أو شابه قصور في التسبيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق