جلسة 12 من نوفمبر سنة 1960
برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة عبد المنعم سالم مشهور وحسني جورجي ومحمود عبد العزيز البرادعي ومحمد مختار العزبي المستشارين.
-----------------
(16)
القضية رقم 636 لسنة 5 القضائية
(أ) دعوى
- دعوى التعويض - ميعاد رفعها - عدم سريان ميعاد الستين يوماً في شأنها - جواز رفعها طالما لم يسقط الحق في إقامتها - أساس ذلك.
(ب) دعوى
- دعوى التعويض عن الحرمان من العلاوة الدورية المستحقة - هي في حقيقتها منازعة في مرتب.
إجراءات الطعن
في يوم 12 من إبريل سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية بجلسة 9 من فبراير سنة 1959 في القضية رقم 720 لسنة 2 القضائية المقامة من حلمي محمد ضد وزارة الأشغال العمومية والقاضي "بأحقية المدعي في أن يقتضي من الحكومة مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت وألزمت الحكومة مصروفات هذا الطلب وبأن تدفع للمدعي مبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
وقد أعلن الطعن للحكومة في 14 من يونيه سنة 1959 وللمدعي في 21 من يونيه سنة 1959 وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 12 من يونيه سنة 1960 - وأبلغت الحكومة والمدعي في 18 من مايو سنة 1960 بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وعينت لذلك جلسة 15 من أكتوبر سنة 1960 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام دعواه بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية في 21 من سبتمبر سنة 1955 طالباً إلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الموظفين بمصلحة المساحة في 28 من إبريل سنة 1955 بتأجيل منحه علاوته الدورية المستحقة في أول مايو سنة 1955 لمدة سنة المعلن إليه في 3 من مايو سنة 1955 والمتظلم منه في 14 من مايو سنة 1955 وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة بالمصاريف وأتعاب المحاماة - وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه التحق بمصلحة المساحة إثر حصوله على دبلوم مدرسة المساحة وكان متفانياً في أداء عمله حريصاً على القيام بواجبه على أكمل وجه وأحسن نحو وكان القدوة الحسنة لأقرانه كما كان عند رؤسائه المثال الطيب لما ينبغي أن يكون عليه الموظف علماً وخلقاً ويذكر أنه رقي بالاختيار للدرجات السادسة والخامسة والرابعة ويقول إن الأمور ظلت تسير سيرها الطبيعي وظل محلاً لرضاء وتقدير جميع رؤسائه حتى وقع الخلاف بين رابطة مهندسي المساحة، التي تنتظم في عضويتها جميع خريجي مدرسة المساحة والتي شرفته برئاستها، وبين نقابة المهن الهندسية بشأن تفسير نصوص القانون ومدى انطباقه على المهندسين المساحين وأحقيتهم في الانضمام إلى النقابة فتقرر خصم خمسة عشر يوماً من مرتبه عن شهر أغسطس سنة 1954 بمقولة إنه خرج عن حدود اللياقة والأدب عند وجوده بمكتب السيد مساعد المدير وتلفظه بعبارات غير لائقة مع سيادته كما عمدت إلى نقله من وظيفته الرئيسية التي شغلها من سنة 1949 وهي وظيفة مفتش مساحة المدن إلى وظيفة مساعد مفتش المدن مع نقله إلى أسيوط فرفع الدعوى رقم 121 لسنة 9 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري يطلب فيها إلغاء القرار التأديبي الصادر من مدير عام مصلحة المساحة بخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه وإلغاء القرار الصادر من مدير عام مصلحة المساحة في سبتمبر سنة 1954 بتكليفه بأخذ الجشنى على أعمال المدن بالوجه القبلي من المنيا إلى أسوان ويكون مقره تفتيش أسيوط وما يترتب على ذلك من آثار منها حرمانه من لقب مفتش مساحة المدن، وعلى أثر ذلك فوجئ بخطاب من مصلحة المساحة في 3 من مايو سنة 1955 يتضمن أن لجنة شئون الموظفين قررت بجلستها المنعقدة في يوم 28 من إبريل سنة 1955 تأجيل منحه العلاوة الدورية المستحقة له اعتباراً من أول مايو سنة 1955 لمدة سنة واحدة لضعف كفايته في العمل وذلك عملاً بالمادة 42 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - ويقول المدعي إنه بادر من فوره في 12 من مايو سنة 1955 إلى التظلم من هذا القرار ويذكر أنه انقضى من يوم إرسال التظلم بالبريد المسجل أكثر من ستين يوماً دون أن ترد المصلحة لذلك اعتبر هذا السكوت منها بمثابة رفض لتظلمه الأمر الذي يجعله في حل من رفع دعواه بالطعن في قرار تأجيل علاوته طالباً إلغاءه - ويستطرد المدعي قائلاً أن القرار المذكور لم يستهدف الصالح العام وأنه لا يستقيم عقلاً أن يصبح الكفء الممتاز في غمضة عين ضعيف الكفاية وأن لجنة شئون الموظفين لا تستطيع أن تحرم موظفاً من علاوته أو تؤجلها دون سبب قوي يتصل بالصالح العام ويستقي من واقع ملفات وتقارير الموظف وفي ذلك تقول المادة 42 (ولا تمنح العلاوة إلا لمن يقوم بعمله بكفاية وتقرير ذلك يرجع فيه إلى لجنة شئون الموظفين المختصة على أساس من التقارير السنوية) أي أن العبرة في تقرير منح العلاوة أو منعها أو تأجيلها هو التقارير السنوية وغير ذلك يكون من قبيل العقوبة التأديبية المنصوص عليها في المادة 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة والذي يملك مجلس التأديب وحده توقيعها. وأن أساس القرار المطعون فيه وسنده باطلان إذ أن القول بضعف كفايته قول غير صحيح لمخالفته ما اضطردت عليه تقاريره السابقة من الإشادة بكفايته وأن الأمر دبر وبيت وأن هذا القرار قصد به النكاية فهو قرار بعيد عن الصالح العام - مخالف للقانون متسم بإساءة استعمال السلطة ما يجعله حرياً بالإلغاء.
وأجابت مصلحة المساحة على الدعوى بمذكرتها المؤرخة 22 من أكتوبر سنة 1955 ضمنتها أنه عرض على لجنة شئون الموظفين بالمصلحة التقرير السنوي السري لعام 1954 المقدم عن المدعي فقدرت اللجنة درجة كفايته عن ذلك العام بما يقل عن أربعين درجة الأمر الذي يرتب قانوناً اعتبار هذا الموظف ضعيفاً في الكفاية خلال العام المذكور ولدى نظر اللجنة أمر العلاوات المستحقة لموظفي المصلحة اعتباراً من أول مايو سنة 1955 قررت بجلستها المنعقدة في 28 من إبريل سنة 1955 إعمالاً لاختصاصها المنصوص عليه بالمادتين 42، 43 من القانون تأجيل منح العلاوة الدورية المستحقة لبعض الموظفين ومن بينهم المدعي لحصولهم على درجة ضعيف في كفاية العمل بالتقارير السنوية المقدمة عنهم عام 1954 وأخطرت المصلحة المدعي بذلك القرار بموجب خطاب موصى عليه بتاريخ 3 من مايو سنة 1955 فقدم تظلماً إدارياً بالطعن في القرار ناعياً عليه أنه بني على التعسف وإساءة استعمال السلطة ومخالفة القانون فأجيب المدعي عن تظلمه بالخطاب المرسل إليه في 9 من أغسطس سنة 1955.
وأضافت المصلحة رداً على ما أثاره المدعي بأن سلامة ماضي خدمة الموظف لا تنهض دليلاً على كفايته في السنوات اللاحقة وأن قرار توقيع الجزاء وقرار النقل اللذين أشار إليهما المدعي قد صدرا بناء على إجراءات قانونية سليمة وفي حدود القواعد المقررة وأنهما محل طعن في دعوى أخرى وأن لجنة شئون الموظفين تختص بتقرير تأجيل العلاوة الاعتيادية لضعف الكفاية وأن ليس هناك من دليل على قيام عيب إساءة استعمال السلطة المدعى به وانتهت المصلحة إلى طلب رفض الدعوى.
وقدم المدعي مذكرة في 21 من يناير سنة 1957 ضمنها أن تقرير سنة 1954 تقرير باطل لأن المهندس تادرس فام الذي وقعه لم يكن رئيساً له - ويقول إنه لو رجعت المحكمة إلى كشوف الحضور والانصراف لوجدت أن المدعي لم يتغيب إطلاقاً أو لم يتأخر في الحضور إلى عمله ولذا فهو يستحق 3 درجات بدلاً من درجة عن الغياب وثلاث درجات كاملة عن التأخير بدلاً من درجة واحدة ولهذا فهو يطلب زيادة التقدير أربع درجات - كما ضمن المدعي مذكرته هذه طلب الحكم بإلزام وزارة الأشغال بأن تدفع له مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع إلزامها بالمصروفات والأتعاب.
وبجلسة 19 من مارس سنة 1957 قضت المحكمة الإدارية بعدم قبول دعوى الإلغاء وألزمت المدعي بالمصروفات وقررت إحالة طلب التعويض إلى مفوض الدولة لتهيئته. وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت في الدعوى أن المدعي أعلن بالقرار المطعون فيه بخطاب مؤرخ في 3 مايو سنة 1955 فتظلم منه إلى وزير الأشغال العمومية بتظلم أرسل بالبريد المسجل بعلم الوصول في 14 من مايو سنة 1955 ووصل في 15 من مايو سنة 1955 ولم تجب الجهة الإدارية على هذا التظلم خلال ستين يوماً من هذا الوصول الذي يعتبر تاريخاً لتقديم التظلم يبدأ منه الميعاد لذلك فإن فوات هذا الميعاد دون رد يعتبر بمثابة رفض للتظلم ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة أي ميعاد غايته 12 من سبتمبر سنة 1955 لذلك فإن الدعوى وقد رفعت بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 21 من سبتمبر سنة 1955 تكون قد رفعت بعد الميعاد ويتعين الحكم بعدم قبول الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
وقالت المحكمة أن المدعي أضاف بمذكرته المودعة بجلسة 22 من يناير سنة 1957 إلى طلبه الأصلي طلباً احتياطياً هو إلزام الوزارة بأن تدفع له قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت وهو طلب جديد أبدي بعد أن قدم مفوض الدولة تقريره الذي اقتصر فيه على مناقشة طلب الإلغاء من الناحية الشكلية لذلك يتعين وقد أبدي هذا الطلب في ظل القانون رقم 165 لسنة 1955 أن تقرر المحكمة بإحالته إلى مفوض الدولة لتهيئته طبقاً للمواد 27 وما بعدها من القانون المذكور. وبناء على ذلك قامت هيئة المفوضين بتحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة وأودعت تقريراً برأيها القانوني انتهت فيه إلى التوصية بالحكم بالتعويض. وبجلسة 9 من فبراير 1959 صدر الحكم المطعون فيه وقضت المحكمة بأحقية المدعي في أن يقتضي من الحكومة مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت وألزمت الحكومة بمصروفات هذا الطلب وبأن تدفع للمدعي مبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت المحكمة قضاءها على أن الإدارة لا تسأل عن القرارات التي تصدر منها إلا في حالة وقوع خطأ من جانبها بأن تكون هذه القرارات غير مشروعة أي مشوبة بعيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة وهذه العيوب هي عدم الاختصاص ووجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة بشرط أن يتحقق الضرر الناجم عنها وأن تقوم رابطة السببية بين الخطأ والضرر فإذا برأت من هذه العيوب كانت سليمة مشروعة مطابقة للقانون فلا تسأل الإدارة عن نتائجها مهما بلغت جسامة الضرر المترتب عليها لانتفاء ركن الخطأ إذ لا مندوحة من أن يتحمل الأفراد في سبيل المصلحة العامة نتائج نشاط الإدارة المشروع أي المطابق للقانون - وتقول المحكمة إنه يخلص من أوراق الدعوى أن المدعي يبني طلب التعويض على أن جهة الإدارة أخطأت حين أصدرت قرارها بتأجيل العلاوة المستحقة له ذلك أن هذا القرار بنى سببه على التقرير السري المقدم عن حالة المدعي في سنة 1954 والذي قدرت كفايته فيه بدرجة ضعيف ولما كان هذا التقرير في نظر المدعي باطلاً فإن القرار المبني عليه يكون بالتالي باطلاً هو الآخر؛ ومن ثم يتعين تعويضه بما أصابه من ضرر بسبب هذا الخطأ.
ولما كان المدعي يرجع بطلان التقرير سالف الذكر إلى سببين الأول أنه انتقص من درجتي التأخير والغياب في حين أنه لم يتأخر عن عمله مرة واحدة كما أنه لم يحدث أن غاب بدون إذن - والثاني أنه لا صفة للسيدين تادرس فام وعبد الحليم أمين في التوقيع على التقرير إذ أن الأول لم يكن رئيسه المباشر ولم يكن الثاني المدير المحلي.
وتقول المحكمة إنه لما كان الثابت من الاطلاع على هذا التقرير وهو مرفق بملف الخدمة أنه منح درجة من ثلاث درجات عن كل من الغياب والتأخير وأن الرئيس المباشر قدر كفايته بأربعين درجة من مائة فأنقص المدير المحلي التقدير إلى 39 درجة أي بدرجة ضعيف وسجلت لجنة شئون الموظفين هذا التقدير بجلستها المنعقدة في 28 من إبريل سنة 1955 وبذات الجلسة قررت تأجيل علاوته الدورية المستحقة له في أول مايو سنة 1955 لمدة سنة استناداً إلى أن تقدير كفايته في التقرير المذكور جاء بدرجة ضعيف.
ولما كان الواضح من رد المصلحة ومن المناقشة التي أجراها مفوض الدولة مع السيدين تادرس فام وعبد الحليم أمين الموقعين على التقرير أنه في المدة من أول يناير سنة 1954 لم تكن ثمة كشوف للحضور والانصراف مخصصة للتوقيع عليها من موظفي الدرجة الرابعة فما علا حال حضورهم فانصرافهم وأنه لما احتاج الأمر إلى ضبط هذه العملية خصصت كشوف لهذا الغرض اعتباراً من أول أغسطس سنة 1954، غير أن المدعي لم يوقع عليها لأنه من 16 من يونيه سنة 1954 انتدب للعمل في جرد المخازن وظل في هذا العمل إلى أن منح إجازة مرضية اعتباراً من 16 من أكتوبر سنة 1954 حتى نهاية العام، وأن كلاً منهما قدر درجة التأخير والغياب على أساس التقدير الشخصي ولم يكن ذلك مبنياً على أي كشوف حضور أو انصراف أو أي بيان آخر.
وإنه وإن كانت تقديرات الرؤساء لكفاية الموظف لا رقابة للقضاء عليها لتعلقها بصميم اختصاص الإدارة الذي ليس للقضاء أن ينصب نفسه مكانها فيه إلا أن هذه الرقابة تعمل في حالتين إذا لم تتبع الإدارة الإجراءات السليمة المنصوص عليها في القانون حتى تصل إلى تقدير درجة الكفاية وإذا كان محل التقدير عناصر أصولها محدودة في الأوراق - ولما كانت المادة 30 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 579 لسنة 1953 نصت في فقرتها الثانية على أن التقارير السنوية تكتب على النموذج وبحسب الأوضاع التي يقررها وزير المالية والاقتصاد بقرار يصدر منه بعد موافقة ديوان الموظفين.
وإذ جاء بظهر النموذج المعتمد على الوجه المتقدم بقرار وزير المالية رقم 4 لسنة 1954 ملاحظات أولاها أن هذه التقديرات تبنى على البيانات الموجودة في.... (د) دفاتر الحضور والغياب والإجازات؛ فكأن هناك قاعدة تنظيمية في هذا الشأن هي أن تقدير بيان الغياب والتأخير يجب أن يرجع فيه إلى دفاتر الغياب والحضور.
ولما كانت جهة الإدارة قد خالفت هذه القاعدة فلم تخصص دفاتر لهذا الغرض عن المدة من أول عام 1954 حتى أول أغسطس منه أما المدة الباقية والسابقة على قيامه بالإجازة المرضية فكان المدعي منتدباً في جرد المخازن ولم تقدم المصلحة دفاتر أو كشوف حضور وغياب عن هذه المدة حتى يمكن الرجوع إليها وإعمال رقابة المحكمة على التقدير الواجب أن يستمد منها فإذا أضيف إلى ذلك أن ملف خدمة المدعي خلا من أية إشارة أو تحقيق أجري معه بسبب تأخيره أو تغيبه بدون إذن طيلة العام فإن الأمر يقتضي أن يمنح النهاية القصوى في بندي التأخير والغياب. وبذلك يرتفع تقدير كفايته إلى 43 أي يتخطى درجة ضعيف وأنه من مقتضى هذه النتيجة، ودون بحث في باقي أوجه الطعن أن يكون التقرير السنوي المقدم عن حالة المدعي في سنة 1954 باطلاً لمخالفته القانون وبالتالي يكون قرار لجنة شئون الموظفين بتأجيل علاوة المدعي هو الآخر معيباً عملاً بقاعدة أن ما بني على الباطل فهو باطل وبذلك يكون ركن الخطأ متوافراً في جانب الإدارة ويحق للمدعي أن ينال تعويضاً عما أصابه من ضرر هو تأجيل علاوته لمدة سنة إذ لولا صدور هذا القرار الخاطئ ما كان وقع الضرر وانتهى الحكم إلى القول بأنه يبين مما تقدم أن المدعي على حق في طلب التعويض ويتعين الحكم له به.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المادة 42 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلاً بالقانون رقم 579 لسنة 1953 تنص على أن "يمنح الموظف علاوة اعتيادية طبقاً للنظام المقرر بالجداول المرافقة، بحيث لا يجاوز المرتب نهاية مربوط الدرجة، ولا تمنح العلاوة إلا لمن يقوم بعمله بكفاية وتقرير ذلك يرجع فيه إلى لجنة شئون الموظفين المختصة على أساس من التقارير السنوية" - والمستفاد من هذا النص أن منح العلاوة الاعتيادية طبقاً للنظام المقرر بالجداول المرفقة بقانون التوظف رهين بقيام الموظف بعمله بكفاية وقد ناط القانون بلجنة شئون الموظفين تقدير درجة هذه الكفاية وترك لها الحرية في اختيار العناصر التي تستقي منها هذا التقدير ولم يقيدها بالتقرير السري المقدم عن الموظف فحسب بحيث يصبح المصدر الوحيد الذي تستمد منه تقديرها، وإنما جعله عنصراً تستهدي به إلى جانب ما يقوم لديها من عناصر أخرى، فإذا كانت لجنة شئون الموظفين حسبما هو ثابت بمحضر اللجنة المؤرخ 28 من إبريل سنة 1955 بعد أن استهلت هذا المحضر ببيان حكم المادتين 42، 44 من قانون التوظف قررت تأجيل العلاوة الاعتيادية المستحقة للمدعي في أول مايو سنة 1955 نظراً لحصوله على درجة ضعيف في كفاية العمل فإن هذا القرار لا يمكن حمله على أن درجة التقدير في التقرير السنوي عن سنة 1954 هي السبب الوحيد لهذا القرار.
ويضاف إلى ذلك أن تقدير الدرجة التي يستحقها الموظف عن كل عنصر من العناصر الواردة في التقرير السنوي لدرجة الكفاية هو أمر لا رقابة للقضاء عليه ولا سبيل له إلى مناقشته لتعلقه بصميم عمل الإدارة الذي ليس للقضاء أن ينصب نفسه مكانها. ولا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الرخصة التي خولها القانون للإدارة في تقدير كفاية الموظف تجد حدها الطبيعي في حالة ما إذا كان يتعين تقدير الدرجة اللازمة لأحد العناصر الواردة بالتقرير على أساس أصل ثابت في الأوراق كما هو الشأن بالنسبة لعنصري التأخير والغياب، لا وجه لذلك؛ لأن طبيعة عمل المدعي في سنة 1954 كانت تقتضي إعفائه من التوقيع على كشوف الحضور والانصراف الأمر الذي كان يستوجب عدم الاعتداد بواقعة عدم توقيع المدعي على تلك الكشوف أو بعدم وجودها للقول ببطلان ما جاء بالتقرير السنوي عن عنصري الحضور والغياب. ويضاف إلى ذلك أن القانون لم يرسم للإدارة طريقاً معيناً تلتزم به في تقدير كافة العناصر المنصوص عليها في التقرير السنوي بحيث يكون هو المصدر الوحيد الذي تستقي منه تقديرها ولا يسوغ الخروج عليه وإلا كان تقديرها مخالفاً للقانون. وعلى هذا المقتضى فليست كشوف الحضور والانصراف هي وحدها المعول عليه في تقدير عنصري التأخير والغياب؛ إذ قد يستفاد التأخير والغياب من أصول أخرى كشهادة الرئيس المباشر أو غير ذلك مما لا سبيل للقضاء إلى التعقيب عليه.
ويقول الطعن إنه لما كان الحكم المطعون فيه باستحقاق المدعي للتعويض المؤقت يقوم على أساس أن القرار الصادر من جهة الإدارة بتأجيل علاوته الدورية المستحقة في أول مايو سنة 1955 لمدة سنة هو قرار باطل لانبنائه على التقرير الباطل المقدم عن المدعي عن سنة 1954 وهو ما لا يمكن الأخذ به للأسباب المشار إليها فيما تقدم فمن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون متعيناً الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه مما يجب التنبيه إليه بادئ ذي بدء أنه لا محل للتحدي بفوات ميعاد الستين يوماً المنصوص عليه في المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة والذي رددته المادة 22 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة إذ أن هذا الميعاد خاص بطلبات إلغاء القرارات الإدارية دون غيرها من المنازعات فلا يسري على طلبات التعويض التي يجوز رفعها ما دام لم يسقط الحق في إقامتها طبقاً للأصول العامة وذلك للاعتبارات الآتية:
أولاً - لأن عبارة المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 (22 من القانون رقم 55 لسنة 1959) تقطع في تخصيص حكمها بطلبات إلغاء القرارات الإدارية دون غيرها من المنازعات إذ هي قد جعلت مبدأ سريان الميعاد من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح أو إعلان صاحب الشأن به. كما قضت بوقف سريان هذا الميعاد في حالة التظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية، وبأنه يعتبر في حكم قرار بالرفض فوات ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة. ومفاد ذلك أن المادة المذكورة إذ تحدد ميعاد الستين لا تتحدث إلا عن الدعوى الخاصة بإلغاء قرار إداري. ومن هنا جعلت إعلانه أو نشره مبدأ لسريان الميعاد والتظلم منه موقفاً لهذا السريان.
ثانياً - لأن الميعاد السابق ذكره مأخوذ عن القانون الفرنسي وترديد لأحكامه وهذا القانون يقصر هذا الميعاد على طلبات الإلغاء دون طلبات التعويض.
ثالثاً - لأن طلب التعويض منوط بحلول الضرر وهذا لا يترتب حتماً على إعلان القرار الإداري أو نشره بل يترتب في الغالب على تنفيذ القرار فلو أن ميعاد الستين يوماً يسري على طلب التعويض لكان مقتضى هذا أنه يلزم رفعه حتى لو لم يحل الضرر بصاحب الشأن، مما تأباه البداهة القانونية.
رابعاً - لأن الحكمة التشريعية لقصر رفع الدعوى على ستين يوماً هي استقرار القرارات الإدارية حتى لا تكون مستهدفة لخطر الإلغاء وقتاً طويلاً، وهذه الحكمة إن كانت متوافرة فيما يتعلق بطلبات إلغاء القرارات فإنها منعدمة بالنسبة إلى دعاوى التعويض إذ هذه لا تخرج عن كونها دعاوى عادية.
خامساً - إن المشرع عندما تكلم على طلبات الإلغاء في المادة 19 (22 من القانون رقم 55 لسنة 1959) قضى بأن ميعاد رفع الدعوى ستون يوماً بأن نص على أن ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً، بينما أطلق المشرع في المادة 9 من القانون رقم 165 لسنة 1955 (المادة 9 من القانون رقم 55 لسنة 1959) ولم يحدد ميعاداً لدعوى التعويض تاركاً ذلك للقواعد العامة - بأن قال "يفصل مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره في طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في المادة السابقة إذا رفعت إليه بصفة أصلية أو تبعية".
ومن حيث إن المدعي يطلب التعويض لحرمانه من العلاوة الدورية المستحقة له اعتباراً من أول مايو سنة 1955 فتكون الدعوى في حقيقتها هي مطالبة المدعي بالعلاوة المذكورة.
ومن حيث إن هذه العلاوة إذا استحقت للموظف تعتبر جزءاً من مرتبه فالمنازعة فيها هي منازعة في المرتب طبقاً للفقرة الثانية من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 (المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959). ومن ثم تكون هذه الدعوى قد أقيمت في الميعاد.
ومن حيث إن المدعي ينعى على القرار المطعون فيه استناده إلى تقريره السنوي عن سنة 1954 وهو صادر من غير مختص فضلاً عن أن غياب المدعي لم يثبت من الأوراق.
ومن حيث إنه عن المسألة الأولى فإن هذا الموضوع بداية قد عرض على لجنة شئون الموظفين وارتأت ضمناً أن التقرير صادر من الرئيس المباشر والمدير المحلي المختص ولم يقدم المدعي دليلاً على خلاف ذلك.
من حيث إنه عن المسألة الثانية فإنه يبين من مطابقة الأوراق أن التقرير السنوي السري عام 1954 عن المدعي يتضمن حصوله على أربعين درجة من رئيسه المباشر (وهو تادرس فام) وعلى 39 درجة من كل من المدير المحلي وهو (عبد الحليم أمين) ورئيس المصلحة وأن لجنة شئون الموظفين قد قدرت درجة الكفاية بتسعة وثلاثين درجة.
ومن حيث إن المادة 31 من قانون موظفي الدولة معدلة بالقانون رقم 579 لسنة 1953، الذي تم التقرير السنوي في ظله تنص على أن "يقدم القانون السنوي السري عن الموظف من رئيسه المباشر ثم يعرض على المدير المحلي للإدارة فرئيس المصلحة لإبداء ملاحظاتهما ثم يعرض بعد ذلك على لجنة شئون الموظفين لتسجل التقدير إذا لم تؤثر الملاحظات في الدرجة العامة لتقدير الكفاية وإلا فيكون للجنة تقدير درجة الكفاية التي يستحقها الموظف ويكون تقريرها نهائياً".
ومن حيث إن المشرع يستهدف بتعديله المادة 31 من قانون نظام موظفي الدولة بالقانون رقم 579 لسنة 1953 الصادر في 30 من نوفمبر سنة 1953 ضمان تقدير درجات الكفاية وذلك بأن يكون التقدير بمعرفة الرئيس المباشر للموظف ثم يعرض التقرير على المدير المحلي للإدارة فرئيس المصلحة ليبدي كل منهما ملاحظاته عليه ثم يعرض التقرير على لجنة شئون الموظفين للتصديق عليه إذا لم يكن هناك خلاف على التقدير العام وإلا فيكون لهذه اللجنة أن تقدر كفاية الموظف ويكون تقديرها في هذا الشأن نهائياً.
ومن حيث إنه بمطابقة التقرير السري عن عام سنة 1954 على النحو السالف بيانه يتضح أن الخلاف على تقدير كفاية المدعي كان ظاهراً بين الرئيس المباشر من جهة وبينه وبين المدير المحلي ورئيس المصلحة من جهة أخرى: فالأول كان تقديره للمدعي بأربعين درجة بينما هبط به المدير المحلي ورئيس المصلحة إلى درجة ضعيف بتقديرهما كفايته بتسعة وثلاثين درجة وفضلاً عن ذلك فقد نعى المدعي على كل من الرئيس المباشر والمدير المحلي بأن التقدير الصادر منهما في حقه صدر من غير مختص، فلا مناص والحالة هذه للجنة شئون الموظفين، كما قضى بذلك المشرع في نهاية المادة 31 المشار إليها علاجاً للموقف وتوحيداً لمقاييس التقدير بين مختلف الموظفين أن تقوم بتقدير درجة الكفاية التي يستحقها الموظف ويكون تقديرها نهائياً - ولجنة شئون الموظفين إذ تضع التقدير النهائي في مثل هذه الحالة تعتمد على معرفة أعضائها لأحوال الموظفين.
ومن حيث إن المدعي ينعى على تقدير كفايته عن عام 1954 غبنه في درجة المواظبة بدعوى أنه لم يتخلف عن الحضور حتى يستقطع منه بدرجات لو أضيفت لرفع تقديره إلى أكثر من 40 درجة لا محل للتحدي بذلك ما دام رؤساء المدعي المباشرون قرروا - كما يبين من مطابقة الأوراق - بأن المدعي إذا كان لم يتغيب إلا أنه كان لا يحرص على البقاء طوال الوقت كما كان لا يحرص على تنفيذ ما يعهد إليه من عمل على نحو يثبت حرصه على تأدية عمله بالدقة المطلوبة وفي الوقت المناسب وكان منصرفاً عن عمله الرسمي إلى أعمال لا علاقة لها بالعمل الرسمي مولياً تلك الأعمال وقته باذلاً فيها جهده.
ومن حيث إن ما عدا ذلك من عناصر التقدير فلا يعدو دفاع المدعي فيها أن يكون مجادلة في أمور هي من صميم الإدارة بسلطتها التقديرية مما يخرج عن رقابة القضاء الإداري ما دام لم ينطو على إساءة استعمال السلطة، الأمر الذي لم يقم عليه دليل صحيح في الأوراق وبوجه خاص إذا لوحظ من مقارنة التقارير في السنوات السابقة أن حالة المدعي كانت في التدهور.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن القرار المطعون فيه صدر مطابقاً للقانون ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بغير ذلك قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين الحكم بإلغائه وبرفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق