جلسة 27 من يونيه سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني ومحيي الدين حسن والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.
------------------
(135)
القضية رقم 26 لسنة 5 القضائية
عمد ومشايخ
- انتهاء خدمة العمدة أو الشيخ - ترتبه بقوة القانون على صدور حكم قضائي ماس بالنزاهة أو الشرف ضده - قرار الفصل الذي تصدره الإدارة في مثل هذه الحالة هو مجرد إجراء لمقتضى الحكم - اعتباره كأن لم يكن إذا ما نقض الحكم وقضى بتبرئة العمدة أو الشيخ - عدم تقيد الطعن فيه بالميعاد.
إجراءات الطعن
في 19 من أكتوبر سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة المفوضين صحيفة الطعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية بجلسة 3 من سبتمبر سنة 1958 في الدعوى رقم 150 لسنة 5 القضائية المقامة من السيد/ علي عبد العزيز دكروني محمد ضد وزارة الداخلية، القاضي "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار". وقد طلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، مع إلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن الطعن إلى المدعي في 5 من نوفمبر سنة 1958، وإلى الحكومة في 6 منه، وعين لنظره جلسة 31 من يناير سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ملاحظات، ثم أرجئ النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما هو مستفاد من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام هذه الدعوى بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية المختصة في 10 من إبريل سنة 1958 طالباً الحكم بإلغاء قرار لجنة الشياخات الصادر في 5/ 10/ 1955، والمصدق عليه من وزير الداخلية في 30/ 10/ 1955، بفصل المدعي من عمدية بلدة الرشايدة مركز المنشأة مديرية سوهاج، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه إنه في سنة 1940 عين شيخاً لبلدة الرشايدة مركز المنشأة، وكان في عمله مثال الموظف النزيه الذي يقدم صالح الدولة على كل صالح آخر، ولقد عرف بحسن التعاون مع السلطات القائمة على شئون الأمن؛ ولذلك تلقى في مناسبات كثيرة كتباً بشكره على ما قدم من خدمات، وفي سنة 1946 تمكن من ضبط عدد كبير من المجرمين الهاربين من تنفيذ أحكام جنائية صادرة ضدهم، وسلمهم إلى سلطات البوليس لتنفذ عليهم أحكام القضاء، فأرسلت إليه وزارة الداخلية كتباً تشكره على مجهوده في هذه المناسبة. وحدث أن تستر عمدة البلدة على بعض الهاربين من وجه العدالة، فأوقفته الوزارة عن عمله، وأقامت المدعي مقامه بلقب نائب عمدة، فظل مضطلعاً بأعباء هذه الوظيفة إلى أن فصل من العمدية، وأعلنت الوزارة خلو وظيفة العمدية، واتخذت إجراءات الترشيح لها، فتقدم الطالب مرشحاً للعمدية، فلم ينافسه أحد وفاز بالوظيفة بالتزكية؛ وعندئذ صدر قرار الوزارة في 16 من يناير سنة 1952 بتعيينه عمدة لبلدة الرشايدة، وقد اضطلع بشئون العمدية على خير الوجوه وأحسنها، فلم يقصر مرة واحدة، ولم يوقع عليه جزاء واحد. وحدث في أوائل سنة 1953 أن نسب إليه الاشتراك في خطف شخص يدعى حسب السباعي عبد الرحمن من أهالي بلدة الرشايدة فقبضت عليه النيابة ثم أفرجت عنه بضمان مالي قدره ثلاثون جنيهاً، وتقيدت الجناية تحت رقم 240 ج المنشأة سنة 1953 (559 كلي سنة 1953)، فقررت وزارة الداخلية وقفه عن عمله اعتباراً من 1/ 3/ 1953. وبتاريخ 11/ 12/ 1953 أعادت النيابة القبض عليه وقدمته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته عن التهمة المذكورة، فقضت المحكمة بجلسة 11/ 5/ 1955 بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات، وعقب الحكم شرع فوراً في تنفيذ العقوبة عليه، ولكنه طعن في هذا الحكم أمام محكمة النقض، وفي أثناء نظر الطعن أمام محكمة النقض قررت وزارة الداخلية تقديمه إلى لجنة الشياخات للنظر في أمره، وقيدت ضده الدعوى التأديبية رقم 188 لسنة 1955، وأعلنته في السجن ليحضر أمام اللجنة بجلسة 5/ 10/ 1955 فلم يحضر، فقررت لجنة الشياخات في نفس الجلسة فصله من وظيفته، وصدق وزير الداخلية على قرارها في يوم 30/ 10/ 1955، ولم يعلن الطالب بهذا القرار؛ حيث كان في ليمان طرة يقضي مدة العقوبة التي قضي عليه بها ظلماً وعدواناً، فلما عرض الطعن على محكمة النقض قررت قبوله، ونقض الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى محكمة جنايات سوهاج لتقضي فيها من جديد دائرة أخرى، ورغم ذلك ظل الطالب مسجوناً في ليمان طرة. وبتاريخ 12 من فبراير سنة 1958 - وكان الطالب قد استوفى العقوبة المقضى بها عليه - نظرت الدعوى محكمة جنايات سوهاج وأعادت تحقيقها فتبين أن الاتهام مختلق من أساسه، وأن الطالب مظلوم وبريء، فقضت ببراءته من التهمة المسندة إليه بلا مصاريف، ورفض الدعوى المدنية قبله، وإلزام رافعها مصروفاتها ومبلغ 40 جنيهاً أتعاب محاماة. ثم مضى المدعي فأورد بعضاً من حيثيات الحكم، ثم قال إنه يتضح من ذلك أن البراءة صدرت على أساس أن التهمة غير صحيحة وملفقة للمدعي، ولما كان قرار لجنة الشياخات بفصل المدعي من عمدية بلدة الرشايدة قد استند على اتهامه وإدانته في قضية الجناية المنوه عنها ولم يستند إلى شيء آخر، وقد اتضحت براءة المدعي من الجريمة التي كانت محكمة الجنايات قد أدانته فيها، فسقط بذلك سبب قرار لجنة الشياخات، وظهر أن ما استند إليه كان من قبيل الخطأ القضائي الذي تداركته محكمة النقض ثم قضاء الإحالة بعد ذلك. ولما كانت الأحكام القضائية كاشفة عن الحقوق والمراكز القانونية وليست منشئة لها، فيكون الطالب بفضل حكم محكمة الجنايات الصادر بجلسة 12/ 2/ 1958 معتبراً بريئاً من البداية وكأنه لم ينسب إليه شيء على الإطلاق، ولما كان الطالب لا يستطيع أن يطعن في قرار لجنة الشياخات الذي صدر بجلسة 5/ 10/ 1955 وصدق عليه السيد الوزير في 30/ 10/ 1955؛ لأن حكم محكمة الجنايات الذي صدر بإدانته أولاً كان قائماً في وجهه وكان قد أدى إلى الزج به في غيابات السجون ظلماً وزوراً، فما كان ينتظر من لجنة الشياخات أن تصدق قوله إنه بريء، وإن القضاء الجنائي أخطأ حين قضى بإدانته؛ لذلك كان حقاً مقضياً عليه أن يصطبر حتى صدر الحكم ببراءته. وعندئذ رأى أن يطعن في قرار فصله من العمدية في ميعاد الستين يوماً التالية لظهور براءته. ولما كان القرار الإداري يقبل الطعن فيه بالإلغاء في ميعاد الستين يوماً التالية لإبلاغه إلى صاحب الشأن، وفي حالة التظلم منه في الستين يوماً التالية لصدور قرار برفض التظلم، فإذا ما استمر التظلم محل بحث جهة الإدارة، فإن ميعاد رفع الدعوى يظل مفتوحاً ولو استمرت البحث لعدة سنوات. ولما كان المدعي لم يبلغ بقرار لجنة الشياخات بفصله من العمدية، ومع ذلك فإن طعنه بطريق النقض في حكم محكمة الجنايات الأول الذي كان سند الوزارة في فصله يعتبر في حكم التظلم، وقد استمر معروضاً على محكمة النقض إلى أن قضى بنقض الحكم القاضي بالإدانة، وعندئذ أعيدت القضية من جديد إلى دائرة أخرى بمحكمة جنايات سوهاج، واستمرت متداولة في الجلسات إلى أن فصل فيها في 12 من فبراير سنة 1958، فتعتبر دعواه الحالية بالطعن على قرار فصله غير متأخرة عن موعدها. ولذلك فقد رفع الدعوى بالطلبات المتقدمة. وبجلسة 3 من سبتمبر سنة 1958 صدر الحكم المطعون فيه قاضياً برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار. وقد استند الحكم المطعون فيه إلى أن القانون رقم 141 لسنة 1947 بشأن العمد والمشايخ كان يشترط فيمن يعين عمدة ألا يكون قد صدر عليه حكم قضائي ماس بالنزاهة والشرف، وأن من يفقد شرطاً من الشروط المتطلبة للتعيين في وظيفة العمدة أثناء شغله يحال إلى لجنة الشياخات للنظر في أمره، ولما كان فقد أحد شروط التعيين يستتبع حتماً الفصل من الوظيفة، فإن لجنة الشياخات إذ تنظر في أمر العمدة في هذه الحالة لن يكون قرارها سوى فصله، وهي بذلك تنزل حكم القانون، وقرارها في هذا الشأن إنما يصدر في حدود سلطتها المقيدة إذا ما ثبت فقدان الشرط، فهي وإن ترخصت في تقدير ثبوت فقد الشرط في الأحوال التي تترخص فيها قانوناً في ذلك، إلا أنها إذا ما ثبت لها فقدان الشرط تعين عليها إنزال حكم القانون وفصل العمدة الذي فقد هذا الشرط. ولما كان المدعي قد حكم عليه في القضية رقم 24 لسنة 53 جنايات المنشأة بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات لاشتراكه في حادث خطف أحد الأشخاص فأحيل إلى لجنة الشياخات للنظر في أمره، ولما كانت الجريمة المسندة إليه تخل بالنزاهة والشرف، وكان الحكم الجنائي يحوز قوة الشيء المحكوم به لدى الكافة، فقد اعتبرت لجنة الشياخات فقدان هذا الشرط أمراً ثابتاً لا تقدير لها فيه، وأنزلت حكم القانون وفصلته. فقرار فصله لم يصدر - والحالة هذه - في حدود سلطتها التقديرية، وإنما صدر في حدود سلطة مقيدة مما ينأى بالطعن فيه عن نطاق دعوى الإلغاء، ويكون الطعن فيه من قبيل دعاوى التسوية التي يستمد الحق فيها من القانون مباشرة، فلا تتقيد الدعوى الراهنة بالشروط المقررة لقبول دعوى الإلغاء من مواعيد وتظلم وجوبي؛ ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى سواء برفعها بعد الميعاد أم لعدم سبق التظلم من القرار المطعون فيه في غير محله، ويتعين الحكم برفضه. وأما عن الموضوع فقد قالت المحكمة فيه إن الواضح من الأوراق أن محكمة الجنايات قطعت بما لا يدع أي مجال للشك بعدم صحة الاتهام الموجه للمدعي، وهدمته من أساسه بعد أن ثبت لها أن القضية ملفقة للانتقام من المدعي، مما حدا بها إلى تبرئته. ولما كان قرار فصل المدعي قد ارتكن في سببه على قيام الحكم الأول بإدانته، وهذا الحكم ألغته محكمة النقض، ثم صدر الحكم الثاني ببراءة المدعي مما أسند إليه، فإن سبب القرار الإداري الصادر بالفصل يكون قد انهار من أساسه، ويصبح بذلك غير قائم على سببه متعيناً إلغاؤه. ولا يحتج في هذا المقام بأن القرار صدر في حينه سليماً، ولا عبرة بعد هذا بما يصدر من أحكام؛ ذلك أنه يلزم ليكون القرار متكاملاً أن يقوم على أركان أحدها السبب، فإذا كان سبب القرار حكماً قضائياً نهائياً، فلا شك أن القرار يصدر سليماً وصحيحاً، إلا أنه إذا ما جد بعد ذلك أن ألغي هذا الحكم، فإن ذلك الإلغاء يكون كاشفاً للمركز القانوني للشخص من وقت رفع الدعوى أياً كان نوعها، وبالتالي فإن الإلغاء يرجع أثره إلى الحكم الملغي مصححاً وضعه بجميع ما يترتب على ذلك من آثار، فإذا ترتب أثر ما على الحكم الملغي فإن هذا الأثر يزول تبعاً لزوال الحكم الناتج عنه. وبناء على ذلك فإنه إذا ما أقامت جهة الإدارة قرار الفصل على صدور حكم بالإدانة وألغي هذا الحكم إلى البراءة، فإن قرارها يصبح منذ صدوره بلا سبب يبرره.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه يبين من تقصي أحكام القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ أن المادة الثالثة منه اشترطت فيمن يعين عمدة شروطاً معينة، من بينها ألا يكون قد صدر عليه حكم قضائي أو تأديبي ماس بالنزاهة والشرف، ونصت المادة 24 من القانون سالف الذكر بأنه إذا فقد العمدة شرطاً من هذه الشروط أو أصبح ظاهر العجز عن أداء واجباته أصدر المدير قراراً بإحالته إلى لجنة الشياخات للنظر في فصله. ومفاد ذلك أن العمدة الذي يصدر ضده حكم قضائي ماس بالنزاهة والشرف، كما هو الشأن في هذه المنازعة، يصدر المدير قراراً بإحالته إلى لجنة الشياخات للنظر في فصله، فإذا ما أصدرت اللجنة قراراً بفصله وصدق وزير الداخلية بما له من سلطة على ذلك، فإن مثل هذا القرار يكون صادراً عن سلطة تقديرية لجهة الإدارة، فتتجه إرادتها إلى إنشاء المركز القانوني ذاته وفصم العلاقة الوظيفية، فهي كما تترخص في تقدير ثبوت فقد الشرط، فإنها أيضاً لا بد وأن تتدخل بإرادتها الملزمة نحو إحداث المركز القانوني. وآية ذلك ما استلزمته المادة 24 من القانون رقم 141 لسنة 1947 سالفة الذكر من إجراءات هي من قبيل ما يتخذ في المحاكمة التأديبية، فليس بمستطاع إذن مجاراة الحكم المطعون فيه فيما ذهب إليه من أن قرار الفصل قد صدر في حدود سلطة مقيدة، مما ينأى بالطعن فيه عن نطاق دعوى الإلغاء، ويكون الطعن فيه من قبيل دعاوى التسوية التي يستمد الحق فيها من القانون مباشرة - ليس ذلك بمستطاع لسبب ظاهر مفاده أن القانون في هذا الشأن لم يرتب صدور قرار الفصل بصفة تلقائية نتيجة فقد أي شرط من الشروط الواجب توافرها في العمدة كما هو الحال في القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، الذي عنيت المادة 107 منه ببيان الأحوال التي تنتهي فيها خدمة الموظف بقوة القانون، وإنما ناط بالإدارة أن تتدخل بما لها من سلطة تقديرية، فتقدر ملاءمة إصدار قرارها بفصل فاقد الشرط من عدمه؛ وعلى هذا المقتضى فإن الدعوى الراهنة لا يمكن تكييفها قانوناً إلا على أنها خصومة عينية تقوم على اختصام قرار إداري، شأنه في ذلك شأن أي قرار إداري آخر، مما لا مندوحة معه من التزام حدود الأوضاع الشكلية لدعوى الإلغاء، ومراعاة ما رسمه القانون لقبولها من مواعيد؛ بحيث إذا ما استغلقت استقر المركز القانوني الناشئ عن القرار، واكتسب حصانة تعصمه من الإلغاء. ولما كان الثابت من الأوراق أن المدعي عين في وظيفة عمدة بناحية الرشايدة مركز المنشأة مديرية سوهاج في 16 من يناير سنة 1952، وفي أول فبراير سنة 1953 أوقف عن عمله لاتهامه في الجناية رقم 240 جنايات المنشأة سنة 1953، وبجلسة 11 من مايو سنة 1955 صدر الحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات، فطعن فيه بطريق النقض، ثم أصدر مدير سوهاج في 12 من سبتمبر سنة 1955 قراراً بإحالة المدعي إلى لجنة الشياخات بالمديرية، وأعلن بهذا القرار في 22 من سبتمبر سنة 1955. وبجلسة 5 من أكتوبر سنة 1955 انعقدت اللجنة وقررت بإجماع الآراء غيابياً فصل المدعي من وظيفته استناداً إلى المواد 24 و25 و27 من قانون العمد والمشايخ رقم 141 لسنة 1947 ، وجاء بأسباب هذا القرار أن العمدة قد فقد الثقة والشروط الواجب توافرها فيه كعمدة للناحية من حسن سمعة وأمانة واستقامة، وأن هذا الحكم يمس نزاهته وشرفه، وأن الجناية التي حكم عليه فيها من الجنايات المخلة بالأمن، فضلاً عن أن وجوده في السجن يحول دون تأدية أعمال وظيفته. وقد صدقت وزارة الداخلية على هذا القرار في 30 من أكتوبر سنة 1955، وأعلن المدعى به في 18 من يناير سنة 1956؛ ومن ثم كان من المتعين على المدعي أن يقيم دعواه بإلغاء قرار الفصل في خلال الستين يوماً التالية لتاريخ إعلانه، أما وقد تراخى في رفع دعوى الإلغاء إلى 10 من إبريل سنة 1958، فإن هذه الدعوى تكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد، ولا يحول دون سلامة هذا النظر ما تعلل به المدعي من أن حكم محكمة الجنايات الذي صدر بإدانته أولاً كان قائماً في وجهه، إذ أن ميعاد رفع دعوى الإلغاء من مواعيد السقوط التي لا تنقطع ولا توقف ولا تمتد لأي سبب كان بغير نص في القانون لتعلقها بالنظام العام، ولا يمكن اعتبار احتجاز المدعي في السجن من قبيل القوة القاهرة التي تقف سريان الميعاد المقرر قانوناً؛ لوجود النظم التي تكفل للمسجونين القيام بما يريدون القيام به من إجراءات قانونية، ولا اعتداد كذلك بما يستند إليه المدعي من أن الطعن بطريق النقض في حكم محكمة الجنايات الأول الذي كان سند الوزارة في فصله يعتبر في حكم التظلم، وقد استمر معروضاً على محكمة النقض إلى أن قضى بنقض الحكم وإعادة الدعوى إلى محكمة الجنايات للفصل فيها مجدداً، واستمرت متداولة في الجلسات إلى أن فصل فيها بالبراءة في 12 من فبراير سنة 1958، فتعتبر دعواه الحالية بالطعن على قرار فصله غير متأخرة عن موعدها - لا اعتداد بذلك؛ لأنه فضلاً عن أن قرار لجنة الشياخات بفصل المدعي قد صدر بعد تقريره بالطعن بالنقض، فهو من القرارات التي لا يشترط لقبولها التظلم الوجوبي لعدم جدواه، حسبما استقر على ذلك قضاء المحكمة الإدارية العليا، كما أن الطعن في الأحكام بطريق النقض لا يؤثر على ما يحق لها من التنفيذ وما يترتب عليها من آثار، وقد استقرت للمدعي نهائياً بالحكم الجنائي الأول حالة قانونية كانت سبباً دفع الإدارة إلى التدخل بإرادتها الملزمة لإصدار قرارها بالفصل، فإذا ما استبان بعد ذلك أن هذه الحالة القانونية لا وجود لها، فإن القرار المبني عليها يكون قد اعتوره عيب من العيوب التي تبيح للقضاء إلغاءه، على أن ذلك رهين، ولا شك، بأن يكون طلب الإلغاء قد قدم في المواعيد المقررة له. وإذ جرى الحكم المطعون فيه على خلاف هذا النظر، فإنه يكون قد خالف القانون وقامت به حالة من حالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا. وانتهت هيئة المفوضين إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إن قرار فصل العمدة أو الشيخ لصدور حكم قضائي عليه ماس بالنزاهة والشرف بالتطبيق للمادة 24 من القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ التي تمت واقعة النزاع في ظله هو في حقيقته إجراء منفذ لمقتضى الحكم القضائي الماس بالنزاهة أو الشرف الذي يرتب عليه القانون حتماً انتهاء خدمة العمدة أو الشيخ، مما لا معدى معه مع إنزال هذا الأثر القانوني، دون أن يكون لجهة الإدارة المختصة أي سلطة في الترخص في هذا الشأن. وهذه الحالة التي وردت في قانون العمد والمشايخ لا تعدو بدورها أن تكون ترديداً للأصل العام في هذا الشأن الذي نصت عليه الفقرة الثامنة من المادة 107 من قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951، ومن قبله القوانين واللوائح الخاصة بالموظفين - هذا الأصل الذي يقضي بانتهاء رابطة التوظف كأثر حتمي لصدور حكم على الموظف في جناية أو جريمة مخلة بالشرف، وينبني على ذلك من جهة أخرى أنه إذا ما نقض الحكم الذي صدر قرار الفصل تنفيذاً لمقتضاه، وقضى ببراءة المتهم مما أسند إليه لعدم صحة الواقعة وثبوت تلفيقها، كان قرار الفصل معدوماً وكأنه لم يكن، ولا تلحقه أية حصانة، ولا يزيل انعدامه فوات ميعاد الطعن فيه؛ لأنه عدم والعدم لا يقوم، وساقط والساقط لا يعود؛ ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الطعن لتقديمه بعد الميعاد في غير محله.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالموضوع فإن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه للأسباب التي ارتكن إليها وتأخذ بها هذه المحكمة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق