جلسة 23 من إبريل سنة 1968
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، محمد صادق الرشيدي، وإبراهيم علام، وعثمان زكريا
-----------------
(119)
الطعن رقم 35 لسنة 34 القضائية
مسئولية. "مسئولية تقصيرية". مسئولية المتبوع عن أعمال التابع غير المشروعة".
المادتان 151/ 2 و152 ب من القانون المدني. علاقة التبعية بين التابع والمتبوع. قوامها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المرحوم زخريا دوراكسي - مورث الفريق الأول من المطعون ضدهم - أقام الدعوى رقم 207/ 45 مدني كلي شبين الكوم ضد وزارة الأشغال - الطاعنة - وضد المطعون ضد الثاني والمرحوم عبد السلام الفار - مورث الفريق الثالث من المطعون ضدهم - وطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 405 ج و802 م والفوائد. وقال بياناً لدعواه إن الطاعنة أسندت إلى المطعون ضده الثاني ومورث الفريق الثالث من المطعون ضدهم عملية توسيع مصرف منوف، وإذ تسبب هذان الأخيران عند قيامهما بتنفيذ المشروع في إتلاف زراعية بطاطس له في أرض يستأجرها وأقام عليها وعلى الوزارة الطاعنة الدعوى رقم 651/ 45 مستعجل شبين الكوم بطلب إثبات حالة الزراعة التالفة وتقدير ما أصابها من ضرر وقدر الخبير الذي ندبته المحكمة ذلك الضرر بالمبالغ المطالب به فقد أقام دعواه الحالية بطلباته المتقدمة الذكر. وبتاريخ 15 من إبريل سنة 1946 قضت محكمة أول درجة حضورياً بالنسبة للطاعنة وغيابياً بالنسبة للمطعون ضده الثاني ومورث الفريق الثالث من المطعون ضدهم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا لمورث الفريق الأول من المطعون ضدهم المبلغ المشار إليه. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 684 سنة 63 ق، وفي 22 مارس سنة 1948 قضت المحكمة بإيقافه حتى يفصل في المعارضة المرفوعة من المحكوم عليهما غيابياً وأثناء نظر المعارضة أدخل مورث الفريق الثالث من المطعون ضدهم المطعون ضده الرابع ضامناً له في الدعوى وطلب الحكم عليه بما عساه أن يحكم به ضده. وبتاريخ 19 مارس سنة 1951 حكمت المحكمة في هذه المعارضة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الفريق الأول من المطعون ضدهم أن المعارضين قاما بتوسيع المصرف المشار إليه وأن عمالهما تسببوا في إتلاف زراعية البطاطس موضوع النزاع بأن ألقوا عليها الأتربة الناتجة من عملية توسيع ذلك المصرف وصرحت لمورث الفريق الثالث من المطعون ضدهم بالنفي. وبعد سماع الشهود حكمت المحكمة في 28 فبراير سنة 1960 في الدعوى الأصلية بإلزام الفريق الثالث من المطعون ضدهم وهم ورثة المرحوم عبد السلام الفار الذي توفى أثناء نظر المعارضة بأن يدفعوا من تركة مورثهم للفريق الأول من المطعون ضدهم مبلغ 405 ج و802 م وفي دعوى الضمان بإلزام المطعون ضده الرابع بأن يدفع لهؤلاء الورثة مبلغ 202 ج و901 م ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات وبعد تعجيل وزارة الأشغال - الطاعنة - للاستئناف أحالته المحكمة إلى محكمة استئناف طنطا بعد إنشائها لاختصاصها بنظره، حيث قيد بجدولها تحت رقم 58/ 11 ق. وفي 21 نوفمبر سنة 1963 حكمت هذه المحكمة الأخيرة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت في الأولى منهما الرأي برفض الطعن ودفعت في الثانية ببطلانه بالنسبة للمطعون ضده الرابع لعدم إعلانه بتقرير الطعن والتزمت رأيها في الموضوع وفي الجلسة المحددة لنظر الطعن تمسكت النيابة برأيها.
وحيث إن هذا الدفع في محله ذلك أن الطعن رفع في 20 يناير سنة 1964 وقد أدركه قانون السلطة القضائية رقم 43 لسنة 1965 قبل أن يعرض على دائرة فحص الطعون. ولما كانت المادة الثالثة من هذا القانون الذي عمل به من تاريخ نشره في 22 يوليه سنة 1965 قد نصت في فقرتها الثانية على أن تتبع الإجراءات التي كان معمولاً بها قبل إنشاء دوائر فحص الطعون، وكانت المادة 431 من قانون المرافعات قبل تعديله بالقانون رقم 401 لسنة 1955 الذي أنشأ دوائر فحص الطعون قد أوجبت على الطاعن أن يعلن الطعن إلى جميع الخصوم الذين وجه إليهم في الخمسة عشر يوماً التالية لتقرير الطعن وإلا كان الطعن باطلاً وحكمت المحكمة من تلقاء نفسها ببطلانه، وكان مقتضى نص الفقرة الثانية من المادة 3 من القانون رقم 43 لسنة 1965 ونص المادة 11 من قانون إصداره والمادة الأولى من قانون المرافعات أن ميعاد الخمسة عشر يوماً الذي يجب على الطاعن إعلان الطعن فيه يبدأ من 22 يوليه سنة 1965 وهو تاريخ نشر القانون رقم 43 لسنة 1965، وإذ خلت أوراق الطعن مما يدل على قيام الطاعن بهذا الإعلان خلال هذا الميعاد، وكانت الأوراق خالية أيضاً مما يثبت أن الطاعن قام بإعلان الطعن في الميعاد الذي انفتح بعد ذلك بالقانون رقم 4 لسنة 1967 لاستكمال ما لم يتم من الإجراءات التي يقتضيها نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 43 لسنة 1965 ولتصحيح ما لم يصح منها وفقاً لحكم تلك الفقرة، وهذا الميعاد الجديد - طبقاً لما يقضي به نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 4 لسنة 1967 المشار إليه - هو خمسة عشر يوماً تبدأ من تاريخ نشر هذا القانون في 11 مايو سنة 1967 بالنسبة للطعون التي لم تكن قد طرحت وقتئذ على المحكمة ومنها هذا الطعن الذي طرح على المحكمة لأول مرة بجلسة 2 إبريل سنة 1968، لما كان ما تقدم فإنه يتعين وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إعمال الجزاء المنصوص عليه في المادة 431 من قانون المرافعات السالف الإشارة إليه والقضاء ببطلان الطعن بالنسبة للمطعون ضده الرابع.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة لمن عدا المطعون ضده الرابع. وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون وفساد الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم أقام قضاءه بمسئوليتها على أنه كانت لها سلطة فعلية على المقاول الذي أسندت إليه عملية توسيع المصرف، مع أن البند 55 من عقد المقاولة الخاص بهذا المشروع ينص على أن المقاول وحده هو المسئول عن أخطائه التي تؤدي إلى الإضرار بالغير. وقد أتيح لهذا المقاول أن يهيمن على العمل ويتصرف فيه مستقلاً عن الوزارة بما تنتفي به تبعيته لها وبالتالي مسئولية هذه الأخيرة عن أخطائه. ولا ينهض دليلاً على تبعيته للوزارة ما شهد به المهندس سيد الميرغني محمد المداح الذي وكلت إليه الوزارة الإشراف على تنفيذ المشروع من أنه كان يتولى الرقابة على عمل المقاول طوال المدة التي استغرقتها عملية توسيع المصرف حتى إتمامها وأن هذه الرقابة كانت تقتضي العمل من جانبه على أن يحول دون وقوع المقاول في الأخطاء - ذلك أن مؤدى هذه الأقوال أن إشراف المهندس المذكور إنما كان قاصراً على لفت نظر المقاول إلى الأخطاء الفنية وما يقع في العمل من مخالفته للمواصفات المنصوص عليها في العقد، وإذ استند الحكم إلى أقوال هذا الشاهد ورتب على ذلك اعتبار الوزارة مسئولة عن خطأ المقاول فإنه يكون قد خالف القانون وشابه الفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كان مقتضى حكم المادة 151/ 2 والمادة 152 من القانون المدني القديم الذي يحكم واقعة الدعوى أن علاقة التبعية تقوم على السلطة الفعلية التي تثبت للمتبوع في رقابة التابع وتوجيهه سواء عن طريق العلاقة العقدية أو غيرها وسواء استعمل المتبوع هذه السلطة أو لم يستعملها طالما أنه كان في استطاعته استعمالها، وكان يكفي لإلزام رب العمل بتعويض الضرر الذي يلحق بالغير عن فعل المقاول الذي اتفق معه على القيام بعمل له - إذا كان المقاول في مركز التابع لرب العمل على النحو المتقدم - أن يثبت أن الخطأ الذي نجم عن الضرر قد وقع من المقاول، وإذ يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بمسئولية الوزارة الطاعنة على قوله "إن تلك السلطة الفعلية المقررة للوزارة المستأنفة (الطاعنة) على المقاولين الذين عهدت إليهم القيام بعملية ذات نفع عام هي توسيع مصرف عمومي إنما يتولى تلك السلطة على هؤلاء المقاولين نيابة عن الحكومة موظفوها المنوط بهم الإشراف على تنفيذ تلك العملية، وقد أقر بذلك بمحضر التحقيق المهندس المشرف على هذه العملية وهو سيد ميرغني محمد المداح بشهادته لدى المحكمة الابتدائية وقد باشر هذا الإشراف والرقابة حتى تمت العملية وتسلم المصرف ومن مقتضيات أعمال وظيفته الحيلولة دون إحداث المقاول أي خطأ عند تنفيذ العملية يستوجب مسئولية الحكومة، فكان على هذا المهندس بما له من سلطة التوجيه والإشراف والمراقبة منع الإتلاف الذي حدث بزراعة مورث المستأنف عليهم الثلاثة الأول (الفريق الأول من المطعون ضدهم)"، وكان هذا الذي قرره الحكم صحيحاً في القانون ويؤدي إلى مساءلة الوزارة الطاعنة عن الفعل الخطأ للمقاولين باعتبارهما تابعين لها بما كان لها من سلطة فعلية عليهما بواسطة موظفيها أثناء قيامها بالعمل المتفق عليه ولم يقتصر عمل هؤلاء الموظفين على مجرد الإشراف الفني بل تجاوزه إلى التدخل الإيجابي في تنفيذ العملية حتى تمت وتسلمت الحكومة المصرف. لما كان ذلك وكان لا وجه للاحتجاج بأن الحكم لم يعمل مقتضى البند 55 من عقد المقاولة المبرم بين الطرفين فيما نص عليه من أن المقاول هو وحده المسئول عن الأضرار التي تصيب الغير من أخطائه وذلك إزاء ما حصله الحكم على النحو المتقدم من ثبوت السلطة الفعلية للوزارة الطاعنة على هذا المقاول في تسيير العمل. لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك أنه اكتفى في سبيل التدليل على تبعية مقاول المشروع للطاعنة بما قرره من أن هذه الأخيرة ناطت بالمهندس التابع لها مهمة الإشراف على العمل ورقابته وأنه كان من مقتضيات وظيفته أن يحول دون وقوع المقاول في أخطاء. وإذ لم يكشف الحكم عن سبب هذه التبعية ولم يبين مدى هذا الإشراف ومظهره وما إذا كان قد نتج عنه خطأ أثر في سير الأعمال وأدى إلى الإضرار بالغير أو أن هذا الإشراف اتخذ صورة التدخل الإيجابي من جانب الوزارة في عمليات التنفيذ الموكولة للمقاول فإنه يكون معيباً بالقصور وأضافت الطاعنة أن الحكم عول على ما شهد به ذلك المهندس من أن الوزارة ندبت أحد مهندسي المساحة لمعاينة زراعات أخرى غير الزراعة موضوع النزاع أصابها التلف بسبب أخطاء نفس المقاول وذلك تمهيداً لتعويض أصحابها. وإذ استخلص الحكم من ذلك تسليم الوزارة بمسئوليتها بالنسبة للواقعة موضوع هذه الدعوى، مع أنه بفرض أن الوزارة أبدت استعدادها لتعويض بعض أصحاب الزراعات فإنه لا يصح أن يعد ذلك تسليماً منها بتعويض سواهم، فإن الحكم يكون معيباً بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي بوجهيه مردود ذلك أنه لما كان الحكم قد أقام قضاءه بمسئولية الوزارة عن فعل المقاول الذي نجم عنه الضرر موضوع النزاع على ثبوت تبعية ذلك المقاول لها بسبب قيام سلطتها الفعلية عليه في الرقابة والتوجيه على النحو الذي جاء في الرد على السبب الأول، وكان هذا الذي قرره الحكم في حدود سلطته التقديرية سائغاً ويكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها، فإن النعي عليه بالقصور يكون على غير أساس. وإذ لا يؤثر في سلامة الحكم ما استطرد إليه بعد ذلك تزيداً عن تسليم الوزارة بمسئوليتها بناء على ما قرره المهندس الذي تولى الإشراف على تنفيذ المشروع من أن الوزارة أبدت استعداداً لتعويض أصحاب الزراعات الأخرى التي تلفت بفعل المقاول، فإن النعي على الحكم بفساد الاستدلال يكون غير منتج.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن بالنسبة لمن عدا المطعون ضده الرابع.
[(1)] راجع نقض 7/ 11/ 1967 - طعن 22 لسنة 34 ق مج السنة 18 رقم 243 ص 1614.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق