الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 25 سبتمبر 2023

الطعن 467 لسنة 5 ق جلسة 27 / 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 136 ص 1623

جلسة 27 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي الدمراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي ومصطفى كامل إسماعيل وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

-----------------

(136)

القضية رقم 467 لسنة 5 القضائية

(أ) مرض عقلي 

- حجز المصاب به - تقرير قيام سببه - مسألة فنية موضوعية متروكة لتقدير مجلس مراقبة الأمراض العقلية - سلطة القضاء الإداري في التعقيب على ذلك والتحقق منه - أساسها ومجال استعمالها.
(ب) اختصاص القضاء الإداري 

- دعوى تهيئة دليل يقوم في نزاع مستقبل - اختصاص القضاء الإداري بنظرها منوط بأن يكون النزاع المستقبل مما يدخل في ولايته الكاملة لا في ولاية الإلغاء.

---------------
1 - لئن كانت سلطة مجلس مراقبة الأمراض العقلية، مشكلاً على النحو المنصوص عليه في المادة الثانية من القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية، في تقرير ما إذا كان شخص مصاباً بمرض عقلي أم لا، هي في الأصل سلطة تقديرية باعتبارها من الأمور الفنية ذات التقدير الموضوعي، بحيث ما كان يجوز التعقيب عليها إلا عند إساءة استعمال السلطة، إلا أنه لما كان الأمر يتعلق بالحرية الشخصية فإنه يجوز للقضاء الإداري، من حيث المبدأ، اتخاذ ما يلزم للتحقق من ذلك إذا قدم إليه طلب الإلغاء، وليس قبل ذلك بدعوى إثبات حالة استقلالاً.
2 - إن اختصاص القضاء الإداري هو اختصاص محدد، وينحصر بالنسبة لقضاء الإلغاء فيما حدده القانون بالذات وعلى سبيل الحصر من القرارات الإدارية المعينة، دون أن يمتد في هذا الخصوص إلى دعاوى تهيئة الدليل التي أجيزت استثناء في مجال القانون الخاص، وتجوز كذلك في القضاء الكامل في مجال القضاء الإداري.


إجراءات الطعن

في 7 من مارس سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 6 من يناير سنة 1959 في الدعويين رقمي 601 و1119 لسنة 11 ق المرفوعتين من السيد روبير جبران منصور ضد السيد رئيس مجلس مراقبة الأمراض العقلية وآخر، والقاضي "برفض الدعويين، وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب الواردة بعريضة الطعن - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بصفة مستعجلة بندب أخصائي في الأمراض العقلية والنفسية لفحص حالة ريمون جبران منصور، وتقديم تقرير عن حالته، وهذا قبل الفصل في دعوى الإلغاء، مع إرجاء الفصل في المصروفات". وقد أعلن الطعن إلى الحكومة في 21 من إبريل سنة 1959، وإلى الخصم في 27 منه، وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 9 من مايو سنة 1959، حيث أحيل إلى المحكمة الإدارية العليا لجلسة 13 من يونيه سنة 1959، ثم أرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي رفع الدعوى رقم 601 لسنة 11 ق بصحيفة أودعت سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 3 من مارس سنة 1957، طلب قيها الحكم: (أولاً) بوقف تنفيذ أمر حجز شقيقه ريمون جبران في مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية والصادر من المدعى عليه الأول، (ثانياً) بإلغاء هذا الأمر، مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات والأتعاب. وقال شرحا لدعواه إن شقيقه السيد/ ريمون جبران كان موظفاً بالبنك التركي بالإسكندرية، وقد تقدم بعدة شكاوى إلى أولي الأمر أدت إلى القبض عليه، وحبس عسكرياً بناء على أمر صادر من النائب العام، ثم أودع مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية، واستمر زهاء ثلاث سنوات كان يشكو المرة تلو الأخرى من حجزه بدون وجه حق خلافاً لأحكام القانون رقم 141 لسنة 1944. وقد عين لطلب وقف التنفيذ جلسة 26 من مارس سنة 1957، ثم تداول بالجلسات حيث أودعت الحكومة ملف الموضوع مع مذكرة بدفاعها قالت فيها إن المحجوز (ريمون جبران) أرسل إلى عدة جهات إدارية كتباً مفتوحة تتضمن طعناً في نظام الحكم القائم بمصر وحضاً على كراهيته مما يقع تحت طائلة العقاب طبقاً للمادتين 171 و174 من قانون العقوبات، وحبس عسكرياً، وأحيل في 12 من يناير سنة 1954 إلى مستشفى الأمراض العقلية؛ لاختبار حالته العقلية وتقدير مسئوليته عما وقع منه. وقام الدكتور أحمد وجدي وكيل مصلحة الصحة العقلية بالكشف عليه وملاحظة حالته، وقدم تقريراً في 15 من فبراير سنة 1954 تضمن أن المحجوز مصاب بحالة عقلية مرضية مصحوبة بمعتقدات وهمية تكيف إلى حد كبير سلوكه، وتجعله لا يقدر نتائج أقواله وأفعاله، وأن هذه الحالة العقلية المرضية تواجدت عنده منذ مدة طويلة تجعله غير مسئول عن أعماله في الحادث المنسوب إليه، وأن حالته هذه تتطلب الصيانة والعلاج بمستشفى الأمراض العقلية. واستناداً إلى ذلك وإلى حكم المادة 342 من قانون الإجراءات الجنائية والقرار الصادر من وزير الداخلية في شأن القواعد الخاصة بتحقيق القضايا العسكرية، أصدر رئيس نيابة أمن الدولة في 22 من مارس سنة 1954 أمراً بإيداع المتهم المذكور مستشفى الأمراض العقلية للصيانة والعلاج، وقيدت التحقيقات بدفتر الشكاوى العسكرية وحفظت إدارياً. وقد تقدم المدعي بعدة مكاتبات لمدير مستشفى الأمراض العقلية للإفراج عن شقيقه المحجوز، وقد رفعت كلها إلى مجلس المراقبة مشفوعة برأي مدير المستشفى بأن حالة المريض المحجوز لا تسمح بالإفراج. وقرر المجلس بناء على ذلك رفض الإفراج عنه. وانتهت الحكومة في مذكرتها إلى القول بأن المادة 342 من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بأنه إذا صدر قرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل المتهم بسبب إصابته بعاهة في عقله، يحجز المتهم في أحد المحال المعدة للأمراض العقلية إلى أن تأمر الجهات المختصة بإخلاء سبيله. وقد صدر قرار رئيس نيابة أمن الدولة بحجز المتهم المذكور بمستشفى الأمراض العقلية على إثر حفظ الدعوى العمومية قبله لما ثبت من إصابته بمرض عقلي؛ مما يجعله غير مسئول عن عمله وبجلسة 28 من مايو سنة 1957 رفضت المحكمة طلب وقف التنفيذ. وفي 17 من يوليه سنة 1957 أودع المدعي صحيفة الدعوى رقم 1119 لسنة 11 ق قال فيها إنه سبق أن رفع الدعوى رقم 601 لسنة 11 قضائية بطلب إلغاء الأمر الصادر بحجز أخيه، وبما أنه يجوز له قانوناً إثبات حالة أخيه، فإنه يطلب الحكم بصفة مستعجلة بندب خبير أخصائي في الأمراض العقلية والنفسية لإثبات حالته ونوع المرض الذي يغشاه إذا وجد، وآثاره على نفسه إذا كانت حالته تندرج تحت أحكام القانون رقم 141 لسنة 1944. وقد عين لنظر هذه الدعوى جلسة 30 من يوليه سنة 1957، ثم تداولت بالجلسات. وفي 29 من أكتوبر سنة 1957 طلب محامي المدعي ضمها للدعوى رقم 601 لسنة 11 ق، وقد نظر طلب الإلغاء في الدعوى 601 لسنة 11 ق بجلسة 25 من فبراير سنة 1958، كما نظرت المحكمة الدعوى رقم 1119 لسنة 11 ق، وأودع محامي المدعي مذكرة بدفاعه أبان فيها أنه ليس للإدارة أن تتذرع بالكشوف الطبية المؤقتة على المحجوز من 4 من أغسطس سنة 1954 إلى 27 من يناير سنة 1957، والتي أقرها مجلس مراقبة الأمراض العقلية؛ لأن الحالة الصحية تتغير من يوم لآخر، وأنه لو سلمنا جدلاً بأن حالة المحجوز كانت سيئة وتدعو إلى حجزه حتى 27 من يناير سنة 1957، فليس بعد هذا التاريخ من كشوف تجرح الحالة الصحية للمحجوز. وانتهى إلى طلب الحكم أصلياً بإلغاء قرار الحجز، واحتياطياً بندب أخصائي لتحقيق حالة المحجوز العقلية والنفسية. وبجلسة 29 من إبريل سنة 1958 كلفت المحكمة الجهة الإدارية إيداع أوراق العلاج والتقارير الطبية عن حالة المحجوز من شهر يناير سنة 1957. وبجلسة 10 من يونيه سنة 1958 أودعت الحكومة صورة طبق الأصل من أوراق العلاج والتقارير الطبية عن حالة المحجوز، وتتضمن أن مجلس المراقبة رفض خروج المحجوز في 2 من مارس سنة 1958. وفي 6 من يناير سنة 1959 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها "برفض الدعويين، وألزمت المدعي بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن "مجلس مراقبة الأمراض العقلية، بعد دراسته لحالة المريض المحجوز وبعد اطلاعه على التقريرات الطبية المتضمنة قيام حالة المرض العقلي، أصدر بسلطته التقديرية القرار المطعون فيه، القاضي باستمرار حجز ذلك المريض بمستشفى الأمراض العقلية، وأن القرار المطعون فيه وقد صدر من هيئة مختصة في حدود سلطتها التقديرية، فلا سبيل للتعقيب عليه، طالما قد خلا من الانحراف أو الغرض، كما أن التقريرات الطبية التي استند إليها هذا القرار قد وضعها أخصائيون من الأطباء فلا محل لإهدارها، ما دامت مبرأة من الانحراف أو الغموض أو التناقض، وأن المدعي لم يطعن على القرار المطعون فيه أو التقريرات الطبية بالانحراف، ولم يقدم دليلاً جدياً على عدم اقتناعه بتلك التقريرات الطبية، وقصر طلباته بشأنها على طلب ندب خبير أخصائي، وهو ما لا ترى المحكمة محلاً له لما تقدم؛ ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد بني على أسباب صحيحة تبرره، ومنها قيام حالة المرض العقلي لدى المريض المحجوز، وبالتالي يكون طلب إلغائه لا أساس له من القانون، وكذلك يكون طلب ندب خبير لإعادة فحص المريض في غير محله، ويتعين لذلك رفض الدعويين مع إلزام المدعي بمصروفاتهما".
ومن حيث إن مبنى الطعن أن رفض دعوى إثبات الحالة تأسيساً على أن القرار المطعون فيه قد بني على أسباب صحيحة، ولم يقدم المدعي دليلاً جدياً على عدم اقتناعه بالتقارير الطبية، مما يستتبع رفض طلب تعيين الخبير لأنه في غير محله - إن هذا الذي انتهى إليه قضاء المحكمة إنما هو مصادرة على المطلوب وقطع السبيل على المدعي والحيلولة بينه وبين تهيئة الدليل في دعوى الإلغاء، فإذا ما تبين ألا سبيل لديه غير ذلك لإثبات دعواه فمؤدى هذا أن الحكم المطعون فيه قد انطوى على حرمان المدعي من إبداء دفاعه وحجبه عن الوصول إلى دليله الوحيد.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن النقطة القانونية مثار النزاع هي مدى سلطة القضاء الإداري في التعقيب على تقدير الجهات الإدارية المختصة في شأن قيام أو عدم قيام حالة المرض العقلي المسوغ لحجز المصاب به من عدمه، وهل يجوز للقضاء الإداري أن يتحقق من قيام هذه الحالة أو عدم قيامها عن طريق أهل الخبرة الذين قد يندبهم لهذا الغرض، وهل يجوز لذوي الشأن طلب إثبات حالة المحجوز استقلالاً دون رفع طلب الإلغاء، أم أنه إذا جاز ذلك تعين أن يكون طلب إثبات الحالة في دعوى إلغاء تتعلق بحجز المصاب.
ومن حيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية تنص على أنه "لا يجوز حجز مصاب بمرض في قواه العقلية إلا إذا كان من شأن هذا المرض أن يخل بالأمن أو النظام العام، أو يخشى منه على سلامة المريض أو سلامة الغير، وذلك طبقاً لأحكام هذا القانون..."؛ مما يستفاد منه أن القرار الذي تصدره الإدارة بالحجز يجب - لكي يكون مطابقاً للقانون - أن يقوم على ركنين هما: إصابة الشخص المحجوز فعلاً بمرض عقلي، ثم خطورة مرضه، بأن يكون من شأنه الإخلال بالأمن أو النظام العام، أو يخشى منه على سلامة المريض أو سلامة الغير، وبغير توافر ذلك يكون حجزه غير جائز قانوناً.
ومن حيث إن القانون المشار إليه قد ناط في مادته الأولى بمجلس مراقبة الأمراض العقلية مهمة النظر في حجز المصابين بأمراض عقلية والإفراج عنهم، وفي الترخيص بالمستشفيات المعدة لهم والتفتيش عليها، وبين في مادته الثانية كيفية تشكيله، وهو ينتظم عناصر طبية من مستوى عال، هم: مدير قسم الأمراض العقلية بوزارة الصحة العمومية وكبير الأطباء الشرعيين وأستاذ الأمراض العصبية بجامعة القاهرة وأحد كبار أطباء وزارة الصحة العمومية يعينه الوزير وكبير أطباء مصلحة السجون، كما ينتظم عناصر قضائية كبيرة، هم: المحامي العام لدى المحاكم الوطنية أو رئيس نيابة الاستئناف ونائب من مجلس الدولة، وينتظم كذلك موظفاً كبيراً يندبه وزير الداخلية وموظفاً كبيراً يندبه وزير الشئون الاجتماعية والعمل. ويظهر من هذا التشكيل بضماناته المتنوعة أنه أهل لما أسنده القانون إليه من سلطات تقديرية بالغة الخطورة في هذا الشأن. كما نظم القانون في الباب الثاني منه الإجراءات التي يجب اتباعها عند حجز المصابين والإفراج عنهم، وهي إجراءات تقوم على ضمان التأكد من قيام حالة المرض والخطر المسوغين لحجز المصاب.
ومن حيث إنه ولئن كانت سلطة مجلس المراقبة في تقرير ما إذا كان شخص مصاباً بمرض عقلي أم لا، هي في الأصل سلطة تقديرية، باعتبارها من الأمور الفنية ذات التقدير الموضوعي، بحيث ما كان يجوز التعقيب عليها إلا عند إساءة استعمال السلطة، إلا أنه لما كان الأمر يتعلق بالحرية الشخصية؛ فمن ثم يجوز للقضاء الإداري من حيث المبدأ اتخاذ ما يلزم للتحقق من ذلك إذا قدم طلب الإلغاء، وليس قبل ذلك بدعوى إثبات حالة استقلالاً، ما دام اختصاص القضاء الإداري هو اختصاص محدد، وينحصر بالنسبة لقضاء الإلغاء فيما حدده القانون بالذات وعلى سبيل الحصر من القرارات الإدارية المعينة، دون أن يمتد في هذا الخصوص إلى دعاوى تهيئة الدليل التي أجيزت استثناء في مجال القانون الخاص، وتجوز كذلك في القضاء الكامل في مجال القضاء الإداري.
ومن حيث إنه ولئن كان ذلك هو كما تقدم، إلا أنه يجب أن يقوم من الشواهد في أوراق المدعي ما يسوغ اتخاذ مثل هذا الإجراء، أما إذا لم يكن ثمة من تلك الشواهد ما يمس تقدير الإدارة الذي بنت عليه قرارها بالحجز، فإن الدعوى تكون، والحالة هذه، غير قائمة على أساس سليم.
ومن حيث إن هذه الدعوى خلو مما قد يقدح في تقدير الجهات المختصة في شأن حالة المحجوز العقلية، مع ما انتظمه تشكيل مجلس المراقبة من عناصر فنية وقضائية هي أهل لما أسنده إليهم القانون من سلطة تقدير في هذا الخصوص بالغة الخطر، حسبما سلف البيان؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها، ويتعين رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق